الراديو

كيف تكسب ثقة أبنائك في المرحلة العمرية الحرجة؟

استشارات تربوية يقدمها الدكتور وجدي عطية

أعدها للنشر: هارون محمد

الأسرة هي النّواة الأولى لبناء المُجتمعات بشكلٍ عام، وبصلاحها تصلح الأمم وتتقدم، خاصة إذا نجحت هذه الأسرة في تنشئة جيل صّالح فاعل في وطنه وفي مجتمعه.

وحتى تنجح الأسرة في مهمتها لا بد من أن يسودها جو من الحب والتفاهم والثقة بين أفرادها، فالثقة شعور هام ويعتبر ركيزة أساسية للعلاقات الناجحة في المجتمع، وبصفة خاصة علاقة الآباء والأمهات بأبنائهم.

ذلك لأن شعور الابن بالثقة في والديه وشعوره بثقة والديه فيه يساعده على تنمية شخصيته، بينما يؤدي غياب هذه الثقة في كثير من الحالات لظهور المشاكل الأسرية والنفسية والسلوكية عند الأبناء.

ولا شك أن أساس التربية الناجحة للأولاد، يقوم على منحهم الثقة باعتدال واتزان، بغية التقرب منهم وتربيتهم تربية سليمة وقويمة، خاصة في مرحلة الطفولة المتوسطة والطفولة المتأخر، التي تعتبر من المراحل التي تحتاج إلى اهتمام كبير من قبل المربين لأنها المرحلة الانتقالية الحرجة في مسار النمو.

ولكن كيف يمكن للآباء والأمهات أن يكسبوا ثقة أبناءهم فيهم، ويكسبوا أبنائهم الثقة في أنفسهم؟. للحديث حول هذا الموضوع استضاف برنامج “العيادة النفسية”، الذي يذاع عبر أثير راديو “صوت العرب من أميركا”، الدكتور وجدي عطية، أستاذ الصحة النفسية والسلوك بجامعة جورج واشنطن سابقًا.

ناقشت الحلقة العديد من المحاور المرتبطة بهذا الموضوع، وانتقل ميكرفون البرنامج إلى داخل بيوت عدد من الأسر العربية الأميركية، للتعرف على تجارب الآباء والأمهات العرب في تنشئة أبناءهم وبناتهم في المجتمع الأميركي، والتحديات التي واجهوها في هذا الإطار.

استمع لأبنائك

* دكتور وجدي.. دعنا نتطرق في البداية إلى طريقة التربية الصحيحة، فبعض الآباء والأمهات يطبقون المثل المصري الذي يقول “إن كبر ابنك خاويه”، بمعنى اجعله أخًا لك وأقم معه علاقة صداقة قوية، خاصة مع الأبناء في سن المراهقة، حتى تكون هناك ثقة، ولا يخفي الأبناء عن الآباء أي شيء، وتتم عملية بناء الثقة من خلال الإقرار بأن الصراحة هي أساس التعامل، فما رأيك في هذه الطريقة التربوية؟

** في الحقيقة أنا لا أريدك أن تنتظر حتى يكبر ابنك لكي تخاويه، فيجب أن يكون الوالدين هم أول من يستمع إلى الابن، بل ويجب أن يلعب معهما كما يلعب من أصدقاءه. وإذا كان مشغولاً في الدراسة، فعلى الوالدين أن يكونا قريبين منه عندما يعود من المدرسة.

وعندما يتحدث الابن، يجب على الوالدين أن يستمعا إليه، ويتجنبا إصدار الأوامر واستخدام كلمة التحذير “إياك كذا وكذا”، فهذه الكلمة تضع أسوار حديدية بين الوالدين وأبناءهم. ويجب أن نعلم أن الابن يقابل في المدرسة الكثير من الأشخاص الذين يتأثر بهم، بالإضافة لتأثره بما يشاهده في التلفاز، لذلك لابد أن نسمع لهم ونلاحظ وتحس بمشاكلهم ومتطلباتهم.

جو عائلي

أنا على سبيل المثال أتبع نظامًا معينًا في تربية أولادي، فلابد أن يكون هناك وقت نجتمع فيه على طاولة واحدة يوميًا لنتناول وجبة معينة. وعندما يجتمع أفراد الأسرة يتحدث كل شخص منا عما جرى له خلال يومه أو حتى يلقي نكتة.

فهذا النوع من التجمع الأسري يولد الارتباط العائلي الوجداني، ولا يوجد كلمة “يكفي يا ولد”، ولكن أقول له “الله، هذا كلام جميل، أو تصرف جميل، ويا ليتني فعلت مثل ما فعلت أنت عندما كنت صغير”.

وإذا قال الابن قولاً أو فعل تصرفًا غير جيد أقول له “تفتكر ما الذي يجب أن يُقال أو يُفعل بدلًا من الذي قلته أو فعلته”، وبالتالي أعطيه فرصة ليكون مستقلاً ويصل للحل، وأنا أيضًا أرتبه معه ولا أبخل بمعلومة أو نصيحة.

جيل مختلف

* دكتور وجدي، هناك مقولة لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه -رضي الله عنه- يقول فيها “لا تربوا أبناءكم كما رباكم أبائكم، فهم خلقوا لزمانٍ غير زمانكم”، كيف يمكن تطبيق هذه النصيحة في تربية أبنائنا في المجتمع الأميركي؟

** هذه النصيحة التربوية مهمة جدًا، ليس في المجتمع الأميركي فقط، وإنما في أي مجتمع، بما فيهم المجتمع المصري، فمثلاً في جيلنا لم يكن هناك تلفاز، واليوم هو متاح لدى الجميع. والسينما لم تكن تذهب إليها إلا مع والداك أما اليوم فالسينما مفتوحة لكل الأعمار.

وهذه النصيحة مهمة لأنه من الممكن أن تكون المشاهدة التي تراها، أو المعلومة التي تعطى لك معلومة خاطئة، فأحيانًا قد ينظر الإنسان إلى هذه المعلومة أو المشاهدة وينفذها ولا يناقشها؛ لهذا يجب أن نكون يقظين ونختار المكان والزمان والأسلوب المناسب لتوصيل المعلومة وتصحيحها وبدون تخويف أو ترهيب، فعليك أيها الأب أن توصل المعلومة، ولو كانت الإمكانيات التي لديك محدودة فهناك معلمون في المدرسة متخصصين في هذا الأمر.

التربية قديمًا

* ما هي نصيحتك لمن يتعامل مع أبنائه بنفس الطريقة التي كان يتعامل بها معه والديه، ويعتز بتربيتهما له؟

** تربيتنا في بلادنا قديمًا كانت تربية عظيمة، فقد تربينا على الاحترام والتنوير بالذي يمكن أن يحصل، وما يمكن أن تحس به، والذي يمكن أن تعمله أو تتفاداه، لأنه أي شيء خطأ من الممكن أن يؤدي إلى خطأ آخر.

والتعليم ليس حملًا ثقيلًا حاليًا فقط بل منذ القدم، وهذا الذي لاحظناه في تربيتنا، فالأب مَرّ بالظروف التي يمر بها أولاده حاليًا، لذلك فعلى الأب أن يعطي أولاده فرصة أفضل للتنوير بما سيحدث في الغد، وذلك بأن يقول لهم من الممكن أن يحدث كذا وبعده كذا.

فإن كان لديك خبرة، أو لديك معلومة ولا تستطيع أن توصلها لأبنائك، فأستعن بتعليم الرعاية الصحية الأولية، أو بأحد في العائلة لديه خبرة في توصيل المعلومة، بدلًا من أن يأخذ الابن المعلومات من أصدقاءه.

سن البلوغ

* هناك دكتور مرحلة سنية يصعب على الآباء والأمهات التعامل فيها مع أبنائهم، وهي مرحلة البلوغ، فبماذا تنصحهم؟

– على الآباء أن يستعدوا جيدًا للتعامل مع أبنائهم عندما يصلوا إلى سن البلوغ، حتى يمكنهم إخبارهم بالتطورات الجسمانية والنفسية التي تحدث لهم، وطبيعتها وكيفية التعامل معها. ولا يقل دور الأب عن دور الأم في هذه المرحلة، فمن المهم أن يتقبل الأبناء أنفسهم في تلك المرحلة التي يمرون بها لكي يحافظوا على أنفسهم، وهذا مهم جدًا، والأهم هو القيام بهذا الدور دون تخويفهم من شيء والأخذ بأيديهم حتى يتجاوزا هذه المرحلة ويصلوا إلى بر الأمان.

فأحيانًا يخبر الأبناء أبائهم بأمور قد تكون الإجابة عليها صعبة، حيث يخشى الابن مصارحة أبيه في بعض الأمور، كما يخشى الأب أن يتحدث معه فيها، والأفضل في تلك الحالة بالنسبة للأب أن يثقف نفسه بطريقة سليمة ويراجع معلوماته، ليكون لديه إلمام كافي بالأمور التي سيتحدث فيها مع أبنائه.

 وإن كان الأب لا يعلم كيف يجيب على أسئلة ابنه فعليه مراجعة طبيب العائلة، وأن يخبره أنه “حدث مع ابني أو ابنتي كذا وكذا، وسألني عن هذه الأمور، فما هي الإجابة الصحيحة التي يمكن أن أقولها له؟”، فجميعنا نقع في مثل هذا المأزق .وإن كنت لا تريد أن تسأل الطبيب، فاسأل أخاك أو أختك أو أي شخص تثق فيه، ولكن في النهاية أنصحك بالذهاب لسؤال الطبيب لأن لديه معلومات صحيحة وكافية في هذا المجال.

الثقافة الجنسية

* دكتور دعنا نتطرق إلى موضوع حساس يطرحه العديد من الآباء والأمهات العرب في أميركا، وهو تحفظهم المبدئي على تعليم الثقافة الجنسية لأطفالهم في المدرسة، ويفضل العيد من الآباء والأمهات أن يكونوا هم مصدر هذه المعلومات بدلًا من أن ينقلها لهم رفقاء السوء بشكل خاطئ، وبعضهم يفضل قراءتها لهم من الكتب ومناقشتها معهم بصراحة، فما هو رأيك كمختص في مجال الصحة النفسية حول هذا الأمر؟

** في الحقيقة هذه طريقة ممتازة، فإذا قام الأب والأم  بهذا الدور من خلال دراسته جيدًا، وتقديم المعلومات بطريقة سهلة وصحيحة للأبناء دون خوف أو ترهيب فهو أمر جيد ومفيد ولا غبار عليه من الناحية التربوية.

لكن يجب ألا نترك أبناءنا يلجئون لمصادر خارجية خاطئة يعتمدون عليها في الحصول على الثقافة الجنسية، كالأصدقاء مثلاً، ففي بعض الأوقات لا يكون الأصدقاء صالحين، ولذلك على الأب أن يكون سباقًا ويتحدث عن الحياة الجنسية في الفترة المناسبة، أي قبل أن يصل الأبناء إلى المرحلة الثانوية، وبطريقة سهلة، ونفهمهم أن هذه طبيعة خلقها الله فينا وعلينا أن نحافظ على أنفسنا، لأننا بحاجة لهذه الأشياء لاحقًا.

وعلى الأب أن يوضح لأبنه أن الاستخدام الخاطئ لقدراته الجنسية سيؤثر عليه بالسلب صحيًا ونفسيًا واجتماعيًا، وأن ينصحه ويساعده على ممارسة الرياضة والاندماج في الحياة الاجتماعية والرحلات والتفكير في المستقبل.

ولا بد أن يوضح له أن العلاقات الجنسية العابرة أمر في منتهى الخطورة، فهي تؤدي إلى أمراض كثيرة، ويمكن أن تؤدي إلى منع التناسل لاحقًا، فكل شيء له مساوئه، ومن ثم إن كان هناك أي استفسار من جانب الأبناء فالآباء يجب أن يستعدوا ليناقشوه معهم، وليخبروا الأبناء بالذي يجب أن يعملوه لتفدي أشياء تصعب على الأبناء تفاديها، فإذا لم يقل الأب لأبنه هذا الكلام فهذا يعتبر في منتهى الخطورة.

وعليك أيها الأب أن تكون سعيدًا عندما يفتح الابن أو الابنة معك مواضيع لم تعتد عليها، وإن لم تستطع أن تتصرف فعليك أن تسمع، ومن ثم تقول لهم سأسأل وسأرى ما الذي يجب فعله، ومن ثم تسأل وتناقش أبناءك، وكلمة “اسكت يا ولد” هذه ليست جيدة، لأن الابن سيذهب ليسأل أصدقائه، ومن ثم لا تعلم أنت مِمَن سيأخذون المعلومة، وهذه النقاشات تفتح الباب لعلاقة متينة بين الوالدين والأبناء أو حتى الأحفاد.

صغير على الحب

* كيف يمكن للوالدين من خلفية ثقافية ودينية من العالم العربي مناقشة موضوع الحب مع أبنائهم بطريقة عملية ومقنعة وليس بطريقة قهرية؟

** الحب ليس فيه أي قهر، فهو عبارة عن نوع من الإحساس لابد علينا أن نتقبله، ولكن نتيجة الثقافة الخاصة بنا نعتبر أنه لا يجب الحديث مع الأبناء عن الحب، أومن العيب الحديث عنه، وبالتالي يكون هذا الأمر سرًا بالنسبة للأبناء، وهذا يؤدي إلى أن الابن يتجه لأخذ النصيحة من شخص عديم الخبرة من الممكن أن يؤذي ابنك بأفكاره السيئة، أو يشجعه على القيام بأعمال سيئة.

ولا بد أن يعتبر الأب أن هذه فرصة لأن ينبه أولاده سواءً بنين أو بنات، ويقول لهم إنه في سن البلوغ أحيانًا قد تشعر بإحساس أنك مرتبط أو مرتبطة بشخص، وتشعر بأن هذا ارتباط روحاني، وتشعر بأن عقلك يفكر كثيرًا في هذا الشخص، وهذا قد يمنعك عن الاهتمام بالدراسة أو أشياء أخرى مهمة، لأن بالك أصبح مشغولًا بهذا الشخص.

حب النفس

كما يجب أن نوضح لهم أنه ليس كل شيء يسمى بالحب وبالعلاقات الجنسية، فهناك أشياء أسمى من هذا، وهو أن تحب نفسك أولًا، وأن ترى نفسك في المكان الذي تريده، ولا أقصد بذلك الأنانية، ولكني أقصد عندما تكون شخصًا جيدًا فكل من حولك يكون جيد، والعكس صحيح.

فيجب على الابن أن يدرك أنه من المهم جدًا أن يركز على نفسه أولًا، فعندما يكون شخص له قيمة، سينظر المجتمع إليه بنظرة مليئة بالتقدير وهذا يعطيه فرصة لأن يحقق آمال أفضل في العلاقات الأخرى.

وعليك ألا تدني من نفسك، ولا تجعل من نفسك أقل من أحد، وذلك من خلال أن تعمل على تطوير نفسك، فعندما ترى شخصًا جيدًا عليك أن تسبقه، فلا يوجد لديه شيء يتميز به أكثر منك، فكلاكما لديه نفس العينين والأذنين، ونفس القدرة على المذاكرة، فحاول أن ترى ماذا تريد أن تحقق.

هدف محبوب

سأعطيك مثالاً عن نفسي، كان لدي خال يعمل طبيب، وعندما كان يدخل إلى المنزل كان كل الأشخاص يلتفون حوله، وبعد ذلك أصبحت أختي الكبيرة طبيبة، وهذا جعلني أحب مهنة الطب، وأعطاني حافزًا لأن أكمل مشواري حتى أصبح طبيبًا، ولا يتمثل هذا الحافز في الماديات، فالذي يريد الماديات يمكن أن يعمل في التجارة، فمجال الطب يعطي ويأخذ، ويساعد الإنسان الذي لا يستطيع أن يعمل شيء على أن يعمل.

فأنا بدأت حياتي المهنية في تخصص نساء وولادة، وكنت أفرح عندما تنجب امرأة لم تكن تنجب مسبقًا، وبعدها شعرت أن هناك مجال آخر يمكن أن يجعلني أساعد الناس أكثر، خاصة مع انتشار البلهارسيا في بلادنا، فعملت كأخصائي باطني، وقمت ببحوث عن الجهاز المناعي.

وبعدها وجدت أن العقل أسطورة كبيرة، وقررت أن أستكشف العقل لمدة سنة، كنت أعمل فيها على أشياء خاصة بالعقل، ثم بعد ذلك عملت في مجال الصحة النفسية ونجحت فيه، وذلك على الرغم من نصيحة أشخاص مقربين لي أن أتجنب هذا المجال، ولكن كان لدي هدف أردت تحقيقه، وحققته بالفعل.

* في نهاية هذا اللقاء نشكر الدكتور وجدي عطية، شكرًا لك دكتور، وإلى هنا أيها الأصدقاء تنتهي حلقتنا من برنامج “العيادة النفسية” مع الدكتور وجدي عطية، وحتى نلتقي الأسبوع القادم إن شاء الله لكم منا أطيب الأمنيات.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

لمتابعة اللقاء عبر اليوتيوب :

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

وللاستماع الى اللقاء عبر الساوند كلاود :

 

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى