الصحة والصيام.. كيف تديرون صحتكم بشكل أفضل خلال رمضان
أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
لقاء هام مع الدكتور طارق أبو غزالة، استشاري أمراض القلب والقسطرة، رئيس قسم أمراض القلب والأوعية وعضو مجلس الأمناء بمستشفى ستونز سبرينغز (فرجينيا)، وعضو مجلس إدارة الجمعية الطبية السورية الأمريكية في واشنطن.
اجاب خلاله على العديد من الأسئلة منها كيف نحافظ على صحتنا خلال شهر رمضان؟، وماذا يقول خبراء الصحة بشأن فوائد الصيام للأشخاص الأصحاء؟، وماذا عن صوم أصحاب الأمراض المزمنة والحوامل والمرضعات وكبار السن؟، هل الصيام آمن بالنسبة لظروفهم الصحية؟، وما هي أفضل طريقة ندير بها صحتنا خلال شهر الصيام؟
فوائد الصيام
* نبدأ حديثنا بشكلٍ عام؛ ما هي فوائد الصيام الصحية؟
** أنا أعتبر ان أهم فائدة في شهر رمضان هو أنه يأتي ليكسر الروتين الموجود قبله في 11 شهرًا سابقًا، فكل شيء يتغيّر؛ وقت النوم والاستيقاظ وأوقات وعدد وجبات الطعام، ثانيًا أن الصيام المتواصل طوال نهار رمضان يوقف الأفعال الهضمية ويريح الجسم خلال تلك الفترة ضمن روتين لشهر كامل، وهذا مفيد للصحة، وهناك دراسات عديدة تتحدث عن فوائد الصيام.
والآن نجد هناك ما يُعرف بالصيام المتقطع والذي يمارسه الناس باقي شهور السنة، لما فيه من فائدة للجسم، والله تعالى يقول في كتابه العزيز: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، فالصيام فُرِضَ على المسلمين وعلى من قبلهم من الديانات السماوية الأخرى.
بعض الناس يشعرون في أول أيام رمضان ببعض الصداع، لا سيما من يحتسون القهوة بكثافة، وذلك بسبب انخفاض كمية الكافيين التي تدخل أجسامهم، وأنا هنا أنصح هؤلاء بالتوقف تماما عن شرب القهوة خلال رمضان ليكتشفوا أن هناك منافع كبيرة وراء ذلك، منها تحسن النوم، فالكافيين من المنبهات المؤذية وفقًا لعدة دراسات أجريت من كبرى الجامعات.
هناك كتاب مترجم للعربية عنوانه: لماذا ننام؟، “Why we sleep?”، لمؤلفه ماثيو واكر، رئيس قسم مخابر النوم في جامعة ستانفورد، في هذا الكتاب يضع أهم سبب لنقصان النوم وما يتبعه من تدهور في صحة الإنسان، هو تناول الكافيين.
* هل تتغير الحالة الجسدية والنفسية للصائم خلال رمضان؟
** نعم، هذا صحيح ودقيق، فإلى جانب الفوائد الجسمانية التي يحصل عليها الفرد، هناك فوائد نفسية تأتي من الحالة الروحانية التي يدخل فيها الفرد، إلى جانب أن الصيام نفسه والامتناع عن الطعام يكون له انعكاسات إيجابية على الحالة النفسية.
الحفاظ على الصحة
* كيف نستغل هذا الشهر الكريم لنحافظ على صحتنا خلال شهر رمضان المبارك؟
** نحن أمام “أيام معدودات” كما وصفه الله (عز وجل)، وهذه الأيام ثمينة جدا ويجب أن نستثمرها في أفضل ما نستطيع فعله، هذا الشهر مثل كل شهور العام من حيث أن الإنسان سيأكل وينام ويذهب إلى العمل، فقط سيصوم لفترة معينة من اليوم، الغريب أن بعض الناس يعتقدون أن إنتاجيتهم ستقلّ خلال هذا الشهر، وهذا غير صحيح.
يجب أيضا أن يستفيد الناس من وقت رمضان فيما ينفعهم من عبادة وعمل، وليس مشاهدة المسلسلات والبرامج طوال الوقت، وليس لتناول الطعام طوال الليل حتى يُصابوا بالتخمة، وليس للنوم طوال الوقت، بل لأخذ ما يكفينا من النوم فقط، مع ضرورة مواصلة التمارين والنشاط البدني خلال رمضان أيضا، وعدم إيقاف الرياضة.
شهر الصيام هو بمثابة شهر لدورة تدريبية لشحن الهمة وتهذيب الأخلاق مثل كظم الغيظ والغضب، وانطلاقة جديدة بمعنويات جديدة وأخلاقيات جديدة للإنسان يستمر بها حتى رمضان التالي.
* بالتزامن مع هذا كله؛ كيف نحافظ على صحتنا في ظل عادتنا الغذائية المتبعة، والتي تكون في بعض الأحيان عادات غير صحية؟
** هناك كتاب اسمه “ثورة الجلوكوز”، فنحن من 20 أو 30 سنة كان لدينا انطباعًا معينًا تجاه قضية الحمية الغذائية والغذاء المفيد منها وغير المفيد، هناك الآن دراسا حيوية ودراسات غذائية كثيرة توصلت إلى فك واكتشاف عناصر معينة في الغذاء هي التي تؤدي إلى قضية المزاج والتخمة والأمراض نفسها.
عند لحظة الإفطار، يكون مستوى الجلوكوز هو أقل ما يكون، لذلك فإن الإنسان يكون بحاجة إلى رفع الجلوكوز بعض الشيء، ولكن يجب ملاحظة أن رفع الجلوكوز يرفع معه هرمون الأنسولين الذي له آثار جانبية خطيرة، لذلك لا بد أن يكون ارتفاع منحنى الجلوكوز خفيفًا حتى يكون ارتفاع منحنى الانسولين بالتبيعة خفيفًا أيضا، ونحن هنا نتحدث عن الإنسان الصحيح وليس مريض السكري الذي لديه خلل بالفعل في هرمون الأنسولين.
نظام غذائي مناسب
* ما هي الطقوس الأفضل للإفطار في رمضان؟
** سأعطيكِ تجربتي الشخصية، والتي ينزل بفضلها وزني حوالي 25 باوند خلال رمضان، عند الإفطار لا أتناول أي كربوهيدرات؛ مثل الخبز والأرز وغيرهما، وأركز على الخضروات والسلطة وبعض الشوربة، وأبدأ إفطاري بـ 3 تمرات وكأس مياه، وأتناول البروتين من خلال اللحوم الحمراء أو الدجاج أو السمك، وأن تكون الكميات معقولة.
من فترة الإفطار وحتى السحور لا أتناول أي شيء أبدًا، وقد أذهب إلى العمل للمناوبة خلال تلك الفترة، وعندما أعود أحصل على قدرٍ كافٍ من النوم، وأستطيع الاستيقاظ للسحور بشكل سلس نظرًا لعدم وجود الكافيين وأخذ كفايتي من النوم، وقد أحصل على بعض السكريات من خلال الفواكه الطازجة. هذه الحمية الغذائية تحتاج إلى الصبر والإرادة، تماما كما أن الصيان نفسه بحاجة إلى الصبر والإرادة.
* ماذا عن ممارسة الرياضة مع هذا النظام الغذائي الرائع؟
** يمكن ممارسة الرياضة قبل الإفطار بفترة، ساعتين على سبيل المثال، صحيح أن ذلك سيكون به بعض المشقة، ولكن سرعان ما سيتم تعويض تلك السوائل والسكر اللازم، ولا يجب ان يكون النشاط الرياضي قاسي، يكفي الخروج للمشي حول المنزل قبل الإفطار.
رُخص الإفطار
* هناك بعض الأشخاص الذين يصرّون على الصيام رغم أن طبيبهم لا يوصي بذلك، فما ردك على هذه الشريحة من الأشخاص؟
** أنا طبيب قلب، وأصادف هذه الشريحة كثيرًا ضمن مرضاي، بعضهم أشجعهم على الصيام، ولكن فقط أغيّر لهم مواعيد الدواء، ولكن هناك شريحة وهي الأكثر مرضًا ولا يستطيعون الصيام، بالرغم من ذلك فإن مرضى هذه الشريحة يرغبون بشدة في الصيام، وفي هذه الحالة أذكرهم دائما بأن من فرض عليهم الصيام وكتب عليهم المرض هو الله رب العالمين، وهو ذاته (جل شأنه) من أعطاهم الرخصة بالإفطار بسبب هذا المرض.
وبالعموم فإن شرائح المرضى الذين لا يستطيعون الصيام هم؛ مرضى السكرى من النمط الأول، فهؤلاء لا يستطيعون الصيام لأنهم لا يفرزون أنسولين وبالتالي سيرتفع السكر بشكل كبير وسيكون لذلك عواقب سلبية كبيرة عليهم، وكذلك هناك مرضى الفشل الكلوي، ومرضى القلب الذين يجب أن يتناولوا أدويتهم في أوقات معينة.
هناك أيضا الحامل والنفساء والمُرضع، إذا كانت هناك أذية على الطفل سواء كان في بطنها أو ترضعه، فإنها أيضا لا يُطلب منها الصيام، ولهن أحكام فقهية خاصة، وكذلك المسنين ضعاف الأجسام بشدة.
نصيحة أخيرة
* إذا أردنا أن نختم معك هذا اللقاء الممتع بنصيحة تعطيها لمستمعينا الكرام بخصوص الصيام وشهر رمضان المبارك.
** الغرض من شهر رمضان الفضيل، هذا الكورس الإيماني والصحي، أن نصل إلى نهايته ونحن على أفضل حال وأن نصل إلى يوم 1 شوال؛ يوم العيد، وقد فزنا بالجائزة، علاقتنا مع الله سبحانه وتعالى قد باتت أفضل، وصحتنا أيضا تكون قد تحسّنت بعدما صرنا نتبع نمط غذائي أفضل.