الراديورمضان

كيف نغتنم العشر الأواخر من رمضان.. وكيف نحيي ليلة القدر؟

تقديم: د. عبدالجليل منصور ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

حلقة خاصة مع فضيلة الدكتور عبدالجليل منصور تضمنت الحلقة العديد من المحاور الهامة من بينها فضل العشر الأواخر من رمضان، وكيفية الاجتهاد فيها والإكثار من أعمال الخير، والأعمال المستحبة في هذه الأيام المباركة، وكيف نتحرى ليلة القدر ونفوز بها، وفضل الإنفاق والصدقة والزكاة في رمضان.

يُذكر أن الدكتور عبدالجليل منصور، هو مهندس ميكانيك، وحاصل على ليسانس في اللغة العربية والدراسات الإسلامية، ودبلوم في الفقه، وخطيب سابق في مساجد دمشق، وخطيب حالي في عدة مساجد بولاية ميشيغان.

أفضل أيام العام
بدأ الدكتور عبدالجليل منصور الحلقة بالحديث عن فضل وقدسية أيام شهر رمضان، لا سيما الأيام العشر الأخيرة منه، والتي تبدأ بليلة الواحد والعشرين من رمضان وتنتهي بعيد الفطر المبارك، حيث بارك الله فيها وقال عنها رسول الله ﷺ: “قَد جاءَكُم رمضانُ شَهْرٌ مبارَكٌ افترَضَ اللَّهُ عليكُم صيامَهُ تُفتَحُ فيهِ أبوابُ الجنَّةِ ويُغلَقُ فيهِ أبوابُ الجحيمِ وتُغلُّ فيهِ الشَّياطينُ فيهِ ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شَهْرٍ مَن حُرِمَ خيرَها فقَد حُرِمَ”.

وقد قال تعالى في كتابه الكريم في حق الشهر كله: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ”، وتعدّ الأيام العشر الأخيرة منه هي صفوة الصفوة، وخلاصة هذا الشهر الكريم المبارك، ويكفي أن فيها ليلة القدر التي هي خيرٌ من ألف شهر، وقد بيّن العلماء أن العشر الأواخر من رمضان وعشر ذي الحجة هي أفضل أيام العام على الإطلاق.

وقد لفت العلماء أيضا إلى أن ليالي العشر الأواخر من رمضان هي أفضل ليالي السنة على الإطلاق، وأفضل ليالي العشر هي ليلة القدر، وقد ورد عن السيدة عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي رَمضانَ مَالا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ، وَفِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ منْه مَالا يَجْتَهدُ في غَيْرِهِ”، ومعنى الاجتهاد هو الحث على الإكثار من البر ووجوه الطاعات في شهر رمضان عامةً، وفي العشر الأواخر منه خاصةً.

فضل الاعتكاف
كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر في مسجده المبارك، فيقضي وقته كله في المسجد في عبادة لله (عز وجل)، ومعنى الاعتكاف هو الانقطاع عن الانشغال بالخلق وتفريغ القلب من أمور الدنيا والاشتغال بعبادة الله وحده، والتفكر في تحصيل رضاه وما يقرّب منه، وقال بعضهم إن الاعتكاف هو قطع العلائق عن كل الخلائق للاتصال بخدمة الخالق، وقال آخر إن الاعتكاف هو تفرغ للعبادة وال1كر والدعاء، في مسجدٍ من المساجد، رضًا لله ومحبةً فيه (سبحانه وتعالى).

وقد وصف عبدالله بن عباس، رسول الله ﷺ فقال: “كان رسول الله ﷺ أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسول الله ﷺ حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة”، وعن السيدة عائشة (رَضَيَ اللَّه عَنْهَا) قَالَتْ: “كَانَ رسُول اللَّهِ ﷺ إِذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رمَضَانَ، أَحْيا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَه، وجَدَّ وَشَدَّ المِئزرَ”.

فضل ليلة القدر
قال تعالى في كتباه الكريم: ” إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ”، وقال النبي ﷺ: “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”.

وعن أم المؤمنين عائشة (رضي الله عنها) قالت يا رسول الله: أرأيت إن علمت أي ليلةٍ ليلةَ القدر ما أقول فيها؟، قال: قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني”، والعفو هو التجاوز عن الذنب وترك العقاب.

إنها ليلة عظيمة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون من السماء، وقد قال النبي الكريم عن تلك الليلة: “إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى”، ففي هذه الليلة تنزل القرآن على نبينا الكريم، وتنزل فيها رحمات ذات قدر، وملائكة ذوي قدر، وفيها يتزين العباد بالطاعات، فهم صائمون وقائمون وعاكفون.

وقال الطبري (رحمه الله): “عمل في ليلة القدر خير من عمل ألف شهر، ليس فيها ليلة القدر”، إنها ليلة لا يخرج الشيطان معها، وقال النبي الكريم: “ولا يحل للشيطان أن يخرج معها يومئذ”، وقال ابن عباس: “في تلك الليلة تصفد مردة الجن، وتغل عفاريت الجن، وتفتح فيها أبواب السماء كلها، ويقبل الله فيها التوبة لكل تائب”.

الأعمال المستحبة
اقتصاءً برسول الله الذي كان يجتهد في العشر الأواخر من شهر رمضان، فإن علينا أن نكثر من الأعمال الصالحة التي تقربنا من الله (عز وجل)، ومن الأعمال المستحبة في هذه الأيام: إخلاص النية لله واستحضار نية قيام العشر الأواخر، وأقلها حضور صلاة العشاء والفجر في جماعة لمن استطاع.

قالي النبي ﷺ: “إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى”، ولا يخفى أن الحصول على الثواب العظيم يحتاج إلى اجتهاد وتشمير، لا سيما في هذه العشر الأواخر من رمضان، وأنه كلما زاد العبد من الصلاة زاد أجره، ومن الأعمال المستحبة أيضا البعد عن المشاحنات وزرع المحبة والتعاون والألفة بين الناس، خاصةً وأن الخلاف من أعمال الشيطان مصداقًا لقوله تعالى: “إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ”.

ومن المستحب أيضا؛ الإكثار من ذكر الله والصلاة على رسول الله، فمن أحب شيئًا أكثر ذكره، فكيف بالمحب لله (عز وجل)، وقد قال تعالى في كتابه الكريم: “فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ”، وصح عنه ﷺ أنه قال: “من صلّى عليّ واحدة صلّى الله عليه بها عشرًا”، وكذلك من المستحب كثر التضرع والإلتجاء إلى المولى (عز وجل)، فالله قريب من عباده ويستجيب دعوة المخلصين.

وعلينا أن نطلب من الله في هذه الأيام العفو والمغفرة، وعن أنس (رضي الله عنه) أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ عَادَ رَجُلًا مِنَ المُسْلِمِينَ قدْ خَفَتَ فَصَارَ مِثْلَ الفَرْخِ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ ﷺ: هلْ كُنْتَ تَدْعُو بشَيءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إيَّاهُ؟ قالَ: نَعَمْ؛ كُنْتُ أَقُولُ: اللَّهُمَّ ما كُنْتَ مُعَاقِبِي به في الآخِرَةِ، فَعَجِّلْهُ لي في الدُّنْيَا، فَقالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: سُبْحَانَ اللهِ! لا تُطِيقُهُ -أَوْ لا تَسْتَطِيعُهُ- أَفلَا قُلْتَ: اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً، وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، قالَ: فَدَعَا اللهَ له، فَشَفَاهُ.

طلب العفو والمغفرة هو دعاء الأنبياء والصالحين منذ آدم عليه السلام، وعفو الله ورحمته ومغفرته خيرٌ من كل ما يجمعه الإنسان، قال تعالى: “لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ”، وقال أيضا: “وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ”، كما يُستحب إخراج الصدقات وإطعام المساكين والفقراء.

وفي حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: “مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومَن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبدُ في عون أخيه”.

تحري ليلة القدر
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: “مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”، لذا على كل مسلم أن يعظم هذه الليلة وأن يحييها بقدر استطاعته، وقد أبلغنا النبي ﷺ أن ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، وقد دلّت الأحاديث الصحيحة أن هذه الليلة متنقلة في العشر وليست في ليلة معينة منها، فقد تكون في ليلة 21 أو 23 أو 25 أو 27 أو 29 من رمضان.

وكان النبي وصحابته الكرام يعظمون العشر الأواخر، لذا على كل مسلم أن يتأسى بالنبي الكريم ويجتهد في تلك الليالي العشر، وأن يكثر من الطاعة والعيادة، وأن يجتنب الذنوب والمعاصي طمعًا في رحمة الله ومغفرته، يقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: “الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان كفارات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر”، وعلى المسلم أن يعزم عزمًا قويًا على ترك المعاصي وعدم العودة إليها مطلقًا بعد انتهاء شهر رمضان.

زكاة وصدقة وخير
تعود كثيرٌ من المسلمين في أقطار الأرض قاطبةً على إخراج زكواتهم في رمضان، وخاصةً في أيام العشر كي يناولوا الأجر والرضا من الله (سبحانه وتعالى)، وبذل المال والزكوات والصدقات هي من الأمور التي ترفع درجات المؤمن عند ربه وتقرّه منه (سبحانه وتعالى)، وفيها ينال الأجر والثواب، قال تعالي: “وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ۚ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ”.

كما حثّنا الإسلام على بر الأقارب ومواساتهم والإحسان إليهم وتفريج همومهم وإدخال السعادة عليهم، وقد بيّن لنا الحق سبحانه وتعالى أن عدم تفقد الأقارب والأرحام وإعانتهم بالمال وغيره هو من إساءة الأدب معهم، وهو قرين الفاسدين في الأرض، يقول تعالى: “فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَٰئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَىٰ أَبْصَارَهُمْ”.

وقال رسول الله ﷺ: “إن الله ليعمّر بالقوم الديار ويثمر لهم الأموال وما نظر إليهم منذ خلقهم بغضاً لهم، قيل وكيف ذلك يا رسول الله قال بصلتهم لأرحامهم”، والأرحام الذين يجب على المسلم مساعدتهم أولًا هما الوالدان، ووالديهم وإن علوا، والأولاد وأولادهم وإن نزلوا، والإخوة وأولادهم، والأخوات وأولادهن، والأعمام والعمّات والأخوال والخالات، ثم كل قريب للإنسان لسبب من الأسباب هو من أرحامه ويجب صلته.

ويجب على الإنسان أن يبحث عن الأصدقاء ليرى من منهم بحاجة للمساعدة، كما يجب أن يبحث عن المحتاجين من الأرامل واليتامى والفقراء، فهذا باب كبير من أبواب الثواب والحسنات لا سيما في الأيام العشر الأخيرة من رمضان، وقد ورد عن رسول الله ﷺ قوله: “الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد، وكالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر”، وفي الحديث يقول ﷺ: “أنا وكافل اليتيم كهاتين”، وأشار إلى السبابة والوسطى.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى