رأي

هل الصين مرشحة لقيادة العالم؟

مروان سمور

تصاعدت قبيل ظهور فيروس كورونا دعوات وتحليلات كثيرة تبشر بأفول العصر الأمريكي والعصر الغربي برمته، والمنظومة جميعها، بما تحمله من منهج اقتصادي وسياسي وثقافي وحتى منهج حياة،

كما تبشر بأن عوامل الضعف والانتكاس لهذا العصر ظاهرة عليه، وما هي إلا مسألة وقت فقط حتى يسدل الستار على نهايته.

وبالمقابل تبشر بأن الصين قادمة بقوة وحاضرة لأخذ زمام الأمور، وبأن العصر الصيني سيكون قريب جدًا، وأصبح واقعًا ملموسًا، وبأن نظامًا عالميًا جديدًا بات على الأبواب .

ولكن هذه الدعوات تزايدت بقوة في الفترة الأخيرة، بعد ظهور هذا الفيروس وتفشيه في جميع أنحاء العالم، وبعد معاناة شعوب ودول العالم جميعها، وعجزهم عن التصدي لهذا الوباء الخطير.

تجربة من التاريخ

خرجت القوى الاستعمارية الكبرى كبريطانيا وفرنسا بعد الحرب العالمية منهكة اقتصاديًا. فقد ترتب على هذه الحرب تدمير الاقتصاد الأوروبي وانهياره وكساده إلى حد كبير، مما أدى إلى انتشار الفقر والبطالة بشكل واسع.

وأصبحت بلاد القارة البيضاء معظمها مدمر، وآثار الحرب بادية على معظم مدنها، وملايين من القتلى من شعوبها، فأضحت شعوبها كارهة للحروب أو التدخل في شؤون الآخرين وتجدد الصراع مع الدول الأخرى.

فكان هناك استلام وتسليم من هذه الدول (بريطانيا وفرنسا) إلى الولايات المتحدة (التي خرجت بعد الحرب بأقل الخسائر، وتملك اقتصادًا يوازي أو يمثل أكثر من 50% من الاقتصاد العالمي)، وخصوصًا أن الولايات المتحدة هي من قدمت المساعدات عام 1948 بنحو 13 مليار دولار لهذه الدول وغيرها من الدول الأوروبية الحليفة لإعادة تعميرها، عبر ما يعرف بمشروع مارشال، بهدف التعافي من أثار ما بعد الحرب .

والسؤال الذي أصبح ملحًا والأكثر حضورًا هو: هل ستقوم الصين بعمل مبادرة ومشروع مارشال صيني (كناية عن مشروع مارشال الأمريكي عام 194) لإنقاذ اقتصاديات العالم، والذي سيمر – في القريب العاجل – بأزمة اقتصادية عالمية وحالة انكماش اقتصادي، ونقص في السيولة.

وستجد العديد من دول العالم، أنفسها منهكة اقتصاديًا ومضطرة لطلب دعم مالي كبير وقروض من الصين، والتي خرجت بعد الأزمة سليمة ماليًا ومتعافية اقتصاديًا، حيث تملك احتياطات تقدر بأكثر من ثلاثة تريليونات دولار

فرصة للصين

ظهرت الصين كقوة عالمية إثر سيطرتها المبدئية على انتشار الفيروس في مدنها، ونجاحها في محاصرته وخاصة في مدينة ووهان (المدينة التي أول ما ظهر بها فيروس كورونا) وأصبحت الآن في مرحلة الخروج نحو التعافي .

وبرزت الصين كذلك كدولة مسؤولة وكمنقذة للعالم في هذه الأزمة، وذلك إثر تقديمها مساعدات سخية للدول الفقيرة والغنية على حد سواء، في سبيل مكافحة الفيروس .

وفي المشهد المقابل نجد موقف الولايات المتحدة الأمريكية الذي انتابه الضعف والقصور الشديد في هذه الأزمة. فقد أصبحت عاجزة عن التحرك لإنقاذ العالم من هذه الجائحة. وعدم تقديمها أي مساعدة تذكر لدول العالم أو حتى لأقرب حلفائها، كما فعلت الصين بالمقابل .

وفي الوقت نفسه وجدنا هناك أصواتًا قوية تقول: بأن الفرصة باتت مهيأة وبقوة لاستلام الصين زمام القيادة العالمية من يد الولايات المتحدة.

الخاتمة

بلا شك أن الصين استطاعت أن تنتقل خلال 40 عامًا، من بلد يعاني 90 بالمائة من سكانه من الفقر والتخلف والعوز، إلى ثاني أكبر اقتصاد صناعي في العالم، وليصبح مصنع العالم – كما يقولون- وحجم صادرات تتجاوز تريليوني وأربعمائة مليار دولار عام 2019. واستطاعت بمعجزة أن تخرج 850 مليون شخص من الفقر، وتحولهم إلى أشخاص منتجين وفاعلين .

وبالرغم من كل ذلك، فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل تستطيع الصين بهذه الموازنات والمعادلات، أن تشكل بديلًا معقولًا وقويًا عن دولة بحجم الولايات المتحدة فضلًا عن حلفائها، وهل يؤهلها كل هذا لتكون هي سيدة العالم، واستلام زمام الأمور من الولايات المتحدة، ومن ثم بناء نظام عالمي جديد وهندسته وفق رؤيتها؟


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى