رأي

البرقع وسيدة “صندوق البريد” المتسامحة

بقلم: معن الحسيني (*)

ترجمة: مروة مقبول – راديو صوت العرب من أمريكا

أثارت ملاحظات مهينة لمسئول بريطاني حول ارتداء “البرقع” (غطاء الوجه) عاصفة من الانتقادات، وفتحت مجالاً للنقاش حول حدود الدين والسياسة والتسامح في المجتمعات الغربية، وقد تناول الكاتب الصحفي معن الحسيني الجانب العنصري في هذه القضية.

وقبل الخوض في تفاصيل المقال الذي كتبه معن الحسيني حول هذا الموضوع، تعالوا نعرف ما الفرق بين كل من البرقع والنقاب.

فالبرقع يعتبر اللباس الإسلامي الأكثر إخفاءً للوجه، حيث يتضمن إخفاء العينين أيضًا، مع استخدام قماش ذو سمك أقل للسماح لمن ترتديه بالرؤية. أما النقاب فيختلف عن البرقع بكونه يغطي الوجه مع ترك مساحة صغيرة حول العينين.

وكان وزير الخارجية البريطاني السابق وعضو البرلمان بوريس جونسون قد انتقد الأسبوع الماضي ارتداء النساء المسلمات للبرقع (البركاس) وقال إنهن يشبهن “صناديق البريد” وقارنهن بـ “لصوص البنوك”.

وأكد جونسون، وهو مؤرخ وصحفي مشهور، أنه لن يعتذر عن تلك التعليقات، لأنه سيظل دائمًا يدافع عن القيم الليبرالية.

ولست متأكدًا ما هو الرابط بين كراهية الأجانب وتسريحة شعر الطائر الغاضب ( في إشارة إلى الفيلم الكرتوني)، حيث يبدو هذان العاملان مترابطين للغاية في الوقت الحاضر.

فهل ينبغي اعتبار هذا الافتراض عنصريا؟.. إطلاقا. ومع ذلك، فقد ذكرته لأوضح كم هو سهل أن يتم السخرية من أي شخص والتسبب في ألم له.

إنه لأمر مزعج التفكير في وصول شخصيات لديها جهل اجتماعي و عنصرية إلى مناصب سياسية مهمة في بلدان العالم الأول. ولكن عند البحث قليلاً عن خلفية السيد جونسون، يمكن رؤية انعكاس شخصيته النخبوية والعنصرية على جميع أفكاره وتصريحاته. وفي الواقع، لقد تمكن من صعود سلم المشهد السياسي بسبب هذه المعتقدات.

ولكن هل تمثل هذه العينة تغييرًا في تفكير العالم الغربي المتحضر، أم أنها تكشف عن تلك المعتقدات التي كانت موجودة بالفعل منذ قرون؟

يعتقد مؤيدو نظرية المؤامرة أن موجات العنصرية والوطنية التي تسيطر على العالم الغربي هي جزء من خطة رئيسية لإعادة إحكام قبضة تلك الدول على الدول الأضعف.

ومن الواضح أن هذا هو العصر المناهض للعولمة الذي لم يره سوى عدد قليل من الذين يتنبئون بالمستقبل. فنحن نعيش في بداية عصر التأميم ودول “الصوامع”، حيث يحاول السياسيون في الدول الأقوى بذل قصارى جهدهم لتلبية رغبات جماهيرهم الحاشدة من خلال تبني وجهات نظر أكثر تطرفاً.

في الماضي، اعتاد الزعيم السياسي أن يلعب دور شيخ القبيلة الهندي الحكيم، الذي يتولى مسئولية الحفاظ على أفراد قبيلته معًا، والحفاظ على علاقات ودية وسلمية مع القبائل المحيطة.

أما اليوم، فالأمر يبدو أكثر تسلية عندما يلعب دور “سوبرمان”. فالقائد الخارق محبوب من سكان “الكوكب” وتمجده وسائل إعلامه اليومية، أما هؤلاء الذين لا يؤمنون بسوبرمان فيجب القضاء عليهم!.

وبسبب هؤلاء القادة المتعصبين والمحبين للسيطرة الموجودين حول العالم لا يوجد أمل مرتقب في المصالحة، وهنا يأتي السؤال: ماذا الذي يجب أن تكون عليه إستراتيجيتنا في مكافحة هذا الوباء؟ وما الذي يجب أن تكون عليه إستراتيجية تلك الأقليات المظلومة وهؤلاء الذين يشعرون بقهر التمييز؟

يمكننا إما أن نغرق أنفسنا في الحلقة المفرغة للفعل أو رد الفعل التي تستهلك كل طاقتنا، أو محاولة وضع إستراتيجية واضحة طويلة الأجل لمحاربة تلك المعتقدات العدائية.

ويجب أن نبني إستراتيجيتنا على ركيزتين: أولاً، وضع أمثلة للمواطنة الصالحة، سواء في المجتمعات المحلية أو على مستوى الإقليم، أو حتى على المستوى العالمي. فأفضل الاستراتيجيات تلك التي تعتمد على أن يكون المواطن صالحًا، وأن يمرر هذا الخير إلى الآخرين.

يجب علينا إتباع ما تمليه علينا قيمنا وأخلاقنا في كل أفعالنا، كل يوم، كل أسبوع، وعلى مدار السنة. فإذا حرصت “سيدة صندوق البريد”، والعديد من الحالات المماثلة، على ممارسة ما اعتادوا فعله بصدق مثل العطاء والاهتمام، وأن يكونوا أعضاء فعالين في المجتمع، فإنها حتمًا ستحدث فارقًا في النهاية.

وثانيًا، توحيد جهود التواصل على مختلف المستويات الاجتماعية والإقليمية، من أجل إيصال رسالة الخير والأفعال الجيدة للأشخاص الذين يتعرضون للتمييز ضدهم.

لقد حان وقت التضامن. فقد لا نكون قادرين على تغيير وصف “صندوق البريد” الذي أطلقه السيد جونسون على النساء اللاتي يرتدين البرقع، لكن بالتأكيد يمكننا أن نقوم بحشد دعم الرأي العام للتصدي لأفكاره، ولأفكار كل أولئك الذين يمثلهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) معن الحسيني، محاضر في الإدارة والإستراتيجية والتسويق في العديد من المؤسسات التعليمية الدولية. كما يقدم دورات تدريبية في القيادة والاتصالات والبناء الوظيفي للمنظمات والأفراد. وهو الرئيس التنفيذي لمجموعة من الشركات التي تقوم بتصنيع وتوزيع المنتجات الغذائية في جميع أنحاء العالم. وعضو في جمعية التدريب الدولية – المملكة المتحدة.

لقراءة المقال الأصلي باللغة الانجليزية اضغط الرابط التالي :


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


Berqas and the Tolerant Letterboxes

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى