أخبار العالم العربيالراديو

طبيب أمريكي عائد من غزة يكشف لراديو صوت العرب تفاصيل المأساة الإنسانية والصحية

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

مع تواصل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، “راديو صوت العرب من أمريكا” يرصد الوضع الإنساني المأساوي في غزة من خلال شهادات الأطباء العائدين من هناك، والذين عاشوا ظروف الحرب بكل تفاصيلها مع زملائهم الفلسطينيين.

هذه الشهادات تأتي ضمن برنامج “شاهد عيان” الذي استضاف في حلقته الأولى حول هذا الموضوع الدكتور ماهر كفري، أخصائي الطب العام وأمراض الرئة والصدر والجهاز التنفسي.

وضع لا يُوصف
* لو تحدثنا عما يجري على أرض الواقع بعيدًا عن الكاميرات الإعلامية، التي يمكن وصفها في كثيرٍ من وسائل الإعلام الأمريكية بالمنحازة، لقد شهدنا هذا مع الأسف، بما تعلّق على ذلك في البداية.

** من المؤسف أن هناك انحيازًا في الإعلام الأمريكي حيال ما يحدث في غزة، ولولا أن هناك السوشيال ميديا لما كنا سنعرف ما يحدث قبيل ذهابنا إلى هناك، حيث رأينا أسوأ مما اعتقدنا.

* في رحلة ضمّت 19 طبيبًا من أمريكا وبريطانيا والأردن، وبرعاية من منظمة رحمة حول العالم، إلى قطاع غزة المحاصر، هناك شهادات قاسية اسمعت إلى بعضها منكم خارج البث، كيف تصف لنا الأوضاع الإنسانية والصحية التي تحدث هناك من خلال مشاركتكم في هذه الرحلة البطولية إلى القطاع؟

** نحن كنا 19 طبيبًا من عدة دول، انطلقنا إلى قطاع غزة تحت مظلة منظمة رحمة حول العالم، حيث توزعنا على مستشفيان رئيسيان، وكانت الخطة تقتضي توجهنا إلى مستشفى ناصر، ولكن عند وصولنا إلى القطاع بدأ الحصار حول مستشفى ناصر وكانت هناك صعوبة لدخوله، وبالتالي انقسمنا إلى مجموعتين أحدهما عملت بمستشفى غزة الأوروبي، والمجموعة الأخرى ـ وأنا كنت منهم ـ انتقلت إلى وسط القطاع، حيث منطقة دير البلح.

وأنا تخصصي عناية ومشددة وصدرية، فكنت أوزع عملي بين العناية المشددة وغرفة الطوارئ، وفي الطوارئ كان الوضع لا يُوصف، فالطبيب كان بحاجة لشجاعة كبيرة كي يدخل الطوارئ فقط قبل أن يبدأ في التعامل مع الحالات، والوضع كان صعبًا لدرجة أنني لا زلت أرى كوابيسًا كل ليلة بسبب ما رأيته هناك.

مع الأسف هناك نقص كبير في الكوادر الطبية، ونقص شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية، حتى الأدوية البسيطة مثل الأدوية المخدرة والمضادات الحيوية، وهناك نقص في الأدوات الجراحية بشكل عام، ونقص في الوسائل الطبية، لدرجة أننا أحيانا كنا نعالج بعض المرضى وهم واقفين، وأنا شاهدت مصابًا توفى أمامي لعدم القدرة على مساعدته وإسعافه لإنقاذ حياته بأي وسيلة.

عند حدوث قصف لأي منطقة، كانت أعداد المصابين تفوق قدرة أي مستشفى، حتى المستشفيات الكبيرة في منطقة ديترويت، لا سيما وأن الإصابات تكون في معظمها خطيرة ومتنوعة، وتحتاج إلى تخصصات جراحية متعددة، ناهيك عن الأدوية والمضادات الحيوية التي تعاني مستشفيات غزة من نقصها الشديد.

الأوضاع بشكل عام مأساوية، وتذكرنا بالعصر الحجري، فعندما يستيقظ الغزّيون يتوجهون للوقوف في طوابير طويلة بحثًا عن المياه والحطب والمساعدات، حيث أن مجرد أكل الخبز هو أمر أشبه بالحلم، وقد سمعت أن هناك بعض الأمهات توفين بسبب تفضيلهن لأبنائهن في المأكل والمشرب.

وأنا أظنّ أن معظم الحروب بما فيها الحروب العالمية لم تكن الأوضاع خلالها مأساوية لهذه الدرجة التي هي عليها في غزة الآن، لقد كان الوضع مأساويًا، ويحتاج إلى خبرة عالية من الطبيب المعالج كي يتولى الأمر وسط الإمكانيات البسيطة والبدائية.

فظاعة المشهد
* مما استوقفني كثيرًا في شهاداتكم؛ مسألة المفاضلة بين المرضى عند إسعافهم نظرًا لقلة الأدوية والإسعافات والأماكن المتاحة لمعالجة المرضى، بمعنى أن هذا المريض احتمالية وفاته أكبر من غيره فتتم المفاضلة بينه وبين من هو لديه فرصة أكبر في الحياة، هل لك أن تعلّق على هذا الأمر.

** في الحقيقة إن ما حدث معنا كان أفظع من ذلك، كنت أنتبه أكثر إلى الحالات الباطنية التي كانت شبه مهملة بسبب التركيز الأكبر على العمليات الجراحية المرتبطة بإصابات الحرب، وذلك بسبب نقص الأسرّة في العناية المشددة على سبيل المثال، لذا شاهدت وفيات كثيرة لأسباب بسيطة، وكان من الممكن أن يتمّ إنقاذهم من خلال وضعهم على أجهزة التنفس الاصطناعي ووضعهم في العناية المشددة.

إغلاق المعابر
* هل السبب وراء هذا النقص الحاد في الأدوية والإسعافات والوسائل هو إغلاق المعابر؟

** نعم، بالتأكيد، فقطاع غزة هو سجن كبير، ولو استطاعوا أن يقطعوا عنه الشمس والمطر والهواء لفعلوا ذلك، القطاع كان يعيش على المساعدات بالكامل قبل الحرب، والآن بعض المساعدات بالكاد تمرّ من المعبر، وتقف الشاحنات في طوابير طويلة حتى مدينة العريش التي هي على بعد 40 كم من المعبر، لدرجة أن هناك بعض المواد التي تفسد بسبب طول مدة الانتظار.

كما أن المساعدات تمرّ بمرحلة معقدة وبطيئة من التفتيش، وحتى إذا ما وصلت فإن الجزء الأكبر منها يصل إلى منطقة الجنوب، وليس الوسط التي يتركز فيها أكبر جزء من سكان القطاع، وأنا في الحقيقة أندم على كل لقمة أكلتها أو شربة ماء شربتها هناك في غزة، لأن الوضع صعب للغاية والشعب الغزاوي فضلّنا على نفسه، وأنا أتصور أن الوجبة التي كنت أتناولها كانت تكلّف 50 دولارًا في ظل حالة المجاعة هناك.

وعندما عدت إلى ديترويت كنت مريضًا، ونقص وزني، وكنت في حالة جفاف، ومكثت حوالي 10 أيام حتى أتعافى، وبشكل عام يمكنني القول إن مجرد التواجد في غزة يجعل الإنسان يشعر بأن روحه تُسحَب منه بسبب صعوبة الوضع وفظاعته، وأكرر أن أكثر ما أثّر فيّ كان تفضيل الأطباء الغزويين لنا على أنفسهم بالرغم من جراحهم ومآسيهم.

جانب مؤثر
* في ختام شهادتك؛ ما هو أكثر شيء أثرّ فيك من رحلتك إلى غزة، ولا تستطيع تجاوزه حتى الآن؟

** في الحقيقة أنه برغم كل الظروف الصعبة التي يعيشها أهل غزة، فإنهم لديهم عزة نفس وكرامة، ولم يطلبوا منا أي شيء، بالرغم من أنهم بحاجة إلى كل شيء، وأنا أعتقد أن لكل منها دور في التوعية بوضع الغزيين ومأساتهم، وأتمنى أن يتيح الإعلام مساحة أكبر لنقل ما يحدث هناك كي يعرف العالم حجم المأساة الحقيقية.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى