أخبار العالم العربياقتصاد

أقدم حاكم بنك مركزي في العالم.. لبنان يودّع رياض سلامة بعد 30 سنة قضاها في منصبه

غادر حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، منصبه اليوم بعد 30 عامًا قضاها في المنصب، ليصبح واحدًا من أطول حكام المصارف المركزية عهدًا في العالم.

وجاءت مغادرته للمنصب بعد نهاية ولايته، التي طالت ثلاثة عقود، منذ أن شغل المنصب في عام 1993، وكان قد أصرّ على البقاء في منصبه حتى اللحظة الأخيرة، رغم التحقيقات الأوروبية والمحلية التي تطارده منذ سنتين حول ثروته واتهامات بالفساد.

كما يتهمه كثيرون سلامة، البالغ من العمر 73 عامًا، بالمسؤولية عن انهيار العملة اللبنانية، ويحملونه مع الطبقة الحاكمة مسؤولية الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي يشهده لبنان منذ 2019.

وفي تصريح خاص لصحيفة “النهار” اللبنانية قبيل مغادرته مكتبه، قال سلامة: “صمدنا، ولبنان التاريخ سيبقى صامداً، وأنا مطمئن على استمرارية المؤسسات، والأمور هادئة في سوق القطع، والاقتصاد إلى تحسّن، وأنا متفائل دائماً”.

ووجه سلامة حديثه للموظفين قائلًا: “مصرف لبنان صمد، وسيصمد بجهودكم، وكان المصرف هو العمود الفقري الذي سمح للبنان بالاستمرار رغم أزمته”.

الحاكم الجديد

وخلف سلامة في منصب حاكم المصرف المركزي اللبناني نائبه الأول الدكتور وسيم منصوري، الذي سيتولى المنصب في ظل جدل كبير يحيط بالمرحلة النقدية الجديدة في لبنان، وغموض أكبر يكتنف التوجهات الجديدة لسياسات البنك المركزي، والتدابير الخاصة بإدارة السيولة، وسعر الليرة، وتحديد آليات إيفاء حقوق المودعين في البنوك، وغيرها من الإجراءات التي تتأثر بالأزمات الداخلية والاقتصادية والمالية، وتعاني من الخلافات في إدارة السلطة النقدية، وفقًا لموقع “العربية“.

ووفقًا لصحيفة “النهار” اللبنانية فقد طلب منصوري، في مؤتمر صحافي، من السياسيين “التوافق على إخراج كلّ ما يتعلّق بالسياسة النقدية من التجاذب السياسي”، قائلاً “لمستُ تعاوناً من الحكومة، وآلية اتخاذ القرار في لبنان معقّدة”.

وتوجّه إلى اللبنانيين بالقول: “أعتذر إليكم للقول إنّه لا يمكن للمصرف المركزي رسم السياسة النقدية والمالية، ويجب التعاون مع الحكومة والبرلمان، ولا يمكننا تغيير الوضع الحالي بمفردنا”، متعهّداً بالشفافية الكاملة في عمله.

وشرح منصوري واقع الوضع النقدي في لبنان وآلية العمل في الأشهر المقبلة، مؤكداً أنّ البلاد أمام مفترق طرق، ولا بد من الانتقال إلى سياسة وقف تمويل الدولة بالكامل”، مشدّداً بالقول “لن أوقّع على أي صرف لتمويل الحكومة إطلاقاً خارج قناعاتي والإطار القانوني المناسب لذلك”.

وأضاف: “هذه فرصة البلد النهائيّة، وأدعو الجميع إلى التعالي عن أيّ خلافات سياسية، والالتزام بالقوانين خلال 6 أشهر”.

انهيار رياض سلامة

جدير بالذكر ان رياض سلامة كان يعتبر لعقود عرّاب استقرار الليرة اللبنانية، قبل أن يحمله منتقدوه مسؤولية انهيارها، كما أنه كان مهندس السياسات المالية في مرحلة تعافي الاقتصاد لما بعد الحرب الأهلية (1975-1990).

ومنذ تعيينه حاكمًا للمصرف المركزي اللبناني عام 1993 تم التجديد له 4 مرات نال خلالها في العام 2006 جائزة “أفضل حاكم مصرف مركزي في العالم” من مجلة “يورو موني”، ثم من مجلة “بانكر” عام 2009، وحاز أوسمة شرف فرنسية. كما كان أول حاكم مصرف مركزي عربي يُقرَع له جرس افتتاح بورصة نيويورك.

لكن مع بدء الانهيار الاقتصادي غير المسبوق الذي شهده لبنان منذ 2019، كان سلامة أحد المتهمين مع الطبقة الحاكمة بالمسؤولية عن الفشل في إدارة أزمات البلاد المتلاحقة، ولاحقته انتقادات حادة بشأن السياسات النقدية التي اعتمدها طيلة السنوات الماضية، باعتبارها راكمت الديون وسرّعت الأزمة.

كما تم تحميله مسؤولية انهيار الليرة اللبنانية الذي وصفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، حيث فقدت العملة اللبنانية أكثر من 98% من قيمتها أمام الدولار.

ووفقًا لموقع “دويتشه فيليه” فقد دافع سلامة مراراً عن نفسه بتأكيده أن المصرف المركزي “موّل الدولة ولكنه لم يصرف الأموال”، مشددا في أكثر من مناسبة أن السياسة النقدية المعتمدة، عملت على “التخفيف من وطأة الأزمة”.

وأضاف أن المصرف المركزي ساهم بسياساته النقدية خلال العقود الثلاثة الماضية في إرساء الاستقرار والنمو الاقتصادي”، معتبراً أنه تحول إلى “كبش فداء” منذ بدء الانهيار، وأن الطبقة السياسية نفضت يدها منه “منذ زمن”.

تحقيقات الفساد

ومنذ عامين يواجه رياض سلامة تحقيقات أوروبية حول اتهامات بالفساد من بينها أنه راكم أصولاً عقارية ومصرفية عبر مخطط مالي معقّد، فضلاً عن إساءة استخدامه أموال عامة لبنانية على نطاق واسع خلال توليه منصب حاكم مصرف لبنان.

وبناء على التحقيقات، أصدرت قاضية فرنسية في باريس والمدعية العامة في ميونيخ مذكرتي توقيف في حق سلامة جرى تعميمهما عبر الانتربول، وقرر القضاء اللبناني بناء عليهما منعه من السفر وصادر جوازي سفره اللبناني والفرنسي.

كما يقود القضاء اللبناني تحقيقاً محلياً حول ثروة سلامة، وقد فرض قبل أسبوعين حجزاً احتياطياً على ممتلكاته. بينما رجح مصدر دبلوماسي أوروبي أن تنطلق محاكمته في باريس خلال الفترة المقبلة بعد توافر المعطيات الكافة أمام المحققين.

بينما يؤكد سلامة أنه جمع ثروته من عمله السابق طيلة عقدين في مؤسسة “ميريل لينش” المالية العالمية ومن استثمارات في مجالات عدة بعيدا عن عمله كحاكم لمصرف لبنان، متحدثا عن “بيانات مزورة” وخلفيات “سياسية” وراء الاتهامات التي تلاحقه.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى