رأي

نتنياهو ولعنة “حارس الأسوار”

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

كأنه التاريخ يعيد نفسه على الأرض نفسها، ويعيد ذات النتائج المؤلمة، ويجني نفس الحصاد المر، ويصيب بلعنته اللاعبين أنفسهم، فيمحقهم ويذلهم، ويسخطهم ويهينهم على سوء أفعالهم وفحش جرائمهم، ويلقنهم درساً لم يتعلموه ممن سبقهم، ولم يستفيدوا منه في سابق أيامهم، فاستحقوا ما حلّ بهم وأصابهم، واستأهلوا الخاتمة التي تليق بهم.

في العام 1996 ارتكب شيمون بيريز حماقةً كبيرةً وجريمةً مهولةً، فاعتدى على لبنان وشعبه، وقصفه بهمجيةٍ وجنونٍ على مدى أيامٍ طويلة، كانت جداً قاسية على اللبنانيين، استخدم فيها أحدث ترسانته العسكرية، وأكثر صواريخه تدميراً وتخريباً.

وأطلق حمم نيرانه القاتلة على المدنيين اللبنانيين من الجو والبر والبحر، وأحدث خراباً واسعاً وتدميراً كبيراً، وتسبب في مقتل وإصابة المئات من أبناء الشعب اللبناني، وكان جُلُّ الجرحى والقتلى من المدنيين، من سكان القرى والبلدات اللبنانية الجنوبية، القريبة من فلسطين.

لكن أم الجرائم التي ارتكبها، كانت عدوانه الغادر على أحد مقرات قوات الطوارئ الدولية في بلدة قانا الجنوبية، وهو المقر الذي لجأ إليه المدنيون اللبنانيون هرباً من القصف المجنون والتدمير الممنهج، مما تسبب في مجزرةٍ مروعةٍ ومذبحةٍ كبيرةٍ، عرفت باسم “مجزرة قانا”، سقط فيها مئات القتلى من النساء والأطفال والشيوخ، ممن لا يحملون سلاحاً ولا يقاتلون في الميدان.

عض الشعب اللبناني على جرحه الأليم وصبر، واحتمل العدوان الهمجي وقاوم، وصمدت مقاومته وقاتلت، واتحدت جبهاته واتفقت قواه وناضلت، حتى تحقق لهم النصر بالثبات، إذ أفشلوا مخططات العدو وكبدوه خسائر وأجبروه على التراجع والانكفاء، ولكن الخسارة الأكبر والهزيمة المرة، كانت تلك التي مني مسعر الحرب وقائد جريمة العدوان.

إذ عاد شيمون بيريز من الحرب خائباً خاسراً، ضعيفاً مهزوماً، متهماً عاجزاً، فخسر الانتخابات وفقد منصب رئاسة الحكومة، وهي التي كان يمني نفسها برئاستها، ولكن لعنة الحرب التي فجرها، وفحش المجزرة التي ارتكبها، خلعته من منصبه، وطردته من مكتبه، وألزمته بيته.

واليوم ها هي معركة “حارس الأسوار”، التي تولى كبرها نتنياهو، وخاض غمارها ضد الشعب الفلسطيني كله على امتداد الأرض المحتلة كلها، واستخدم في عدوانه على قطاع غزة أكثر الأسلحة فتكاً وتدميراً، دمر بها المساكن والبيوت، والأبراج والمكاتب والمقرات، وقتل النساء والأطفال والمدنيين، وخرب بنيتها التحتية وعطل خدماتها الحيوية، ظاناً أن هذه الحرب ستمكن له في الأرض، وسترفع من قدره وستزيد من رصيده، وستعجل في تتويجه ملكاً لإسرائيل، ومنقذاً لشعبها ورائداً لمشروعها القومي.

لكن لعنة “عناقيد الغضب” لم تكن بعيدة أبداً عن لعنة “حارس الأسوار”، فالجريمة واحدة والعدوان واحدٌ، والمجرم نفسه والقاتل ذاته، لم يتغير شكله ولم يتبدل نهجه، والمظلوم المعتدى عليه نفسه، فلسطينياً كان أو عربياً ولبنانياً.

ففي الأولى اعتدوا على الشعب اللبناني وارتكبوا في حقه المجازر المروعة، وفي الثانية اعتدوا على الفلسطينيين عموماً، وارتكبوا ضدهم عشرات الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية، وفي الحربين كان القاتلان يبغيان السلطة ويتطلعان إلى رئاسة الحكومة، ويريدون استغلال الدم العربي أصواتاً لصالحهم في صناديق الانتخابات الإسرائيلية.

لكن سنة الله عز وجل التي لا تتأخر ولا تتبدل، وإرادة شعوب الأمة أبت إلا أن تسقطهما وتنهي عهدهما، فمذبحة قانا أسقطت بيريز وأقعدته، وها هي غزة تسقط نتنياهو وتكسره، وربما تعجل في محاسبته ومعاقبته، فهل يتعلم منهما من سيأتي بعدهما؟!


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى