رأي

قصة المعجزة الصينية والشركة العملاقة التي غزت العالم

بقلم: مروان سمور

إذا كان القرن العشرين هو قرن أمريكا، فإن القرن الحادي والعشرين هو قرن الصين، هذا ما يقوله “تد فشمن” مؤلف كتاب “الصين شركة عملاقة” بهذه البساطة، وعلى من يشك في ذلك عليه أن يحيط بما يجري في أسرع اقتصاد تطورًا في العالم.

إن الصين اليوم محط أنظار العالم، فهي تستقطب الأخبار، والاقتصاد العالمي، وتجدها في كل متجر تدخله.

يقول المثل الصيني: (إذا أردت أن تزرع لعام فازرع قمحًا، وإذا أردت أن تزرع لعشرة أعوام فازرع شجرة، أما إذا أردت أن تزرع لمائة عام فازرع إنسانًا).

ولكن الصين هنا اختصرت بناء ونهضة إنسانها بفترة قصيرة، لا تعدو عن الأربعين عامًا حتى جنت الثمار.

كشفت مجلة الأعمال الأمريكية “فورتشن”، عن قائمة “فورتشن تشاينا” السنوية لأكبر 500 شركة عامة في الصين، التي أظهرت حجم إيرادات وزيادة في صافي أرباح الشركات الصينية بشكل غير مسبوق.

وبحسب القائمة الصادرة فقد حققت أكبر 500 شركة صينية أكثر من 5.9 تريليون دولار من العائدات، بزيادة 18.2% مقارنة بالعام الماضي، في حين ارتفعت الأرباح بنسبة 24.24% على أساس سنوي، لتصل إلى 515.42  مليار دولار أمريكي.

وبحسب ما ذكرته صحيفة “تشاينا ديلي”، فإنه ما زالت شركتا النفط والغاز العملاقتين في الصين، وهما شركة الصين للبترول والكيماويات (المعروفة أيضا باسم سينوبك)، وشركة بتروتشاينا المحدودة، تتصدران القائمة، في حين احتلت شركة الصين للإنشاءات الهندسية المحدودة المرتبة الثالثة.

ومن بين الشركات الأخرى التي حققت أيضًا تقدمًا ملحوظًا في القائمة السنوية، شركة “تينسنت” الصينية العملاقة لخدمات الإنترنت، التي قفزت من المرتبة 43 في العام الماضي إلى المرتبة 33، ومجموعة علي بابا القابضة، عملاق التجارة الإلكترونية الصينية، التي ارتفعت أيضًا من المرتبة 49 إلى المرتبة 35.

كما تم إدراج هاتان الشركتان العملاقتين، بقائمة أكبر 10 شركات ربحية، حيث بلغت أرباح تينسنت 10.7 مليار دولار أمريكي، لتحتل المرتبة السابعة، بينما احتلت علي بابا المركز العاشر بصافي أرباح بلغ 10.1 مليار دولار.

وبحسب الصحيفة، أسهمت الشركات الصينية العشرة الأكثر ربحًا بما يقرب من 40% من إجمالي الأرباح التي حققتها أكبر 500 شركة صينية في البلاد .

في حين تصدرت القائمة أيضًا البنوك الثلاثة الكبرى، المملوكة للدولة، حيث بلغ صافي أرباح البنك الصناعي والتجاري الصيني المحدود، أكبر صانع للأموال في البلاد نحو 42.37 مليار دولار، تلته مؤسسة بنك التعمير الصيني بصافي أرباح وصل إلى 35.88 مليار دولار، وتلاها البنك الزراعي الصيني المحدود بصافي أرباح 28.58 مليار دولار.

وفي سياق آخر، تحتل ثلاث شركات تكنولوجيا صينية ضمن أكبر 10 شركات تقنية بالعالم من حيث قيمة العلامة التجارية لعام 2018، وفق تقرير سنوي تُصدره مؤسسة Brand Finance البريطانية – المتخصصة في تقييم العلامات التجارية العالمية – تحت اسم The Brand Finance Global 500. وهم: (تينسينت-  علي بابا– هواوي)، ولم تكتف شركات التكنولوجيا الصينية بذلك، بل ارتفع عددها ضمن قائمة الـ  100 شركة.

كل تلك المؤشرات تعطي صورة أولية على ما وصلت إليه الصناعة الصينية، وكيف أصبحت تهيمن على نسبة كبيرة وحصة لا بأس بها من الأسواق الصينية والأسواق العالمية، وأن علامة (صنع في الصين) أضحت حاضرة بقوة في كل الأسواق وكل المجالات بالعالم.

من الإبرة للصاروخ

إن المنتجات الصينية موجودة في كل مكان، فإذا دخل أحدهم مطعمًا سوف يجد أن الماكينات صنعت في الصين، وإذا دخل البنك سوف يجد أن ماكينات عد النقود أيضًا صنعت في الصين، بل حتى إذا فتح خزانته سوف يجد بأن أغلب الملابس مصنوعة في الصين.

فالسوق الصينية تعتبر من أضخم الأسواق في العالم، وأكثرها امتلاءً بالمنتجات المتنوعة، إذ تتواجد فيه منتجات بجودة عالية وأيضًا بسعر منخفض مقارنة عن السلع في الأسواق العالمية، ويرجع سبب ذلك إلى قلة تكلفة الأيدي العاملة، بالإضافة إلى انخفاض تكلفة الإنتاج، والتنافس الشديد بين الكثير من الشركات والتجار، وأيضًا المواد المتوفرة على مدار العام، وسهولة الوصول إليها، بالإضافة إلى وجود خبراء ومصممين محترفين، فضلًا عن خطوط إنتاج كبيرة بكل المجالات.

ولطالما كانت علامة «صنع في الصين» رمزًا للكم وليس للكيف، والشمول حيث يعبرون عنها بالقول “من الإبرة للصاروخ”، أو للثمن الرخيص وليس للمنتج ذي الجودة العالية.

ولكن حاليًا أصبح ذلك كله أخذ بالتغير، فبعد عقود من إنتاج الصين أشياء تتكسر وتتمزق بسهولة، أصبحت جودة بضائعها تتحسن، في جميع المجالات: من الملابس إلى الأجهزة الإلكترونية إلى الهواتف الذكية.

فقد أضحت بعض السلع الصينية اليوم، تضاهي المنتجات المصنوعة في اليابان من حيث الجودة، وتضارع – من حيث الدقة- تلك المصنوعة في مراكز التكنولوجيا العالية في تايوان. وأخذت الصين – شيئًا فشيئًا – تسد فجوة الجودة والتكنولوجيا العالية.

هذا الامتياز الصيني الجديد سيؤثر- بلا شك- سلبا على اقتصادات الدول التي لها باع طويل بحسن وسمعة بضائعها، وبالجودة العالية التي تتمتع بها.

وأبلغ تعبير عن سعي الصين إلى التفوق التكنولوجي العالمي هي مشروعها (صنع في الصين 2025) الذي أعلنته القيادة الصينية عام 2015، وتهدف الصين من خلاله إلى تحقيق التحول الاقتصادي من سلع عادية الجودة إلى سلع عالية الجودة والى قوة ابتكارية كبيرة، ومن ثم الانتقال إلى مصاف الاقتصادات المتقدمة تكنولوجيا.


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى