تقارير

ترامب ينقل معركته مع المهاجرين إلى قلب أوروبا

هل تنجح القارة العجوز في تجاوز أزمتها والتوصل إلى نظام هجرة إنساني؟

خاص- راديو صوت العرب من أمريكا

إعداد وتحرير:علي البلهاسي

رغم أهمية وتعدد القضايا المدرجة على جدول أعمال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال جولته الأوربية الحالية إلا أنه لم ينس أن ينقل معركته مع الهجرة والمهاجرين إلى قلب أوروبا.

وبينما كان العالم ينتظر ما ستسفر عنه الجولة من نتائج فيما يتعلق بحلف الناتو والأزمة الإيرانية وأزمة كوريا الشمالية والقمة المرتقبة مع بوتين، حرص ترامب على إثارة الجدل من جديد حول ملف الهجرة.

فعل ترامب ذلك ربما لأنه أدرك أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فبالأمس القريب كان العالم كله، بما فيه أوروبا، يستنكر ما جرى بشأن فصل أطفال المهاجرين عن ذويهم، والآن ألقى ترامب الكرة في ملعب الأوربيين محذرًا إياهم من “الخطر الذي يهددهم” بسبب الهجرة، التي قال إنها “ستغير نسيج أوروبا وثقافتها”.

هجوم مضاد

في مؤتمره الصحفي مع رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، قال ترامب، إن الهجرة قد أضرت بأوروبا وغيرت ثقافتها وزادت من خطر الإرهاب. وأضاف أنه ينبغي عليه قول ذلك حتى لو لم يكن هذا الكلام موائمًا سياسيًا.

وردت ماي بالقول إن لبريطانيا تاريخا يدعو للفخر في مجال مساعدة الناس الهاربين من الاضطهاد، والسماح لأولئك الراغبين بالمساهمة في الاقتصاد، لكنها شددت في الوقت نفسه على ضرورة أن تتحكم بريطانيا بحدودها.

كما انتقد ترامب، سياسة الاتحاد الأوروبي وعمدة لندن صادق خان، حول قضية الهجرة، وذلك في مقابلة مع صحيفة “ذا صن” البريطانية، قائلاً: “أعتقد أن ما حدث لأوروبا هو عار.. السماح بوجود الهجرة في أوروبا عار”.

وأضاف: “أعتقد أنها غيرت نسيج أوروبا، وإذا لم تتصرفون بسرعة كبيرة ، فلن يكون الأمر كما كان عليه، ولا أقصد ذلك بطريقة إيجابية”.

وتابع: “إن السماح لملايين وملايين الأشخاص بالقدوم إلى أوروبا أمر محزن للغاية، أعتقد أنكم تفقدون ثقافتكم”.

وربط الرئيس الأمريكي بين ارتفاع معدلات الجريمة في أوروبا بتزايد المهاجرين، منتقدًا عمدة لندن صادق خان قائلاً إن “عمدة لندن قام بمهمة سيئة للغاية في مكافحة الإرهاب ومكافحة الجريمة.. انظر لكل تلك الأمور المروعة وكل تلك الجرائم التي دخلت المدينة”.

بدوره، رد خان على ترامب قائلا إن “الربط بين ارتفاع معدلات الجريمة في العاصمة البريطانية والهجرة، أمر مناف للعقل”، بحسب تعبيره. وذكر خان لراديو هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، أن “إلقاء مسؤولية ذلك على الهجرة من إفريقيا، هو في اعتقادي أمر مناف للعقل، وعلينا أن ننتقده عندما يفعل ذلك”.

وكان المئات قد تظاهروا في لندن تعبيرًا عن رفضهم لزيارة الرئيس الأميركي لبريطانيا، وندد المتظاهرون بسياساته في ملفات الهجرة والمناخ والتسلح.

ترامب وميركل

انتقادات ترامب للسياسة الأوربية تجاه ملف الهجرة لم تكن الأولى من نوعها، فقد سبق أن انتقد الرئيس الأمريكي، في يونيو الماضي، سياسة الهجرة في ألمانيا والدول الأوروبية، معتبرا أن سماحهم لملايين الناس باللجوء إليها “خطأ كبير”.

وقال ترامب في سلسلة تغريدات نشرها عبر حسابه على تويتر “إن “الشعب في ألمانيا ينقلب على قيادته بسبب قضية الهجرة التي تهزّ تحالف برلين الضعيف”.

وأضاف: “الجريمة في ألمانيا مرتفعة. والخطأ الكبير الذي تم ارتكابه في عموم أوروبا هو السماح لملايين الناس ممن غيروا ثقافتهم بعنف وقوة، بالدخول إليها”، في إشارة إلى استقبالهم اللاجئين.

وقال ترامب: “لن تكون الولايات المتحدة مخيما للمهاجرين… أو اللاجئين. لن تكون كذلك أبدا.. ترون ما يحدث في أوروبا ومناطق أخرى. لن نسمح بحدوث ذلك للولايات المتحدة. ليس في عهدي”.

وأكد أنه على الناس أن تشعر بالقلق من التغير الثقافي الذي أحدثه المهاجرون في أوروبا، محملاً المهاجرين في أوروبا مسؤولية ما وصفه بأنه ارتفاع في معدلات الجريمة في ألمانيا.

وردًا على مزاعم ترامب نشرت وسائل إعلام إحصاءات لوزارة الداخلية الألمانية تؤكد تراجع معدلات الجريمة بشكل كبير في ألمانيا، مشيرة إلى أن إجمالي عدد الجرائم التي ارتكبت في البلاد في عام 2017 بلغ 5.76 مليون جريمة، وهو أقل عدد منذ عام 1992، مما أدى إلى أدنى معدل للجريمة في البلاد منذ أكثر من 30 عاما.

ووصل أكثر من 1.6 مليون مهاجر، معظمهم من المسلمين الهاربين من الحروب في الشرق الأوسط، إلى ألمانيا منذ عام 2014.

أزمة ميركل

كان الائتلاف الحاكم بألمانيا قد واجه أزمة كبيرة نتيجة خلاف حول قضية اللاجئين بين حزبيه الديمقراطي المسيحي (يمين وسط)، والاجتماعي المسيحي؛ مما أثار مخاوف من انهيار الائتلاف.

وزادت حدة الأزمة بعد أن تمسك وزير الداخلية الألماني، هورست زيهوفر، بمنع طالبي اللجوء القادمين من دول أوروبية من دخول ألمانيا، وإعادتهم بشكل قسري إلى الدول الأوروبية القادمين منها، وهدد بإغلاق حدود ألمانيا أمام المهاجرين في حال عدم توافق القادة الأوروبيين حول هذا الملف، وهو ما رفضته المستشارة أنجيلا ميركل، داعية إلى ضرورة وجود حل أوروبي مشترك لأزمة اللاجئين.

ومع اشتداد الأزمة بدا أن المستقبل السياسي للمستشارة الألمانية على المحك في ضوء مطالبة الجناح اليميني في الائتلاف الحكومي الألماني بمزيد من التشدد مع المهاجرين على الحدود.

خلاف وتشدد

وعلى الصعيد الأوربي تصاعد الخلاف بين ميركل ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان حول مسألة الهجرة، حيث دافعت المستشارة الألمانية عن الدور الإنساني الذي تقوم به أوروبا تجاه الأوربيين، وأضافت قائلة: “الإنسانية هي روح أوروبا ونريد الحفاظ على هذه الروح… وأوروبا لا يمكنها أن تنصرف بكل بساطة عن المعاناة والآلام” بأن تنعزل داخل “حصن”.

فيما رد أوربان بالقول “إننا نساعد بشكل إنساني عندما لا نقوم بدعوة المهاجرين إلى الحضور”. وأكد أن “الحل الوحيد” برأيه هو “إغلاق الحدود” و”عدم السماح بدخول الذين يأتون بالشر إلى أوروبا”، مضيفا: “لا نريد استيراد المشاكل”.

وعلى مدى سنوات جسدت ميركل ورئيس الحكومة المجرية قطبين متناقضين بشأن سياسة التعامل مع ملف اللجوء إلى أوروبا. وأصبحت السياسة المتشددة التي يدعو إليها أوربان تمثل الغالبية في أوروبا منذ وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في النمسا وإيطاليا وتحقيقه اختراقات في دول أخرى مثل ألمانيا.

وأصبحت ميركل نفسها تواجه اتهامات بالعدول نهائيا عن سياسة الاستقبال السخي التي أطلقتها إزاء اللاجئين، وبأنها رضخت للضغوط وأصبحت تلتزم بنهج التشدد في أوروبا.

حيث تخلت ميركل مؤخرًا عن سياسة الاستقبال السخي التي أطلقتها في 2015 بضغط من الجناح اليميني في ائتلافها الحكومي. ووافقت على أن يتم نقل مهاجرين مسجلين في دول أخرى من الاتحاد الأوروبي إلى مراكز عبور على الحدود الألمانية ثم ترحيلهم إلى بلد الدخول.

وطالبت ميركل في الوقت نفسه بحلول أوروبية مشتركة في سياسة اللجوء. وذكرت أن التعامل مع قضية الهجرة سيحدد استمرارية الاتحاد الأوروبي، موضحة أن القضية بحاجة إلى حلول مقبولة قانونيا وواقعية وتتسم بالتضافر، مؤكدة في الوقت نفسه ضرورة تعزيز حماية الحدود الخارجية الأوروبية.

قلق الجوار

الاتفاق الذي توصلت إليه المستشارة الألمانية مع وزير داخليتها لإنقاذ حكومتها أثار انتقادات من دول الجوار لاسيما النمسا. واتفقت ميركل مع زيهوفر على تشديد الرقابة على الحدود وإقامة “مراكز عبور” مغلقة على الحدود مع النمسا للنظر في ملفات طالبي اللجوء بشكل سريع وترحيل الذين رفضت طلباتهم.

وينص الاتفاق على إعادة طالبي اللجوء المرفوضين إلى دول الاتحاد الأوروبي التي سجلوا فيها سابقا، و في حال رفضت هذه الدول استقبالهم فتتم إعادتهم إلى النمسا. وردًا على ذلك حذرت الحكومة النمساوية من أنها قد تضطر لاتخاذ إجراءات من أجل تفادي أي ضرر لشعبها.

فيما أكد وزير داخلية ايطاليا ماتيو سالفيني أنه “في حال أرادت النمسا فرض ضوابط على الحدود، فهذا حقها”. وأضاف أن بلاده ستقوم بالأمر ذاته وأكثر.

منصات شمال أفريقيا

بعد تصاعد الخلافات الأوربية راهن الجميع على قمة بروكسل، التي عقدت نهاية شهر يونيو المنصرم، للتوصل إلى حل وسط للأزمة، لكن القمة انتصرت في النهاية لأفكار اليمين المتشدد، وتمخضت عن 12 بندا لتنظيم قوانين دخول المهاجرين إلى أوروبا، أهمها ضرورة سيطرة الدول الأعضاء على الحدود الخارجية للاتحاد للحد من الهجرة غير الشرعية، وتكثيف الجهود لوقف وصول اللاجئين من ليبيا أو أي بلد آخر.

لكن أخطر ما تضمنه الاتفاق الأوروبي كان ما يتعلق بمقترح إقامة منصات إنزال إقليمية للمهاجرين خارج الاتحاد لردعهم عن عبور البحر المتوسط. وهو ما يعنى جعل بعض دول شمال إفريقيا وطنا بديلا للمهاجرين، حيث ستكون هذه الدول بمثابة نقاط لـفرز المهاجرين واللاجئين قبل السماح لهم بدخول أوروبا من عدمه.

ولعل هذا ما دفع دولاً كالمغرب وتونس والجزائر وليبيا ومصر للإسراع في إعلان رفضها استضافة هذه المنصات، ومعارضة هذه الأساليب المستحدثة من جانب الأوروبيين للتعامل مع القضية.

أزمة أم ذريعة؟

لكن قمة بروكسل كشفت في المقابل عن حجم التغيير الذي حدث في دول الاتحاد الأوروبي، بعد وصول عدد من الحكومات المعادية للهجرة إلى السلطة، سواء في ايطاليا أو النمسا، أو اختراق دول مثل ألمانيا، مما وضع قضية الهجرة على طاولة الصراعات السياسية ولعبة التجاذبات الانتخابية، سعيا لاستقطاب جزء كبير من جمهور الناخبين المعادين للأجانب.

وبحسب الأرقام الأوروبية الرسمية، انخفض عدد اللاجئين غير الشرعيين إلى بلدان الاتحاد من أكثر من مليون شخص (وهو العدد الذروة الذي تحقق في 2015) إلى 56 ألفاً فحسب في 2017. وهو ما يعني أن الخلافات الأوربية ماضية في التفاقم بينما المشكلة نفسها تميل إلى الاختفاء.

وهذا ما يدعو للقول إن مسألة اللجوء والهجرة باتت تُستعمل ذريعة فرصة نموذجية لسياسيين وصوليين لكي يحققوا مكاسب انتخابية عبر المزايدات، ودفع النقاش حول القضية إلى مستوى غير مقبول، من خلال مقترحات مثل إنشاء مراكز أمنية للمهاجرين، وهو ما اعتبرته منظمات حقوق الإنسان سجوناً عديمة الإنسانية.

ووصل الأمر بالمزايدات في هذا الشأن إلى حد صدور قرار من وزير الداخلية الايطالي ماتيو سالفيني قبل أكثر من شهر بمنع رسو السفن التابعة للمنظمات غير الحكومية التي تنقل مهاجرين، في المرافئ الايطالية.

وهو ما دفع منظمات حقوقية مثل “أطباء بلا حدود”، و”اس او اس مديترانيه” إلى اتهام الحكومات الأوروبية بأنها “مصممة على منع الأشخاص من الوصول إلى أوروبا بأي ثمن”.

وانتقدت المنظمتان بشكل خاص منع سفن الإنقاذ التابعة لمنظمات غير حكومية من نقل مهاجرين بعد إنقاذهم  في البحر، مؤكدة أن أكثر من 600 مهاجر بينهم رضع غرقوا خلال الأسابيع الماضية في البحر المتوسط.

إعادة توطين اللاجئين

تأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه بعض الدول الأوروبية إلى إيقاف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر إعادة توطين الأشخاص الذين يحتاجون إلى الحماية الدولية. ولتحقيق هذا الهدف، تعهدت دول الاتحاد الأوروبي – بالتنسيق مع الأمم المتحدة- بتعزيز برامج إعادة التوطين لنقل الأشخاص المحتاجين للحماية الدولية إلى أوروبا عبر طرق آمنة.

وأطلقت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة برنامجاً لإعادة توطين 50 ألف شخص في أوروبا حتى نهاية عام 2019. وبحلول مايو من هذا العام، تجاوزت تعهدات الدول الأوروبية بإعادة توطين الأشخاص المحتاجين للحماية الدولية هذا الرقم، حيث تعهدت كل من ألمانيا وفرنسا بإعادة توطين 10 آلاف شخص لكل منهما، وأعلنت السويد التزامها بإعادة توطين 8850 شخصاً، بينما قالت المملكة المتحدة إنها ستعيد توطين 8800 شخصاً في إطار البرنامج.

وقال مكتب شؤون الهجرة التابع للاتحاد الأوروبي إنه وحتى منتصف يونيو 2018، تمت إعادة توطين 4252 شخصًا في أوروبا ضمن البرنامج الأوروبي.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن 1.4 مليون شخص سيحتاجون لإعادة التوطين في عام 2019 . وعلى فرض استمرار برامج إعادة التوطين على الوتيرة الحالية، فإن الأمر سيستغرق 18 سنة لإعادة توطين اللاجئين المحتاجين لذلك حول العالم.

وبالرغم من أن الاتحاد الأوروبي يساعد الدول الأعضاء على دفع تكاليف إعادة التوطين في إطار البرنامج الأوروبي، حيث خصص الاتحاد 500 مليون يورو لبرنامج إعادة توطين 50 ألف لاجئ حتى نهاية 2019، فإن كل دولة أوروبية مسئولة عن تمويل برامجها الخاصة لإعادة التوطين.

ومعنى ذلك أنه يجب على كل دولة دفع تكاليف إجراء المقابلات والفحوصات الطبية وتأشيرات الدخول والسفر بالإضافة إلى خدمات الاندماج في المجتمع الجديد.

لكن هذه البرامج تستحق دفع هذه التكاليف، لأنها تصب في مصلحة الدول الأوروبية أيضاً، حيث أنها تساهم في خفض موجات الهجرة غير القانونية التي عصفت بالقارة العجوز في السنوات القليلة الماضية.

نظام هجرة إنساني

المراقبون المتابعون لتطورات أزمة الهجرة إلى أوربا يدعون إلى ضرورة أن تتجاوز أوروبا خلافاتها حول هذا الملف، وأن تواصل السعي إلى إقرار نظام لجوء وهجرة أوروبي إنساني، يراعي القانون الدولي والقيم الأوروبية، قبل أن تتسبب السياسات المتشددة في فقدان آلاف اللاجئين لحياتهم.

كما يدعو المراقبون قادة الاتحاد الأوربي إلى عدم الانسياق وراء سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المتشددة تجاه المهاجرين، مؤكدين أنه في مقابل هذه السياسة الأمريكية المتشددة يجب على أوروبا أن تُثبت أن إتباع نهج إنساني عادل في هذه القضية أمر ممكن.

وفي كل الأحوال يشدد المراقبون على ضرورة الإسراع في حسم هذا الملف لأن تأجيل الحلول لن يؤدي إلا إلى أزمات أكثر حدة وتعقيدًا.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى