تقارير

البديل الأمريكي في سوريا.. عقوبات ومنطقة آمنة أم قوات عربية؟

إعداد وتحرير: علي البلهاسي

في تنفيذ متأخر للقرار، يؤشر إلى تأخير آخر في إتمام تنفيذه، بدأ الجيش الأمريكي سحب قواته من سوريا، تنفيذًا لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي فاجأ به الجميع الشهر الماضي، وحذر الكثيرون من تداعياته.

حيث أعلن مسئول في البنتاجون أن قوات الجيش الأمريكي بدأت يوم الجمعة الماضي في سحب معدات من سوريا، مشيرًا إلى أن سحب المعدات مؤشر إلى بداية الانسحاب الأمريكي من سوريا.

ويأتي بدء الانسحاب متزامنًا مع تطورات ربما تشير على مساعي الولايات المتحدة لتعويض غياب قواتها عن سوريا وإيجاد بديل يغطي الفراغ الأمني الذي سيحدث ويمنع تفاقم الوضع من جديد.

هذه التطورات تراوحت ما بين تهديدات وجهها الرئيس ترامب بفرض عقوبات على الأطراف المؤثرة في النزاع السوري ومنها تركيا وإيران وروسيا، وإحياء فكرة إقامة منطقة آمنة في سوريا، بالإضافة إلى مساعي لتشكيل قوات عربية تحل محل القوات الأمريكية بعد انسحابها.

وتشير التطورات الأخيرة إلى أن ترامب استجاب في النهاية للضغوط القوية التي تعرّض لها داخل بلاده وفي عواصم الدول الحليفة والتحذيرات من خطر الانسحاب المفاجئ من سوريا والفراغ الذي سيحدث هناك نتيجة لذلك.

انسحاب تدريجي

في 19 ديسمبر الماضي أعلن ترامب أن “الوقت قد حان” لعودة الجنود الأمريكيين من سوريا، بعد سنوات من قتالهم لتنظيم “داعش”. وقال ترامب وقتها: “لقد أنزلنا بهم هزيمة قاسية.. لذا فإن أبناءنا سيعودون جميعا، وسيعودون الآن”.

لكن “الآن” التي ذكرها ترامب استغرقت 20 يومًا لبدء الانسحاب، الذي يبدو أنه سيستغرق وقتًا طويلاً حتى يكتمل، حيث قال أحد المسئولين إن الجيش الأمريكي طلب مهلة تصل إلى 3 أشهر لسحب القوات من سوريا. فيما كشف مسئول بالإدارة الأمريكية أن القادة العسكريين في المنطقة والمسئولين عن العمليات ضد “داعش”، قالوا إن إتمام الانسحاب الكامل من سوريا قد يستغرق أربعة أشهر باعتبار أن هناك ضرورة “للتركيز على حماية القوات المتبقية على الأرض عند الانسحاب”.

ويبدو أن ترامب أخذ بالنصائح التي طالبته بأن يتم الانسحاب بطريقة تدريجية، حيت أعلن مؤخرًا أن القوات الأمريكية ستغادر سوريا «بطريقة حذرة»، مشدّداً على أنّ المعركة ضد تنظيم «داعش» لم تنته بعد، وألمح إلى أنه مستعد لإعادة النظر في الجدول الزمني الأصلي للانسحاب.

فيما أعلن مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جون بولتون، إن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا مرهون بهزيمة بقايا تنظيم “داعش” الإرهابي، وتعهد تركيا بضمان سلامة المقاتلين الأكراد المتحالفين مع الولايات المتحدة. وأضاف بولتون – حسبما ذكرت شبكة “فوكس نيوز” الأمريكية أنه لا يوجد جدول زمني لسحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا.

فيما قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية، شون روبرتسون” إن اتخذ عددًا من الإجراءات اللوجستية لدعم الانسحاب”. وأضاف أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم الدعم لعمليات التحالف الدولي العسكرية في سوريا أثناء سحب القوات الأمريكية بطريقة منسقة، تضمن سلامة الجنود الأمريكيين وحمايتهم، مؤكدا أنه لا جدول زمني لإتمام الانسحاب”. وشدد على أن القوات الأمريكية ستستمر في العمل مع الشركاء والحلفاء لضمان هزيمة تنظيم (داعش) الإرهابي والحفاظ على المكاسب والنجاحات التي تحققت.

خطر الفراغ

وكشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن الرئيس ترامب أعاد تقييم قرار الانسحاب السريع خاصة مع وجود مخاوف داخل البيت الأبيض من أن الانسحاب قد يسمح لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية باستعادة موطئ قدم لهم في البلاد.

وبحسب الصحيفة فقد حذر النقاد من أن خروج أكثر من 2000 من القوات الأمريكية يمكن أن يعزز قوة إيران، ويزيد المخاوف بشأن التزام الولايات المتحدة مع الحلفاء الآخرين في جميع أنحاء العالم.

فيما قال السيناتور ليندي جراهام لشبكة CNN إن الرئيس ناقش الانسحاب الأمريكي من سوريا مع جنرالاته، وأعاد النظر في كيفية القيام بذلك”. مضيفًا بأنه يريد إبطاء هذا الانسحاب لكي يتم بشكل صحيح، ولا يعود داعش، مشيرًا إلى الصعود الأولي لداعش في العراق منذ سنوات، وحذر من خطر مماثل في سوريا الآن إذا انسحبت القوات الأمريكية.

وحذرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية من احتمالية تسابق البلدان من أجل السيطرة على المناطق التي تغادرها القوات الأمريكية، وهو الأمر الذي من شأنه إثارة حفيظة الحلفاء. ونقلت الصحيفة عن مسئولين في وزارة الدفاع قولهم “إن عمليات الانسحاب الأولية ستقتصر على المعدات، ولن يتم سحب القوات حتى الآن”.

وأوضحت الصحيفة، في تقريرها، أن كبار المسئولين في الإدارة أكدوا مجددا أن الانسحاب لن يقوض أهداف الولايات المتحدة في سوريا، بما في ذلك إلحاق الهزيمة النهائية لتنظيم “داعش” الإرهابي ومنع نهوضها مرة أخرى، وحماية الحلفاء من الأكراد السوريين الذين تعهدت تركيا بمهاجمتهم بمجرد رحيل الأمريكيين، وإجبار إيران على سحب قواتها ومقاتليها بالوكالة من سوريا.

وأضافت” لم يكن هناك مؤشر يُذكر على كيفية تحقيق تلك الأهداف، التي حددها جون بولتون مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض خلال زيارته إلى أنقرة”.

وأعادت الصحيفة إلى الأذهان حقيقة أن الضغط على إيران وسحب القوات الأمريكية من المنطقة كانت من الأهداف الرئيسية للرئيس دونالد ترامب في الشرق الأوسط، والذي شدد أيضا على ضرورة قيام بلدان أخرى، خاصة في المنطقة، بزيادة مساهماتها الخاصة في محاربة “داعش” واحتواء إيران.

حماية الأكراد

وحدات حماية الشعب الكردية، المكون الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في القتال ضد تنظيم “داعش”، هي الخاسر الأكبر من الانسحاب الأمريكي، حيث يخشى الأكراد خطر عودة داعش وفقد المناطق التي سيطروا عليها.

وقال المتحدث باسم وحدات حماية الشعب الكردية، نوري محمد، إنه ربما سيكون من الصعب على القوات، إذا تخلت عنها واشنطن، مواصلة سيطرتها على مقاتلي “داعش” الذين تحتجزهم منذ سنوات قليلة، محذرًا من أن تنظيم “داعش” لا يزال خطيرًا ولديه إمكانيات لإعادة تنظيم صفوفه.

ويشكل الأكراد الجزء الأكبر من القوات السورية المدربة والمجهزة التي يبلغ قوامها 60 ألف جندي والتي شنت الحرب البرية ضد داعش. ويقول الأكراد إنهم بعد الانسحاب الأمريكي يفكرون في التخلي عن القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية والبحث عن شركاء جدد، بمن فيهم الرئيس السوري بشار الأسد.

كما يواجه الأكراد خطر البقاء وحيدين في مواجهة خطر تركيا. وتتعلق الخلافات بين واشنطن وأنقرة بوحدات حماية الشعب الكردية.

وكان الرئيس التُركي، أردوغان، قد أعلن رفض الموقف الأميركي الداعي إلى ضمان حماية القوات الكردية في الشمال السوري مع انسحاب الجيش الأميركي.

ويعتبر أردوغان تلك الوحدات “إرهابية” بسبب علاقتها بحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل على الأراضي التركية منذ 1984، متجاهلا دورها الكبير في قتال تنظيم داعش خلال السنوات الأخيرة.

وهددت أنقرة مرارا بشن هجوم لطرد المقاتلين الأكراد من الشمال السوري ومنطقة شرقي الفرات، لمنع تشكل نواة دولة كردية على حدودها يمكن أن تؤجج النزعة الانفصالية للأكراد في تركيا.

وفي إطار سعي الإدارة الأمريكية لحماية الأكراد بعد الانسحاب، بدأ الرئيس ترامب في استخدام لغة التهديد لتركيا، حيث أكد خلال اتصال هاتفي مع نظيره التركي رجب طيب أردوغان على أهمية “عدم الإساءة” للأكراد وجميع القوات التي تدعمها الولايات المتحدة في سوريا.

وهدد ترامب تركيا بـ”تدميرها اقتصاديا” في حال ضربت الأكراد في سوريا، داعيا الأكراد إلى عدم استفزاز أنقرة، وأكد استمرار ضرب داعش رغم الانسحاب من سوريا.

وأدى احتمال فرض ترامب عقوبات اقتصادية جديدة على أنقرة إلى انخفاض سعر الليرة التركية مقابل الدولار، وأدت عقوبات اقتصادية فرضتها الولايات المتحدة الصيف الماضي على تركيا إلى انهيار الليرة التركية.

وأكدت تركيا أنها لا تخشى تهديدات ترامب، وقال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو “لقد كررناها مرارًا، نحن لا نخشى هذه التهديدات، فالتهديدات الاقتصادية ضد تركيا لن تحقق شيئا”. وأضاف: “لو خيرونا بين الصعوبات الاقتصادية والتهديدات الإرهابية، فإن شعبنا سيقول إنني أرضى بالجوع والعطش، لكنني لا أقبل الخنوع”.

وأعرب الرئيس التركي أردوغان عن استعداد بلاده لتقديم كل أشكال التعاون والدعم اللوجستي لانسحاب القوات الأميركية من سوريا، وأكد أنه “لا توجد مشكلة لتركيا مع الأكراد، وأن الهدف التركي هو إزالة الخطر الذي يتهدد الأمن القومي التركي من المنظمات الإرهابية”.

منطقة آمنة

وناقش ترامب مع أردوغان خلال الاتصال الهاتفي إقامة “منطقة آمنة” بعرض 20 ميلاً شمالي سوريا لحماية الأكراد. وأوصى ترامب وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين، بوضع خطة لإنشاء منطقة آمنة في سوريا بغضون 90 يومًا، لكنه لم يوضح مَن سيُنشئ تلك المنطقة أو يدفع تكاليفها، كما لم يُحدّد المكان الذي ستُقام فيه.

من جانبه قال وزير الخارجية التركي تشاووش أوغلو إن اقتراح واشنطن إنشاء منطقة عازلة، شمال سوريا، جاء بعد اقتناعها بإصرار تركيا على تنفيذ هذه الفكرة، مشيرًا إلى أن “فكرة إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري لمسافة 30 كيلو مترا، ليست فكرة واشنطن، بل هي فكرة الرئيس أردوغان”.

ولفت إلى أن أردوغان لم يقترح فكرة المنطقة الآمنة على الولايات المتحدة فحسب، بل عرض الاقتراح على كافة الدول الأوروبية وروسيا وكل من يهتم بتطورات الأوضاع في سوريا.

وليست هذه المرة الأولى التي تطرح فيها إدارة ترامب فكرة إنشاء منطقة عازلة أو آمنة شمالي سوريا، حيث كان ترامب قد تعهد في حملته الانتخابية بإنشاء مناطق إنسانية آمنة في سوريا، وطالب دول الخليج بتمويل هذا المشروع.

وسبق أن عارضت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما أكثر من مرة اقتراحًا تركيًا بإقامة منطقة آمنة على الحدود السورية- التركية، مشيرة إلى أنه من الصعب جدًا من الناحية العملية تخيل نجاح إقامة منطقة آمنة في سوريا دون التزام عسكري كبير”.

لكن هناك من يعارض إقامة مثل هذه المنطقة مثل روسيا، حيث قال الناطق باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، إن “القيادة الروسية تستهجن نية إدارة ترامب إنشاء مناطق آمنة”. وأضاف: “على الشركاء الأمريكيين أن يتحسبوا كثيرًا، آخذين في الاعتبار ما يمكن أن يترتب على هذا القرار من عواقب”.

قلق روسي

وتشكك روسيا في نية الولايات المتحدة الانسحاب من المنطقة العربية، حيث أعربت وزارة الخارجية الروسية عن شكوكها بشأن خطط الانسحاب من سوريا. وقالت المتحدثة باسم الوزارة، ماريا زاخاروفا: “يبدو أنهم يغادرون للبقاء..هذا الشعور موجود”. وأضافت: “لا يمكنني أن أشارككم الثقة في مغادرتهم من هناك، لأننا لم نشهد الإستراتيجية الرسمية بعد”.

فيما قال رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، إن الولايات المتحدة تحاول الخروج من سوريا، والسيطرة على الوضع دون تركها، من خلال الحلفاء والعقوبات الاقتصادية.

وقال كوساتشوف لوكالة “سبوتنيك”: “أميركا تحاول الخروج من سوريا، دون تركها والأكراد حلفاء مهمون، وهم بحاجه إلى إشارة بأنه لن يتم التخلي عنهم”.

وأضاف: “أصبح معلومًا حول فكرة إنشاء تحالف عسكري أميركي معادي لإيران مع دول الخليج، كما وقعت الولايات المتحدة اتفاقية مع السلطات القطرية لتوسيع أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة، قاعدة العديد التي سبق وان هاجمت منها النظام السوري، وخلص كوساتشوف إلى القول بأن “الولايات المتحدة لن تغادر الشرق الأوسط أبداً”.

لكن لماذا بات انسحاب القوات الأمريكية من سوريا خبرا سيئًا لروسيا؟، هذا هو السؤال الذي حاول دميتري بافيرين الإجابة عليه من خلال مقال نشره في “فزغلياد”، قال فيه إن الانسحاب الأمريكي من سوريا هو انسحاب شكلي وأن واشنطن ستبقى ممسكة بخيوط اللعبة.

وأضاف أن روسيا ستكون متضررة من هذا الانسحاب الشكلي لعدة أسباب من بينها أن الجنود الأمريكيين سيغادرون، لكن الولايات المتحدة ستظل باقية، وستشارك في الحرب بالوكالة وستستمر في ذلك.

وأضاف أن إسرائيل وتركيا ستنتهجان سياسة أكثر عدوانية تجاه سوريا في ظل الغياب الأمريكي، حيث ستتسع طموحات أردوغان، وسينتظر الكثيرون كيف ستتمكن موسكو من ضبط الطموحات التركية، التي يتمثل جوهرها في إخضاع جزء كبير من سوريا لنفوذها المطلق.

كما ستتحمل موسكو مسئولية إبقاء بؤر الإرهاب في سوريا تحت السيطرة، حيث لم يعد من الممكن تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن احتمال زعزعة الاستقرار بعد انسحابها.

واختتم حديثه قائلاً: بينما كان الأمريكيون موجودين في سوريا، رجالا وسلاحا، كان لدينا موضوع للمساومة، ولوقت طويل، كان التنسيق بشأن سوريا هو القناة الوحيدة للتفاعل بين روسيا والولايات المتحدة، والآن لم يعد موجودًا.

تعويض أوروبي

على الجانب الأوروبي كان شركاء ترامب في التحالف الدولي ضد داعش من أبرز المعارضين لقرار الانسحاب من سوريا، حيث أكدوا أن الحرب ضد داعش “لم تنتهِ بعد”، وعبروا عن مخاوفهم من أن يعيد التنظيم تشكيل نفسه من جديد.

وكان البيت الأبيض قد حاول طمأنة حلفائه الأوربيين من خلال بيان قال فيه: “الولايات المتحدة وحلفاءها مستعدون للتعاون على الأصعدة، وسنستمر في العمل معا لمنع سيطرة داعش على أي أراض جديدة، أو الحصول على دعم أو تمويل يسمح للتنظيم الإرهابي بعبور حدودنا”.

ويرى خبراء أن ترامب بإعلانه الانسحاب يحاول إشراك دول الاتحاد الأوروبي في تحمل المسئولية، متبعًا نظريته الخاصة، والتي تقضي بأن على الآخرين أن يقوموا بما تقوم له أمريكا أو يدفعوا مقابل ذلك.

وقال الخبراء إن الفراغ الذي سيتركه الانسحاب الأمريكي من سوريا، قد يملأه بطبيعة الحال إما دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، أو روسيا وحلفائها. وأضافوا أن ملء دول الاتحاد الأوروبي، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، لفراغ الانسحاب الأمريكي، لا يعني بالضرورة إرسال قوات لهم على الأرض، خصوصًا أنها مغامرة غير مضمونة العواقب، ربما تعرض قواتهم للخطر، خاصةً أنها غير مدربة على مثل هذه العمليات.

وأوضحوا أن دول الاتحاد الأوروبي، ربما تستبدل الوجود النوعي بالقوات العسكرية على الأرض، باستخدام الطيران، وصناعة غطاء جوي.

الناتو العربي

وسط كل هذه التطورات والترتيبات لملء الفراغ الذي سيحدث في سوريا بعد الانسحاب الأمريكي، برز حديث مباشر حول مساعي أمريكية لتشكيل قوات عربية تحل محلها في تركيا لمواجهة النفوذ الإيراني والطموحات التركية.

وتم الإعلان رسميًا عن هذا التوجه من خلال تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، خلال جولته الأخيرة في عدة دول عربية، قال فيها إن واشنطن تعمل على إنشاء “تحالف استراتيجي في الشرق الأوسط” ضد إيران، يجمع دولا خليجية، بالإضافة الى مصر والأردن “لمواجهة أهم الأخطار في المنطقة”.

وأضاف: “نريد تحالفاً وقوة عربية قادرة على مواجهة التحديات في المنطقة على اختلافها”. وعما إذا كان هذا “الحلف المزمع” سيحل مكان القوات الأميركية في سوريا، أوضح أن كل دولة ستقرر كيفية مشاركتها في هذا الحلف أو التحالف.

وتابع أن “تدمير داعش والتصدي لإيران من أولويات الإدارة الأميركية، وهي مهمة ستحققها واشنطن مع حلفائها في الشرق الأوسط”.

وقال بومبيو إن مجلس التعاون الخليجي أساسي في مسألة التخطيط لتحالف أمني في الشرق الأوسط، وأوضح أن الرئيس ترامب يرى أن الخلاف الخليجي طالت مدته، بشكل بات يصب في مصلحة الأعداء، داعيًا إلى إنهاء جميع الصراعات بين دول الشرق الأوسط من أجل التصدي لما وصفه بالنفوذ الإيراني في المنطقة.

مسألة وقت

ويبدو أن استبدال القوات الأمريكية بأخرى عربية بات وشيكًا لا ينقصه إلا بعض الوقت، فمنذ فترة تعمل إدارة الرئيس ترامب على إنشاء تحالف أمني من ست دول خليجية إضافة لمصر والأردن.

ويعرف هذا التحالف بشكل غير رسمي باسم “الناتو العربي”، كما يحمل أيضا أسماء مثل “ميسا” و”تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي”، ويهدف التحالف بالدرجة الأولى لمجابهة الخطر الإيراني في المنطقة.

وفي أبريل/ نيسان 2018 رفضت وزارة الخارجية الأمريكية تأكيد إذا ما كانت واشنطن طالبت مصر بإرسال قوات إلى سوريا، لتحل محل القوات الأمريكية، لكن السعودية أكدت أن النقاشات جارية مع واشنطن حول إرسال قوة عربية.

كما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في وقت سابق أن إدارة ترامب طلبت من دول الخليج تقديم مليارات الدولارات وإرسال قوات، وأن مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون اتصل بالقائم بأعمال مدير المخابرات المصرية عباس كامل، لمعرفة موقف مصر من المشاركة.

أما وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير فقد أكد أن «الفكرة ليست جديدة، وأجرينا نقاشات مع الولايات المتحدة حول ذلك وإدارة أوباما في النهاية لم تتخذ إجراء بخصوص هذا المقترح».

اتفاق وشيك

ومؤخرًا؛ أفاد موقع ديبكا الإسرائيلي المقرب من المخابرات الإسرائيلية بأن “مباحثات تجري بين الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وولي عهد الإمارات، محمد بن زايد، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لإرسال قوات عسكرية إلى مدينة منبج”.

وأشار الموقع إلى أن المحادثات الأمريكية مع مصر والإمارات تقضي بنشر قوات في مناطق أخرى من سوريا بما فيها “الحدود السورية – العراقية”.

وبحسب الموقع ذاته: «طرح الرئيس الأمريكي ترامب المبادرة، مع ضمان الولايات المتحدة غطاءً جويًا لها ضد أي عمل عسكري من قبل تركيا وسوريا وروسيا.

وقال الموقع إن ضباطًا من مصر والإمارات قاموا بالفعل بعدة جولات في مدينة مبنج شمالي سوريا، وتفقدوا مواقع القوات الأمريكية ووحدات حماية الشعب الكردية في المنطقة، ودونوا ملاحظات بشأن نشر قوات من بلديهما في المنطقة مستقبلًا».

وأضاف الموقع أن «التواجد المصري الإماراتي العسكري في منبج سيعقبه نشر قوات دول عربية أخرى في الأراضي السورية، بما فيها المناطق الحدودية مع العراق، وأنه إذا نجحت هذه الخطط فمن المرجح أن ترسل دول مثل السعودية والمغرب والجزائر قواتها إلى سوريا للتصدي للتواجد الإيراني هناك».

وأشارت مصادر للموقع بأن “الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو الزعيم الوحيد الذي وقف دائمًا إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد في النزاع، ولذلك قد تكون فكرة نشر القوات المصرية في المنطقة مقبولة بالنسبة لدمشق في حال إلحاق ضباط سوريين إليها».

وشكّلت زيارة الرئيس المصري إلى الأردن مؤخرًا أهمية استثنائية بالنظر لتوقيتها الذي أعقب زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بوميبو للقاهرة وجولته بالمنطقة.

ورجحت دوائر سياسية أن تكون زيارة السيسي مرتبطة بمساعي الولايات المتحدة إحياء فكرة تشكيل تحالف في المنطقة “ناتو عربي” لمواجهة إيران وداعش.

معوقات التواجد العربي

قال محللون إن معوقات كثيرة تحول دون تشكيل تحالف ناتو عربي وفقًا للرغبة الأمريكية. وأوضحوا أن الظروف الحالية غير مهيأة لإطلاق التحالف، لعدة أسباب، من بينها الخلافات الخليجية، إلى جانب ما يفرضه هذا الناتو من تطبيع علني مع إسرائيل وإهمال القضية الفلسطينية، بالتزامن مع العداوة مع إيران.

وأوضحوا أن كل دولة عربية ستشارك في التحالف الأمني الذي تسعى أمريكا لتشكيله ستصنف على أنها تدخل في تحالف مع تل أبيب تحت مظلة أمريكية مضادة لإيران”، فضلاً عن صعوبة تأييد كافة دول الخليج لهذا التحالف، في ظل أولويات بعض الدول كالعلاقات المميزة بين سلطنة عمان وإيران، وكذلك علاقات قطر مع إيران وحلفها مع تركيا.

كما أن تجميع وحدة قوات عربية يواجه عقبة انشغال السعودية والإمارات في حرب اليمن،  وإنشغال مصر بمحاربة الإرهاب وداعش في سيناء، فضلاً عن تأمين حدودها الغربية مع ليبيا، ومن ثم فقد تتردد في المشاركة في نشر قواتها في مناطق غير خاضعة لقوات الأسد.

وثمة صعوبات أخرى يواجهها هذا الناتو العربي، تأتي في إطار الاصطياد في المياه العكرة، لجهة وسم التحالف بالتجمع السني، وهو ما يثير بالتأكيد حساسيات لدى العرب من الطائفة الشيعية، بالإضافة إلى أنه لا يمكن تجاهل دول عربية أخرى مثل سوريا والسودان واليمن.

كما يواجه موضوع وجود قوات عربية في شمال سوريا مصاعب تتعلق بمدى قبول السوريون في مناطق منبج وشرق الفرات لوجود هذه القوات، واحتمال تصادمها مع تركيا والقوات التابعة لها.

وأعلن أبناء قبيلة “البو بنا” أكبر عشائر “منبج” وريفها تمسكم ودعمهم لخارطة الطريق المتعلقة بالمدينة والمتفق عليها بين تركيا والولايات المتحدة، التي تنص على انسحاب مليشيا “الوحدات الكردية” من منبج وعودة المهجرين، وتحقيق الأمن والاستقرار في المدينة وريفها.

ورفضت القبيلة دخول أي قوات وتحت أي اسم، تحول بين عودة الأهالي والمهجرين إلى مدينة منبج، مضيفة أنه سيتم التعامل معها على أنها قوى معادية لمصالح الشعب السوري عامة وأبناء منبج بشكل خاص.

فيما علق رئيس المكتب السياسي في “لواء المعتصم” التابع للجيش السوري الحر، مصطفى سيجري، على هذا الأمر قائلاً: “الأخبار المتداولة عن مساعٍ لإدخال قوات عربية إلى منبج ومناطق شرق الفرات تعتبر تطورًا خطيرًا، وسيتم التعامل معها على أنها قوة احتلال ودعم مباشر للإرهاب”.

وكان القيادي في “الجيش الوطني السوري”، زياد حجي عبيد، قد أكد عزم فصائل الجيش الحر المدعومة من تركيا دخول مدينة منبج. وقال: “نحن موجودون بالقرب من منبج، وقد أعددنا العدة لدخولها”، مضيفًا “لقد جهزنا 15 ألف مقاتل لدخول المدينة”.

وفي ظل تعقد الوضع الأمني وتشابك المصالح بين أطراف النزاع يبقى الحل السياسي للأزمة السورية هو الأمل لتفادي تفاقم الأوضاع، لكن حتى هذا الحل أصبح يعاني من مشكلات بعد انسحاب القوات الأمريكية من سوريا، والذي سيترك فراغا تشغل روسيا الجزء الأكبر منه، حيث تدعم موسكو دمشق وترعى أي مفاوضات قادمة، ومعها إيران.

بينما ستجد المعارضة السورية نفسها مضطرة للانخراط في الحل السياسي، بعد فقدان الكثير من الأوراق بعد الانسحاب الأمريكي، خاصة في ظل انشغال الدول الأوروبية الكبرى بقضايا الداخل، فبريطانيا منشغلة بمشكلات البريكست والخروج من الاتحاد الأوروبي، وفرنسا تواجه الاحتجاجات، وهى قضايا تشد اهتمام الاتحاد الأوروبي، وهو طرف فاعل في مفاوضات جنيف. كما أن المبادرات العربية غائبة في ظل ما تعانيه الجامعة العربية من تناقضات في مواقف أعضاءها.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى