غير مصنف

“تداعيات وطن”.. خطاب مسرحي تجريبي يعتمد أسلوب الرمز والتعبير في إيصال الفكرة

ديربورن – راديو صوت العرب من أمريكا

شهدت قاعة المتحف العربي الامريكي في مدينة ديربورن تقديم عرض مسرحي تحت عنوان (تداعيات وطن)، إعداد وإخراج قاسم ماضي، وتمثيل إستبرق العزاوي، الإدارة المسرحية صباح بقجه، والموسيقى التصويرية والمؤثرات الصوتية حسن حامد، والإضاءة سالار الانصاري.

جاء نص المسرحية الذي تمت صياغته وفق رؤية معينة أرادها المخرج قاسم ماضي، الذي قام بكتابة جزء من النص، واستكمل ما تبقى منه من بعض المصادر، والتي جاءت متساوقة ومنسجمة، حيث أصبح النص يمتلك بداية ووسط ونهاية.

أحداث المسرحية

وتدور أحداث المسرحية حول شخصية امرأة تفقد ولدها الوحيد في إحدى ساحات الحروب الدائرة في عالمنا العربي، الذي مازالت نار الحروب تضطرم به لأسباب مختلفة، الأمر الذي أنتج الكثير من الضحايا الأبرياء، الذين لقوا حتفهم بسبب وجودهم في تلك البقعة التي يدور فيها الصراع المسلح، وشخصية الأم هي شخصية مفترضة قد تكون في (العراق، سوريا، اليمن، ليبيا، فلسطين)، وغيرها من الساحات العربية الملتهبة.

لغة شعرية

اعتمد النص على لغة شعرية تحمل شحنة شاعرية عالية للتعبير عن دواخل الشخصية وانفعالاتها العاطفية، وفي هذا الصدد اعتاد معد ومخرج العمل الفنان قاسم ماضي منذ بواكير دخوله عالم المسرح الى تطويع الجملة الشعرية إلى لغة المسرح وله تجارب عديدة مشابهة.

وفي هذا العرض تبنى ذات الفكرة ونجح في نسج نص مسرحي متماسك ويحمل فكرته الفلسفية من خلال ما تطرحه الشخصية وما يشير اليه النص من دلالات ومسرحية (تداعيات وطن) تنتمي الى صنف (المونودراما) التي يقدمها ممثل أو ممثلان وفي هذا العرض تم تقديم شخصية واحدة وهي شخصية الأم التي لعبتها الفنانة والإعلامية.

تمثيل متقن

أتقنت إستبرق العزاوي الأداء التمثيلي، حيث ركزت على الفعل الداخلي للتعبير عن أبعاد شخصية الأم الثكلى ومعاناتها. وفيما يتعلق بالمعالجة الإخراجية، فقد اعتمد المخرج قاسم ماضي على التجريد من خلال قطع الديكور البسيطة التي أول المخرج من خلالها خلق بيئة متغيرة تبعًا لتوظيف المفردة الديكورية، كما استخدم قطعًا من الإكسسوارات، التي شكلت علامات معينة لتعزيز نظام اشتغال الدلالات الصورية.

بيئة العرض

وارتكزت بيئة العرض المكانية على توظيف قطعتين أساسيتين، وهما عمود تم تغليفه بالأسود، وتحول الى دلالاتين، الأولى منصة للشنق ظهرت خلالها الشخصية وهي مصلوبة وترتدي السواد، وتم توظيف ذات القطعة الديكورية إلى حالة أخرى في مشهد لاحق، حيث أصبح تارة الابن الشهيد من خلال توظيف الرمز والتعبير لتفعيل الشكل كما تحولت المفردة في المشهد ما قبل الاخير الى شخصية الديكتاتور الذي يواجه المحاكمة بأسلوب تعبيري.

أما المفردة الديكورية الأساسية الثانية والتي شكلت جزءًا مهمًا من بنية العرض فهي رف الملابس الذي تم تغليفه أيضًا باللون الأسود لتحقيق الوحدة اللونية لجسد العرض، والذي تم استخدامه في أكثر من سياق صوري لتحقيق الدلالات المطلوبة، فقد كان في المشهد الأول التابوت الذي يتم تشييعه، وكان في موضع آخر هو دولاب للذكريات، وفي مشهد آخر تحول الى شاشة تلفزيون، وظلت مفردات الديكور تتحول دلاليًا وفقًا لثيمة كل مشهد، لتخلق سيماءا يُعبر عن تلك الثيمة.

مشاهدو العرض

وقد ساهمت هذه الآلية في التوظيف إلى تفعيل حالة التأويل لدى المشاهد الذي تفاعل مع مفردات العرض وشعر بأن ثمة ما يلامسه، لاسيما أن الجمهور كان من أبناء الجاليات العربية من سوريا، ولبنان، العراق، فلسطين، ويمكن أن تنطبق فكرة العمل على الواقع الذي تعانيه كافة بلداننا العربية.

كما اشتمل الحضور على عدد من المشاهدين الأمريكيين القادمين من مدينة (كلامازو)، وهم طلاب كلية (كلامازو) من الدارسين للغة العربية، وقد أبدوا إعجابهم بالعرض، الى جانب حضور رئيس قسم العلوم الانسانية فرع العدالة الاجتماعية د. برندا براينت التي أبدت إعجابها بالعمل.

رؤية نقدية

وقد تحدثت براينت في نهاية العرض بكلمة قصيرة، موضحة بأن الفنان بوصفه ناشطًا تتجسد في هذا العمل، من خلال إرسال رسالة إدانة لكل ما يجري من صراعات مجنونة، يكون الضحية الأولى فيها الإنسان.

ومن النقاط التي لابد من الإشارة اليها في معرض الحديث عن هذا العرض المسرحي أن عناصر العرض افتقدت إلى حيوية عنصر الإضاءة الذي لم يكن بفعاليته المطلوبة، حيث كان المخرج يحاول استخدام أسلوب البقع الضوئية، ولكن نظام الإضاءة في المتحف العربي الأمريكي فيه ثمة خلل حال دون استخدام الإضاءة المطلوبة، أما الموسيقى فقد كانت معبرة ومحاكية لثيمة العرض ومعززة لجوه العام.

إعادة الأمل

ويمكن القول إن عرض تداعيات وطن بأنه تجربة تعيد الأمل في وجود مسرح تجريبي أكاديمي من شأنه غرس تقاليد مسرحية حقيقية على أرض الاغتراب، عوضًا عن تلك التجارب الهشة التي تخرج على الساحة المهجرية، والتي لا تحمل لغة مسرحية حقيقية، وتفتقد الى عناصر المسرح الإبداعية المعبرة.

رابط الفيديو

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى