إحصاء السكان الأمريكي و حقوق العرب
بقلم : راي حنانيا
ترجمة : مروة مقبول
أعلن مكتب تعداد السكان الامريكي هذا الأسبوع أنه سيلغي فئة “الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” في الاحصاء الرسمي الذي تقوم به الولايات المتحدة كل 10 سنوات و الذي سيتم اعلانه في عام 2020، في اشارة الي عدم إحصاء عدد العرب الموجودين في اميركا ضمن التعداد الرسمي .
وكنت قد حصلت علي شهادة تقديرعندما التحقت بالعمل كمتطوع في مكتب التعداد الأميركي ، حيث كرست مجهودي منذ الثمانينات للعمل علي إضافة خانة “عربي” إلى تعداد السكان الوطني الذي يتم كل 10 سنوات. و لكن على مر السنين، كانت الحكومة الأمريكية ترفض السماح باجراء تعداد يقوم بتحديد بعض التفاصيل الخاصة مثل تحديد العرق و الحالة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين الامريكيين الذين يصل تعدادهم الي اكثر من 323 مليون نسمة. و قام المكتب بتحريض النشطاء العرب الذين يدفعون لهم أجورهم للكتابة ضدي و معارضة آرائي في هذا الصدد. وفي المقابل ، قام النشطاء الذين يدافعون عن تلك القضية مثلي بالاعتراض علي استثناء العرب من الاحصاء في حين يقوم التعداد بإحصاء ما يصل إلى 29 مجموعة عرقية وإثنية بما في ذلك البيض ، السود ، الهسبانيين، اللاتين، المواطنون ذوو الاصل الأسباني ،الهنود الأمريكيون ، سكان ألاسكا الأصليون، الآسيويون، سكان هاواي الأصليون وغيرهم من سكان جزر المحيط الهادئ ، الألمان، الأفارقة من أصل امريكي ، المكسيكيون، نافاجيين ( سكان نيو ميكسيكو و اريزونا) ، الهنود الاسيويون ، السامويين الاسيويون، و التونغيون وغيرهم.
ومن المفارقات أن العرب قاموا بالحشد ليتم إدراجهم في فئة “الأبيض” ، ولكن ذلك يعكس العنصرية في اليوم الذي تم فيه إدراج العرب مع الآخرين الذين تم حظرهم. وبما أن العرب لم يتاح لهم الفرصة لاضافة تعريف لهم ، فقد اختاروا أن يدرجوا في فئة يأملون أن تقلل من العنصرية المتزايدة التي يتعرضون لها، ليس فقط في المجتمع الأمريكي، ولكن من الحكومة الأمريكية بوجه عام . في عام 1921، قامت الولايات المتحدة الامريكية باصدار قرار بتقليص هجرة الآسيويين والعرب اليها و تم الغاءه عام 1965.
لقد اعتقدت دائما أن العرب يجب أن يتم اضافة خانة تعبر عنهم في التعداد السكاني الرسمي لأسباب محددة جدا، ففي الوقت الراهن، عدد العرب الذين يعيشون فعليا في الولايات المتحدة غير محدد، فهو يتراوح بين 1.5 و 4.5 مليون نسمة وفقا لبيانات التعداد السكاني الذي قام به الأميركيون العرب ، حيث قاموا بكتابة كلمة ( عربي ) في الخانة المخصصة لهم و التي تحمل تعريف ( غير ذلك ) في استمارات الاحصاء . و يعتقد الكثيرون ان هذا العدد هو الاقرب الي الدقة.
و لكن لماذا يريد العرب أن يتم ادراجهم في احصاء السكان في أمريكا اليوم ؟ هل يلعب ذلك المطلب دورا في اثارة العنصرية ضدهم ؟ الامر ببساطة يتعلق بالامتيازات التي يحصل عليها المواطن الأميركي الذي يتم تحديده في التعداد الرسمي . و تستخدم الحكومة الفدرالية هذه البيانات لرسم حدود الدوائر الانتخابية في محاولة لزيادة أصوات مختلف المجموعات العرقية.
ففي ولاية إلينوي، على سبيل المثال، أنشأت حكومة الولايات المتحدة منطقة مجمعة ، تبدو وكأنها دائرتين منفصلتين متصلة بسلسلة رقيقة. تضم تلك المنطقة أكبر عدد من “اللاتينيين” (المكسيكيين والبورتوريكيين) و بذلك يتمكن سكان تلك المنطقة من جمع قوتهم الانتخابية لانتخاب ممثلهم في الكونغرس الأمريكي. ولا يمتد هذا المبدأ إلى الدوائر المجمعة فحسب، وإنما يشمل أيضا المناطق المحلية. وبالإضافة إلى ذلك، تقوم الحكومة الفيدرالية بتوزيع مئات الملايين من الدولارات كمنح مالية لتمويل حملات تعمل علي زيادة الوعي و الهوية الثقافية القائمة على العرق والدين. و لأن “العرب” لم يتم ادراج تعريف محدد لهم في استمارات الاحصاء ، فهم محرومون ايضا من الاستفادة من تلك الحملات التوعوية. ان المواطنين الامريكيين الذين ينتمون الي خلفيات عرقية و اثنية مختلفة و محددة داخل جهاز الاحصاء يساعد المجتمعات المحلية وإنفاذ القانون على تحديد حالات وأنماط التمييز العنصري. فعلى سبيل المثال، في العديد من المدن الأمريكية، تقوم الشرطة المحلية بالابلاغ عن التركيبة العرقية والإثنية للأفراد الذين توقفوا عن انتهاك قوانين المرور من أجل منع الشرطة من استهداف تلك الأقليات مثل السود والإسبانيين والآسيويين.
و في المقابل ، يستخدم كثير من السود بيانات تعداد السكان لتحديد أنماط العنصرية التي يرتكبها أفراد الشرطة ضدهم . ولكن نظرا لأن “العرب” غير مدرجين في تلك البيانات، فإن البلديات ليست مكلفة بالإبلاغ عن عدد العرب الذين يتم اعتقالهم أو إيقافهم بسبب حوادث المرور أو تورطهم في اتهامات بالأنشطة الإجرامية. و بالتالي لا نستطيع حتي ان نجزم ما اذا كان هناك أفراد من الشرطة تستهدف العرب و ترتكب ضدهم انتهاكات عنصرية .
ونتيجة للمجهودات المستمرة للعرب الأمريكيين في هذا الشأن ، قرر التعداد الأمريكي في عام 2014 اختبار استخدام مصطلح ” ” الشرق الأوسط وشمال أفريقيا”، بدلا من استخدام فئة أكثر تحديدا و هي “عربيا”. قمت بالاعتراض علي ذلك ، و لكن وافق علي هذا التعريف الكثير من المنظمات العربية الأمريكية الوطنية مثل المعهد العربي الأمريكي المعروف.
لم يستمر هذا الأمر كثيرا، ففي 26 يناير / كانون الثاني 2018 أعلن مكتب التعداد الأمريكي قراره برفض ادراج خانة ” الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ” و التي كانت تكتب بصيغة MENA) ) و ذكر في البيان إن الأسئلة المرتبطة بالتعداد العرقي والإثني لن تكون مركبة لتجمع الأصل والعرق الهسباني علي سبيل المثال ، أو فئة منفصلة مثل” الشرق الأوسط و شمال أفريقيا ” في استمارة التعداد لعام 2020.
وقد ارتكب النشطاء العرب خطأ كبيرا عندما ظنوا انهم يفتقرون القوة للتأثير علي احداث تغيير جذري و المطالبة بتحديد فئة خاصة بالعرب لتضاف إلى التعداد، حيث اعتقدوا أن ادراجهم تحت فئة أوسع هي ” منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا” ستكون حلا جيدا. وبدلا من تحديد 4.5 مليون عربي فقط، فإن تلك الفئة كانت ستشمل العرب وغير العرب من منطقة أوسع.
ولازالت المعركة من أجل الحقوق العربية في أمريكا مستمرة. ربما في يوم من الأيام لا يتم تعميم الاعمال السيئة التي يرتكبها الاقلية من العرب و تكليل مجهودات الأغلبية الصالحة. و عندما يحين هذا الوقت ، سيتمكن العرب من ممارسة حقوقهم كاملة وحتي مقاضاة الحكومة الأمريكية، مطالبين أياها بإنشاء مناطق لزيادة الأصوات العربية لا لتقليصها . وقتها فقط سيتمكن العرب من تحديد الأعمال العنصرية التي يتم ارتكابها ضدهم وعدم تجاهلها. كما سيتمكن العرب أيضا من المطالبة والحصول على حصتهم من مئات الملايين من الدولارات من الأموال التي يتم أخذها من دولاراتهم الضريبية وتعطى للجميع والا العرب.
راي حنانيا ، صحفي فلسطيني أميركي ، مؤلف و كاتب مقال في الموقع الاخباري Arab News
الموقع الرسمي للكاتب : http://www.thedailyhookah.com/
البريد الألكتروني [email protected]
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع