تقديم: د. ارحابى محمد ارحابى ــ أعدها للنشر: أحمد الغـر
برنامج “وبشر الصابرين”، مع فضيلة الدكتور ارحابى محمد ارحابى، وحديث يتجدد حول معاني الصيام والهدف منه، وأثر العبادات في حياة المسلم، وقد ركزت الحلقة على قيمة الصبر كما وردت في آيات القرآن الكريم، وبيان أهميته في حياة الانسان كما سلط البرنامج الضوء على العلاقة بين الصائم وروحانيات وقيم الشهر الفضيل، وعلى رأسها التسامح والمحبة والفضل بين الناس، وتعزيز قيم العطاء والاحساس بالفقراء في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها العالم حاليًا.
أثر العبادة
بدأت الحلقة بتقديم الدكتور ارحابى محمد ارحابى التهنئة للمستمعين ولكافة المسلمين في أمريكا وكل مكان بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، ثم انتقل للحديث عن الهدف من وراء عبادة الله (عز وجل)، فالعبادة هي الغاية التي خلق الله من أجلها الإنسان، ولا بد أن يكون لها أثرًا إيجابيًا على سلوك الإنسان وتعاملاته.
ولفت د. ارحابي إلى أن لكل عبادة جانب ظاهر وآخر باطن، فالصلاة ظاهرها القيام والركوع والسجود إلى آخر حركات الصلاة المعروفة، أما باطنها فهو الخشوع والطمأنينة القلبية والشعور الروحاني الذي يشعره المصلي، وإذا حدث نقص في ظاهر أو باطن العبادة، فسيكون هناك خللًا في آثار هذه العبادة.
وأشار د. ارحابي إلى أن الفرد إذا ما تمكن من تحقيق ظاهر وباطن العبادة على الوجه الأمثل، فإنه سيشعر بمدى يسر وسهولة تلك العبادة، كما أن العبادة ستقوم بتطهير الفرد من الذنوب والمعاصي، ولكي يحصل الفرد على ثمار العبادة المرجوة؛ عليه إصلاح قلبه وتغذيته بالعلم النافع والعمل الصالح.
وأكد د. ارحابي على أن العبادة هي سبيل الكمال، وطريق الهدى، وطريق الإحسان، والطريق الذي يتعرف بها العبد على ربه، فيقترب منه بطاعته وعمله الصالح، وقد وعد الله (سبحانه وتعالى) عباده المؤمنين بالخير والبركات في الدنيا قبل الأخرة، قال تعالى: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ”.
عبادات وتعاملات
قال د. ارحابي إن العبادات الكاملة التي تؤدى بشكلٍ صحيح كما أمرَ الله وسنَّ رسول الله، يكون لها آثار في تغيير سلوك الإنسان، ودعا د. ارحابي إلى تأمل بعض الآيات القرآنية التي نجد فيها أن الشعائر الدينية دائما تردفها التعاملات، ففي سورة الحج يقول الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، فالله (سبحانه وتعالى) جعل العبادة وفعل الخير شرطين متلازمين من أجل تحقيق النجاح والفلاح والفوز والسعادة.
وأشار د. ارحابي أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين العبادة والأخلاق، فالعبادة هي التي تزكي نفس صاحبها، فعلى سبيل المثال إذا أقام الفرد صلاته كاملة وبخشوع، فإنها أثرها سنعكس على سلوكه وأخلاقه، فهي تطهر النفس البشرية، يقول تعالى: “وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ”، كما أن أداء العبادة يرتقي بالعبد كي يُقبَل عمله بإذن الله تعالى.
أما بالنسبة للصيام؛ فإن الإنسان فيه يتمرّس على الصبر ويسعى لتحقيق التقوى لكونها الغاية من الصوم، أما الزكاة فتؤلف بين قلوب الناس في المجتمع، حيث ينتشر الإحسان وتطهر النفوس، يقول تعالى: “خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا”، أما الحج فهو يعزز قيم العدل والمساواة بين البشر جميعا والتراحم والتكافل، يقول تعالى في سورة البقرة: “الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ”.
تعريف الصبر وفضائله
وحول تعريف الصبر ووروده في القرآن الكريم؛ قال د. ارحابي إن مادة “صَبَرَ” وردت في القرآن 103 مرات، حيث جاءت في صيغة الاسم والفعل، يقول تعالى: “يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ”، وقوله أيضا: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ”، وقوله: “وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ”، وقوله: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”، وقوله: “إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ”.
وأشار د. ارحابي إلى أن الصبر بمعناه العام هو حبس النفس على ما يقتضيه العقل والشرع، يقول تعالى: “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ”، فالصبر خلقٌ عظيم وله فضائل كثيرة ولا تعدّ ولا تحصى، يقول تعالى: “إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ”، فثواب الصبر عند الله سبحانه وتعالى.
والصابرون في معية الله، ومكانتهم عظيمة، يقول تعالى: “إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ”، ويقول أيضا: “وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ”، وقوله: “وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ”، والله علّق النجاح والفلاح والسعادة في الدنيا على الصبر، يقول تعالى: “الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ”، وقد ربط الله كل خصال وفضائل الخير بأهل الصبر.
وعدّد د. ارحابي بعض الآيات الأخرى التي تدلل على فضائل الصبر ومكانة الصابرين، قبل أن ينتقل لتعريف أنواع الصبر، وهي 4 أنواع: الصبر عن المعصية؛ وهذا هو صبر الصديقين، الصبر على الطاعة؛ وهذا هو صبر المثابرين، الصبر عند الغضب؛ وهذا صبر الأقوياء، الصبر عند المصيبة؛ وهذا هو صبر الأتقياء.
رمضان.. موسم الصبر
حول التخلق بخلق الصبر، لا سيما خلال شهر رمضان المبارك، قال د. ارحابي إن رمضان فرصة عظيمة لتربية الأنفس على خلق الصبر، وذلك من خلال الصبر عند الغضب، والتحكم في اللسان، والصبر على طاعة الله، والابتعاد عن معصية الله، والصبر على الابتلاء، فالصوم يعلّم الصبر، وثال قال النبي ﷺ: “الصوم نصف الصبر”.
واختتم د. ارحابي حديثه عن الصبر بما قاله بعض الصحابة والسلف الكرام عن الصبر، كقول عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): “وجدنا خير عيشنا بالصبر”، وقوله: “إنَّ أفضل عيش أدركناه بالصبر، ولو أنَّ الصبر كان من الرجال كان كريمًا”، كما أوضح د. ارحابي فضائل شهر رمضان وأبواب الخير الواسعة التي تُفتَح فيه ويجب ألا يفوّتها أي مؤمن.