أخبار أميركاأخبار العالم العربي

تحقيقات تكشف: إسرائيل استخدمت قنابل فوسفورية أمريكية الصنع

قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، إن الإدارة الأمريكية “قلقة” بشأن معلومات تم نشرها بشأن استخدام إسرائيل ذخائر الفسفور الأبيض أمريكية الصنع.

وأشار في تصريحات له اليوم الاثنين إن الولايات المتحدة “ستطرح أسئلة على إسرائيل لمحاولة معرفة المزيد من المعلومات حول هذا الأمر”.

وأضاف: “في أي وقت نقدم فيه مواد مثل الفسفور الأبيض إلى جيش آخر، فإننا نتوقع تماماً أنه سيستخدمها بما يتماشى مع الأغراض المشروعة، وبما يتماشى مع قانون الصراع المسلح”.

جاء ذلك بعد أن قالت صحيفة “واشنطن بوست” في تحقيق لها إن إسرائيل استخدمت قنابل فوسفورية، أمريكية الصنع، خلال هجوم شنته على جنوب لبنان في أكتوبر الماضي، مما أدى إلى إصابة تسعة مدنيين على الأقل، مشيرة إلى تأكيد جماعة حقوقية أنه يجب التحقيق في الأمر باعتباره جريمة حرب.

وعلقت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) على هذه التقارير بقولها إن الولايات المتحدة لم تزود إسرائيل بأي أسلحة فوسفورية منذ السابع من أكتوبر، ولا تستطيع التحقق إذا كانت الذخائر المذكورة في تقرير واشنطن بوست قد تم توفيرها لإسرائيل في السابق أم لا.

وبحسب “واشنطن بوست”، تتطابق رموز الإنتاج الموجودة على القذائف مع التسميات التي استخدمها الجيش الأميركي لتصنيف الذخائر المنتجة محليا، التي تظهر أنها صنعت في مستودعات الذخيرة في لويزيانا وأركنساس في عامي 1989 و1992.

كشف الحقيقة

وقالت صحيفة “واشنطن بوست” في تقريرها إنها كشفت عن هذا الأمر من خلال تحليل شظايا قذائف عُثر عليها في مكان الهجمات جنوب لبنان، مشيرة إلى أن صحفيًا يعمل لصالحها عثر على بقايا 3 قذائف مدفعية عيار 155 ملم أطلقت على قرية الديرة اللبنانية القريبة من الحدود مع إسرائيل، مما أدى إلى حرق أربعة منازل على الأقل.

وأوضحت أن القذائف، التي تطلق أسافين مشبعة بالفسفور الأبيض يحترق في درجات حرارة عالية، أنتجت دخانًا متصاعدًا لإخفاء تحركات القوات أثناء سقوطها بشكل عشوائي على منطقة واسعة.

ويمكن أن تلتصق محتويات الفسفور الأبيض بالجلد، مما يسبب حروقًا مميتة وأضرارًا في الجهاز التنفسي، وقد يكون استخدامه بالقرب من المناطق المدنية محظورًا بموجب القانون الإنساني الدولي.

وقالت الصحيفة إنه من بين المصابين التسعة الذين أصيبوا في الهجوم الإسرائيلي على قرية الديرة، تم إدخال ثلاثة على الأقل إلى المستشفى، أحدهم ظل يخضع للعلاج لعدة أيام.

وأكدت أن رموز الإنتاج الموجودة على القذائف تتطابق مع التسمية التي استخدمها الجيش الأمريكي لتصنيف الذخائر المنتجة محليًا، والتي تظهر أنها صنعت في مستودعات الذخيرة في لويزيانا وأركنساس في عامي 1989 و1992.

وأوضحت أن اللون الأخضر الفاتح وعلامات أخرى على القذائف – مثل “WP” المطبوعة على إحدى البقايا – تتطابق مع طلقات الفسفور الأبيض، بحسب خبراء الأسلحة.

وقالت إن طلقات الدخان M825، التي يتم إطلاقها من مدافع هاوتزر عيار 155 ملم، لها استخدام مشروع في ساحة المعركة، بما في ذلك إرسال إشارات إلى القوات الصديقة، وتحديد الأهداف، وإنتاج دخان أبيض يخفي الجنود عن أعين قوات العدو. لكن هذه الطلقات ليست مخصصة للاستخدام كأسلحة حارقة.

وأكدت أن هذه الأسلحة هي جزء من أسلحة عسكرية أمريكية بمليارات الدولارات تتدفق إلى إسرائيل كل عام، والتي غذت الحرب الإسرائيلية على حماس في قطاع غزة، وبدأت بعد هجوم المسلحين الفلسطينيين على إسرائيل في 7 أكتوبر الماضي. ويواجه تسليح بايدن لإسرائيل ردود فعل عنيفة مع تزايد الخسائر في صفوف المدنيين في غزة.

الليلة السوداء

وتصاعدت التوترات على طول الحدود الجنوبية للبنان بين القوات الإسرائيلية وحزب الله، الميليشيا المدعومة من إيران، من تبادل إطلاق النار محدود إلى تبادل شبه يومي لإطلاق النار في الأسابيع التي تلت 7 أكتوبر.

وأصبحت بلدة الديرة القريبة من الحدود التي يبلغ عدد سكانها 2000 نسمة، نقطة محورية للقتال، حيث تم استخدامها كنقطة انطلاق لهجمات حزب الله ضد إسرائيل.

وقُتل ما لا يقل عن 94 شخصًا على الجانب اللبناني من الحدود منذ تصاعد التوترات، وفقًا للبيانات الصادرة في 5 ديسمبر عن وزارة الصحة – 82 منهم من المسلحين، وفقًا لحزب الله. وبالإضافة إلى ذلك، قُتل ما لا يقل عن 11 إسرائيلياً، معظمهم من الجنود.

وتظهر الصور ومقاطع الفيديو التي تحققت منها منظمة العفو الدولية واستعرضتها صحيفة “واشنطن بوست” شرائط دخان الفسفور الأبيض المميزة وهي تسقط فوق قرية الديرة في 16 أكتوبر.

وفقًا للصحيفة فقد واصلت القوات الإسرائيلية قصف البلدة بذخائر الفسفور الأبيض لساعات، على حد قول السكان، وحاصرتهم في منازلهم حتى تمكنوا من الفرار حوالي الساعة السابعة من صباح اليوم التالي. ويشير السكان الآن إلى الهجوم باسم “الليلة السوداء”.

وفرّ معظمهم من البلدة عندما توقف القصف، وعادوا خلال توقف القتال لمدة أسبوع وفقًا للهدنة التي تم التوصل إليها في غزة، ثم غادروا مرة أخرى عندما استؤنف القتال.

وقال عدي أبو سريع، وهو مزارع يبلغ من العمر 29 عاماً، إنه ظل محاصراً في منزله لمدة خمس ساعات أثناء القصف، ولم يتمكن من التنفس بسبب الدخان، وعانى من مشاكل في التنفس لعدة أيام بعد الهجوم.

وأضاف: “طلبت منا خدمات الطوارئ وضع شيء مبلّل بالماء على وجوهنا، مما ساعدنا قليلاً على البقاء أحياء. وتابع: “لم أتمكن من رؤية إصبعي أمام وجهي.. أصبحت القرية بأكملها بيضاء”.

أسباب غامضة

ويعد الفسفور الأبيض سلاحًا حارقًا بموجب البروتوكول الثالث لاتفاقية حظر استخدام أسلحة تقليدية تحظر استخدامها ضد الأهداف العسكرية الواقعة بين المدنيين.

ويشتعل الفسفور الأبيض عند ملامسته للأكسجين ويحترق عند درجات حرارة تصل إلى 1500 درجة، مما قد يسبب إصابات خطيرة. أما المواد الكيميائية المتبقية منه في الجسم فيمكن أن تلحق الضرر بالأعضاء الداخلية، وأحياناً تكون قاتلة، وفقاً لتقرير هيومن رايتس ووتش .

ومن غير الواضح لماذا أطلق الجيش الإسرائيلي القذائف الفسفورية يومها على القرية حتى المساء، حيث أن الدخان لا يكون له فائدة عملية تذكر في الليل ولم تكن هناك قوات إسرائيلية على الجانب اللبناني من الحدود للتخفي بستائر الدخان.

ويتوقع السكان أن الفوسفور كان يهدف إلى تهجيرهم من القرية وتمهيد الطريق أمام نشاط عسكري إسرائيلي مستقبلي في المنطقة.

بينما قال الجيش الإسرائيلي في بيان له إن قذائف الفسفور الأبيض التي تطلقها إسرائيل تستخدم لخلق ستائر من الدخان، وليس للاستهداف أو التسبب في الحرائق. وقالت إن استخدامها للسلاح “يتوافق مع متطلبات القانون الدولي ويتجاوزها”.

لكن وفقًا لمحللين فإن القوات الإسرائيلية تمتلك بدائل أكثر أمانًا، مثل قذائف المدفعية M150، التي تنتج دخانًا ساترًا دون استخدام الفسفور الأبيض.

جريمة حرب

وقال خبراء القانون الإنساني إن الولايات المتحدة ملزمة بتتبع سلوك شركائها وحلفائها الذين يتلقون مساعدتها من أجل الامتثال للقانون الأمريكي. وأشاروا إلى أن استخدام الفسفور الأبيض مقيد بموجب القانون الدولي لأن النار والدخان يمكن أن ينتشرا إلى المناطق المأهولة بالسكان، وفقا لجماعات حقوق الإنسان.

وقالت تيرانا حسن، المديرة التنفيذية لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن “حقيقة أن إسرائيل تستخدم الفسفور الأبيض المنتج في الولايات المتحدة في جنوب لبنان يجب أن يكون مصدر قلق كبير للمسؤولين الأمريكيين”.

وأضافت: “يجب على الكونغرس أن يأخذ التقارير حول استخدام إسرائيل للفسفور الأبيض على محمل الجد بما يكفي لإعادة تقييم المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل”.

وقال مسؤولون في إدارة بايدن إن الولايات المتحدة لا تجري تقييمات في الوقت الحقيقي لالتزام إسرائيل بقوانين الحرب.

بينما قال مسؤول دفاع أمريكي إنهم على علم بالتقارير المتعلقة بالهجوم بالفسفور الأبيض، الذي وصفته منظمة العفو الدولية جزئيًا، والذي خلص إلى ضرورة التحقيق في الحادث باعتباره جريمة حرب.

وقال المسؤول: “نحن نأخذ التقارير حول الاستخدام غير القانوني له على محمل الجد”. وأضاف: “نواصل التأكيد على أهمية الامتثال للقانون الإنساني الدولي، علنًا وسرًا، في محادثاتنا مع شركائنا الإسرائيليين”.

جرائم سابقة

وقالت “واشنطن بوست” إنه في عام 2009، وثقت هيومن رايتس ووتش استخدام إسرائيل لذخائر الفسفور الأبيض أمريكية الصنع في انتهاك للقانون الدولي، أثناء هجومها الذي استمر 22 يومًا على غزة.

وقالت الصحيفة إن واحدة على الأقل من القذائف التي عثرت عليها في الديرة جنوب لبنان كانت من نفس دفعة الفسفور الأبيض التي استخدمتها إسرائيل في عام 2009.

وفي عام 2013، تعهد الجيش الإسرائيلي بالتوقف عن استخدام الفسفور الأبيض في ساحة المعركة، قائلا إنه سيتحول إلى قذائف دخان تعتمد على الغاز.

واستخدمت إسرائيل الذخيرة أكثر من 60 مرة في المناطق الحدودية اللبنانية خلال الشهرين الماضيين، وفقًا للبيانات التي جمعتها ACLED، وهي مجموعة تراقب مناطق الحرب.

وقال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي في 2 ديسمبر الجاري إن استخدام إسرائيل للذخيرة “أدى إلى مقتل مدنيين وألحق أضراراً لا يمكن إصلاحها بأكثر من 5 ملايين متر مربع من الغابات والأراضي الزراعية، بالإضافة إلى إتلاف الآلاف من أشجار الزيتون”.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى