رأي

ترامب يفتح الباب للفوضي المخربة في شمال شرقي سوية ..

دكتور حسن عبد ربه المصري *

لا ينكر أحد أن القرار الذي إتخذه الرئيس الأمريكي بسحب قوات بلاده من شمال شرقي سورية ، جاء مفاجأ للجميع بما فيهم بعض مستشايه .. كما جاء علي غير اتفاق مع وزير دفاعه جيمس ماتيس ، الذي استقال بعد ساعات من إعلانه ..

كما لا ينكر أحد أن الساحة الإعلامية ازدحمت  بالعديد من التفسيرات والتوقعات التى أجمعت في كلمة موجزة علي ان القرار يحمل نسبة كبيرة من عدم الصواب ويبتعد عن التوقيت المناسب ” للإنسحاب الأمريكي من سورية ” في هذه الآونة التى تمر بمنطقة الشرق الأوسط من ناحية وبالتحالفات المرتقبة بين عدد كبير من مكوناتها من جهة ثانية ..

التخمينات ذهبت إلي مناحي كثيرة ..لكن واحدة منها لم تنظر إلي منطقة الشمال الشرقي من سورية الملاصقة للعراق من زاوية ما يٌتوقع أن تخلقه خطوات انسحاب القوات الأمريكية من فوضي مدمرة ، وليست ” خلاقة ” كما وصفت كونزاليزا رايس هذه الحالات التى رتب البعض لإندلاعها في اكثر من دولة عربية قبل عام 2010 ..

سحب القوات من شأنه كما أشار الكثيرون أن يٌمهد الأرض لصدام لا بد منه بين الميليشيات الكردية من ناحية والقوات التركية وبينها وبين القوات المسلحة السورية من ناحية أخري ..

هذه الميلشيات التى أعلن عن قيامها بمدينة القامشلي في شهر اكتوبر 2015 .. والتى إحتضنتها القوات الأمريكية وأمدتها بالمال والسلاح ودربتها علي القتال للوقوف أمام فصائل داعش ، كانت تُمني النفس بأن تواصل الإدارة الأمركية دعمها حتى يتحقق لها حلم ” إدارة شئونها ذاتياً ” ضمن النتائج التى ستترتب إن عاجلاً أو أجلاً علي الحل السياسي للأزمة السورية .. ولكنها فوجئت بقرار سحب القوات الأمريكية ووقف الدعم الجوي الذي كان يقدم إليها في حربها تلك ، دون ان تحصل علي ضمانات كافية لدي الطرف السوري او التركي ..

تقول الحسابات ، أن هذه الميلشيات الكردية ..ليس أمامها بديل وليس لديها القوة التي تجعلها قادرة علي اقناع واشنطن بتأجيل بدء تنفيذ هذا القرار لفترة من الزمن حتي تعيد ترتيب أوضاعها فوق الأرض ..

فهي من ناحية لا تضمن أي اتفاق مع أنقرة التى تصفها بالجماعات الإرهابية باعتبارها إمتداد لحزب العمال الكردي المناوئ لسلطة تركيا والساعي إلي اقامة دولة للآكراد جنوبي تركيا ..

كما لا تضمن مستقبل علاقتها مع دمشق التي وقفت في طريقها لفترات طويلة منذ أكتوبر 2015 ، لأنها  أيضا لا تثق في وعودها بنسبة تجعل مستقبل ” ايامهما القادمة ” مشرقاً إلي حد ما ..

هذا الوضع الذي وجدت فيه الميليشيات الكردية نفسها دون مقدمات ، هو الذي سيفجر منطقة شرقي الشمال السوري ويحول أراضيه إلي فوضي مدمرة لن تتوقف آثارها عند حدود سورية الشرقية حيث المخزون الأكبر لثروات البلاد من النفط والغاز ، بل من المؤكد أنها ستنتقل إلي الجارتين العراق من ناحية وتركيا من الناحية الثانية ..

المخطط إذن هو .. ان تشتعل هذه المنطقة التى تتشارك فوقها حدود ثلاث دول ..

إذا استبعدنا انقرة التي ليس لديها إستعداد للتفاهم لا مع حكومة دمشق ولا مع الميليشات الكردية .. تصبح النقطة المحورية في هذا السياق ، هي حجم التنازلات التى يمكن ان تقدمها الميليشيات الكردية لحكومة دمشق برعاية روسية

هذه التنازلات التي تبدأ بالانضواء تحت راية القوات المسلحة السورية والإلتزام بخططها التحريرية هي التى دفعت دمشق إلي الاعلان – مساء 27 ديسمبر الحالي – عن دخولها مدينة ” منبج ” بالتسنيق مع قيادات هذه الميليشيات لأول مرة منذ ست سنوات ، الأمر الذي رفض أن يؤيده الرئيس التركي ..

ليس هناك تفسير أولي لهذه الخطوة ، إلا تبني ما تسرب من أخبار تقول أن قيادات كردية كبيرة سارعت بالتواصل مع دمشق عن طريق الوسيط الروسي وقدمت تصور ما لشكل ونوعية التنسيق بين الطرفين في الأسابيع القادمة ..

دمشق يهمها في ضوء هذا التوصل ان تضمن وقوف طهران علي الحياد ، مقابل تعهد القيادات الكردية بعدم إشعال القلاقل لإيران في المنطقة الكردية الإيرانية .. وبعدم تبني شعارات أبناء هذه المنطقة التى يطالب سكانها بالكفاح المسلح لتحقيق الإستقلال ..

أما علي الجبهة التركية فمن المتوقع ان تتطرق خطي النسيق إلي مدي قدرة هذه الميليشيات علي تحمل مسئولية الدفاع عن الحدود السورية / التركية المشتركة ضد اطماع ومخططات انقرة ، دون الإنخراط في عمليات تجمع بينها وبين العناصر التركية الكردية المسلحة سواء كانت مستقلة او تابعة لحزب العمال التركي ..

من الطبيعي ان تتقلص موجات الفوضي في شمال شرقي سورية ، إذا ضمنت طهران أن تكون عمليات الميليشيات الكردية السورية في حدود الأراضي السورية .. وووثقت في قدرة دمشق علي احكام قبضتها علي تحركاتها من الآن وحتي تضع الحرب الأهلية السورية أوزارها ..

ويبقي الطرف التركي ، الذي لن يرضي بأقل من تدمير قدرات الميليشيات الكردية السورية لأسحلتها الثقيلة قبل ان يتعهد لروسيا بوقف عملياته النوعية في هذه المنطقة المتاخمة لحدوده ، وإلا ساهم بقوة في إشعال نيران الفوضي المدمرة حتى لو كان ذلك علي حساب الحكومة السورية وحليفتها الإيرانية ..

[email protected]


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى