اقتصادالراديو

أزمة اقتصادية في تركيا.. هل ينجح أردوغان في تجاوزها أم تطيح به؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

قبل أكثر من 20 عامًا شهدت تركيا أزمة اقتصادية طاحنة بسبب زيادة نفقات الحكومة والديون الخارجية، ففي 2000-2001 وصلت نسبة التضخم إلى 33%، وفقدت الليرة التركية أكثر من 44% من قيمتها في يوم واحد، وقتها جاء رجب طيب أردوغان واستلم رئاسة الحكومة ووعد بإخراج البلاد من أزمتها الاقتصادية ونجح في ذلك بالفعل.

والآن بدأت أزمات تركيا تتصاعد، وأصبح عام 2021 هو أحد أسوأ الأعوام على الإطلاق بالنسبة للاقتصاد التركي، حيث فقدت الليرة أكثر من 40% من قيمتها، ويمكن القول إنها فقدت أكثر من 100% من قيمتها خلال الثلاثة أشهر الأخيرة إذا ما قورنت بسعر الصرف في أغسطس من العام الماضي.

ومع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له منذ 20 عامًا، ارتفعت أسعار السلع الأساسية بشدة، حيث ارتفع بعضها بنسبة 75%، والبعض الآخر بات يباع بثلاثة أضعاف سعره.

ويحاول أردوغان السيطرة على الأزمة من خلال إجراءات لدعم المواطن لكن التضخم يواصل استنزاف جهوده، فهل ينجح أردوغان في تجاوز هذه الأزمة؟، وهل تشكل خطرًا على مستقبله السياسي؟.

إجابات هذه الأسئلة وأكثر كانت ضمن حلقة مهمة من برنامج “الناس والاقتصاد” مع الخبير والمحلل الاقتصادي جلال بكار، مستشار الاقتصاد والاستثمار والمتخصص في الشأن التركي.

أبعاد الأزمة

* بدايةً؛ ما هي طبيعة الأزمة الحالية في تركيا من تضخم وانهيار لسعر الليرة؟، وكيف بدأت وتطورت؟

** بالنسبة لليرة التركية يجب علينا أن نصحح مفاهيم الانهيار، لأن الانهيار معناه الوصول إلى القاع الاقتصادي. وليس الأمر يتعلق فقط بالليرة، فالليرة التركية هي جزء من الاقتصاد وليست هي الاقتصاد التركي.

كما أن ارتفاع الدولار مقابل كافة العملات وزيادة التضخم على مستوى العالم هو ما يجبر عملات الاقتصادات الناشئة في دول مثل البرازيل والصين على الانخفاض.

فيما يخص الاقتصاد التركي وبالرغم من الركود الذي يمر به الآن، والذي من المحتمل أن يؤثر على الانتخابات القادمة، إلا أنه قد نجح فعليًا في إحداث نمو في القطاع الصناعي والإنتاج والتكنولوجيا، وهناك عدة مدن في تركيا ارتفعت صناعيًا بأكثر من 100٪ في خلال 18 سنة، إذ تم إنشاء 349 منشأة صناعية، وأكثر من 79 منشأة مختصة بالتكنولوجيا، و22 مدينة صناعية وغيرها.

* إذن أنت لا ترى وجود أزمة حقيقية في الاقتصاد التركي؟

** اليوم، الاقتصاد العالمي بأكمله يعيش أزمات، والاقتصاد التركي جزء من الاقتصاد العالمي، ومن الطبيعي جدًا أن يعيش أزمة مثله مثل أي اقتصاد، ولكن أن نقول إن ما يعاينه الاقتصاد التركي هو انهيار، فهذا مجحف جدًا بحقه، لأن الصادرات التركية لا تزال تحقق أرقامًا كبيرة جدًا، وصلت إلى 225 مليار دولار خلال السنة الماضية، ولدينا أيضًا نمو في القطاع الصناعي يُقدر بـ 8.2٪، وهذا رقم كبير خاصةً بعد جائحة كورونا.

عجز الميزان التجاري

* دعني أرد عليك بالأرقام، إذ سجلت تركيا عجزًا كبيرًا في ميزانها التجاري (الفرق بين قيمة الصادرات والواردات) في أول 4 شهور من 2021، بقيمة 14.13 مليار دولار، وسط استمرار ارتباك واضح في تجارتها، وفقًا لمسح أجري استنادًا إلى بيانات وزارة التجارة التركية وهيئة الإحصاء، فكيف تقول إن الاقتصاد التركي لا يمر بحالة سيئة؟

** وصول العجز في الميزان التجاري لتركيا إلى 15 مليار دولار هذا عجز تاريخي، لأننا في 2016 كنا نتحدث عن عجز بقيمة 79 مليار دولار، وفي 2013 كان أكثر من 110 مليارات، وهذا يعني أن الحكومة التركية تتحرك في الاتجاه الصحيح.

أنا لا أقول إن الاقتصاد التركي اليوم هو خارج دائرة الأزمات، ولكنه في الاتجاه الصحيح للخروج من الأزمات، لأن الاقتصاد التركي لديه أزمات فيما يخص الوقود والطاقة وغيرها، وهذا هو ما يؤثر عليه بشكل مباشر سلبًا.

ولكن تركيا اليوم ليست هي تركيا قبل أن تحقق النهضة التنموية الكبيرة في مختلف مجالات الصناعة، وخاصة صناعة الأسلحة، واليوم أصبحت لديها إيرادات كبيرة بالنقد الأجنبي، مما سيؤمن الاحتياطي الأجنبي لديها بصورة أكبر ويخفف من تأثير الأزمات.

* ألا يعتبر نقص الصادرات هو أحد أسباب الأزمة الاقتصادية في تركيا، واعتمادها على الواردات، وهو ما تسبب خلال هذه الأزمة في ارتفاع الأسعار؟

** لا، على العكس تمامًا، فاليوم الصادرات التركية تحق أرقامًا تاريخية بالنسبة للجمهورية التركية، ونوعية هذه الصادرات الرئيسية على المستوى الدولي هي من المواد الأساسية؛ مواد غذائية ومواد البناء والتكنولوجيا والكيماويات، وهذه مواد استراتيجية وليس كماليات.

ثانيًا فإن الأرقام تقول لنا إن الاقتصاد التركي حي وهناك منشآت اقتصادية وصناعية تعمل باستدامة اقتصادية مؤمَنَة من الحكومة، وهناك حوكمة اقتصادية فيما يخص القطاع الصناعي والإنتاجي، والصادرات تدل على أن هناك حركة استراتيجية في الاقتصاد التركي.

خفض أسعار الفائدة

* إذن لماذا يصرّ الرئيس أردوغان على خفض أسعار الفائدة في البنوك، وهناك من يقول إن سياساته هي من تسببت في الأزمة الحالية؟

** صحيح، لأن سياسات الرئيس أردوغان اليوم لم تعد تعجب البنوك المركزية، مثل البنك المركزي الأمريكي، خاصةً وأن البنوك المركزية باتت تتحكم في القطاعات الاقتصادية والحكومات.

فمثلًا حجم الدين العالمي وصل إلى مراحل قياسية عند 281 تريليون دولار، أي ارتفع بـ 3.52٪ من حجم الاقتصادات المتقدمة، وهي من استحوذت على الجزء الأكبر من الديون الحكومية، وخاصة أمريكا والصين.

وهذه مؤشرات تدل على أن الحكومات أصبحت هي من تستدين من القطاعات البنكية والمالية، وهذا خطر كبير جدا ومؤثر على القرار الاقتصادي في أي مكان وزمان.

لكن الرئيس أردوغان عنما يصرّ على خفض الفائدة وحرب الاستقلال الاقتصادي كما قال عنها، هنا لا يمكن للقطاعات المالية والبنكية أن تسيطر على شكل أو نوعية الاقتصاد التركي.

المواطن والأزمة

* كيف يتفاعل المواطن التركي مع الأزمة، وما مدى تحمله لعواقبها؟

** كانت هناك أزمة قبل تحديد الحد الأدنى للأجور لسنة 2022 بـ 4230 ليرة تركية، تقريبًا ارتفع الحد الأدنى للأجور بأكثر من 50٪ بعد أن كان تقريبًا بـ 2300 ليرة، وأعتقد أن هذه الأرقام اليوم أصبحت متناسبة مع التضخم الحادث في تركيا وفي العالم أجمع.

لكن اليوم نرى ثقة الشعب التركي تزداد بعدما خطب أردوغان وتحدث عن ضمانات سعر صرف الليرة من الحكومة التركية وما يخص النقد الأجنبي للشعب، وهذا كان دافعًا أكبر للشعب التركي، وفي خلال 24 ساعة فقط تم تحويل أكثر من مليار دولار إلى ليرات.

* ولكن انخفاض الدولار أمام الليرة بعد هذا الخطاب كان انخفاضًا مؤقتًا، أتبعه ارتفاع آخر، فكيف رأيت الأمر من وجهة نظرك؟

** قال الرئيس أردوغان إننا سنتجه لتحطيم فقاعة التضخم، مثلما فجرنا فقاعة سعر الصرف، فسعر الصرف كان مرتهنًا وريعيًا فيما يخص الفائدة المرتفعة، ولكن عندما انخفضت الفائدة وخرجت الليرة التركية من ريعية الفائدة المرتفعة، أصبح لدينا ليرة تركية بحجم الاقتصاد وليست بحجم الفائدة، فالاقتصاد التركي يعيش اليوم حريته وحقيقته، فهو ليس اقتصاد نفطي ولا اقتصاد ريعي مرهون بالقطاعات المالية.

اليوم؛ عندما انخفضت الليرة التركية ليصبح الدولار بـ 18 ليرة، فإن ذلك كان أشبه بمحاولة انقلاب اقتصادي، ولكن الرئيس عندما أعلن عن تفاصيل هذا الانقلاب فإن الأمر قد تكشف بوضوح للناس.

* هل تشير إلى حدوث ضغوط سياسية على تركيا من قبل دول معينة بسبب ملفات معينة؟

** نعم، طبعًا، ودعيني أشرح مثالًا، فعندما يأخذ أحد الأشخاص قرضًا من الاتحاد الأوروبي بنسبة فائدة 1٪ خلال 3 سنوات، ثم يجلب هذا القرض إلى الاقتصاد التركي الذي تعطي بنوكه فائدة بقيمة 20٪، فهذا يعني أن الشخص قد ربح 19٪، من سيدفع فرق هذه الفوائد؟، طبعا الحكومة التركية.

التأثير على الاستثمار

* هناك العديد من المستثمرين العرب، وهنا أيضا في أمريكا، ربما يجذبهم الاستثمار في تركيا، وشراء العقارات، فما مدى تأثير الأزمة على الوافدين إلى تركيا؟، سواء المستثمرين أو ملاك العقارات أو السائحين؟

** أريد بدايةً أن أنوّه إلى أن لكل اقتصاد نموذجه وبيئته الخاصة به، فالاقتصاد التركي له بيئته المختلفة عن الاقتصادات في الخليج أو أوروبا، لأنه اقتصاد ذو نموذج متوسط ما بين الاقتصادات الأوروبية والاقتصادات في المنطقة العربية.

وتنقسم الخارطة التركية إلى قسمين؛ هناك مختصة بالاستثمار ومناطق تتصف بالاستقرار، فعلى صعيد العقارات مثلًا هناك مناطق لا تتأثر بسعر صرف الليرة تقريبًا، وإنما يتم التعامل بالنقد الأجنبي أو ما يقابل قيمته بالليرة التركية، وهذا معترف به، وهي المناطق الساحلية ذات الطابع السياحي.

ثانيًا، يجب أن نسأل قبل الاستثمار في أي دولة عن القطاعات التي تدعمها الدولة للاستثمار، ومن خلال هذه القطاعات ندخل للاستثمار فيها، وأنا انصح المستثمرين ألا يدخلوا أي فكر استراتيجي خارجي للاستثمار به في داخل الاقتصاد التركي، لأنه حتمًا لن ينجح.

بشكل أو بآخر، أقول إن الاقتصاد التركي هو اقتصاد متعدد مصادر الدخل، واقتصاد متنوع بشكل استراتيجي، ونموذج هذا الاقتصاد يعتمد على التصدير، وكذلك استيراد بعض المواد الاستراتيجية لتتمة العملية التصنيعية، لذا يجب دراسة المناخ الاقتصادي التركي جيدًا قبل الدخول به، وحساب المخاطر من خلال الموجهين الاقتصاديين والاستشاريين والخبراء.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى

اشترك مجانا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد

نحترم خصوصية المشتركين