أخبارأخبار العالم العربي

“بن علي هرب”.. تسجيلات تكشف تفاصيل اللحظات الأخيرة للرئيس التونسي الأسبق

سيظل الرابع عشر من يناير 2011 لحظة فارقة في تاريخ تونس والدول العربية ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها. ففي هذا اليوم غادر الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي بلاده بعد احتجاجات عارمة ضد حكمه.

وبصرخة شهيرة شقت سكون الليل أعلن أحد المتظاهرين أن “بن علي هرب”، ليعلن التونسيون نجاح ثورتهم والتي كانت بداية لما عرف فيما بعد باسم ثورات الربيع العربي، والتي سرعان ما انتقلت إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا وفيما بعد السودان والجزائر.

ورغم مرور أكثر من عقد من الزمان على هذه الأحداث لازالت الكثير من تفاصيلها وخباياها لم تعرف بعد، وعامًا بعد عام تتضح المعالم وتظهر تفاصيل توضح للناس جزءًا من معالم الصورة التي لازالت غير واضحة حتى الآن.

في هذا الإطار أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية (BBC) حصولها على تسجيلات مثيرة قالت إنها عبارة عن مكالمات هاتفية أجراها زين العابدين بن علي أثناء مغادرته البلاد جوًا في عام 2011.

وتظهر التسجيلات تفاصيل اللحظات الأخيرة لسقوط حكم بن علي وانهيار سلطته وحكمه الفردي الذي استمر 23 عامًا، وكيف أن هذا الرئيس المستبد تحوّل إلى إنسان مرتبك يتحرك تحت رحمة تعليمات وزرائه في لحظاته الأخيرة في السلطة.

التحقق من صحة التسجيلات

وقالت “بي بي سي” إن التسجيلات تظهر فيها أصوات بن علي، ووزير الدفاع رضا قريرة، وقائد الجيش رشيد عمار، وكمال الطيف وطارق بن عمار المقربان من بن علي.

ونوهت إلى أن الطرف الرئيسي في التسجيلات (بن علي) توفي في المنفى عام 2019، فيما امتنع رضا قريرة ورشيد عمار عن التعليق على التسجيلات، رغم أن مضمونها يتفق مع تصريحات سابقة لهما قالا فيها إنهما تحدثا إلى الرئيس أثناء وجوده على متن الطائرة.

أما كمال الطيف وطارق بن عمار فقد نفوا أن تكون الاتصالات معهما قد حدثت، وشككوا بشدة في مصداقيتها.

لكن “بي بي سي” أكدت أنها أمضت أكثر من سنة في إجراء بحوث للتحقق من صحة التسجيلات، حيث عرضتها على خبراء الأدلة الجنائية الصوتية في المملكة المتحدة والولايات المتحدة لتحليلها والتحقق من مصداقيتها.

وقالت إن هؤلاء الخبراء بحثوا عن أي علامات أو مؤشرات للتلاعب أو التحوير، أو وجود أي معالجات للأصوات، ولم يتمكنوا من العثور على أي دليل على حدوث أي نوع من التلاعب أو العبث فيها.

كما أشارت إلى أنها أطلعت عددًا من الأشخاص الذين يعرفون الأفراد المعنيين على محتوى التسجيلات، وقالوا إن الأصوات الواردة فيها حقيقية، ولم يثيروا أي مخاوف بشأن مصداقية التسجيلات.

تفاصيل التسجيلات

تبدأ التسجيلات التي نشرتها “بي بي سي” مساء يوم 13 يناير 2011، وهو اليوم الذي بلغت فيه الاحتجاجات ذروتها بعد مقتل نحو 100 شخص، وأولها مكالمة يعتقد أن بن علي أجراها مع قطب الإعلام المقرب منه طارق بن عمار، يستطلع خلالها رأيه حول الخطاب المتلفز الذي ألقاه بن علي يومها لتهدئة المتظاهرين، وأطلق خلاله عبارته الشهيرة “فهمتكم”. وخلا المكالمة بدا بن علي مطمئنًا بينما كان بن عمار يثني على خطابه قائلًا له: “كنت رائعا، هذا هو بن علي الذي كنا ننتظره!، أنت رجل الشعب. أنت تتحدث لغتهم”.

لكن خطاب بن علي لم ينجح في تهدئة الاحتجاجات التي اشتدت وتيرتها، وكاد المتظاهرون أن ينجحوا في اقتحام مقر وزارة الداخلية، وهو ما دفع لبدء ترتيبات لنقل أسرة بن علي جوًا إلى خارج البلاد حفاظًا على سلامتهم، وتم إقناع بن علي بمرافقتهم.

وخلال وجوده على الطائرة أجرى بن على عدة اتصالات يطمئن من خلالها على الأوضاع، ومن بينها اتصال يعتقد أنه أجراه مع وزير دفاعه رضا قريرة والذي فاجأه بقوله بأن الوزير الأول أصبح رئيسًا مؤقتًا، حتى أن بن علي طلب من قريرة تكرار هذه المعلومة ثلاث مرات، قبل أن يطلب نصيحته بشأن العودة إلى تونس، فأخبره أنه يمكنه العودة إذا أراد ذلك.

وبعد ذلك، اتصل بن علي بصديقه المقرب كمال لطيف وأخبره أن وزير الدفاع طمأنه بأن الوضع تحت السيطرة، ولكن لطيف نفى ذلك وأخبره بصراحة أن الوضع يتغير بسرعة وأن قوات الجيش المتواجدة في الشارع لا تكفي للسيطرة على الأوضاع. فسأله بن علي: “هل تنصحني بالعودة الآن أم لا؟”، وكرر السؤال 3 مرات قبل أن يجيب لطيف بأن “الأمور ليست جيدة”.

وأجرى بن على الاتصال الثالث بقائد الجيش، رشيد عمار الذي طمأنه بأن “كل شيء على ما يرام” فسأله بن علي نفس السؤال حول ما إذا كان عليه العودة إلى تونس الآن، فأخبره أنه من الأفضل له الانتظار بعض الوقت، قائلًا له: “عندما نرى أنه يمكنك العودة، سنخبرك سيدي الرئيس”.

ثم عاد بن علي واتصل بوزير الدفاع مرة أخرى، وسأله عن إمكانية العودة فأجابه هذه المرة بصراحة أنه “لا يمكنه ضمان سلامته” إذا فعل ذلك.

وكشفت “بي بي سي” أن طائرة بن علي هبطت في مطار جدة بالسعودية بعد منتصف الليل بقليل، وتم نقله مع أفراد أسرته إلى قصر ضيافة الملك فيصل في جدة، وأمر الرئيس التونسي الطيار بالاستعداد لرحلة العودة، ولكن الطيار عصى الأمر، وأقلع بالطائرة عائدًا إلى تونس.

وفي صباح اليوم التالي 14 يناير بدا المشهد مختلفًا تمامًا، وعاد بن علي ليتصل بوزير دفاعه مرة أخرى ليستفسر منه عن إمكاني العودة لتونس، لكن وزير الدفاع كان أكثر صراحة معه هذه المرة، وقال له إن الحكومة فقدت السيطرة على الأوضاع وأن هناك غضب كبير يسود الشوارع، وهناك أقاويل عن حدوث انقلاب. وبدا بن علي متأثرًا وهو يحاول الدفاع عن نفسه قائلًا: “ماذا فعلت للشارع؟ لقد خدمته”.

وبعد هذه المكالمة بساعات تم الإعلان عن ساعات، تشكيل حكومة جديدة في تونس احتفظ فيها العديد من الوزراء السابقين بمناصبهم، بمن فيهم وزير الدفاع. أما بن علي، فلم يعد إلى تونس، وبقي في منفاه بالسعودية حتى وفاته في عام 2019.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى

اشترك مجانا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد

نحترم خصوصية المشتركين