يُعرف اليمن السعيد، كما يُطلق عليه، بأنه أهم بلدان العالم التي ذُكرت في صفحات التاريخ الإنساني القديم وحتى الحديث والمعاصر في شتى أنحاء العالم، وأشارت إليها مختلف الدراسات التاريخية في مختلف الجامعات العالمية، باعتبار الحضارات القديمة التي سكنت أرضها على مدى قرون طويلة تمثل جزءًا مهمًا وفريدًا من تاريخ الحضارة الإنسانية ككل مما جعل الكثير من مدنها ضمن قائمة التراث الإنساني العالمي.
إلا أن معالم اليمن الأثرية، وتاريخها الضارب جذوره في أعماق التاريخ، لم يشفع لها أمام بعض اليمنيين أنفسهم من تجار ومافيا التهريب على مدي الخمسة عقود الماضية.
فلم تتعرض أي حضارة إنسانية على سطح الكوكب لنهب وتدمير كما حدث مع بلاد اليمن وأرض سبأ وحمير وقتبان وحضرموت وشبوة، وغيرها من الدول القديمة التي سكنتها.
الأغرب في هذا الجانب أن حكايات كثيرة ومؤلمة عن نهب أثار اليمن لم تروى بعد، ولم يُسمح لها أن تظهر على السطح في وسائل الإعلام، لأنه كما يقال في المثل الشعبي اليمني (حاميها حراميها)، وهذا جزء من قتامة الواقع اليمني واختلافه عن غيره في دول العالم.
بالطبع يعرف الكثيرون في العالم أن تاريخ اليمن القديم حافل بحضارات إنسانية عظيمة وفريدة، وحافل أيضًا للأسف الشديد بحكايات نهب منظم ومستمر لآثارها وتراثها الحضاري المتميز.
ومع أن عصابات ومافيا تهريب الآثار قد تنشط في بعض الدول العربية والدول الأخرى وتقودها عصابات متخصصة، إلا أن تجارة الآثار في اليمن (بدون مبالغة) تعرضت للنهب والتهريب للخارج بشكل ممنهج من قبل الدولة، أو بالمعنى الأصح من قبل رموز وكبار قادة الدولة، وقادة الجيش، ومشائخ ووجهاء هذا البلد، خلال الخمسة العقود الماضية.
وعلى سبيل المثال قبل أيام كشفت وثائق مسربة من الخارج عن تورط أحد وزراء الشرعية في تهريب قطع أثرية للخارج، فلم يكن الأمر بمستغرب لدى الكثيرين، لاسيما المختصين في مجال الآثار، وحتى بعض الصحفيين ممن يعرفون منهجية النهب المنظم لآثار اليمن من قبل رموز النظام السابق، ويعرفون أيضًا أن معمر الإرياني لم يكن أول من تورط في تهريب آثار يمنية إلى الخارج، ولن يكون الأخير في سلسلة المسئولين في نظام ما تسمى بالشرعية، كرموز كانت ومازالت في رأس نظام صالح وخلفه هادي (دون تسييس للحقيقة).
فخلال السنوات الأخيرة تم ضبط كميات كبيرة من القطع الأثرية النفيسة التي لا تقدر بمال في منازل عدد من كبار المشائخ في شمال اليمن، بل حتى قادة عسكريين كبار استغلوا سلطاتهم التنفيذية في تهريب أهم نفائس التراث الإنساني الموجود في بلاد العربية السعيدة، التي تكتنز تاريخ وإرث حضاري كبير وقديم جعلها من أكثر دول الشرق الأوسط التي تحوي آثارًا ومعالم تاريخية لا تحصى، خلفتها عشرات الدول والحضارات القديمة، التي سكنت أرضها على مدى قرون طويلة، تمتد إلى ما قبل الميلاد وبداية نشأة الحضارات الإنسانية.
وهذه هي الحقيقة المؤلمة التي لا يمكن وصفها، وقد يصعب تصديقها، لاسيما وأن القصة والحكاية أكبر من مجرد تاجر وقطعة أثرية تنتزع جزءًا من التاريخ وتبتر أعماق الماضي من أجل المال، نعم في اليمن القصة مؤلمة ومختلفة والتاريخ ينزف بلا رحمة.
ومازلت التفاصيل كفيلة بأن تصدم القارئ عندما نعرض بعضها في حلقات قادمة قصيرة عن منهجية نهب الآثار اليمنية، والتي مازالت مستمرة بامتياز مع مرتبة الشرف.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع