رأي

اتفاقيات صاخبة وطفولة صامتة

بقلم/ حسام عبد القادر

“اتفاقيات صاخبة وطفولة صامتة” عنوان صادم ومؤثر ويدعو للتأمل في حال الأطفال خاصة بعد جانحة كورونا.. هذا العنوان الذي خصصه مؤتمر دولي مهم أقيم على مدار أربعة أيام من 1 إلى 4 سبتمبر الجاري، على منصة زووم، ونظمته المجموعة الأمريكية للتدريب والمؤتمرات والاستشارات، تحت رعاية الاتحاد الأمريكي الدولي للتعليم.

لا شك أن تنظيم الفعاليات في هذه الفترة الحساسة من تاريخ البشرية وسط جائحة كورونا يعد مغامرة وتحدي بكل المقاييس، وكان المفترض أن يقام المؤتمر في الولايات المتحدة الأمريكية لولا ظروف كورونا، ولكن المنصات الإلكترونية أصبحت بديلا لا غنى عنه، رغم أنها لا تعطي المردود المطلوب من التفاعل الواقعي والحقيقي بين المشاركين في فعالية واحدة.

أعجبني وجود اهتمام وتركيز على الطفل بعد جائحة كورونا وهو ما تغافل عنه كثيرون وسط زحمة الوباء وتداعياته، ولكن استطاع كل من الدكتورة تمارة عمر القولاغاصي رئيسة المجموعة الأمريكية للتدريب، والكاتب الصحفي حسين دعسة مدير المجموعة، أن يلفتا النظر بقوة إلى أهمية حماية الأطفال خاصة في مناطق النزاعات والصراعات، والأطفال اللاجئين.

ووضعا شعارًا للمؤتمر وهو “الإيمان بحق الأطفال في الحياة رغم كل شيء”، خاصة في ظل ما تركته جائحة كورونا من تداعيات على الأطفال والأسرة وتفكك المجتمعات الصغيرة نتيجة فقدان الرعاية والحماية والطعام والغذاء والدواء.

ناقش المؤتمر وضع أطفال العالم الآن، وكيف يمكن استشراف المستقبل في مجال حمايتهم ورعايتهم مع تداعيات كورونا وآثارها على أمن وأمان الطفل، وماذا بعد احتفاء العالم العام الماضي بالذكرى الثلاثين لاتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل التي تدخل حيز التنفيذ أثناء وبعد جائحة كورونا.

تابعت المؤتمر وتوصياته بشغف، وفوجئت بعدد المنظمات المشاركة وعدد المشاركين، وهو جهد كبير لإدارة المؤتمر أن تجمع هذا العدد 18 سفيرًا، و35 أكاديمي و35 خبيرًا، وممثلون لمنظمات مثل: منظمة الأمم المتحدة (الالسكوا) والمنظمة الأمريكية الألمانية للتنمية الاجتماعية والسلام، ومنظمة التربية والمنظمة الفرنسية التونسية للتربية والأسرة فرع باريس، ومنظمة الأسرة العربية، وعدة منظمات دولية، وكل ذلك عبر منصة برنامج زووم، وهو اهتمام عالمي جدير بالإعجاب.

ولمن لا يعلم، فإن آخر القرن العشرين صدرت اتفاقية دولية لحقوق الطفل بتاريخ 20 نوفمبر 1989 شكلت القاعدة الدولية والمنظومة التشريعية الخاصة بقطاع الطفولة، وأقرت الجمعية العام للأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل، والتي اعتبرت على نطاق واسع بأنها إنجاز بارز لحقوق الإنسان، وتم اعتماد الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل ذات الطابع الإلزامي التي تضمنت جميع المواد والنصوص الصادرة لصالح الطفل.

تضمن الاتفاقية الحقوق والمبادئ المعلنة للطفل على والديه والمجتمع والدول والمنظمات الدولية وبينت الاتفاقية كيفية نشر مبادئها وأحكامها وكيفية إنشاء اللجنة الخاصة بحقوق الطفل ومهامها وكيفية وضع الدول الأطراف تقاريرها وطرق عمل اللجنة وكيفية الانضمام إليها ومبدأ نفاذها وتعديلها والتحفظات عليها والانسحاب منها، ثم صدر في سبتمبر 1990 الإعلان العالمي لبقاء الطفل وحمايته وخطة العمل المنبثقة عنه.

ورغم كل هذا ما زال حجم الانتهاكات الموجهة للطفل كبيرًا، ونشاهد يوميا آلاف بل ملايين الأطفال يصارعون من أجل البقاء وزاد الأمر سوء تداعيات كورونا عليهم، فماذا قدم العالم لهم، وماذا قدمت لهم الاتفاقيات؟

ساعد المؤتمر أيضًا على تسليط الضوء من جديد على وضع الطفولة في العالم، وحجم الانتهاكات رغم الاتفاقيات التي صادقت عليها أغلب دول العالم، وعلى موقف المجتمع الدولي وخططه للنظر في أوضاع الأطفال وتحسينها، ومدى تأثير هذه الاتفاقيات على واقع الأطفال في العالم.

ويبقى في الذاكرة عنوان المؤتمر والذي أهنئ المنظمين عليه، وأرى أنه رسالة موجهة لكل العالم، فعلا “اتفاقيات صاخبة وطفولة صامتة”.

وأتمنى أن يكون المؤتمر ألقى بحجر في المياه الراكدة، فقد دق جرس الإنذار ليفيق العالم ويلملم ما تبقى من إنسانيته لإنقاذ الأطفال، فهل يجد من يستمع؟


الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع


تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى