أخبار

الخلاف الأمريكي الصيني يخيم على اجتماعات منظمة الصحة العالمية

هاجر العيادي

لم تمر جائحة كورونا على المستوى العالمي، دون اتخاذها عنوانًا جديدًا لحالة الصراع بين الولايات المتحدة والصين، خاصة بعد تسارع التصريحات الرسمية الأمريكية وتغريدات ترامب حول ضلوع الصين في تصدير الوباء للعالم، وما إن تختفي هذه التصريحات حتى تظهر من جديد.

من جانبها أدخلت أمريكا منظمة الصحة العالمية على خط الأزمة، واعتبرتها متواطئة، وقررت تقليص حجم تمويلها للمنظمة، ثم أوقفت التمويل مؤقتًا.

ويعتقد مراقبون أن واشنطن تفتعل أزمة للتغطية على أزمتها الداخلية، وأن حالة التصعيد الحالية ليست إلا سحابة صيف، ستنقشع تحت شمس المصالح.

وفي هذا الصدد، انطلقت أمس الاثنين اجتماعات الجمعية العمومية لمنظمة الصحة العالمية التي تضم 194 دولة، وذلك في مباحثات افتراضية للمرة الأولى في تاريخها، من أجل بحث الاستجابة الدولية للوباء، وسط توتر صيني – أمريكي، وتسارع الجهود الدولية لإيجاد لقاح وعلاج لكورونا.

وكشف الاجتماع الافتراضي لأعضاء منظمة الصحة العالمية الانقسامات الجيوسياسية بين الدول الأعضاء في مؤتمر عقد بالأساس لبحث جهود مكافحة وباء كورونا.

ورغم التصعيد المتوتر بين الولايات المتحدة والصين، لا تزال الدول الأعضاء في المنظمة تأمل في أن تعتمد بالتوافق مشروع قرار قدمه الاتحاد الأوروبي ويطلب إطلاق “عملية تقييم في أسرع وقت ممكن” لدراسة الرد الصحي العالمي، والإجراءات التي اتخذتها المنظمة في مواجهة وباء كورونا.

خلافات سياسية

ومن هذا المنطلق، تطرق الاجتماع إلى مختلف القضايا الشائكة والمحفوفة بأجواء مشحونة والمتعلقة أساسًا بالتوتر الصيني – الأمريكي وقضايا خلافية أخرى بشأن إصلاح المنظمة، فضلا عن قضية تايوان التي تم استبعادها من الاجتماع، وأبحاث اللقاحات، إضافة إلى قضية منشأ الفيروس الذي هو مصدر الحرب الكلامية بين الولايات المتحدة والصين.

من جانبها، تعهدت سيمونيتا سوماروجا، رئيسة سويسرا لدى افتتاحها الاجتماع السنوي لمنظمة الصحة العالمية، بأن تقدم بلادها “الدعم والتعاون الكاملين لمدير المنظمة فيما يتعلق بتنسق الاستجابة الدولية لجائحة فيروس كورونا”.

وقالت سوماروجا لجمعية الصحة العالمية، عبر الإنترنت، في إشارة إلى تيدروس أدهانوم جيبريسوس، “بينما تخوض هذه الأزمة، كن على ثقة من أنك تتمتع بالدعم والتعاون الكاملين من سويسرا”. كما حثت أعضاء الجمعية وعددهم 194 دولة على العمل معا في التصدي للأزمة.

وبدوره، انتقد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الدول التي “تجاهلت توصيات منظمة الصحة العالمية” معتبرًا أن العالم يدفع اليوم “ثمنًا باهظًا” لتباين الإستراتيجيات.

وتابع غوتيريش قائلًا: “نتيجة لذلك، انتشر الفيروس في العالم أجمع، ويتجه الآن نحو دول الجنوب، حيث يمكن أن يخلف آثارا أكثر تدميرًا”، داعيًا إلى بذل “جهود ضخمة متعددة الأطراف”، في مواجهة “هذه المأساة”. وأضاف “آمل في أن يكون البحث عن لقاح نقطة الانطلاق إلى ذلك”.

تبادل الاتهامات

على صعيد ٱخر، ناقش الاجتماع الافتراضي في اليوم الأول جل الخلافات السياسية بين الدول الأعضاء من إصلاح منظمة الصحة العالمية وصولًا إلى تايوان وأبحاث اللقاحات وإرسال خبراء إلى الصين، لكن مسألة منشأ كوفيد – 19 لا تزال النقطة الأساسية في تراشق الاتهامات بين الولايات المتحدة والصين.

ومنذ تفشي كوفيد – 19، تخوض واشنطن، التي تتهم بكين بأنها أخفت حجم الوباء، مواجهة مع منظمة الصحة العالمية. وشكك دونالد ترامب في إدارتها للوباء معتبرًا أنها انحازت إلى موقف الصين. كما علق المساهمة الأمريكية في منظمة الصحة العالمية.

في المقابل، أكد الرئيس الصيني شي جينبينغ أن بلاده تدعم تقييمًا شاملًا للاستجابة العالمية لوباء كوفيد – 19 بعد السيطرة عليه.
وقال شي جي بينج إنه لطالما “كان للصين موقف منفتح وشفاف ومسؤول” وشاركت المعلومات بشأن الوباء في وقتها.

كما تابع شي جينبينغ أن أي لقاح تطوره بلاده ضد فيروس كورونا المستجد سيكون “للمصلحة العالمية العامة” فور بدء استخدامه.

ولدى الصين خمسة لقاحات محتملة في التجارب السريرية، فيما يتسابق العالم للوصول إلى لقاح للقضاء على الفيروس الذي أودى بحياة أكثر من 315 ألف شخص حول العالم.

وإضافة إلى ذلك، تعهد الرئيس الصيني بتقديم ملياري دولار على مدى عامين للمساعدة في الاستجابة لمرض كوفيد – 19، وقال إن أي لقاحات مضادة للمرض تطورها الصين ستصبح منفعة عامة.

من جانبها، تطالب الولايات المتحدة بإجراء تحقيق في هذا الموضوع على غرار أستراليا، وتشتبهان في أن بكين خلفت حادثا مخبريا قد يكون وراء انتشار الفيروس.

كما تتهم الولايات المتحدة الصين الآن بمحاولة قرصنة أبحاث أمريكية حول لقاح وسط تنافس أمريكي – أوروبي على إنتاج لقاح في المستقبل. وقد هدد دونالد ترامب “بقطع جميع العلاقات” مع بكين.

وإلى جانب ذلك ، تعتبر إدارة البيت الأبيض أن منظمة الصحة العالمية قد أهملت تحذيرًا مبكرًا صدر من تايوان حول خطورة فيروس كورونا المستجد وهو ما تنفيه وكالة الأمم المتحدة.
في الأثناء، دعت واشنطن، إلى دعم من بعض الدول منظمة الصحة العالمية إلى دعوة تايوان إلى هذا الاجتماع رغم معارضة الصين.

وفيما يخص قضية تايوان، فقد أدت إلى مشاحنات دبلوماسية، حيث تدعم معظم الدول الأفريقية موقف الصين، التي وطدت وضعها كمستثمر رئيسي في القارة.

ويشار إلى أن تايوان، استبعدت عن منظمة الصحة العالمية، والتي كانت تشغل فيها وضع مراقب حتى 2016، سنة وصول تساي إنغ ون إلى السلطة بعدما رفضت الاعتراف بمبدأ وحدة الجزيرة والبر الرئيسي للصين داخل نفس البلد. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن الدول الأعضاء فقط يعود إليها قرار قبول تايوان أم لا.

تقييم شامل

على صعيد ٱخر، دعا وزراء الصحة في الدول الأعضاء بمنظمة الصحة العالمية إلى إعادة القيام بتقييم شامل حول الوضع الوبائي في العالم، والذي بقي محل جدل واسع وتناقضات في التقييمات من دولة إلى أخرى.

وفي هذا السياق، أعلن رئيس منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس في المؤتمر السنوي للمنظمة أنه سوف يطلق مراجعة لاستجابة المنظمة لجائحة فيروس كورونا.

وقال جيبريسوس: “سوف أطلق تقييما مستقلا في أقرب وقت ممكن”، وذلك في رد فعل على مقترح أدخلته الدول من مختلف مناطق العالم بما في ذلك الاتحاد الأوروبي.

غير أن تيدروس قال إن المراجعة لن تركز على منظمة الصحة العالمية فقط، وإنما أيضًا يجب أن تغطي استجابة كل العناصر الدولية للجائحة.

ومن المقرر أن تتفق الولايات المتحدة والصين، رغم تباين مواقفهما إزاء أداء المنظمة، مع الإجماع العام على إجراء تقييم مستقل خلال اجتماع افتراضي للمجلس، وفق ماأكده دبلوماسيون من جمعية الصحة العالمية.

وتقدم الدعوة من خلال قرار يقدمه الاتحاد الأوروبي في الاجتماعات التي تستمر يومين، ويدعو النص كذلك إلى الحصول العادل وفي الوقت المناسب على أساليب تشخيص وعلاجات وأمصال آمنة وفعالة لمكافحة المرض الذي أودى بحياة أكثر من 300 ألف شخص على مستوى العالم.

وقال دبلوماسي أوروبي “يبدو أن القرار سيحظى بالموافقة. من الناحية السياسية هناك اتفاق حتى الآن على تقييم النظام بكامله والتحقيق في منشأ (الفيروس ) ولكن ليس على الفور”. وأضاف نفس المسؤول “من المهم أن نتمكن من الموافقة على القرار”.

دعم القرار

من جهة أخرى، تدعم قرار الاتحاد الأوروبي مجموعة من الدول، على غرار أستراليا وهي منتقد عنيف للمنظمة وللصين، بالإضافة إلى بريطانيا وكندا والهند واليابان وروسيا.

وأظهرت الأسماء الواردة في مسودة للقرار تأييد 116 دولة، من 194 دولة عضوا في المنظمة، للقرار.

ويدعو القرار تيدروس أدهانوم جيبريسوس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية إلى بدء “تقييم محايد ومستقل وشامل” لاستجابة المنظمة المنسقة لكوفيد – 19 بما في ذلك مدى فاعلية الآليات القائمة “في أقرب وقت ممكن”.

كما يؤيد القرار العمل المستمر بما في ذلك “البعثات الميدانية” العلمية لتحديد المصدر الحيواني للفيروس وكيفية انتقاله عبر السلالات إلى البشر.

ولا يشير قرار الاتحاد الأوروبي إلى الصين. فيما تشير المنظمة وأغلب الخبراء إن الفيروس يعتقد أنه ظهر في سوق يبيع الحيوانات في مدينة ووهان في وسط الصين خلال أواخر العام الماضي.

وقال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو هذا الشهر “هناك الكثير من الأدلة” على أن الفيروس جاء من معمل في ووهان وهو ما تنفيه الصين.

في النهاية، ورغم تشعّب الصراعات الجيوسياسية بين الولايات المتحدة والصين ، فإن ذلك لا يمنع من أن يتفق الطرفان، وفق متابعين، مع الإجماع العام على إجراء تقييم مستقل على ضوء ما نصت عليه وثيقة تقدمت بها دول الاتحاد الأوروبي، من أجل مواجهة أزمة كورونا.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى

اشترك مجانا في القائمة البريدية ليصلك كل جديد

نحترم خصوصية المشتركين