راديو “صوت العرب من أميركا” يحاور الإعلامي السوري الكبير مروان الصواف
فهرس المحتوى
واشنطن – شخصية لها ثقل إعلامي عربي مؤثر.. تتميز بمهارة رائعة في الحوار.. ألتقى بالعديد من الشخصيات المتميزة والمعروفة على مستوى العالم العربي.. تنقل بين الصحافة المقروءة والمرئية على امتداد الوطن العربي.. هو الإعلامي القدير الأستاذ مروان الصواف، والذي ألتقت معه الإعلامية ليلى الحسيني في لقاء على مدار ساعة في برنامج “شخصيات صنعت تاريخا” والذي أذيع بتاريخ 16 مارس/ آذار 2017، براديو صوت العرب من أميركا.
تحدث الإعلامي مروان الصواف عن بدايته، ورحلته الصحفية والإعلامية، ولقائه بالعديد من الشخصيات الهامة في برامجه الحوارية، وعن آرائه في الإعلام العربي وقضاياه وتحدياته المختلفة.
سألت ليلى الحسيني في البداية الإعلامي مروان الصواف كيف كانت بداية انطلاقك؟”
أجاب الإعلامي مروان الصواف قائلا “البداية بدأت مع تخرجي من كلية الآداب قسم الصحافة، حيث درست ضمن المناهج علم النفس وعلم الجمال، وهو ما كان مفيدا جدا لي في دراسة الإعلام، وكانت أولى تجاربي بعد تخرجي مباشرة في 1974 مع وقف إطلاق النار في حرب أكتوبر، من جبهة الجولان وبالتحديد من دير العدس، القطاع الأوسط، وأرسلت رسائلي الصحفية الأولى من هناك”.
وأضاف الصواف “بدأت كصفحي في جريدة يومية، ثم انتقلت بعدها إلى تخصصي وهو البرامج الثقافية والمتنوعة، ثم انتقلت بعد عامين للظهور الأول على الشاشة، وهذه كانت الانطلاقة بالنسبة لي”.
وسألت ليلى الحسيني ” ما الذي يثير حنين مروان الصواف خاصة حول ذكرياتك في دمشق؟”
أجاب الصواف قائلا “إذا تحدثت عن الطفولة فهناك حدثين أساسيين كان لهما تأثيرا كبيرا لدي، الأول هو قيام الوحدة (الجمهورية العربية المتحدة) عام 1958، وبغض النظر عن أي حكم، فأنا أذكر مشاهد محددة، وكنت صغيرا ولكني عشت هذه الأحداث بكل تفاصيلها حتى الانفصال في 1961”.
وأوضح الصواف “أما الثاني، هو ظهور التليفزيون لأول مرة، فقد كان هذا حدث مهم وكبير في حياة السوريين، وهو ما تعلق بالمذاق الوجداني والخطاب الذوقي المتمثل في ظهور التليفزيون، حيث ظهر بشكل مشترك في الإقليم الشمالي والإقليم الجنوبي للجمهورية العربية المتحدة في لحظة واحدة، ليلة 23 من يوليو/ تموز عام 1960”.
ويقول الصواف “أتذكر تماما المشهد الأول التليفزيوني وهو منطبع في ذاكرتي، عندما كنت طفلا صغيرا يجلس وسط مجموعة من الناس، أمام جهاز صغير جدا (17 بوصة) أبيض وأسود، ليراقب اللحظات الأولى، وليرى يد تمتد لتقلب صفحات القرآن الكريم، ولم يكن هناك امكانيات طبعا مثل اليوم، ثم المشاهد التي توالت بعد ذلك”.
ويتذكر الإعلامي مروان الصواف طفولته وشبابه قائلا “كان هناك برنامج إذاعي هام يقدمه الأستاذ منير الأحمد، والسيدة نجاه الجنب، بعنوان (مرحبا يا صباح) وكنا نستمع إليه ونحن في طريقنا إلى المدرسة الإبتدائية، وكانت مدرستي أسمها (جمال الدين القاسمي) في منطقة بستان الحجر الشهيرة بدمشق، وكنت أستمع لأغاني فيروز في هذا البرنامج الجميل”.
ويضيف الصواف “وفي المرحلة الإعدادية، غادرت الطفولة بقليل وأنا أستمع إلى القصاص الشعبي حكمت محسن وهو يقدم شخصية (أبو رشدي) وقصصه الشعبية الجميلة، وبرامج حلوة كثيرة، وكنت أعانق راديو ترانزستور (هو راديو صغير كان بحجم الكف) وأستمع الخميس الأول من كل شهر لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، ولا أنسى أبدا أغنية (أمل حياتي)، وأغنية (إنت عمري) التي كانت تمثل لقاء السحاب بين أم كلثوم والفنان الكبير محمد عبد الوهاب”.
وسألت ليلى الحسيني “لابد من التوقف عند مرحلة هامة من حياة الأستاذ مروان، وهي معرفة برفيقة الدرب وحبيبة الروح السيدة ابتسام، وكيف تعرفت عليها؟”
أجاب الإعلامي مروان الصواف مبتسما، وهو يخبر ليلى أن زوجته بجانبه تستمع للحوار “كانت ابتسام مشروع مذيعة قديرة بالتليفزيون، ولكنها فضلت مغادرة التليفزيون، فغادرت التليفزيون وأخذت معها قلبي، وكان ذلك ما بين 1978، و1979، وعقدنا القران في يونيه/ حزيران 1979، بعد فترة من التعارف، وكان وقتا جميلا، وتم الزواج في سبتمبر 1979، ثم توج هذا المشروع جمالا بحضور أبننا البكر محمود في عام 1982، ثم خلود في عام 1985”.
الوفاء صفة تجمع بين زوجة الصواف وسيلين ديون
وقدم مروان الصواف الشكر لليلى الحسيني على اختيار أغنية للفاصل في حوارهما، وهي أغنية سيلين ديونMy heart was go on “قلبي سيظل يخفق” والتي غنتها في فيلم “تايتنك” الشهير.
ويقول الصواف “في الحقيقة يوجد وجه تشابه كبير بين سيلين ديون، وبين ابتسام زوجتي، وهو الوفاء، فزوج سيلين ديون أصيب بمرض عضال، ووقفت إلى جانبه كثيرا، وأوقفت نشاطها فترة من الزمن، والناس تعرفها بأغنية تايتنك، ولكن لها أغنية أخرى هامة جدا هي I'm a live أو “أنني أحيا”.
حكايتي مع نزار قباني
وبعد الفاصل قدمت ليلى الحسيني مفاجأة للمستمعين، عندما أذاعت فقرة من حلقة للإعلامي مروان الصواف مع الشاعر الراحل الكبير نزار قباني، حيث بدأ الصواف تقديم نزار والترحيب به، ثم كلمة نزار قباني في البداية قائلا “أود أن أشكر التليفزيون العربي السوري على إتاحة الفرصة للكلام، في وقت أصبح فيه الكلام نوعا من الترف، والكماليات والعملة النادرة، وأشكره أيضا لإتاحة هذه الفرصة لي لكي أمارس جنوني ولو خلال ساعة من الزمن، في زمن عربي لا تفتح فيه المؤسسات التليفزيونية أبوابها إلا للعقلاء”.
وتقول ليلى بعد هذه الفقرة “بهذه الفقرة الهامة من الحوار الرائع بين الأستاذ مروان الصواف وبين الشاعر الراحل الكبير نزار قباني، أعود لاستكمل حواري معك أستاذ مروان الصواف”.
فما هي حكاية حوارك مع نزار قباني، وكيف تم؟
أجاب الصواف “بدأ لقائي بنزار، من خلال ابتسام زوجتي التي نشرت خبرا يفيد أن الأستاذ نزار القباني موجود بدمشق، فبدأت أبحث عنه، ثم تحول الأمر إلى تكليف من وزير الإعلام الذي أختارني لإجراء الحوار وفق أجواء ليست بالسهلة على الإطلاق، بالمعنى المهني وبالمعنى العام”.
ويضيف الصواف “كان ذلك في عام 1988 على ما أذكر، بأستوديو 2 في ساحة الأمويين، وكان نزار غائبا لمدة طويلة جدا، وكان علي أن أقدمه بشكل يليق”.
وأوضح “طبعا نزار قدم الحلقة بسخرية مُرَّة، حيث أعتبر عقلانيته الشعرية جنون، ولكنه قال شيء أصعب عندما سألته عن قصائده (السياف مسرور)، وكيف تحول فأصبح رقيقا ناعما، وسألته عن (عشقتك يا حرية)، فكان يتحدث عن الحرية ويقول (كل الحرية الموجودة في العالم لا تكفي أديبا واحدا)”.
ويقول الصواف “أنا من جيل تأثر بشعر نزار قباني، وخاصة شعره القومي، وليس الوجداني أو العاطفي فقط، وأكثر شيء تأثرت فيه بنزار هو الخصوصية”.
وروى الصواف عن نزار قصة جميلة جدا فقال: “أن هناك أستاذا في اللغة العربية هو الأستاذ سعيد الأفغاني، وسعيد كان لا يحب نزارا، ولكنه كان يشهد أنه لو وقعت ورقة في الطريق وعثر عليها أي عابر دون أن يرى التوقيع لأخذها فورا إلى منزل نزار قباني”.
وأضاف “شعرت أن هذه الخصوصية هي التي تركت له العلامة الفارقة، وأنا لا أستطيع أن أقارن نفسي بنزار، ولكن لو وقع سطرا من مقال كتبته أو من برنامج قدمته وليس عليه توقيعي، لعرف الناس أنه لمروان الصواف”.
ويقول الصواف “إن لقائي مع نزار قباني، كان محطة مهمة في حواراتي التليفزيونية، وكان نزار ممنوعا من الظهور في معظم المحطات العربية، حتى أن محطة عربية خليجية مهمة أذاعت كل حلقات البرنامج، واستبعدت حلقة نزار قباني فقط، وهذا شيء غريب مع أنها كانت من أجمل الحلقات، ونزار كان لديه دائما حالة من الصدام مع السلطة، لدرجة أن هناك قصيدة لم نبثها، ولا أعتقد أن هناك محطة تستطيع بث هذه القصيدة في أي مكان أجرى فيه الراحل الرائع لقاءا، كانت هذه القصيدة بعنوان (السيرة الذاتية لسياف عربي)، حتى بعض الصحف كانت عندما تتحدث عن ملامح نزار كانت تستبعد هذه القصيدة، والبعض الآخر كان ينشرها بدعوى الحرية”.
حكاية نزار قباني مع جمال عبد الناصر
ويضيف الصواف “نزار كان لديه مشكلة مع كل نبض سلطوي على امتداد الخارطة، ولكن أحيانا كان الخط الرسمي يتلاقي مع النبض الشعري لنزار، حدث هذا مع نزار عندما تعرض لهجمة ضارية في مصر الحبيبة، فكتب إلى الرئيس جمال عبد الناصر يشكو إليه، فأنصفه جمال عبد الناصر، فأنشد قصيدته الشهيرة متأثرا، ورثاء لجمال عبد الناصر، وكان دائما يقول أنا أنتمي إلى هذه الفترة”.
ويقول الصواف “من الطبيعي أن يكون نزار في حالة تناقض مع أي سلطة، لأن برأيه أن السلطان هو المطرب الأول ويريد أن يكون الشاعر الأول، والإعلامي الأول، في كل مكان، وليس في نقطة محددة، فكان طبيعي أن يكون نزار بهذا الشكل وهو بهذا التدفق الرائع، وخاصة بعد 1967، والتي اتهم بعدها أنه يهجو العقل والوجدان العربي في الوقت الذي يحمل فيه الهم العربي”.
وأكد الصواف “إن نزار كبيرا ولا تكفي إجابة متواضعة إلى تكثيف الرؤى عنه، فما قلته يعتبر إشارة قليلة فقط عنه، فنزار كان عاشقا للحرية وكرسها من خلال قصائدها وأغنى الشعر العربي”.
وسألت ليلى الحسيني “هل نعتبر مقابلة مثل هذه الشخصيات جزء من التحديات التي واجهت مروان الصواف؟ خاصة ما يتعلق بالمصداقية والمهنية في مسيرتك؟”.
أجاب الصواف “التحديات أنواع، فأحيانا تواجهي تحديات بطبيعة إنتاج المادة وتسويقها، وليس فقط تحديات مثل التي تقصدينها، فأنا بالنهاية أقدم مادة وأصورها، وهذه المادة ستوزع، ولكن المشكلة كيف توزع، خاصة عند صناعة برامج ذات طبيعة إنتاجية، خاصة أن المال دائما يفرض هواه، وكل من ينفق المال يريد أن يسترده، وهذا بالتأكيد جزء مهم من متاعب المهنة”.
وأضاف “أريد أن أركز على شيء مهم قد يفاجئ كل من يسمعني، وهو أن الإعلام الرسمي يكون في معظم الأحيان-رغم كل عذاباته- أكثر حرية من الإعلام الخاص، فدائما هناك سلطة، حتى سلطة المال، فكيف ننجو من هذه السلطة”.
من أبو مروان إلى مروان
انتقلت ليلى الحسيني إلى لقاء آخر هام أجراه مروان الصواف من قبل مع أبومروان، منصور الرحباني، وأذاعت أيضا جزءا صغيرا من المقابلة.
حيث سأل مروان الرحباني عن التغيير، قائلا “بشرتنا بأن كل ما يجري هو الغليان الذي يسبق التغيير، لكن برأيك هل يشهد جيلنا التغيير؟”
أجاب منصور الرحباني: “نحن بالانتظار، والتغيير عامل داخلي وليس خارجي، لا يحدث ولا يكتمل التغيير إلا إذا اكتمل فينا وصار من الداخل، لذلك متى يأتي التغيير، فلا أعرف، إذا ما تغيرت حتى الترابات من تحتنا، ما بيحدث التغيير، لكن دائما الإنسان عنده أمل، وعنده فرح بأن يحدث التغيير، لكن متى يحدث هذا التغيير، والتغيير لا يحدث مرة وليس ثابتا، فحتى نحافظ على التجدد والتألق في المرحلة لابد أن نتغير نحن والأجيال التي تلينا ما في شيء ثابت”.
وطلبت ليلى من مروان التعليق على هذه الفقرة القصيرة من هذا اللقاء الهام.
قال الإعلامي مروان الصواف “تشرفت بإجراء حوار مع الأستاذ أبو مروان، منصور الرحباني، في بيته، هذه المقابلة بثت في برنامج بعنوان (وجهة نظر) وما أذكره أنه قدم لي هدية، وهو مشروع “الأيام الأخيرة لسقراط”، الذي تحقق فيما بعد، وكتب على الغلاف عندما وصلتني النسخة (إلى مروان من أبو مروان.. أقوى شيء اللي ما بده شيء.. التوقيع سقراط)، وفعلا أقوى الناس هو من لا يريد شيئا، وهي نظرية يؤمن بها كثير من المبدعين، ومنهم الشهيد الأستاذ مصطفى العقاد، وكان يؤمن بأن القوي اقتصاديا هو عمليا قوي فنيا، وقوي ابداعيا، لكننا نعمل في الإعلام ولسنا أحرارا”.
وأضاف الصواف “إن الأستاذ منصور الرحباني وضع يده على المشكلة، لأنه أقرب للحرية بمسافة كبيرة منا، وعبر عنها مع النهاية الحزينة لمسرحيته عن سقراط، وكان صارخ في مسرحية “يعيش يعيش” مع عاصي الرحباني”.
فاروق شوشة والدم العربي
ويلفت الإعلامي مروان الصواف النظر في حواره مع ليلى الحسيني إلى شخصية غاية في الأهمية ومؤثرة في الإبداع العربي وهي شخصية الشاعر الراحل فاروق شوشة، صاحب البرنامج الشهير “لغتنا الجميلة”.
يقول الصواف “كان لي شرف مقابلة فاروق شوشة صاحب برنامج لغتنا الجميلة، هذا المبدع صاحب العطاء الرائع، وبرنامجه المبكر الهام، والتقيته قبل وفاته بفترة قليلة في الشارقة بالإمارات العربية وقرأنا معا ما قاله من قصيدة بعنوان (الدم العربي)، وتساءلنا كيف نعيد الاعتبار للدم العربي وهذا هو أكبر تحدي.
وأختتمت ليلى الحسيني الحوار متسائلة “كيف يمكن أن نلخص أزمة الإعلام العربي في الوقت الراهن؟ ما بين سوء تمويل وبعد طائفي وبعد عن المهنية.. يخلط فيها الحابل بالنابل، وماذا تبقى من ميثاق الشرف الصحفي؟”
أجاب الصواف قائلا “إن مواجهة التحديات هي التي تقودنا لمشروع الإعلام الجيد، المشروع القادم، ولا أعرف من يضع ملامح للإعلام القادم، هل نحن؟ جيلنا الذين يعتبرونا جيل الأحلام الكبرى والإخفاقات الكبرى، أم الجيل الجديد أم الجيل الأوسط”.
وأضاف متسائلا “كيف يصبح الإعلام قريبا من تحقيق مواثيق الشرف التي تعلن مرارا، وأنا لا أرى كثيرا أننا في حاجة لمواثيق جديدة، فمشكلتنا أننا لا نطبق ما لدينا من مواثيق قديمة، فنحن أمة المؤتمرات، وأمة الاجتماعات، والمهرجانات والقرارات والأمنيات، ولكن كيف نحقق هذا كله فهذا هو التحدي حقيقة”.
ويقول الصواف “من زمان ونحن نوقع على ميثاق الشرف، أول مرة كان عام 1946 وكان ينص في ذلك الوقت على أن يفصل بين المادة الإخبارية والمادة الإعلانية، ثم في الستينيات تغير هذا الأمر وصار كيف نفصل بين سلطات الإعلام الخاص وبين الإعلام العام، الآن نحن أمام مرحلة جديدة تماما حيث لأننا أمام وضع مختلف يجب أن نخرج ميثاق يتناول المواطن الصحفي –إن صح التعبير- فيمكن أن تتطور تجربة الصحفي المواطن، خاصة أننا أصبحنا نقيم مهراجانات لأفلام الموبايل، وهو موضوع يحتاج دراسة”.