كيف تؤثر السمنة على حياتك.. وعلى صحتك الجنسية والإنجابية؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
استضاف راديو صوت العرب من أمريكا، خبير الخصوبة وأمراض العقم الدكتور فائق نيكولاس شما، في حلقة خاصة عن العلاقة بين السمنة والخصوبة لدى الرجال والنساء، حيث تناول اللقاء كيفية تأثير السمنة على الخصوبة والصحة الجنسية والإنجابية لدى المرأة والرجل.
وأجاب د. شما خلال اللقاء على العديد من التساؤلات المهمة ومن بينها: هل يمكن لفقدان الوزن أن يعزز فرص الحمل لدى المرأة؟، وما هي الحلول الطبية المتاحة؟، وهل تؤثر السمنة على فعالية علاجات الإخصاب المساعد (IVF) وفرص نجاحه؟، وهل يؤثر العامل النفسي بسبب البدانة على الخصوبة لدى الرجل والمرأة؟
المعدة بيت الداء
* يقول العرب منذ القدم إن “المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء”، فهل تتفق مع هذه المقولة؟
** كل شيء نتناوله أو يدخل إلى جسمنا من خلال معدتنا فإنه يؤثر على الجسم وعلى الصحة، والمعدة هي الطريق الأول للسمنة، تخيلوا أن هناك قرابة المليار إنسان يعانون من السمنة؛ 650 مليون منهم فوق سن الـ 18 عامًا، و350 مليون ما بين 5 سنوات إلى 18 سنة.
* هل السبب في زيادة نسبة السمنة بين البشر هو تغير نمط حياتهم أو الـ Life Style الخاص بهم؟، وما هي العوامل الأخرى التي تسبب زيادة السمنة؟
** هناك الكثير من العوامل؛ أهمها قلة الحركة، وتناول الأغذية المصنعة وليست الطبيعية، ونمط الحياة المليء بالضغوط الحياتية، وقلة النوم، وزيادة التوتر، والمشكلات الاقتصادية، وغيرها من العوامل التي تسبب زيادة نسبة السمنة بشكل مخيف.
تعريف السمنة
* لنركز أكثر على موضوع السمنة، ولنبدأ من تعريفها؛ ما هو تعريف السمنة؟
** لكي نُعرّف السمنة فإننا سنستعمل مؤشر كتلة الجسم أو كما يُطلق عليه بالإنجليزية “Body Mass Index” أو الـ BMI، وهو يساوي وزن الجسم (كجم) مقسومًا على ضعف الطول (م2)، ووفقًا لهذا المؤشر فإن تجاوز الرقم لـ 30 يعني أن الشخص يعدّ سمينًا، وإذا كان ما بين 25 و30 فإنه يعتبر زائد الوزن، ولكن لا يعد سيمنًا.
وبالمناسبة إذا كان المؤشر بين 30 و40 تسمى سمنة، وإذا كان بين 40 و45 تسمى سمنة شديدة، وإذا كانت بين 45 و50 تسمى سمنة مرضية، وإذا كان فوق 50 تسمى السمنة الفائقة أو المفرطة.
وقبل أسابيع؛ اتفقت مجموعة من اللجان العلمية الدولية في إنجلترا على أن هناك سمنة سريرية وسمنة قبل السريرية “Preclinical obesity and clinical obesity”، والسمنة قبل السريرية ترتبط أكثر بكمية الدهون الموجودة في الجسم، ومحيط الخصر ونسبة هذا المحيط إلى الطول.
* هل هناك أرقام أو مؤشرات عن انتشار السمنة في أمريكا؟
لو تحدثنا عن أكثر ولاية بها نسبة سمنة مرتفعة في الولايات المتحدة فهي ويست فرجينيا، وأقل منطقة هي واشنطن دي سي، حيث تبلغ النسبة فيها 23% تقريبًا، وهناك دراسة أجريت هنا في ميشيغان في عام 2020 وجدت أن 30% إلى 32% من الرجال والنساء لديهم سمنة.
أما في منطقتنا العربية فلا توجد دراسات كثيرة حول هذا الموضوع للأسف، وحتى في أوساط جالياتنا العربية هنا في أمريكا لا توجد دراسات أيضا حول مشاكل السمنة لدى العرب الأمريكيين.
وكما ذكرت فإن الحالة الاقتصادية والوضع المالي لهما تأثير كبير على مسألة السمنة؛ لذا فإن النسبة مرتفعة في ويست فرجيينا نظرًا لضعف الحالة الاقتصادية لغالبية الناس هناك، وكذلك نجد أن نسبة السمنة مرتفعة بين الأمريكيين من أصول أفريقية، هذا أيضا يعود إلى الحالة الاقتصادية الضعيفة.
ولدينا في أمريكا 11% من الشعب لديهم BMI أعلى من 40، ومن المؤسف أن نسبة الوفاة تزيد بنسبة 30% إذا كانت نسبة السمنة ما بين 30 و35، وحين يكون المؤشر بين 35 و40 فإن نسبة الوفاة تصل إلى 95%.
وخلال العام الماضي فقط تم إنفاق 150 مليار دولار على موضوع السمنة وعلاجها، ولو تم إنفاق هذا الرقم على الناس لتحسين حياتهم من البداية وقبل الوصول إلى مرحلة السمنة لكان هذا أفضل بكثير.
معلومات هامة
* هل يمكننا القول إن السمنة وراثية؛ أي تنتقل من الآباء إلى الأبناء؟
** لا، ليست وراثية بالكامل، وإلا كنا سنجد أن نسبة السمنة بين الآباء والأجداد مرتفعة، ولكنها ليست كذلك، وتأثير السمنة يبدأ في مرحلة مبكرة جدًا من خلال تأثيرها على نطف الرجال جينيًا، ومن ثمَّ انتقال نسبي للسمنة إلى الأجيال اللاحقة.
* ما الذي يمكننا تغييره من نمط حياتنا حتى نتجنب الوصول إلى مرحلة الإصابة بالسمنة؟
** طبيعة الجسم البشري مضبوطة على أنها يجب ألا تزيد في السنة الواحدة عن 1 كيلوجرام، وتركيبة أجسامنا من الناحية الهرمونية تسمح بزيادة الدهون كلما كبرنا في العمر، ناهيك عن نمط حياتنا الذي تغير كثيرًا وأبسطها أن حجم صحون الطعام لدينا في أمريكا كبير للغاية وأكبر من غيرنا مثل دول أوروبا، يُضاف إلى ذلك الضغوط النفسية التي تدفع بعض الأشخاص لزيادة تناول الطعام.
مشكلة السمنة لا تتوقف عند زيادة الوزن، بل إنها تزيد من احتمالات الإصابة بالأمراض، وعلى رأسها الأمراض السرطانية، وأمراض مرتبطة بالكبد وغيرها من أعضاء الجسم.
تأثير السمنة على الخصوبة
* لو تحدثنا الآن عن تأثير السمنة على الخصوبة، وبدأنا بالمرأة؛ كيف تؤثر السمنة على الخصوبة لدى المرأة؟
** السمنة تؤثر سلبًا على المبيض وكذلك على الدماغ لكي يفرز الهرمونات اللازمة لإنتاج بويضة كل شهر، ومن هنا يأتي تأثيرها السلبي على العادة الشهرية، وبالتالي تؤثر على نسبة الخصوبة، وكلما زادت السمنة كلما زاد تأثيرها السلبي على القدرة على الإنجاب.
كما أن معدل المواليد الأحياء يقلّ، لأن نسبة الإجهاض تزيد، وفي أغلب حالات الإصابة بالسمنة فإن نسبة الأنسولين في جزء المرأة تزيد، وهذا يتسبب في حدوث تكيّس للمبايض، وحتى فرص نجاح عمليات التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب تصبح أقل بسبب السمنة.
وفي مركزنا الطبي؛ تقريبًا يمر علينا 30% من الحالات لديهن سمنة، و30% أخرى لديهن وزن زائد، وهذا لدى النساء فقط دون أن نذكر نسب الرجال، ولا ننسى أن السمنة تؤثر كثيرًا على الضغط أثناء فترة الحمل، وقد تؤدي السمنة إلى حدوث الولادة المبكرة وجلطات الجسم.
* ما هي الخطوات أو النصائح التي يمكن توجيهها للنساء الآن لتعزيز الحمل الصحي؟
** أنصح كل امرأة بأن تخفض وزنها إذا كانت ترغب في الحمل، وحتى بشكل عام ودون أن تكون هناك رغبة في الحمل يجب عليها أن تخفّض وزنها، لأن نسبة النجاح لكل شيء مثل الحمل أو الإنجاب أو أطفال الأنابيب أو أي شيء تقل كلما كانت نسبة السمنة أعلى، لدرجة أن بعض المراكز ترفض إجراء عمليات أطفال الأنابيب لأي امرأة لديها BMI أعلى من 50، لأنه تكون هناك مخاوف كبيرة بسبب التخدير وطبيعة العملية نفسها.
إذا كان المرأة وزنها طبيعيًا فإنها ستزيد حوالي 20 باوند خلال فترة الحمل، ولكن إذا كان وزنها زائدًا بالفعل من قبل الحمل فإن هذا قد يتسبب في مشكلة لها أثناء الحمل.
* كيف تؤثر السمنة سلبيًا على خصوبة الرجال وقدرتهم على الإنجاب؟
** التأثير الأكبر يكون على جودة الحيوانات المنوية التي يفرزها الرجال، حيث تصبح أبطأ في حركتها، كما تحدث مشكلات جينية في النطف بسبب زيادة الوزن، كما تتسبب السمنة في زيادة نسبة هرمون الأستروجين، بينما تقل نسبة هرمون التستوستيرون، وهو ما يؤثر سلبًا على قدرة الرجال على ممارسة الجنس، ومن ثمَّ تتأثر العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.
لذا فإن نصيحتي الأخيرة للجميع هي ضرورة الانتباه لطبيعة وجودة ونوعية الغذاء الذي نتناوله ويدخل إلى أجسامنا، وأتمنى أن تهتم الحكومات أيضا بذلك، وأن تفتح المجال أكثر من أجل زيادة سبل معالجة السمنة المنتشرة لدى قطاعات كبيرة من الناس.