تقارير

خطاب الاتحاد.. هل نجح ترامب في إنهاء الانقسام أم ساهم في تعميقه؟

إعداد وتحرير: علي البلهاسي

ولما كان الخامس من فبراير ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطاب “حالة الاتحاد” الذي طال انتظاره، بعد أن تأجل موعده بسبب أزمة الإغلاق الحكومي، حيث كان من المقرر أن يلقيه يوم 29 يناير الماضي.

حالة من الترقب سبقت الخطاب الأكثر أهمية بين خطابات رؤساء الولايات المتحدة، فغالبًا ما يعكس هذا الخطاب صفات وتعبيرات رئاسية تظل خالدة في ذاكرة التاريخ، وتكشف أحيانًا عن تغييرات في سياسات الرئيس تجاه بعض القضايا الهامة، خاصة تلك التي تثير خلافات وانقسامات داخل المجتمع الأمريكي.

وحظي الخطاب بأهمية خاصة هذه المرة، بسبب وجود العديد من القضايا المُختلف عليها بين الرئيس والكونجرس، وبين معسكري الديمقراطيين والجمهوريين، وعلى رأسها قضية الجدار الحدودي التي أسفرت مؤخرًا عن إغلاق حكومي هو الأطول في تاريخ أمريكا.

كثيرون هم من كانوا يأملون في أن يتبنى ترامب لغة جديدة في هذا الخطاب، تساهم في رأب الصدع وإنهاء الانقسام، وتعزيز حالة الاتحاد. لكن قليلون هم من كانوا يتوقعون حدوث ذلك، مشيرين إلى أن خطاب الرئيس جاء ترامبيًا بامتياز، فلم يخرج فيه عن مواقفه السابقة، وترك متابعيه أكثر انقسامًا تجاه ما جاء به من قضايا.

محاولات إنهاء الانقسام

بصفة عامة لم يخل خطاب ترامب من محاولات لإنهاء الانقسام السياسي، حيث جدد التأكيد على أن الأمريكيين “أمة واحدة” وليسوا حزبين، مؤكدا أن الأجندة التي يحملها ليست أجندة الجمهوريين أو الديمقراطيين بل “أجندة الشعب الأمريكي”.

ودعا ترامب أعضاء الكونجرس لكسر عقود من الجمود السياسي، مؤكدًا أن أهمية إنهاء الانقسامات القديمة، ومعالجة جروح الماضي، وبناء تحالفات، وصنع حلول جديدة، وفتح الباب أمام الإمكانيات غير العادية للمستقبل.

ويرى مراقبون أن ترامب سعى من خلال خطابه إلى استعادة مكانته داخل مجلسي النواب والشيوخ، بعد الهزيمة التي تلقاها خلال انتخابات الكونجرس في نوفمبر الماضي. وقالوا إنه حاول تغيير قواعد اللعبة، من خلال توجيه دعوة الكونجرس إلى التعاون معه في مشاريع البنية التحتية، ودعمه في مفاوضاته التجارية مع الصين وكندا والمكسيك.

الجدار الحدودي

لكن دعوات ترامب لإنهاء الانقسام لم تمنعه من إعلان تمسكه بموقفه بشأن قضية الجدار الحدودي العازل مع المكسيك، والذي يعد أحد الأسباب الرئيسية لخلافه مع الديمقراطيين. وكما كان متوقعًا، لم يتخل ترامب عن معركته في إقناع الديمقراطيين بتمويل الجدار، وكرّس مزيدًا من الوقت في خطابه لشرح رأيه في الجدار للشعب الأمريكي.

وفي هذا الإطار استخدم ترامب العديد من العبارات البلاغية المؤثرة، حيث حذر من “هجوم” المهاجرين من أمريكا الوسطى بأعداد كبيرة، ووصف الحدود بأنها في حالة فوضى، وردد أن أمريكيين “لا حصر لهم” قتلوا على أيدي مهاجرين غير شرعيين.

وأكد ترامب أنه سيرسل 3750 جنديا أمريكيا إضافيا إلى الحدود مع المكسيك للاستعداد “للهجوم الهائل” للمهاجرين الذين يدخلون البلاد بشكل غير قانوني، وذلك على الرغم من التقارير التي استنتجت انخفاض عدد المهاجرين الذين يعيشون في الولايات المتحدة بشكل غير قانوني إلى أدنى مستوى له في عقد من الزمن في العام الماضي.

ودعا ترامب أعضاء الكونجرس إلى العمل معًا من أجل إيجاد “تسوية” حول مسألة الهجرة الحساسة، قائلاً إنه لم يبق أمام الكونجرس سوى 10 أيام لتمرير مشروع قانون يمول الحكومة ويحمي البلاد ويضمن أمن حدودنا الجنوبية، فضلًا عن الاتفاق على تخصيص الأموال لبناء الجدار مع المكسيك، مضيفًا: «يجب على الكونجرس أن يظهر للعالم بأسره، أن أمريكا تعتزم وضع حد للهجرة غير الشرعية».

ويرى خبراء أن مساعي ترامب لإنهاء الانقسام مع الكونجرس ستبوء بالفشل في ظل تمسكه بالجدل الخلافي حول الجدار العازل مع المكسيك، وفي ظل وجود نانسي بيلوسى، رئيسة مجلس النواب، والتي تشكل عائقًا كبيرًا أمام حدوث ذلك.

لاسيما وأنها أحبطت جميع محاولاته السابقة من أجل بناء الجدار، مما دفع ترامب في وقت سابق إلى التلميح باستغلال “خطاب الاتحاد” لإعلان حالة الطوارئ الوطنية، ليسمح لنفسه بالتحرك بشكل أحادى لتخصيص الأموال اللازمة لبناء الجدار.

وسبق أن هاجم الرئيس ترامب، رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، بسبب رفضها تمويل الجدار الحدودي ووصفها بأنها “عنيدة للغاية”.

وتقول رويترز إن ثمة علامات واضحة على أن الخلاف على الجدار الحدودي نال من شعبية الرئيس ترامب. فقد أوضح أحدث استطلاع أجرته رويترز إبسوس أن شعبيته انخفضت لما يزيد قليلا على 39% لتسجل أدنى مستوى منذ أوائل أكتوبر تشرين الأول العام الماضي. وتجاوز عدد الأمريكيين الذين لا يقرون أداء ترامب في منصبه 56%.

الإنجازات

من ناحية أخرى ركز خطاب ترامب على دعم رئاسته مشيدًا بالإنجازات الكبيرة التي حققتها إدارته، قائلاً: «خلال العامين الماضيين، حلت إداراتي بوتيرة تاريخية وملحة مشكلات لم يولها قادة الحزبين اهتمامًا منذ عقود عديدة»، مضيفًا: «بعد 24 شهرا من التقدم السريع، أصبح اقتصاد الولايات المتحدة موضع حسد أمام العالم بأسره، والقوات المسلحة الأمريكية أضحت الأقوى في العالم».

وأشاد ترامب في خطابه بالاقتصاد الأمريكي، وقال إنه خلال العامين الماضيين تمكنت إدارته من إطلاق طفرة اقتصادية لم يسبق لها مثيل، “وهي طفرة نادراً ما شوهدت من قبل ولم يكن هناك شيء مثل ذلك”. وأضاف أن إدارته تمكنت من خلق 5.3 مليون وظيفة و600 ألف وظيفة صناعية، “وهو الشيء الذي وصفه الجميع تقريباً بأنه مستحيل”.

وشدد على أن معدلات البطالة بين الأميركيين من أصول أفريقية وأمريكا اللاتينية وصلت إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق. كما أكد على أن البطالة للأميركيين ذوي الإعاقة عند أدنى مستوى لها على الإطلاق، “يعمل المزيد من الناس الآن أكثر من أي وقت في تاريخ بلدنا فهناك 157 مليون شخص في العمل”.

وتابع ترامب: “الأجور ترتفع بأسرع وتيرة في عقود ومعدل البطالة وصل إلى أدنى مستوى له في نحو نصف عقد من الزمان، والاقتصاد الأمريكي ينمو بسرعة تقترب من ضعف ما كان عليه عندما توليت منصبي”. كما أشاد أيضًا بقطاع الطاقة قائلا “أطلقنا ثورة الطاقة الأمريكية، والولايات المتحدة الآن هي المنتج الأول للنفط و الغاز الطبيعي في العالم”.

وعن برنامج ترامب للخفض الضريبي قال إنه مكن الشركات والمستثمرين من العودة مجدداً إلى الولايات المتحدة، وأضاف “لقد طبقنا خفضًا ضريبيًا ضخمًا للأسر العاملة”.

وتابع “يمكننا جعل مجتمعاتنا أكثر أمانًا، وعائلاتنا أقوى، وثقافتنا أكثر غنى، وإيماننا أكثر عمقا، وطبقتنا المتوسطة أكبر وأكثر ازدهارًا من أي وقت مضى”.

وفيما يتعلق بالملف الصحي قال: “قضينا على برنامج أوباما للتأمين الصحي الذي لا يحظى بشعبية”. ووعد ترامب الشعب الأمريكى بتحسين الرعاية الصحية للجميع وخفض كلفة الرعاية الصحية والدواء والتركيز على أبحاث سرطان الأطفال. كما أعلن ترامب أن إدارته تهدف إلى القضاء على مرض الإيدز في غضون السنوات العشر المقبلة.

كما حيا الرئيس الأمريكي المرأة ودعم دورها في المجتمع، وقال “إن كل الأمريكيين يمكنهم بأن يفخروا بأن لدينا نساء في قوة العمل أكثر من أي وقت مضى، وأن الآن لدينا نساء في الكونجرس أكثر من أي وقت مضى”، وأعلن عن إطلاق مبادرة تركز على تمكين المرأة في الدول النامية.

انتقاد التحقيقات

وعند حديثه عن الاقتصاد الأمريكي النابض بالحيوية ألمح ترامب إلى أنه سيسارع إلى تحميل الديمقراطيين مسؤولية أي تباطؤ في وتيرته. وقال إن أمريكا تمر بـ”معجزة اقتصادية لا توقفها سوى الحروب والتحقيقات السخيفة والمنحازة”، في إشارة إلى التحقيق الذي تشهده الولايات المتحدة بشأن التدخل الروسي بانتخابات الرئاسة التي فاز بها عام 2016.

وقال ترامب “يجب أن نرفض سياسات الانتقام وأن نغتنم الإمكانات اللامحدودة من التعاون والوفاق”. وأردف “يجب أن نكون متحدين في بلدنا لهزيمة خصومنا في الخارج”.

ووجه ترامب تحذيرًا شديدًا للديمقراطيين من أمثال بيلوسي الذين قالوا إنهم سيواصلون محاسبة إدارته، وكان فحوى رسالته: تراجعوا وإلا فلن أتعامل معكم. وقال ترامب “إذا كان للسلام والتشريع أن يتحققا فلا يمكن أن تكون هناك حرب وتحقيقات، الأمور لا تتم بهذه الطريقة”.

وتقول “سي إن إن” إن خطاب حالة الاتحاد هذا العام، سيمثل علامة فارقة في مستقبل ترامب، خاصة مع انتظار البلاد نتائج التحقيق الذي يجريه روبرت مولر حول التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة 2016.

وتعد نانسي بيلوسي أخطر سلاح يواجه الرئيس الأمريكي في الفترة المقبلة، وستلعب دورًا كبيرًا في تحديد مستقبله، خاصة وأن مجلس النواب الذي ترأسه لديه السلطة لاستجواب الرئيس، وإصدار مذكرات الاستدعاء، وإصدار لوائح الاتهام ضده.

وبالإضافة إلى نتائج سلسلة من التحقيقات التي يجريها الكونجرس، فسيكون مصير الرئيس الأمريكي في يد بيلوسي بشكل كبير، حيث أنه بإمكانها منح الديمقراطيين الضوء الأخضر لبدء تحقيقات أكبر، وتوجيه اتهامات للرئيس. ومن المتوقع أن تبادر بيلوسي التي تسيطر على الأجندة التشريعية للبلاد، بمناقشة العديد من القضايا التي ستلقي الضوء على الخلافات الرئيسية بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري.

دبلوماسية جديدة

وعلى الصعيد الخارجي أشاد الرئيس الأمريكي في خطابه بما قال إنه أسلوب جديد في الدبلوماسية يعتمده، ويهدف إلى إنهاء النزاعات الطويلة، وحاول ترامب تصوير نفسه كسياسي يعتمد الواقعية في العالم، قائلا إنه ينتهج “سياسة خارجية تضع مصالح أمريكا أولا”.

وقال ترامب إن إدارته انتهجت سياسة واقعية في الشرق الأوسط عوضاً عما وصفه “بالنظريات فاقدة المصداقية” التي اتبعها سابقوه من الرؤساء الأمريكيين في المنطقة.

وأضاف: “حين توليت الرئاسة كانت داعش تسيطر على أكثر من 20 ألف ميل مربع في سوريا والعراق واليوم حررنا عملياً كل تلك المنطقة من قبضة هؤلاء القتلة المتعطشون للدماء”.

وقال ترامب إن الدول العظيمة لا تدخل حروباً لا نهاية لها، مضيفاً بأن “الوقت قد حان لأن نعطي محاربينا الشجعان في سوريا ترحيب حار بعودتهم لبلادهم”.

وأحصى الرئيس الأمريكي عدد الجنود الأمريكيين الذين لقوا حتفهم خلال القتال في أفغانستان والعراق بسبعة آلاف جندي، مضيفاً بأن أكثر من 50 ألف جندي أمريكي أصيبوا خلال المعارك في الشرق الأوسط التي كلفت بلاده سبعة تريليون دولار عبر 19 عاماً.

وعبر ترامب عما وصفه بالفخر بنقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس التي وصفها “بالعاصمة الحقيقية” للدولة العبرية.

وقال الرئيس الأمريكي إن إدارته تجري “محادثات بناءة” مع جماعات في أفغانستان بينها طالبان وإنها ستتمكن من خفض القوات الأمريكية هناك والتركيز على مكافحة الإرهاب إذا حققت تقدما. وقال ترامب “لا نعرف إن كنا سنتوصل لاتفاق لكننا نعرف أنه بعد عقدين من الحرب، حان الوقت لكن نحاول على الأقل السعي من أجل السلام”.

ووصف ترامب إيران بأكبر دولة داعمة للإرهاب في العالم، وأضاف أن إدارته تدخلت بفرض عقوبات اقتصادية ضدها هي الأكبر في التاريخ لمنعها من الحصول على أسلحة نووية.

وقال ترامب إنه يعتزم الاجتماع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون في فيتنام يومي 27 و 28 فبراير شباط وذلك بعد لقائهما التاريخي العام الماضي.

واتهم ترامب الصين بسرقة الوظائف والملكيات الفكرية لبلاده في إشارة للحرب التجارية الدائرة بين القوتين الاقتصاديتين الأكبر في العالم.

وشدد ترامب على وقوفه بجانب المعارض السياسي الفنزويلي غوايدو الذي أعلن نفسه رئيساً مؤقتاً للبلاد في وجه الرئيس نيكولاس مادورو.

مخاطبة الناخبين

من جانبها سلطت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية” الضوء على خطاب حالة الاتحاد، الذي ألقاه ترامب، مشيرة إلى أنه محاولة للدفاع عن جدول أعماله الخاص بالهجرة، ولفت الانتباه إلى أن جدول أعمال إدارته في المرحلة المقبلة سيتركز على توفير المزيد من الوظائف وتعزيز التجارة والبنى التحتية ودعم القطاع الصحي وموضوع الهجرة.

وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب تحدث عن المعاناة التي شعر بها عائلات الأشخاص الذين قتلوا على يد المهاجرين غير الشرعيين ورغبته في بناء الجدار، كما حرص ترامب على استغلال خطابه في مهاجمة المحامي روبرت مولر وزعيمة الديمقراطيين نانسي بيلوسي، وإصدار التحذيرات والتهديدات الحادة للديمقراطيين، بما في ذلك التحقيقات الحزبية التي ستضر بتقدم الكونغرس المنقسم لديمقراطي وجمهوري.

ولم يكن خافيًا أن الرئيس الأمريكي حاول خلال الخطاب استعادة الزخم في منتصف فترة ولايته، بعد أن عانى من هزيمة في انتخابات الكونجرس في نوفمبر، وبعد أن تسبب فى أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة.

وتحت عنوان “ترامب يخاطب حزبه فقط” قالت رويترز في تعليقها على الخطاب إن الرئيس ترامب حتى وهو يدعو للوحدة في خطاب حالة الاتحاد أوضح أن فكرته عن الأرضية المشتركة هي حمل الديمقراطيين على دعم برنامج سياساته والتوقف عن التفتيش في خبايا إدارته.

وأضافت أن ترامب رغم كل ما ردده عن تسوية “الانقسامات القديمة” وإتباع مبادرات تجمع الحزبين الرئيسيين إلا أنه استعرض الأفكار التي سبق أن رددها وستتصدر حملة إعادة انتخابه في 2020، وتتلخص في التشدد في مسألة الهجرة والأمن الحدودي والارتياب الشديد في الاتفاقات التجارية ورفع شعار “أمريكا أولا” في السياسة الخارجية.

وأوضحت رويترز أن الخطاب أوحى بأن ترامب كان يشير لأشد أنصاره حماسة أنه لن يتهاون في القضايا التي تهمهم أكثر من غيرها، رغم أنه ردد أهدافا سامية يتفق عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري مثل مكافحة فيروس مرض نقص المناعة المكتسب الإيدز وسرطان الأطفال.

وقال رون بونجين أحد قدامى خبراء الإستراتيجية الجمهوريين في واشنطن “رغم كثرة اللحظات التي تتضمن دعوة للتوحيد فقد خصص الرئيس وقتا لاستمالة قاعدة مؤيديه في قضايا يختلف عليها الحزبان مثل التحقيقات والهجرة والإجهاض”.

غير أن أليكس كونانت أحد كبار المساعدين السابقين للمرشح الرئاسي الجمهوري ماركو روبيو قال إن ترامب نجح في إظهار انفتاحه على العمل مع الديمقراطيين في قضايا مثل أسعار الأدوية. لكن جون جير الخبير في الرأي العام بجامعة فاندربيلت قال: “ما من سبب يدعو للاعتقاد بأنه يريد الوحدة. فهو ينجح من خلال التشرذم. ربما يدعو الرئيس للتعاون لكن سلوكه السابق يشير إلى غير ذلك”.

خطاب بيلوسي

بقدر الاهتمام الذي حظيت به كلمات ترامب كان هناك اهتمام وتركيز كبير من جانب المتابعين للخطاب على ردود فعل وحركات وجه نانسي بيلوسي التي كانت تجلس خلف ترامب، ونقلت الكاميرات ردود أفعالها على ما قاله ترامب في خطابه.

وأشارت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، إلى أن حالة التوتر بين ترامب ورئيسة مجلس النواب، كانت الشيء الجدير بالمشاهدة خلال الخطاب، وكشفت بعضًا من الدراما التي تنتظر ترامب خلال الشهور المقبلة.

وفي البداية ظهرت بيلوسي وهي تمسك بورق الكلمة التي ألقاها ترامب، والذي استعجل بدوره في إلقاء خطابه قبل أن تتمكن بيلوسي من تقديمه كما تجري العادة في هذه المناسبة.

وكان من اللافت الطريقة التي صفقت بها بيولسى على خطاب ترامب، ولم يفت مصور صحيفة نيويورك تايمز، دوج ميلز، التقاط لحظة التفاف ترامب لبيولسى بينما كانت تصفق بزراع ممدودة، في طريقه أشبه بالسخرية.

وحظيت طريقة تصفيق بيولسى على تعليقات واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي حيث فسرها منتقدو ترامب باعتبارها سخرية يستحقها خطاب ترامب، فيما سخر مؤيدو ترامب من الزعيمة الديمقراطية، وأشاروا إلى إحراج ترامب للقادة الديمقراطيين بخطابه البسيط القوى.

وانتقدت نانسى بيلوسى خطاب ترامب، قائلة إنه قدم وقائع مشوهة خلال خطابه، لافته إلى أن ما قاله يحتاج إلى أيام لكشف حقيقته، مضيفة: «ترامب تحدث عن الإنجازات التي حققها، لكنه في ذات الوقت، وجه تهديدا للكونجرس، في حال القيام بمهامه الرقابية، التي كفلها له دستور الولايات المتحدة الأمريكية»،

وتابعت: «بدلا من إشعال نار الخوف وصناعة أزمة بسبب الجدار الحدودي مع المكسيك، يجب على ترامب أن يلتزم بالتوقيع على القانون، الذي يحول دون دخول الحكومة في إغلاق جزئي مرة أخرى».

وأوضحت زعيمة الديمقراطيين، أن الرئيس الأمريكي يرسل التهديدات، التي تخص أمن الأمريكيين بهدف الدفع باتجاه الموافقة عليه، متناسيًا أن هناك ظاهرة وبائية تهدد الأمريكيين وهي انتشار العنف بسبب استخدام السلاح على نطاق واسع داخل البلاد”.

الديمقراطيون يردون

بينما امتلك ترامب منصة الكلام لتوجيه خطاب حالة الاتحاد، كان للديمقراطيين منصة أخرى عبرت عن مواقفهم تجاه ما طرحه في الخطاب. فقد ظهرت الكثير من النائبات الديمقراطيات وهن يرتدين اللون الأبيض، بهدف توجيه رسالة قالت رويترز إنها لتذكرة ترامب بنتيجة انتخابات التجديد النصفي في الكونجرس.

وتذمر النواب الديمقراطيون بصوت مسموع عندما بدأ ترامب يتحدث في خطابه عن قوافل المهاجرين المتجهة إلى الولايات المتحدة. وجلبت لهجة خطاب ترامب الكثير من الأعداء له من الديمقراطيين في مجلس النواب، الذين اتهموه باستخدام القوافل لإثارة القاعدة الجمهورية، ووضعت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، يدها بطريقة تشير إلى معارضة الحزب الديمقراطي لحديث ترامب عن المهاجرين.

كما هاجم السناتور بيرني ساندرز تصريحات ترامب حول الاقتصاد. التي قال فيها إن “المعجزة الاقتصادية” لن يوقفها سوى “الحروب الغبية والتحقيقات السخيفة”. وقال ساندرز: “ترامب زعم أن قوة الاقتصاد تعتمد على كونه متحررًا من الرقابة اللازمة والتحقيقات. العكس تمامًا هو الصحيح”.

من ناحية اخرى اختار الحزب الديمقراطي السياسية ستيسي أبرامز، التي كانت قد خسرت انتخابات منصب حاكم ولاية جورجيا في تشرين الثاني/نوفمبر، للرد على خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه ترامب. واتهمت أبرامز الرئيس ترامب بالتخطيط للإغلاق الحكومي الأخير الذي استمر 35 يومًا.

وقالت أبرامز في خطاب ألقته من مدينة أتالانتا: “الإغلاق كان استعراضا خطط له رئيس الولايات المتحدة”. وأعربت عن “إحباطها” حيال الطريقة التي يواجه بها ترامب قضايا البلاد، موضحة “لا أريده أن يفشل، ولكن نحتاجه أن يقول الحقيقة، وأن يحترم واجباته والتنوع غير العادي الذي يميز أميركا”.

وأضافت: “كنت مع متطوعين نوزع وجبات على الموظفين الفيدراليين الذين عانوا بسبب عدم صرف رواتبهم لأسابيع، من العار أن نتلاعب بهم لدوافع سياسية”. وهاجمت أبرامز سياسات ترامب إزاء قضية الهجرة غير الشرعية، قائلة: “يجب أن تكون هناك خطة للهجرة ولكن ليس أن تضع الأطفال في السجون. لا نتكلم عن حدود مفتوحة … والشعب الأميركي يفهم ذلك والديمقراطيون مستعدون للتفاوض”.

ولم يقتصر رد الديمقراطيين على أبرامز، إذ أن عضوة مجلس النواب إلهان عمر قالت عبر “تويتر” إن “ترامب رفض أن يتحدث في خطاب الاتحاد عن أمور مثل تغير المناخ، وإغلاق الحكومة الأطول في تاريخ الولايات المتحدة، وتهديده بإغلاق الحكومة مرة أخرى في أقل من أسبوعين”.

ويبدو أن الديمقراطيين لا يصدقون محاولات ترامب لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة السياسية، وكان ترامب قد شن، قبل ساعات من خطابه، هجومًا لاذعًا على زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر ووصفه بلفظ “مهين” ردًا على انتقاد الأخير له.

وكان شومر قد قال “يبدو أن الرئيس ترامب يستيقظ من النوم كل عام مكتشفًا رغبة في الوحدة السياسية صبيحة خطاب حالة الاتحاد، ثم يقضي أيام السنة بأكملها في شق الصفوف”.

وجاء الرد سريعا من ترامب أثناء وليمة غداء في البيت الأبيض مع الصحفيين إذ قال الرئيس الأمريكي إن السيناتور شومر “شخص بغيض”، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. ونُقل عن ترامب وصفه لنائب الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بأنه “أبله”.

أخطاء الخطاب

أوردت شبكة “سي إن إن” عددًا من الأخطاء التي وردت في خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه ترامب، مشيرة إلى أنه أخطأ في بعض المعلومات، وتعمد التضليل في البعض الآخر.

وبحسب الشبكة الأمريكية، فإن ادعاء دونالد ترامب، بأن بلاده أنفقت في صراعاتها بالشرق الأوسط 7 تريليون دولار في الشرق الأوسط، غير صحيح. مشيرة إلى أن أبحاث الكونجرس غير الحزبية، أوضحت أنه في الفترة ما بين عامي 2001 و2014، بلغت تكاليف الحرب في العراق وأفغانستان 1.6 تريليون دولار. فيما وجد تحليل سي إن إن، أنه من أجل الوصول إلى 7 تريليون دولار، عليك أن تضيف إنفاقًا مستقبليًا، على مدار الأعوام الخمسة والثلاثين القادمة.

وقالت “سي إن إن” أيضًا إن الرئيس ترامب ربط بشكل غير صحيح، بين معدلات الجريمة المرتفعة سابقًا في مدينة إل باسو في ولاية تكساس، وبين بناء جدار حدودي مع المكسيك. وقال ترامب: “كانت مدينة إل باسو الحدودية، بولاية تكساس، تشهد معدلات عالية للغاية من جرائم العنف – وهي واحدة من أعلى معدلات الجريمة في البلاد. الآن، مع وجود حاجز قوي في مكانه، تعتبر إل باسو واحدة من أكثر مدننا أمانًا”.

وأوضحت الشبكة الأمريكية، أنه وفقا لتحليل بيانات جرائم مكتب التحقيقات الفيدرالي وبيانات إنفاذ قانون المدينة، التي حللتها صحيفة إل باسو تايمز، فإن جرائم العنف في المدينة بلغت ذروتها في عام 1993، لافتة إلى أن تلك الجرائم سقطت قبل وقت طويل من بناء الجدار في 2009، حيث انخفضت بنسبة 34% بين العامين 1993 و2006. ووفقًا لصحيفة الباسو تايمز، زادت جرائم العنف في المدينة من عام 2006 إلى عام 2011 ، بنسبة 17%.

وفي خطابه عن حالة الاتحاد، أكد الرئيس ترامب أن الحدود الجنوبية ممتلئة بالخارجين عن القانون، ليعلن إرسال 3550 جندي إضافي إلى تلك المناطق. وقال ترامب: “إن حالة الحدود الجنوبية تشكل تهديدًا للسلامة والأمن والرفاهية المالية لجميع الأمريكيين”.

أوضحت سي إن إن، أن العام الماضي تواجد 19555 من أفراد حرس الحدود، ألقوا القبض على 396،579 مهاجرا يعبرون الحدود بطريقة غير شرعية في العام 2018. واستطردت أن الحدود الجنوبية، آمنة نسبيًا مقارنة بالمدن الأخرى، حيث ظلت معدلات الجريمة العنيفة كما هي أو انخفضت في العديد من المدن الحدودية، في السنوات الخمس الأخيرة قبل عام 2016، والتي تتوفر بيانات عنها، وذلك بحسب تحليلات صحيفة “تكساس تريبيون”.

وقال بونس تريفينيو، قائد سجن مقاطعة ويب، لصحيفة تريبيون: “يجب أن تفهم، نحن مدينة حدودية، لذا لدينا الكثير من أجهزة تنفيذ القانون المحلية”. وصرح مفوض الجمارك والدوريات السابق ديفيد أجيلار، في عام 2015 بأن المجتمعات الحدودية أكثر أمانًا من المواقع الداخلية لكل ولاية من الولايات الحدودية، مضيفًا: “إن الجريمة العنيفة أقل على طول الحدود مما هي عليه في المناطق الداخلية”.​

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى