بعد تهديدات أمريكية وتوتر في العلاقات.. السعودية تستنكر اتهامها بالانحياز وتؤكد رفضها للإملاءات

تطورات سريعة، وتصريحات وبيانات رسمية متلاحقة، صدرت عن الجانبين الأمريكي والسعودي منذ إعلان قرار منظمة (أوبك+) في الخامس من أكتوبر الجاري خفض إنتاجها من النفط بمقدار مليوني برميل يوميًا بدءًا من نوفمبر المقبل، وهو أكبر خفض للإنتاج منذ ذروة تفشي جائحة كورونا عام 2020.
فعقب القرار صدرت تصريحات عن الرئيس جو بايدن وأعضاء في الكونغرس تستنكر قرار أوبك+، وتتعهد بمراجعة العلاقات مع السعودية ومعاقبتها، وسط اتهامات بانحيازها للجانب الروسي الذي سيستفيد من ارتفاع أسعار النفط على خلفية قرار خفض الإنتاج، بينما سيؤثر القرار سلبًا على المستهلك الأمريكي الذي يعاني من ارتفاع أسعار البنزين، ويضعف موقف إدارة بايدن والديمقراطيين في الانتخابات النصفية التي ستنطلق في نوفمبر المقبل تزامنًا مع تنفيذ قرار أوبك+ وتداعياته على سوق النفط.
رد سعودي
في المقابل صدرت تصريحات عدة من الجانب السعودي ترفض الاتهامات الأمريكية وتؤكد أن القرار اقتصادي بحت وتم اتخاذه بالإجماع من قبل أعضاء منظمة (أوبك+)، وهو ما أكده وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، في مقابلة أجراها على قناة “العربية“، مشيرًا إلى أن “دول أوبك+ تصرفت بمسؤولية واتخذت القرار المناسب، وأنها تسعى لاستقرار السوق وتحقيق مصالح المنتجين والمستهلكين”.
وحول التلويح بمراجعة العلاقات مع المملكة وفرض عقوبات من بينها إلغاء صفقات أسلحة قال الوزير السعودي إن التعاون العسكري بين الرياض وواشنطن “يخدم مصلحة البلدين”، ووصف العلاقة مع الولايات المتحدة بأنها “مؤسسية وإستراتيجية وداعمة لأمن واستقرار المنطقة”.
سمو #وزير_الخارجية الأمير فيصل بن فرحان : دول #أوبك+ تصرفت بمسؤولية واتخذت القرار المناسب.
pic.twitter.com/kiw0OKdirI— ياسر الضحيان (@Yalduhaiyan) October 11, 2022
رفض الاتهامات والإملاءات
فيما صرح مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية، بأن حكومة المملكة اطلعت على التصريحات الصادرة تجاهها عقب صدور قرار أوبك+، والتي تضمنت وصف القرار بأنه بمثابة انحياز للمملكة في صراعات دولية، وأنه قرار بني على دوافع سياسية ضد الولايات المتحدة الأمريكية.
ووفقًا لبيان نشرته وكالة الأنباء السعودية (واس) فقد أعربت الحكومة السعودية عن رفضها التام لهذه التصريحات “التي لا تستند إلى الحقائق، وتعتمد في أساسها على محاولة تصوير قرار أوبك+ خارج إطاره الاقتصادي البحت؛ وهو قرار اتخذ بالإجماع من كافة دول مجموعة أوبك+”.
المملكة تسعى للمحافظة على متانة علاقاتها مع كافة الدول الصديقة pic.twitter.com/pnFhGXjDeT
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) October 13, 2022
وأكدت المملكة أن مخرجات اجتماعات أوبك+ يتم تبنيها من خلال التوافق الجماعي من الدول الأعضاء ولا تنفرد فيه دولة دون باقي الدول الأعضاء، ومن منظور اقتصادي بحت يراعي توازن العرض والطلب في الأسواق البترولية ويحد من التقلبات التي لا تخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، وهو ما دأبت عليه مجموعة أوبك+.
كما أن مجموعة أوبك+ تتخذ قراراتها باستقلالية وفقا لما هو متعارف عليه من ممارسات مستقلة للمنظمات الدولية.
#انفوجرافيك_الخارجية | قرار أوبك بلس اتخذ بالإجماع من كافة الدول pic.twitter.com/cWvHmy7mrG
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) October 13, 2022
وأوضحت الحكومة السعودية أنه من منطلق قناعتها بأهمية الحوار وتبادل وجهات النظر مع الحلفاء والشركاء من خارج مجموعة أوبك+ حيال أوضاع السوق البترولية، فقد أوضحت خلال تشاورها المستمر مع الإدارة الأمريكية أن جميع التحليلات الاقتصادية تشير إلى أن تأجيل اتخاذ القرار لمدة شهر حسب ما تم اقتراحه سيكون له تبعات اقتصادية سلبية.
المملكة تنظر لعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من منظور استراتيجي يخدم المصالح المشتركة للبلدين pic.twitter.com/e5ELohu2ev
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) October 13, 2022
وأكدت حكومة المملكة أن محاولة طمس الحقائق فيما يتعلق بموقف المملكة من الأزمة الأوكرانية هو أمر مؤسف، ولن يغير من موقف المملكة المبدئي وتصويتها بتأييد القرارات المتخذة في الأمم المتحدة تجاه الأزمة الروسية الأوكرانية، انطلاقاً من التزامها بميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي ورفضها لأي مساس بسيادة الدول على أراضيها.
وشددت الحكومة السعودية على أنه في الوقت الذي تسعى فيه المملكة للمحافظة على متانة علاقاتها مع كافة الدول الصديقة، فإنها تؤكد في الوقت ذاته أنها لا تقبل الإملاءات، وترفض أي تصرفات أو مساعي تهدف لتحوير الأهداف السامية التي تعمل عليها لحماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق البترولية.
المملكة لا تقبل الإملاءات pic.twitter.com/hfLvHNCTEC
— وزارة الخارجية 🇸🇦 (@KSAMOFA) October 13, 2022
وقالت إن معالجة التحديات الاقتصادية تتطلب إقامة حوار بناء غير مسيّس، والنظر بحكمة وعقلانية لما يخدم مصالح الدول كافة، مؤكدة أنها تنظر لعلاقتها مع الولايات المتحدة الأمريكية من منظور استراتيجي يخدم المصالح المشتركة للبلدين، وتشدد على أهمية البناء على المرتكزات الراسخة التي قامت عليها العلاقات السعودية الأمريكية على مدى العقود الثمانية الماضية، المتمثلة في الاحترام المتبادل وتعزيز المصالح المشتركة، والإسهام الفعال في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي والدولي، ومكافحة الإرهاب والتطرف وتحقيق الازدهار والرخاء لشعوب المنطقة.
رد أمريكي
في المقابل وصف البيت الأبيض بيان الخارجية السعودية بـ”الالتفاف” على الحقائق ومحاولة “تحريف مسارها”، وقال منسق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، في بيان، إن “يمكن لوزارة الخارجية السعودية أن تلتف وتحرف المسار، لكن الحقائق واضحة وبسيطة”.
وأضاف أن “دولا أخرى من أوبك تواصلت معنا بشكل خاص وقالت إنها اختلفت مع القرار السعودي، لكنها دعمت توجه الرياض مكرهة”.
وأوضح أن واشنطن قدمت للرياض “تحليلا يُظهر أنه لا يوجد أساس في سوق النفط يدعم قرار خفض الإنتاج”، مؤكدًا أن الولايات المتحدة ستعيد تقييم علاقاتها مع السعودية على ضوء هذه الخطوات.
وكان كيربي قد قال في تصريحات سابقة إن إعادة النظر في العلاقة مع السعودية على ضوء قرار أوبك أمر “لا يحتمل التأخير”، مؤكدًا أن الرئيس بايدن على استعداد للعمل مع الكونغرس للمضي قدمًا في هذا الشأن.
وسبق أن توعّد الرئيس بايدن، في مقابلة مع شبكة CNN، السعودية بـ”عواقب لما فعلته مع روسيا”، في إشارة إلى قرار مجموعة أوبك+ بخفض إنتاج النفط.
وقال بايدن في المقابلة إن زيارته إلى السعودية لم تكن بسبب النفط، مضيفًا “يجب علينا، وأنا في خضم عملية- عندما يعود مجلس الشيوخ والنواب – ستكون هناك بعض العواقب لما فعلوه مع روسيا”.
وعند سؤاله عن نوع العواقب التي ستواجهها المملكة رد بايدن قائلًا: “لن أخوض في ما سآخذه في الاعتبار وما أفكر به. لكن ستكون هناك عواقب”.
عواقب محتملة
وفي الإطار نفسه قال جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، إن الرئيس بايدن سينظر في جميع جوانب العلاقات مع السعودية، بما في ذلك مبيعات الأسلحة، حيث يبدأ مسؤولو الإدارة مناقشات هادئة مع أعضاء ومساعدي الكونغرس حول الكيفية التي يمكن أن تفرض بها الولايات المتحدة عواقب على المملكة بعد قرارها بالشراكة مع روسيا بخفض إنتاج النفط، الذي يأتي قبل أسابيع فقط من الانتخابات النصفية، حيث سيكون التضخم والأسعار في محطات الوقود على رأس اهتمامات العديد من الناخبين.
ووفقًا لشبكة (CNN) فإن المحادثات الأولية بين مسؤولي إدارة بايدن والكونغرس، ناقشت بعض الأفكار لمعاقبة السعودية، ومن بينها إعادة نشر أسطول طائرات F-16 الأمريكي خارج المملكة، ووقف استمرار المساعدة العسكرية الأمريكية للبلاد، ودعم الإدارة للتشريعات التي من شأنها حماية أوبك من دعاوى مكافحة الاحتكار الأمريكية للتواطؤ في تثبيت أسعار النفط.
من بين المقترحات أيضًا وقفًا لمدة عام على جميع المبيعات التجارية المباشرة والمبيعات العسكرية الأجنبية للأسلحة والذخائر إلى السعودية، بما في ذلك وقف بيع قطع الغيار والتركيب وخدمات الدعم وبرامج الدعم.
فيما اقترح آخرون إعلان تجميد فوري للعلاقات مع السعودية حتى تعيد تقييم علاقاتها مع الولايات المتحدة وموقفها من الحرب الروسية على أوكرانيا.
مخاوف من نتائج عكسية
لكن خبراء أكدوا أن أي خطوة قد تتخذها الولايات المتحدة ضد السعودية يمكن أن يكون لها آثار سلبية متتالية، مشيرين إلى أن إدارة بايدن قلقة بشأن الشكل الذي يمكن أن تبدو عليه تلك الآثار اللاحقة، خاصة أن العلاقة الأمريكية السعودية تعتبر ركيزة أساسية للاستقرار الإقليمي.
وهناك أيضًا مخاوف داخل الإدارة بشأن المزيد من الضرر للاقتصاد إذا تم تمرير تشريع من شأنه أن يغير سياسة مكافحة الاحتكار في أوبك.
كما يشعر أعضاء في الكونغرس بالقلق من أن وقف مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية قد يدفع البلاد إلى الاقتراب من روسيا، مما قد يؤثر سلبًا على حرب أوكرانيا الجارية. ويعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أن فرض تكلفة على السعودية سيؤدي إلى نتائج عكسية.