قيم التسامح والتعايش في الديانات الثلاث كما رواها فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي (الحلقة الأولى – الإسلام)
"راديو صوت العرب من أمريكا" يعيد نشر حلقات خاصة مع العالم الجليل الراحل حول سير الأنبياء والمرسلين
أجرى اللقاء: ليلى الحسيني
أعده للنشر: هارون محمد- تحرير: علي البلهاسي
الشيخ الزحيلي: جميع الأديان تدعو إلى عبادة الله وعمارة الأرض
نبي الله محمد كان تاج الفضائل، وقمة الأخلاق، والمثل الأعلى للأنبياء والمرسلين
الإسلام حمل رسالة السلام والمحبة والإخاء والتعاون للبشرية جمعاء
أول من أنقذ المرأة من التخلف هو الإسلام، ومنحها حقوقها كاملة
من يلصقون بالإسلام تهم العنف والإرهاب يفترون الكذب
المسلمون أول من دعوا إلى حوار الأديان وحوار الحضارات
حياة محمد تكشف لنا المُثل العليا في جميع مناحي الحياة
رسالة الإسلام سبقت الأمم المتحدة في إقرار حقوق الإنسان
في إطار دعم “راديو صوت العرب من أمريكا” لقيم التسامح والتعايش بين البشر، يعيد موقعنا نشر لقاء خاص سبق أن أجرته الإعلامية ليلى الحسيني مع سماحة العالم الجليل الراحل الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي قبل وفاته، وذلك من خلال 3 حلقات إذاعية متتابعة من برنامج “سوا على الهوا”، حول سير بعض الأنبياء والمرسلين، للتعرف على ما قدموه للإنسانية، ولدعم بعض القيم الروحية التي جاءت بها الديانات الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية).
الحلقة الأولى التي نعرضها اليوم تناولت سيرة سيد الخلق محمد صلوات الله وسلامه عليه، خاتم الأنبياء والمرسلين ورحمة الله للعالمين، وتليها حلقة ثانية حول سيرة عيسى ابن مريم عليه السلام روح الله وكلمته التي ألقاها إلى مريم عليها السلام، وتختتم الحلقات الثلاث بحلقة حول سيرة نبي الله موسى عليه السلام كليم الله.
الشيخ وهبة الزحيلي
ضيف الحلقات العالم السوري الجليل سماحة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي، الذي وافته المنية عام 2015، وكان- رحمه الله- يجمع في ثقافته بين العلوم الشرعية والعلوم المعاصرة، حيث درس في الأزهر الشريف بكلية الشريعة وكلية اللغة العربية، وتخرج في عام 1957، كما حصل على شهادة الحقوق من جامعة عين شمس، فيما حصل على درجة الدكتوراه في الحقوق الشرعية من جامعة القاهرة عام 1963 بمرتبة الشرف الأولى، مع التوصية بتبادل الرسالة مع الجامعات الأجنبية.
تم تعيينه أستاذًا في جامعة دمشق، وكان رئيسًا لقسم الفقه الإسلامي في أغلب حياته الجامعية، كما كان عميدًا لكلية الشريعة والقانون، ورئيسًا للجنة الثقافية العليا في جامعة الإمارات، وكان أيضًا رئيسًا لرابطة الشام، وعضو المجلس الأعلى للإفتاء في سوريا.
وهو كاتب مقالات العمر، التي تجاوزت 1000 مقالة ومؤلف إسلامي في العلوم الإسلامية، وتنوعت بين مجالات التفسير والحديث والتوحيد والفقه وأصول الفقه، وفي القضايا المعاصرة أيضًا. وأشرف على 80 رسالة في الدراسات العليا، وتُرجِمت بعض مؤلفاته إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإندونيسية والماليزية والتركية، وله كتاب في الاقتصاد الإسلامي باللغة الإنجليزية، وكتاب في أصول الأديان بالإنجليزية والعربية.
شارك في أكثر من 175 مؤتمر إسلامي ودولي، وتم تكريمه من قِبَل جهات علمية وجامعية وشعبية ورسمية في 14 دولة، كما نال جوائز دولية، وحصل على أوسمة رفيعة من عدة دول، والتقى بأكثر من 18 من رؤساء دول وملوك وسلاطين، كما كان له لقاءات مع بابا روما الرابع عشر، وبابا الأقباط في مصر، والمطران هزيم بابا أنطاكيا وسائر المشرق، وبلغ حصاد مؤلفاته المطبوعة والمتداولة أكثر من 50 ألف صفحة، في أكثر من 125 مجلدًا، وتجاوزت مؤلفاته 82 كتابًا.
ركائز الكون
* نتحدث اليوم عن سيرة سيد الخلق النبي محمد صلوات الله عليه، باعتباره القدوة الحسنة المرسل من الله تعالى لكافة البشر، هذه الشخصية التي تكلم عنها عظماء العصر، كما تناولها بعض الجهلاء في وسائل الإعلام العالمية بما لا يليق بها، فهو صلوات الله وسلامه عليه جمع الفضائل كلها، وإليه ينتهي الخير، وفيه تأصل البر، وعلى يديه فاض النور، وأشرقت الهداية، وأنقذ الله البشرية، وأخرجها من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الطواغيت إلى عدل الإسلام، دكتور زحيلي هل لك أن تصف لنا النبي صلى الله عليه وسلم؟
** الكون يقوم على ركائز ثلاث هي (الله، الكون، الإنسان)، فالله سبحانه وتعالى أعلم بخلقه، وقد خلقهم في بادئ الأمر على الفطرة السوية معترفين بوحدانية الله عز وجل، ثم يتأثر هؤلاء الخلق بالبيئة والأوضاع التي يتعايشون معها، وهم في واقع الأمر يعدون ذوي أفكار بدائية، ويحتاجون إلى الإصلاح والأخذ بيدهم ليكون المجتمع الإنساني مجتمعًا راقيًا، ومحققًا للهدف الأعلى من وجوده وهو عبادة الله وبناء الكون وعمارة الأرض.
124 ألف نبي
تجلّت حكمة الله سبحانه تعالى في أن يرسل الأنبياء والمرسلين لإصلاح البشرية وتقويم اعوجاجهم، وإرشادهم إلى ما يجب أن يكونوا عليه من السلوك الأقوم، والعقيدة الحقة، والتعامل البناء، وما يجب عليهم نحو إخوانهم في المجتمع الإنساني. واقتضت حكمة الله جل عز وجل أن يرسل الأنبياء والمرسلين إلى البشر، والأنبياء كُثر في تاريخ البشرية فعدد الأنبياء 124 ألف نبي، والنبي هو كل من أرسله الله برسالة لكنه لم يأمره بتبليغها إلى الناس، وترك أمر التبليغ لفطرته وإحساسه وشعوره بمهمته في التعامل مع الآخرين، وضرورة إحياء معالم النفس البشرية الخيّرة، وإبعادها عن كل ألوان الفساد والانحدار والضعف والانهيار، وكان كل هؤلاء الأنبياء يقومون بمهامهم على أكمل وجه.
114 رسول
وهناك فئة أخرى هم الرسل وهم 25 رسول ذكرهم الله في القرآن الكريم، وعدد الرسل 114 رسول، والرسول هو كل من أوحى الله إليه بشرع وأمره بتبليغه، والرسول هو وأقوم وأشد حركة وحيوية في التفاعل مع الناس، ونظرًا لأهمية وجود الاحتكاك بين الناس وهؤلاء القادة التنويريين والمصلحين للبشرية، كانت حكمة الله جل عز وجل أن يحدث الحوار والاحتكاك والنقاش مع الجميع، وهؤلاء الرسل الكرام في واقع الأمر حققوا الهدف الأمثل من وجودهم، مصداقًا لقول الله تعالى إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (163) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (164) رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165).
المهمة السامية
اقتضت النعمة الإلهية أن يتم إبلاغ الوحي الإلهي لهؤلاء الرسل ليقدموه للناس، ويحاوروهم من أجل إصلاح عقيدتهم، وبناء ذاتهم، والعمل على إحقاق الحق ومقاومة الباطل، وإصلاح النفس الإنسانية، وتقويمها من الاعوجاج والانحراف، فكانت هذه المهمة السامية لهؤلاء الأنبياء والمرسلين هي المنارة التي استقطبت جهود الإنسانية الكبرى في مراحلها الأولى، حيث كان العقل البشري في مرحلة بدائية، فكان الناس في أشد الحاجة لمثل هؤلاء الرسل المصلحين، والذين هم يعاونون الناس على تحقيق الهدف الأمثل من وجودهم في هذا الكون، وهو عمارة الكون وتقدم الحياة، وإيجاد مناخ خصب لتفاعل الطاقات والهمم والعزائم، من أجل تقدم الكون وبناء الإنسان والمجتمع بناء متكاملاً، بما يعود بالخير في هذا البناء، لأن كل بناء لا يتم إلا إذا قام على أسس من الصلاح والقوة والنضج وهذا ما حققته رسالة هؤلاء الأنبياء، فكان وجودهم خيرًا مطلقًا للبشرية، وللأخذ بأيديهم نحو شاطئ الأمن والسلامة، والاستقرار والمحبة، والإخاء والتعاون، ودفع الحياة لما هو أسمى وأرسخ.
الأخوة الإنسانية
لذلك كانت رسالات الأنبياء عنوان خير ومجد، وتقدم ورفعة، وكانت هذه الرسالات مدعومة بصحف إبراهيم وموسى، ومنها 114 صحف، و4 كتب هي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن الكريم، فكل هذه الكتب مع جهود الأنبياء والمرسلين تسعى لتحقيق هدف واحد، وهو بناء مجتمع متماثل، ودعم الأخوة الإنسانية، وأول مهمة لهؤلاء الأنبياء والرسل هي بناء العقيدة القائمة على أساس الإقرار والاعتراف بوجود الله سبحانه وتعالى، واليقين أنه لا يوجد في هذا الكون إلا إله واحد، قال تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم ْوَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُم ْلَعَلَّكُم ْتَتَّقُونَ} فعبادة الله الواحد الأحد هي التي تمثل عزة الإنسان، والعبودية لا تكون إلا لله عز وجل، لا أن يستعبد الناس بعضهم بعضًا مثلما يحدث في أوساط مجتمعات العنصرية والطبقية والتخلف، فنحن حينما نشعر بصلتنا الوحيدة بخالق الأرض والسماء، الذي يمدنا بالرزق والقوة والعون والعقل والفكر والعلم، ويزودنا بكل مقومات الحياة، ففي كل لحظة من لحظات العمر نكون في أشد الحاجة إلى مؤازرة وفضل من الله، فهذه الإحساس وهذه المشاعر، ونعمة التفكير ونعمة العقل والإحساس بالمشاعر الإنسانية، كل ذلك من فضل الله علينا وعلى البشرية.
سيد الخلق
* ما أجمل هذه الكلمات الراقية، وما أحوجنا لأن نستمع إلى كلمات من عالم جليل درس وتفقه في الدين، ليرد على ما نسمعه اليوم من أكاذيب مغلوطة واتهامات إلى ديننا الحنيف، وحديثنا اليوم عن سيد الخلق محمد صلوات الله عليه، سنحاول أن نتحدث عن جوانب مضيئة من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم. لقد كتب الدكتور بدران الحسن وفضل الله ممتاز يقولان “رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، منذ أن بعثه الله عز وجل للناس نبيًا رسولاً، كانت حياته صورة صادقة للدين الذي جاء من عند الله، وما أجمل ما وصفته به السيدة عائشة رضي الله عنها حينما سئلت عنه فقالت “كان خلقه القرآن”، قال الله تعالى {لَقَد ْكَانَ لَكُمْ فِي رَسُول ِاللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن ْكَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}”.
وفيما نقرأه سماحة الشيخ، وفيما يُنشر في العالم وفي بعض وسائل الإعلام من معلومات مغلوطة كاذبة، واتهامات ضالة لنبي الله صلوات الله عليه وآله وصحبه وسلم، بأنه رجل حرب، وأنه غليظ القلب، وأن الدين الذي جاء به هو دين رهبة وعنف وقتال، وسار بعيدًا عن المحبة والسلام والرحمة، كيف ترد سماحة الشيخ؟
** يؤسفني أشد الأسف أن المُصلحين في كل زمان ومكان، والهداة التنويريين، يتلقون ألوانًا من الصخب والضجر والانزعاج، فلا يزيد هؤلاء الضعفاء والمتخلفين إلا أن يكيلوا لهؤلاء المصلحين بتهم باطلة، وأوصاف حاقدة، ومعلومات مغلوطة. فلم يكن نبينا عليه السلام آخرهم ولا أولهم، وإنما أوذي الرسل الكرام جميعًا، وتلقوا ألوان التنكيل والعذاب والاتهام والقذف بالشتائم والتهديد بالرجم والقتل والإبعاد والتهجير، كل ذلك تلقاه رسل الله الكرام من أقوامهم في تاريخ البشرية، وكذلك كان الشأن بالنسبة لنبينا عليه السلام عند بزوغ وبدء الدعوة الإسلامية، فقد كان بين أناس متخلفين أشد التخلف، عقولهم ضحلة، وأفكارهم سيئة، ويعكفون على عبادة الأصنام والأوثان، ويعظمون التماثيل التي لا تضر ولا تنفع في شيء، ولا تنقذهم من مشكلاتهم، فكان من الطبيعي أن يكون هذا التخلف، تمامًا مثلما ينظر البعض إلى الشمس فيصفونها أنها ذات ضوء خافت وأنها محرقة أو ما شابه ذلك، فهذا ليس عيبًا في الشمس ولا عيبًا في الرسل ولا الهُداة ولا في التنويريين، وإنما العيب يتأصل في قلوب وجذور هؤلاء الناس المتخلفين، الذين لم يرقوا إلى مستوى الإنسانية الحقة.
قلوب الحاقدين
ورسول الله صلى الله عليه وسلم شأنه كشأن الرسل السابقين مكمل لرسالات الأنبياء، قال تعالى {شَرَع َلَكُم مِّن َالدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيم َوَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ۚ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ} والمشركون هم عبدة الأوثان والأصنام المتخلفون، وإلى الآن يوجد الشرك وتوجد الوثنية في قارات أفريقيا وآسيا، وهم إلى الآن رغم التحضر ورغم أنهم يحملون أعلى الشهادات من جامعات الغرب، إلا أنهم حينما يعودون إلى بلادهم يعودون إلى تقديس الشجر والحجر والكوكب وبعض الأشخاص، فهؤلاء في واقع الأمر قاصرون، فالقاصر لا يعيب الكامل، والأنبياء اتصفوا بالكمال في الشخصية وفي الفكر والإحساس والمشاعر، فالنبي عليه الصلاة والسلام كان تاج الفضائل، وقمة الأخلاق، والمثل الأعلى للأنبياء والمرسلين، دعا الناس إلى الصلاح والأخوة، وإلى إحقاق الحق وإبطال الباطل، وإلى إيقاظ المشاعر الإنسانية، وتنوير الناس بالأخلاقيات والآداب الكريمة، فكانوا ينظرون إليه نظرة الحاسدين والحاقدين فلا يجدون النيل من مهامه إلا بالذم، وللأسف الشديد لا يزال هذا الخُلق دفينًا في قلوب الحاقدين على مر التاريخ، في كل زمان ومكان، فهناك صراع كان مع بدء الدعوة الإسلامية، وفي العصور المتوالية، وكذلك في عصرنا الحاضر، وذلك رغم تقدم العلوم والتكنولوجيا، وتقدم البشر في غزو الفضاء، والوصول إلى أرقى درجات العلم والحضارة,
رسول السلام والمحبة
فالنبي عليه الصلاة والسلام كان بحق هو رسول الإسلام ورسول السلام، ورسول المحبة والإخاء، ورسول التعاون، ورسول القيم النيرة، والمشاعر الوقادة التي تجعل الإنسان أخًا للإنسان لا عدوًا له، ولا حاقدًا عليه، ولا مدمرًا لجهوده وقيمه، ولا صادًا له عن الطريق الذي ينبغي أن يسير الناس عليها، ولذلك فهذا الرسول الكريم الذي كًمّلت رسالته رسالات الأنبياء السابقين، كانت رسالته خطوة من أجل أن تبقى في هذه الحياة شموس عالية لقيادة البشرية نحو الأفضل لهم، لكن هناك أناس مرضى يحاولون أن يطفئوا نور الهداية، يقول تعالى {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّه ِبِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو ْكَرِهَ الْكَافِرُونَ}.
والله سبحانه وتعالى يبين مضمون هذه الرسالة الإلهية التي قام بها النبي المصطفى صلوات الله عليه في قوله تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِه ِاللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ}، فنجد السلام في الأديان، والأديان ليس من شأنها أن تقوم على التناحر ولا على العنف ولا على الكراهية والعنصرية، ولا على الأسس التي تهدم ولا تبني، وتفرق ولا تجمع، وتطفئ مشاعل النور التي يقوم بها هؤلاء المصلحون. والنبي عليه الصلاة والسلام استطاع أن يقف بهمة وعزيمة قوية على مدى 23 عامًا، وفي مدة قصيرة استطاع أن يحول الحياة العربية الجاهلية، القائمة على أصول الحياة المريضة وعلى الوثنية والشرك، وكثرة الخرافات والأباطيل، واستطاع أن يوقظ هذه الأمة من كل أنواع التخلف.
إنصاف المرأة
كان الناس في بدء الرسالة النبوية ينقسمون إلى ثلاثة أقسام هم (الرومان، الفرس، العرب)، أما الرومان فكانوا يتميزون بالطبقية، وبينهم طبقة الأشراف والطبقة الدنيا، بينما كان الفرس يسود بينهم العنصرية والظلم، أما العرب فلا يعرفون إلا التخلف، فهم يقتلون الأشراف، ويهضمون حقوق المرأة، ولذلك فأول من أنقذ المرأة من هذا التخلف هو الإسلام، حيث منحها حقوقها كاملة، وجعل لها شخصية متكاملة في موازاة الرجل، فالمرأة نصف المجتمع، وجعل لها أهمية كبيرة تفاخر بها، وفي حين أن الحضارة الغربية تدمج الآن بين ذمة الرجل وذمة المرأة، فإن الإسلام أعطاها حرية الاستقلال في الذمة المالية، وفي التصرف في أموالها، والقيام بشؤونها مستقلة عن الرجل، حتى لو كانت زوجة.
حوار الأديان
والإسلام هو أول من دعا إلى السلام والمحبة والوئام، يقول تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم ْجَمِيعًا}، ويقول أيضًا، {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْم ِفَاجْنَحْ لَهَا}، وقد حرص النبي عليه الصلاة والسلام على أن ينشر فكره ورسالته على أسس من السلام والوئام والحوار، يقول الله تعالى {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيل ِرَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِي َأَحْسَنُ}، فنحن كمسلمين أول من دعونا لحوار الأديان وحوار الحضارات، وكانت هذه هي مهمة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو أول من دعا الناس للصلح، ولم يترك فرصة لأحد أن يتنازع مع غيره، فإن كانوا يريدون أن يتفاهموا على أصول حياة راقية، فإن النبي يلجأ إلى العهود وإلى المصالحات وإلى تصفية الأمور والمشكلات، وذلك على أساس من الاتفاقات الودية الراسخة القوية، التي لا تعرف الترنح ولا تعرف الانحدار، فالمعاهدات شرف عظيم في هذا الدين، فقد حرص الإسلام على وجود المعاهدات، يقول تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ويقول أيضًا {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُم ْفِي الدِّين ِفَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْم ٍبَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم ْمِيثَاقٌ}،
دعوة كريمة
هذه هي الدعوة الكريمة إلى السلم ونبذ العنف ونبذ كل أشكال الخلاف والتنازع، وهذا ما نعرفه عن الإسلام، أما أولئك الذين يحاولون أن ينالون من شرف الإسلام وعزته وكرامته بادعاء أن الإسلام دين الإرهاب والعنف فهم يفترون، وإذا أساء نفر قليل منهم إلى الإسلام فهم في الحقيقة لا يشوهون رسالة الإسلام، فهي ناصعة في بيان القرآن الكريم، وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وسيرته العظيمة وسيرة الخلفاء الراشدين، وشعار الإسلام في العالم السلام، وتحيته السلام، والجنة دار السلام، والتحية عند اللقاء هي السلام عليكم، فهي أجمل تحية في العالم. صحيح أن “صباح الخير” و”مساء الخير” كلمات قيّمة، ولكن الأفضل منها أنك تلقي الأمن والطمأنينة على الذي تخاطبه وتُشعره بأنك أخ له، فتقول له “السلام عليكم”.
ولذلك فنحن نعتز بأن رسالتنا رسالة إصلاح وبناء، ولأن الحضارات لا تقوم إلا على أسس من السلام، ورسالة الإسلام رسالة دعوة وإصلاح، فلا يعقل أن يتم تقديم العنف أو الإرهاب لنشر عقيدة الإسلام، لذلك فإن المستشرق البريطاني العظيم “توماس ارنولد” في كتابة “الدعوة إلى الإسلام” يقول: “ثبت في التاريخ على مدى 14 قرنًا أن المسلمين لم يُكرهوا أحدًا على الدخول في دينهم ولو مرة واحدة، ولم يثبت أنهم أكرهوا أحدًا في الدين، فالإسلام دين الحرية والمساواة”.
المثل الكامل
*الإسلام هو دين الحرية ودين السماحة {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّين ِقَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ}، فمحمد نبي الرحمة {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، وهو نبي المحبة، ومنهجه يدعو إلى مجتمع المحبة، وحياة محمد تكشف لنا المُثل العليا في جميع أحوال الحياة، في السلم والحرب، والحياة الزوجية والأهل والأصحاب، وفي الإدارة والرئاسة والحكم والسياسة، وفي البلاغ والبيان، بل وفي كل أوجه الحياة، فهل نجد في محمد صلى الله عليه وسلم المثل الكامل؟
** في حقيقة الأمر أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه لله بشيرًا ونذيرًا وهاديًا للناس، فالله هو الذي أرسل رسوله للهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وقال تعالى “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ”، وقال أيضًا ” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (45) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا (46) وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلًا كَبِيرًا (47) وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ وَكِيلًا (48).
هذه الخصال الخمس للنبي عليه الصلاة والسلام، بالإضافة إلى ما أشرتِ إليه أنه تميز بأنه رسول الرحمة وقوله تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }، وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت رحمة ولم أُبعث عذابا”. وقد حصر الله مهمة هذا النبي بأنها رسالة رحمة وإنقاذ ولين، قال تعالى {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، لذلك يستحيل في عالم المصلحين أن يكون الرسول المُصلح متصف بغير هذه الصفات، فهو بالإضافة إلى كل هذا دعا إلى المساواة بين الناس جميعًا.
نبي الرحمة
يقول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}، فبنية المجتمع تقوم على أساس الأسرة، والتي تعتمد على التعاون والتكامل بين المرأة والرجل، وتحقيق المساواة داخل الأسرة الصغيرة والأسرة الكبرى وهي الإنسانية. فهذه الرسالة السامية تقوم على أساس من المساواة، وعلى أساس من التحرر من كل ألوان العبودية والضعف الذي يجمح إليها بعض الضعفاء، وتقوم أيضًا على نشر المحبة للطفل الصغير، والرحمة بالحيوان، وأول من أعلن مبدأ الرفق بالحيوان هو نبينا محمد علية الصلاة والسلام، فهو رحيم بالجماد والحيوان والإنسان والنبات والعمران، ويعزز كل العلاقات الإنسانية الاجتماعية، وهو أيضًا يشعل النور والهداية، ويأخذ بيد البشرية لتحقيق أفاقها ومطامحها العالية، على أساس من السلام والوئام والوفاق والمصالحة.
فعند حدوث خلاف بين الزوجين مثلاً يدعوا الإسلام إلى الحكمة، وأخذ الأمور بالهدوء وبنوع من الرفق، وأن هذا سر يجمع بين الزوجين، وصدق سيدنا عيسى عليه السلام حيث قال: “حينما خلق الله الرجل والمرأة قال لهما كونا جسدًا واحدًا وما جمعه الله لا يفترقان”، فهذا البناء الخاص والبناء العام يقوم على بناء من اللطف. والله لطيف بالناس رحيم بالعباد، وكان صلى الله عليه وسلم يُظهر البشاشة ولا يُظهر الغضب ولا التأفف، ولا يُعرَف عنه أنه غضب من إنسان ولو أهانه، ولم يحدث ذلك حينما شد عليه أحد الأعراب قميصه محاولاً خنقه، وآخر رآه نائًما فأشهر سيفه يريد قتل النبي عليه الصلاة والسلام، والنبي ينظر إليه ويقول “الله يعصمني منك”.
رسالة عالمية
صلة النبي صلى الله عليه وسلم بربه تعصمه من الأذى، وتحفظه ليؤدي هذه الرسالة العالمية، للبشرية وللإنس والجن، وميزة رسالة الإسلام أنها رسالة عالمية، يقول الله {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}، وفي مطلع سورة الفرقان {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا}، والعالمين هم الإنس والجن، فهذه ميزة رسالة النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا التكامل وهذا الحشد القوي بين مخلوقات الدنيا، لا يمكن أن يتحقق الهدف منه إلا على أساس من اللطف والرحمة والإنسانية العميقة، والأخلاق العالية والصفات النادرة، والدعوة والاحتكام إلى السلم ونبذ العنف والإرهاب، والتخلص من كل ما يعكر صفو الحياة البشرية، ونحن لا نأبه بمثل هذه الأفكار الزائغة والتائهة التي تحاول إلصاق التهم سواء بالنسبة لنبينا أو بقية الأنبياء، فنبينا عيسى لم يسلم من أذى اليهود، والأنبياء السابقون لم يسلموا من الطعن بهم بمختلف أنواع الطعون، وكذلك نبينا عليه الصلاة والسلام، وهذا لا يضر، لأن الشمس العالية لا يضرها رجل ضعيف البصر، أو رجل زائغ الفكر، أو رجل حاقد.
وقد تميز نبينا عليه الصلاة والسلام بهذه القيم العالية فكان بحق هو المثل الأعلى للأنبياء، لأن رسالته هي ختام الرسالات الإلهية، ولا نبي بعده، فهذه الرسالة الخالدة إلى قيام الساعة، والمتميزة بالكمال والشمول والعالمية، لا يمكن أن تقوم شموليتها وعالميتها إلا على أساس من القيم الخيّرة، وعلى أساس من الآداب الرائعة التي تبني حياة الإنسان، بحيث تكون حياة قوية متماسكة وصلبة، ويكون ذلك على أساس محبة الآخرين، وضرورة التعامل معهم، يقول تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}.
الإسلام وحقوق الإنسان
لقد أعلنت الأمم المتحدة ميثاق حقوق الإنسان في عام 1945، وبنوده كلها مأخوذة من رسالة الإسلام، سواء ما جاء في القرآن الكريم أو في خطبة حجة الوداع، التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم “يا أيها الناس إن أباكم واحد، وإن ربكم واحد، وليس لعربي على أعجمي فضل إلا بالتقوى، وليس لأحمر على أبيض فضل إلا بالتقوى، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”، فالتنافس بين الناس بالفضيلة والعمل والبناء، وليس بالعنصرية ولا بالألوان ولا بالسلالة، وهي الرسالة التي حاولت الأمم المتحدة أن تبني أصولها، لكنها كانت أصولاً نظرية، أما الإسلام فقد بناها على أسس وطيدة وحقيقية وقوية، تبني كل هذه المعاني ولا تخدشها بأي حال من الأحوال، لا في أحوال الرضا ولا في أحوال الغضب.
* كما أشرت سماحة الشيخ فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشًا لا صخابا في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح، سيدنا أنس رضي الله عنه يقول ” خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين والله ما قال لي أفّا قط ولا قال لي لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا”. وعن عائشة رضي الله عنها قالت “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمًا له ولا امرأة، ولا ضرب بيده شيء قط إلا أن يجاهد في سبيل الله”، وفي رواية “ما ضرب رسول الله شيء قط بيده لا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله”، ويكفي ما قاله الله سبحانه وتعالى في كتابه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}، فهكذا كان نهج نبينا وحبيبنا محمد.
** ويضاف إلى ذلك قول سيدنا علي رضي الله عنه “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ألين الناس، بسَّامًا ضَحاكًا، وألين الناس خلقًا، وأكرمهم عشيرة، من رآه هابه، ومن خالطه أحبه، وكان أوفى الناس بالذمم والعهود والقيم”، فهذا قاموس لا ينضب وهذه منابع إلهيه ربى الله فيها نبيه على هذه الخصال العالية، فالمعلم الأول لنبينا هو الله سبحانه تعالى، والله يحب خلقه، ويحب أن يكون على المثل الطيبة والصالحة، يقول تعالى “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، والله سبحانه وتعالى كريم ويحب من عباده أن يكونوا كرماء، وأن يكونوا متعاونين ومتحابين.
منهج الدعوة
* لدي سؤال سماحة الشيخ يقول الله تعالى “لا إكراه في الدين”، فكيف ترى ما يفعله بعض الدعاة، وكيف يخلطون الدعوة بالعنف؟
**مثل هذه التصرفات الشاذة لا يعرفها الإسلام، ولا يقرها القرآن الكريم، ولا سيرة النبي عليه الصلاة والسلام، فمنهجنا دائمًا منهج الحوار والإقناع، ولم يثبت أن أحدًا دخل الإسلام إلا بالقناعة والحوار، وأما الإكراه على الدين، وحمل الناس على تغيير عقائدهم، فهذا أمر فاشل، ولا يحقق هدفًاً لأن الإكراه أثره مؤقت، فإن زال الإكراه سرعان ما يعود المُستكره إلى عقيدته السابقة، وأنا أربأ بأحد من المخلصين الناضجين أن يلجئوا إلى هذا الأسلوب الفاشل الذي لا يحقق هدفًا، يقول الله تعالى {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} ويقول أيضًا “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”.
فلذلك لا يُعقل بأي حال من الأحوال أن يقوم منهجنا في الدعوة إلى الإسلام لا على الإكراه ولا على العنف ولا على الابتزاز، كما يحدث في بعض المحاولات من ابتزاز الآخرين واستمالتهم بالنقود، فنحن لم نقدم يومًا من الأيام هدايا لآخرين من أجل دخولهم بالإسلام، فضلاً عن أننا نُكرههم على تغيير عقائدهم، فهذه فرية بأن الإسلام يُقر مبدأ الإكراه على الدين، أو تغير الدين فهذه فرية باطلة لا أساس لها من الصحة، وذلك لم يحدث في تاريخ الأمة الإسلامية على مدى 15 قرنًا، وفي كل زمان ومكان يرفضها الإسلام، وهي مرفوضة في صلب القرآن الكريم، حيث يقول تعالى {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}، ويقول أيضًا {أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين} وهذا إنكار على النبي نفسه، لذا فإن هذه الفرية في الحقيقة يجب دفنها.
* إن التاريخ الإنساني على وجه الأرض لم يعرف عظيمًا من العظماء، ولا زعيمًا من الزعماء، ولا مُصلحًا من المُصلحين، استوعب في صفاته الذاتية والعقلية والنفسية والخلقية والدينية والروحية والاجتماعية والإدارية والعسكرية، ما استوعبه شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومن أجل ذلك كانت سيرته من أجمل السير، وصفاته من أنبل الصفات، وأخلاقه من أعظم الأخلاق، وحياته من أروع الحياة وأشملها.
لمتابعة اللقاء عبر اليوتيوب :