شركة غامضة وراء تفخيخ أجهزة البيجر التي انفجرت في لبنان
بعد تفجيرات أجهزة البيجر التي شهدها لبنان على مدى اليومين الماضيين اتجهت الأنظار إلى الشركة المصنعة لهذه الأجهزة، والتي يقول الكثير من الخبراء إنه تم تفخيخها أثناء عملية التصنيع.
ووفقًا لموقع “الحرة” فقد ذكرت رسالة من بعثة لبنان لدى الأمم المتحدة أن تحقيقات أولية أجرتها السلطات اللبنانية أظهرت أجهزة الاتصالات اللاسلكية التي انفجرت كانت ملغومة بمتفجرات قبل وصولها إلى البلاد.
ووفقا للرسالة التي أرسلت إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فقد توصلت السلطات أيضا إلى أن الأجهزة، التي شملت أجهزة اتصال “بيجر” وأجهزة اتصال لاسلكية أخرى، تم تفجيرها عن طريق إرسال رسائل إلكترونية إلى الأجهزة. وأضافت البعثة أن إسرائيل مسؤولة عن التخطيط للهجمات وتنفيذها.
بين شركتين
ووفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز” فقد قال مسؤولون أميركيون ومسؤولون آخرون مطلعون على الهجوم إن إسرائيل وضعت مواد متفجرة في شحنة من أجهزة الاستدعاء من شركة Gold Apollo التايوانية، في عملية منسقة على ما يبدو تستهدف حزب الله.
ونفت شركة Gold Apollo مسؤوليتها عن تصنيع الأجهزة التي انفجرت في لبنان، وأسفرت عن مقتل 32 شخصًا، وإصابة نحو 4000 آخرين في مختلف أنحاء البلاد.
وقالت الشركة إن الأجهزة من إنتاج شركة BAC Consulting، التي تتخذ من العاصمة المجرية بودابست مقرًا، ولديها ترخيص لاستخدام العلامة التجارية لشركة غولد أبوللو.
وقال هسو تشينج كوانج، مؤسس شركة Gold Apollo ورئيسها، إن أجهزة النداء يبدو أنها صنعت بواسطة شركة أخرى، وهي شركةBAC ، وقال إنه وافق قبل حوالي 3 سنوات على السماح لهذه الشركة ببيع منتجاتها باستخدام علامة جولد أبولو، والتي قال إنها تتمتع بسمعة طيبة في السوق المتخصصة.
وقال السيد هسو للصحفيين “هذا المنتج ليس ملكنا. إنهم يلصقون فقط العلامة التجارية لشركتنا”، مضيفًا أن شركته تحصل في المقابل على حصة من الأرباح. وقال إن شركة BAC مقرها في أوروبا ولديها مكتب في تايبيه عاصمة تايوان.
ووفقًا للصحيفة لم تنجح محاولات الاتصال بشركة BAC، وتشير تفسيرات السيد هسو، إذا تأكدت، إلى أن تتبع كيفية وتوقيت تعبئة أجهزة النداء ـ المعروفة باسم طراز AR924 ـ بالمواد المتفجرة قد يكون معقداً. ذلك أن صناعة الإلكترونيات الاستهلاكية المترامية الأطراف في تايوان تشكل سلسلة توريد معقدة من العلامات التجارية والشركات المصنعة والوكلاء.
وقالت وزارة الشؤون الاقتصادية التايوانية، التي تشرف على التجارة، إن سجلاتها أظهرت “عدم وجود صادرات مباشرة إلى لبنان” من أجهزة النداء من شركة جولد أبولو.
وقالت الوزارة إن أجهزة النداء التي تنتجها الشركة تم تصديرها بشكل رئيسي إلى أوروبا وأميركا الشمالية. وأضافت الوزارة أن الشركة راجعت التقارير الإخبارية والصور وقررت أن أجهزة النداء لم يتم تعديلها إلا بعد تصديرها من تايوان.
وقال السيد هسو إنه كانت تربطه علاقة طويلة الأمد مع شركة BAC قبل إبرام اتفاقية ترخيص العلامة التجارية. وقال إنه بالنظر إلى الماضي، كانت هناك حادثة “غريبة” مع شركة BAC، عندما قام بنك تايواني محلي بتأخير تحويل مصرفي من الشركة، والذي قال السيد هسو إنه ربما جاء من الشرق الأوسط. ولم يذكر أي دولة بالتحديد.
شركة وهمية
وتشير التقارير إلى أن شركة BAC Consulting، التي قامت بتوريد الآلاف من أجهزة النداء الآلي التي انفجرت في لبنان، هي شركة وهمية إسرائيلية.
وكشف ضباط استخبارات اطلعوا على العملية إلى أنه تم إنشاء شركتين صوريتين لإخفاء حقيقة أن مصنعي أجهزة الاستدعاء كانوا ضباط مخابرات إسرائيليين.
وبحسب التقارير فقد بدأ شحن أجهزة الاستدعاء إلى لبنان في عام 2022، لكن العرض زاد عندما أدان أمين عام حزب الله حسن نصر الله استخدام الهواتف المحمولة باعتباره غير آمن من الناحية التشغيلية. وذكرت التقارير أنه تم توزيع الآلاف من هذه الأجهزة على ضباط حزب الله، وكذلك حلفائهم. وأكدَّ خبراء تم إطلاعهم على الهجوم أن إسرائيل هي المسؤولة.
كيان غامض
ومن خلال بحث أجراه “التلفزيون العربي” في سجلات الشركات التجارية بالمجر، اتضح أن المقر الرئيسي لشركة BAC Consulting يقع في بودابست، وهو مبنى سكني عادي في أحد أحياء العاصمة المجرية لا يحوي أي إشارة إلى أنه شركة تجارية أو مصنع، سوى لافتات معلقة على زجاج المدخل تحمل اسم الشركة.
وحاول التلفزيون العربي التواصل مع الشركة عبر الهاتف والبريد الإلكتروني دون رد، إذ يكشف موقع تسجيل الشركات أن الشركة التي تأسست قبل 3 سنوات بمساهم واحد، تشغل بالإضافة إلى مدير تنفيذي وكيل تسليم بنفس الاسم، ولا تظهر للشركة أي تعاملات تجارية واضحة، وتقتصر حساباتها على المصاريف الإدارية ومصاريف الترخيص.
وتظهر التقارير الإلكترونية السنوية للعامين الماضيين، التي يمكن تنزيلها من بوابة تسجيل الأعمال التجارية التابعة لوزارة العدل المجرية، أن شركة BAC Consulting التي يعتقد أنها مصنعة أو موزعة أجهزة النداء اللاسلكي المنفجرة في لبنان، تم تأسيسها وتسجيلها في مايو/ أيار 2022، وأن المالك الوحيد للشركة سيدة تدعى كريستيانا بارسوني بميزانية عامة لا تزيد عن 320 دولارًا، بحسب أحدث كشف مالي في مايو الماضي.
وعلى حسابها الشخصي على موقع “لينكد إن”، تُعرف كريستيانا بارسوني نفسها بأنها الرئيس التنفيذي والمستشار الإستراتيجي ومطورة الأعمال”، ويتضمن رابطًا لشركة BAC Consulting. وفي موقع تواصل احترافي آخر، تم إدراجها على أنها “خبيرة مستقلة في الموارد الطبيعية والتنمية المستدامة”.
ولا تظهر التقارير المالية حول الشركة المجرية أي تعاملات تجارية واضحة، وتقتصر حساباتها على المصاريف الإدارية ومصاريف الترخيص.
وفي سياق متصل، تكشف السجلات أيضًا أن الشركة توظف شخصين فقط، المديرة التنفيذية ووكيل تسليمات، وهما في كلتا الحالتين السيدة كريستيانا بارسوني
وقد حاول فريق التلفزيون العربي الاتصال مع المديرة التنفيذية للشركة عبر الهاتف والبريد الإلكتروني دون رد. واتضح من البحث أيضًا أن المديرة التنفيذية للشركة خريجة كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
حلقة مفقودة
وكان مؤسس شركة “غولد أبولو” التايوانية، هسو تشينغ كوانغ، كشفت في تصريحات أن شركة أوروبية في بودابست هي من صنعت أجهزة “البيجر” المنفجرة في سوريا ولبنان.
وقال إن “شركته اعتادت التعامل مع الحكومات، بل وسبق لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي FBI أن اقتنى مشتريات من شركته.
وقبل 3 سنوات برزت فرصة مبيعات في أوروبا، عندما تقدمت إليه سيدة لا يعرفها إلا باسم تيرزا، وقالت إنها وكيلة محلية في تايوان لتمثيل شركة مجرية تدعى BAC Consulting، وتريد اقتناء ترخيص لتصنيع وتوزيع أجهزة بيجر لتسويقها في أوروبا، ووعدوا بأن تتوسع الأعمال في شرق إفريقيا. وأكدت أن التسويق سيكون في أوروبا ولاحقًا في شرق إفريقيا، ولم تأت على ذكر لبنان أبدًا.
مدفوعات غريبة
وبعد حوالي عام من توقيع شركة BAC عقدًا مع شركة Gold Apollo، يقول مديرها إنهم عادوا إليه بطلب غير عادي: “لقد أرادوا تصميم أجهزة خاصة بهم مع الإبقاء على العلامة التجارية الأصلية، أي بيجر طراز آي آر 924”.
ويقول مسؤول الشركة التايوانية إنه يتذكر ما طلبته شركة BAC المجرية بشأن تدريب مجموعة من المهندسين لتطوير طراز بتصاميم مختلفة، وأخبرهم بأن تصاميمهم معقدة الاستخدام وليست جذابة ومن الأفضل الإبقاء على التصميم الأصلي، مضيفًا أن تحويلات الدفع أيضًا كانت غريبة.
فبينما مقر شركة بي.إيه.سي في المجر، كان الدفع من حساب مصرفي في الشرق الأوسط تم تجميده مرة واحدة على الأقل من قبل بنكهم في تايوان. ويقول إن محاسبه أمضى أسبوعًا كاملًا في العمل على إلغاء تجميد الدفع. وقال هسو إن آخر مرة قامت فيها Gold Apollo بشحن مكونات إلى BAC كانت في وقت سابق من هذا العام.
من جهتها، تشير وزارة الشؤون الاقتصادية التايوانية إنه ليس لديها سجل عن قيام أي شركة تايوانية بتصدير أجهزة الاستدعاء مباشرة إلى لبنان بين عامي 2022 و2024، واعتبرت أن أجهزة الاستدعاء الخاصة بشركة Gold Apollo تم تعديلها بعد تصديرها.