أخبار أميركاأميركا بالعربيالراديو

بين فيتنام وغزة.. كيف ستغير الحقيقة موقف أمريكا تجاه العدوان الإسرائيلي

بقلم راي حنانيا – ترجمة: مروة مقبول

مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر، لعب الإعلام دورًا رئيسيًا في الحشد للمعركة. فقد أسهم في توجيه الرأي العام الغربي للتعاطف مع طرف على حساب الآخر. حتى أن تعاطف الغرب مع إسرائيل بشكل مبالغ فيه، وبما يتجاوز الحقائق والواقع، أصبح أمرًا يستحق المناقشة.

وبحسب ما ذكرته صحيفة The Arab News، استغلت إسرائيل دائمًا الحرب الدعائية ضد الفلسطينيين، بدعم من السياسيين الغربيين ووسائل الإعلام الإخبارية المتحيزة بشكل كبير.

فقد أدان السياسيون ووسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة أي شخص شكك في أعداد الإسرائيليين الذين قُتلوا على يد حماس في هجمات السابع من أكتوبر، بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الإسرائيلية أنهم 1400 شخص، بينهم نساء وأطفال.

وفي المقابل، وصف الإعلام الأمريكي والسياسيون أنفسهم أعداد الضحايا المدنيين من النساء والأطفال الفلسطينيين، في أعقاب القصف الإسرائيلي في غزة، بأنها “غير مؤكدة”. كما تجاهلت إسرائيل الانتقادات الموجهة لتدميرها منازل المدنيين ومتاجرهم.

وقد تسببت التغطية الإعلامية غير المتوازنة في شن ردود أفعال عنيفة في الولايات المتحدة وأغلب دول الغرب ضد الفلسطينيين، مما أعطى إسرائيل تفويضًا بمواصلة مذبحتها الانتقامية ضد سكان غزة.

انتقام مُبرر

ونتيجة لذلك كشفت استطلاعات الرأي الأخيرة أن الأمريكيين يعتقدون أن إسرائيل لديها ما يبرر هجومها الشرس على قطاع غزة، كما أنهم لم يستنكروا المذابح التي ارتكبتها، وأظهروا تعاطفًا مع قرار منح إسرائيل مليارات الدولارات في هيئة مساعدات عسكرية و”إنسانية” أمريكية.

ويستغل القادة الإسرائيليون ذلك من خلال وصف الفلسطينيين بأنهم “حيوانات” في خطاباتهم. ويحث سياسيون مثل السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على “التخلص منهم”.

وظلت إسرائيل تقتل الفلسطينيين، وتدمر منازلهم، وتسرق أراضيهم كل أسبوع تقريبًا على مدار العقدين الماضيين دون أي إدانة تقريبًا من السياسيين الأمريكيين أو وسائل الإعلام الإخبارية.

ولكن في النهاية سيفهم الأمريكيون ما هو أبعد من الدعاية والأكاذيب، وسيدركون أن العنف الذي تعرضت له إسرائيل هو نتيجة مباشرة لسياساتها العدوانية المستمرة منذ عقود.

ورغم أنه يمكن إخفاء الحقيقة لفترة طويلة، لا يمكن التنبوء برد الفعل عندما تخرج إلى النور، حيث يمكن أن يكون رد الفعل العام غاضبًا.

كذبة فيتنام

أثبت الأمريكيون على مدار التاريخ أن إدراكهم للحقيقة يؤثر على معتقداتهم ويغيرها، كما فعلوا أثناء حرب فيتنام التي استندت إلى الأكاذيب والدعاية الموجهة بعناية في الغرب.

كان الأمريكيون يخشون من تطبيق ما يُعرف باسم “نظرية الدومينو”، وهي أن تتوسع سيطرة الشيوعيين من فيتنام إلى دول جنوب شرق آسيا الأخرى ثم إلى أوروبا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية.

وقد تم الترويج لتلك النظرية من خلال نشر الأكاذيب والمبالغات لتعزيز هذا الشعور الذي لا جدال فيه خلال حرب فيتنام، تماماً كما حدث في حرب إسرائيل ضد الفلسطينيين.

بدأت المواقف الأمريكية تتغير في عام 1969. وكشفت تقارير قيام جنود أمريكيون بارتكاب مذبحة ضد الفيتناميين. وأثيرت أسئلة حول هذه الحادثة الخطيرة التي وقعت في أغسطس 1964، والتي أعطت الرئيس ليندون جونسون التفويض لشن هجوم واسع النطاق.

وبدأت الحرب بمناوشة في خليج تونكين في 2 أغسطس عندما اشتبكت المدمرة “يو إس إس مادوكس” مع ثلاثة زوارق تابعة للبحرية الفيتنامية الشمالية.

استخدم جونسون الحادث لتبرير الحرب وأرسل 500 ألف جندي إلى فيتنام، مما تسبب في دمار هائل ومقتل الملايين من المدنيين.

كشف الحقيقة

على الرغم من تزايد الشكوك بأن حادثة خليج تونكين، التي بررت الحرب، كانت “كذبة”، إلا أن كشفها استغرق سنوات. وجاءت نقطة التحول في سبتمبرعام 1969، عندما كشف تقرير آخر قيام وحدة مشاة أمريكية في 16 مارس 1968 بقتل مدنييين في قرية ماي لاي الفيتنامية، حيث قُتل الرجال والنساء والأطفال والرضع بوحشية.

وفجأة، بدأت وسائل الإعلام بالتحقيق في مجازر أخرى وعرض المذبحة في التقارير التلفزيونية. وصدمت مقاطع الفيديو التلفزيونية الأمريكيين، الذين ظنوا أن كل شيء يحدث لصالحهم ولصالح البلاد. وتم توجيه الاتهامات ضد 26 جنديًا أمريكيًا، بما في ذلك قائد السرية الملازم ويليام كالي جونيور.

وتوالت التقارير التي كشفت عن المزيد من الحقائق، وكيف كان الجيش الأمريكي يعامل المدنيين بوحشية، مما غير المواقف العامة للأمريكيين.

 ففي عام 1972، نُشرت صورة لفتاة تبلغ من العمر 9 سنوات، تُدعى فان ثي كيم فوك، مصابة بحروق بالغة بسبب قنابل النابالم الحارقة وتجري مذعورة في الطريق. أُطلق عليها لقب “فتاة النابالم”، وحصل المصور الذي التقط الصورة على جائزة بوليتزر.

احتجاجات وانسحاب

وتساءل الأمريكيون كيف يمكن أن تحدث هذه الفظائع الوحشية وأثار هذا الأمر احتجاجات ومظاهرات في جميع أنحاء الولايات المتحدة وداخل الجامعات.

ولعب الإعلام أيضًا دورًا في ذلك، فأطلق على المتظاهرين ضد الحرب “المتعاطفين مع الشيوعية” ووصفهم بأنهم “غير وطنيين”، تمامًا كما يُطلق على أولئك الذين يحتجون ضد العنف الإسرائيلي الذين يتم وصف فعلهم بأنه “معاداة السامية”.

ونتيجة للاحتجاجات، قرر جونسون عدم الترشح للحصول على ولاية ثانية. وحارب خليفته ريتشارد نيكسون وسائل الإعلام “المستيقظة” واضطر إلى الانسحاب من فيتنام واستقال في النهاية.

تلاعب إسرائيل

محاولة إخفاء الحقيقة هو أحد أسباب تلاعب إسرائيل بالتغطية الإعلامية في غزة، والسيطرة عليها، وتعطيل وصولهم إلى الإنترنت. حتى يكون كل ما يراه الناس على شاشة التلفزيون الأمريكي هو صور معاناة النساء والأطفال الإسرائيليين فقط، ومقاطع الفيديو العسكرية التي قدمتها إسرائيل والتي تظهر ضربات صاروخية تدمر المباني.

ونادرًا ما تعرض وسائل الإعلام الأمريكية صور النساء والأطفال الفلسطينيين وهم يُقتلون، أو يتم انتشالهم من تحت أنقاض المباني المدمرة.

ولكن حين يرى الأمريكيون الحقيقة على وسائل التواصل الاجتماعي فإن مشاعرهم إزاء جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل في غزة سوف تتغير، تماماً كما حدث عندما رأوا حقيقة جرائم الحرب التي حدثت في فيتنام.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى