أخبارأخبار العالم العربيالراديو

ما هي دلالات الموقف الأمريكي مما يحدث في قطاع غزة؟.. وهل سيتغير؟

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

استضافت وزارة الخارجية الأمريكية مؤتمرًا صحفيًا للتأكيد على دعم الرئيس جو بايدن الكامل لإسرائيل، وأنها تدعم تحركاتها للرد على الهجمات الإرهابية بغض النظر عن الأرواح الفلسطينية التي تدفع ثمن ذلك.

كتب الصحفي المخضرم راي حنانيا في صحيفة “The Arab daily News” أن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميللر أجاب على جميع الأسئلة بحق إسرائيل في مهاجمة الفلسطينيين في قطاع غزة، بينما تجنّب الإجابة على تلك التي تتعلق بما تفعله إسرائيل من ارتكاب جرائم حرب ومعاقبة جميع مواطني قطاع غزة البالغ عددهم أكثر من مليوني فلسطيني، وأصبحوا هدفًا للجيش الإسرائيلي بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023.

خبيرٌ دولي قال إن بايدن تحدث كمسؤول إسرائيلي وخطابه هو الأسوأ لرئيسٍ أمريكي، حيث قال أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، د. خليل العناني، إن خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي ألقاه مساء الثلاثاء في البيت الأبيض، هو أخطر وأسوأ خطاب لرئيس أميركي خلال العقود الأخيرة.

جاء ذلك خلال تعليقه على تأكيد بايدن، في خطابه، على تحريك ما وصفها بموارد إضافية إلى المنطقة لدعم إسرائيل، وتعزيز قوة الردع الأميركية، وتحذيره أي بلد أو منظمة من محاولة الاستفادة من الوضع الحالي.

كما انتقد الخبير في الشؤون الأمريكية بايدن وحديثه عن الهولوكوست، وتناوله الصراع الحاصل باعتباره صراعًا دينيًا وكأن ما يحدث حرب على اليهود وليس على الاحتلال الإسرائيلي، معتبرًا تجاهله للجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل بحق قطاع غزة دليلًا على الإفلاس الأخلاقي.

اليوم أيضًا تراجع البيت الأبيض في وقت متأخر من يوم الأربعاء، عن التصريحات الصادرة عن الرئيس جو بايدن بشأن رؤيته صور أطفال إسرائيليين قُطِعَت رؤوسهم على يد حماس، ونقلت شبكة “CNN” عن مسؤول في الإدارة الأمريكية، قوله إن هذه التصريحات كانت مبنية على مزاعم مسؤولين إسرائيليين وتقارير إعلامية محلية.

وأوضح المسؤول أن بايدن والمسؤولين الأمريكيين لم يروا هذه الصور، ولم يتحققوا بشكل مستقل من أن حماس تقف خلف هذه المزاعم.

وجاء توضيح البيت الأبيض بعد ساعات قليلة من الكلمة التي ألقاها الرئيس الأمريكي خلال اجتماع لقادة الطائفة اليهودية، وقال فيها إن على الأمريكيين رؤية ما يحدث، وإنه لم يتخيل رؤية إرهابيين يقطعون رؤوس أطفال، وأضاف: “كان هذا الهجوم حملة من القسوة الخالصة، وليس فقط الكراهية، بل القسوة الخالصة، ضد الشعب اليهودي”.

وفيما لا تزال الموجهات العسكرية مستمرة بين القوات الإسرائيلية وفصائل المقاومة الفلسطينية، أجرينا في راديو صوت العرب من أمريكا هذا اللقاء الهام مع مدير المركز العربي في واشنطن، خليل جهشان، للحديث حول الوضع في غزة وتسليط الضوء على دلالات الموقف الأمريكي مما يحدث هناك.

تقييم للوضع
* سيد خليل؛ كيف تقيّم الوضع بالعموم الآن، لا سيما في ظل التصعيد الحاصل في غزة؟، وماذا نتوقع أن يحدث خلال الأيام المقبلة؟

** من الواضح أن التصعيد مستمر، وأن هذا ما تقوم به إسرائيل الآن بناءً على الدعم الدولي الذي تتلقاه، وخصوصًا الدعم غير المحدود من الطرف الأمريكي، ليس فقط معنويًا وسياسيًا وإنما عمليًا بعد وصول الدفعة الأولى من إعادة تزويد إسرائيل بالأسلحة خصوصًا بالصواريخ الإضافية.

ولا شك أن القيادة الإسرائيلية واضحة بالنسبة لأهدافها، فالخطوة المقبلة بعد “تليين الأرضية” كما يقولون بطريقة عنصرية في إسرائيل، تهيئة التربة في غزة بعد هذا القصف الشنيع الذي شاهدناه حتى الآن، أعتقد أن إسرائيل مزمعة على احتلال القطاع، وكما تقول بشكل واضح أنها تريد إنهاء مقدرة حماس على الاقتتال.

ماذا يعني ذلك؟، لا نعرف، هل يعني اغتيال قادة حماس والقضاء عليها كتنظيم؟، هذا هو الهدف المعلن من قبل إسرائيل، وهذا ما أتوقعه، فهذا ما قاموا به ف الماضي، ولا شك أن الشعب الفلسطيني الأعزل سيدفع الثمن لمثل هذا الاعتداء، فحتى الآن هناك عائلات كاملة تم قتلها كما سمعنا اليوم في عدة أماكن غزة، وعدد الضحايا من المدنيين فاق الألف حتى الآن، وربما قد يصبح بالآلاف، فهذا هو اليوم الخامس ولا أدري ماذا ستكون النتائج في اليوم السابع والثامن والعاشر.

رد الفعل الإسرائيلي
* هناك من يشير إلى أن حماس هي من جرّت القطاع إلى هذا الوضع اليوم، وأنها ربما كانت تتوقع رد الفعل الإسرائيلي، فكيف ترد على ذلك؟

** لا شك أن الذين حضروا وصمموا ونفذوا هذه العملية لا بد وأنهم فكروا في هذا الموضوع، ورأوا من وجهة نظرهم أن تغيير الأمر الواقع والذي أصبح غير محتمل يستحق مثل هذه العملية ويستحق النتائج المترتبة عنها، والتاريخ سيثبت صحة هذا التفكير أو خطأه، لا أدري الآن كيف يقيّم التاريخ في المستقبل هذه العملية، ولكن بصراحة هناك بعض التجاوزات قد حدثت وأعتقد أنها لم تكن جزءًا من التخطيط.

كمراقب لهذه الأحداث منذ بدايتها شعرت أنه من الممكن أن تكون هناك ردود فعل أو تجاوزات من قبل الطرف الفلسطيني بعد أن قامت قوات حماس بكسر الحدود الإسرائيلية واجتياح بعض الأماكن مثل المستوطنات والمدن الإسرائيلية المجاورة لغزة، ولكن بعد فتح الحدود شاهدنا على أجهزة التلفاز الآلاف من الأشخاص لا نعرف من هم، ولا أعتقد أنهم كانوا كلهم من حماس، دخلوا إلى المنطقة، فكان هناك من الفوضى بعد المرحلة الأولى الناجحة جدًا من العملية والتي غيّرت تاريخ النزاع العربي الإسرائيلي وأدخلت النزاع في مرحلة جديدة، يجب ان نبدأ في تدريسها في المستقبل.

ثغرة ناجحة
* هذه نقطة هامة، كيف نجحت حركة حماس في إحداث هذه الثغرة الأمنية؟، الكل يتساءل هنا: أين الكاميرات؟، وأين المراقبة الأمنية الإسرائيلية؟، فما الذي حدث؟، وكيف استطاعت حركة حماس أن تدخل وتكون عمليتها العسكرية قوية بهذا الشكل؟

** أثبتت هذه العملية ضعف مثل هذا التفكير الاستراتيجي لدى إسرائيل ولدى الولايات المتحدة، لأن الولايات المتحدة بصراحة أيضا تفاجئت، وقد برهنت هذه الحرب بأن الولايات المتحدة خاطئة في اعتمادها التام على تزويد إسرائيل لها بالمعلومات الاستخباراتية في المنطقة، خصوصًا في الأراضي الفلسطينية وفي الدول المجاورة، فالولايات المتحدة تعتمد كليًا على إسرائيل، ومن هنا أثبت هذا الموضوع أن استنتاج أمريكا أن حماس غير قادرة وغير جاهزة لكي تقوم بأي تهديد لإسرائيل هو استنتاج من المخابرات الإسرائيلية، انتقل إلى هنا حيث البنتاغون والبيت الأبيض في واشنطن.

ولذلك رأينا هذه المفاجأة، وهذا الرد العاطفي من قبل البيت الأبيض، لأنه لا يريد أن يعترف بالفشل، ولا يريد أن يعترف بالاعتماد المفرط وغير المنطقي لدولة عظمى على إسرائيل بهذا الخصوص، ولكن الأهم من ذلك هو أن العملية أثبتت ضعف الخطوات الاستراتيجية الأمنية التي اعتمدتها إسرائيل فيما يسمى بتحييد القطاع وحماية حدود إسرائيل.

كما أثبتت عملية حماس أثبتت أن كل هذه التكنولوجيا المتطورة التي هي تشكل أساس هذا التفكير الاستراتيجي غير فاعلة في غياب تواجد شخصي وجسدي، فالمخابرات اليوم تعتمد كثيرًا على التكنولوجيا وهذا يثبت خطا هذا التفكير، لأنه في غياب معلومات تجمعها أجهزة الأمن من أرض المعركة، فإن كل هذه الخطوات التكنولوجية لا تفيد، فبطرق بسيطة قامت حماس بمفاجأة أجهزة وأنظمة الدفاع الإسرائيلية التي خدعت نفسها باعتمادها على التكنولوجيا وكأن الطرف الفلسطيني غير قادر على القيام بأي خطوة.

ذكر أحد المسؤولين الأمريكيين المتقاعدين، والذي خدم في الماضي كرئيس للجنة الشؤون الاستخباراتية الأمريكية، أن نظرة التعالي في إسرائيل على الطرف الفلسطيني جعلت إسرائيل تسقط كفريسة لخداع النفس في الواقع، فالكبرياء الإسرائيلي أوقع إسرائيل في الفخ.

نتيجة حتمية للضغط
* اليوم نعيش واقعًا يشير إلى وجود أكثر من 1300 قتيل من الإسرائيليين، ونحو 2000 قتيل من الجانب الفلسطيني، وآلاف الجرحى، وذلك في ظل وضع كارثي يعيشه قطاع غزة منذ ضرب الحصار الكامل عليه من قبل إسرائيل، ومنع أي إمدادات عن القطاع.

في ظل كل هذا وقبل أن انتقل إلى الموقف الأمريكي الرسمي ودلالاته، أود أن أتطرق معك سريعًا إلى نقطة المشكلة الأساسية التي لا يتحدث عنها الكثيرون، فهل هذا التصعيد من قبل حماس اليوم؛ جاء ربما نتيجةً للضغط الكبير الذي تعرض له الفلسطينيون خلال أشهر وقبل ذلك بكثير، من جانب الحكومة الإسرائيلية المتطرفة بكل استفزازاتها وكل ما قامت به مؤخرًا، وأن ما حدث نتيجة حتمية لكل هذا الضغط خلال الأشهر الماضية؟

** بدون أدنى شك، لقد قمتِ بالتلميح إلى الإجابة الصحيحة بهذا السؤال، لا شك أن هذه العملية هي انعكاس لتفكير الفلسطينيين الرازحين تحت الاحتلال وتحت الحصار، فالوضع الحالي لم يعد مقبولًا أو محتملًا، لا إنسانيًا ولا أمنيًا ولا أخلاقيًا، هذه العملية هي نتيجة استنتاج الطرف الفلسطيني، وهنا أعني حماس بالذات، أن الأمر قد وصل إلى طريق مسدود، فليس هناك أي أفق سياسي، لا إمكانية الآن لأي جهد في هذا المجال، لا مفاوضات سلمية، والكلام الذي تحدثت عنه الولايات المتحدة بشأن حق الفلسطينيين في حياة كريمة وقسط من الحقوق مثل الطرف الأخر، كل هذه الأمور قد برهنت الأيام بأنها كلام فارغ.

نجد بايدن وقد تراجع عن كل الأمور، وما زال متشدقًا بها، كما اعترف عند زيارته لفلسطين عندما قال لهم في بيت لحم إن الوقت الحالي غير مناسب لأي خطوات سلمية، فإذن اليأس الموجود في الطرف الفلسطيني من أن كل هذه المحاولات هي محاولات خداع، ولم تترجم على أرض الواقع إلى أي مكسب، بينما تزداد وتيرة الاحتلال الإسرائيلي وتجاوزاته خصوصًا في ظل الأزمة الداخلية في إسرائيل حيث تهرب حكومة إسرائيل إلى قمع الفلسطينيين للإجابة على الانتقادات الداخلية من قبل نصف سكان إسرائيل الذين لا يوافقون على سياسات هذه الحكومة الداخلية، رغم أنه لا دخل في ذلك للقضية الفلسطينية.

إذن الوضع في فلسطين أصبح غير محتمل، يُضاف إلى ذلك أكبر خطر حاليًا وهو تصفية القضية الفلسطينية عبر التطبيع مع إسرائيل، لذلك أعتقد أن هذه العملية كانت أولًا إجابة للاحتلال الإسرائيلي، وثانيًا للدعم الأمريكي، وثالثًا ـ وهذا هو الأهم ـ هو أن الأطراف العربية المتسابقة للتطبيع مع إسرائيل تتكلم عن رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط دون فلسطين، وهذا هو الأمر الأهم والمرفوض كليًا.

تهجير الفلسطينيين
* هل ما يُقال عن تهجير الفلسطينيين نحو سيناء والأردن أمر واقعي كما تراه؟، هل بالفعل سيتم أم أنها شائعات؟

** ليست شائعات بالنسبة لأطراف متطرفة داخل الحكومة الإسرائيلية، فهذه المجموعات المتطرفة التي كانت تتكلم حول التطهير العرقي وطرد الفلسطينيين وإحداث نكبة ثانية وثالثة، هذه الأطراف الآن لم تعد مهمّشة في إسرائيل، بل هي جزء من الحكومة، وهي الطرف الحاكم، فلذلك عندما نتكلم عن مثل هذه الخطوات فلا بد من أن نأخذها على محمل الجد، بناءً على كلامهم وليس تحكيمنا أو كلامنا، وهذه مشكلة كبيرة، ولذلك اضطرت مصر التي لها علاقات أمنية جدية مع الإسرائيليين إلى رفض السماح للمدنيين الفلسطينيين بالعبور إليها، كما قال لهم نتنياهو على لسانه: “اهربوا الآن قبل فوات الأوان”، لكن أين يهربون؟، ليس هناك سوى معبر رفح.

كان الحديث عن 200 إلى 300 ألف فلسطيني كي يهربوا من الاقتتال والموت لسببٍ أو لآخر إلى سيناء في مصر، وبعدها توطينهم في سيناء، لكن مصر كانت هذه المرة واعية لهذا الهدف، وتحت الضغوط الداخلية والخارجية اضطرت إلى عدم السماح لهؤلاء اللاجئين بالدخول إلى الأراضي المصرية بهذه الأعداد الكبيرة، لأن الموضوع بالأساس أن تهرب من الموت نتيجة القصف الإسرائيلي، وفي نفس الوقت أن تصبح لاجئًا مدى الحياة وإلى الأبد، وقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل في عامي 48 و67، فهل كُتِبَ على الشعب الفلسطيني النزوح مرة أخرى؟

الموقف الأمريكي الرسمي
* انتقل معك الآن إلى الموقف الأمريكي الرسمي، حيث ظهر ذلك جليًا منذ اللحظات الأولى للهجوم من قِبل حركة حماس وما تبعه أيضا من دعمٍ مفتوح لإسرائيل في حقها للرد والدفاع عن نفسها، رأينا ذلك من خلال خطاب الرئيس جو بايدن الذي وصفه البعض بأنه خطاب استخدم لغة عاطفية مشحونة، وكأنه مسؤولًا إسرائيليًا وليس أمريكيًا، أيضًا رأينا ذلك من خلال مخاطبته الطائفة اليهودية في كل تصريحاته، فكيف تقيّم الموقف الأمريكي تجاه هذا التصعيد الخطير وتبعاته إذا استمر بهذا الشكل؟، رأينا هناك تدخلًا من قبل حزب الله ورد آخر من مرتفعات الجولان، وهناك من يؤكد ومن ينفي الموقف، فكيف تقيّم الوضع الآن؟

** أولًا بالنسبة لموضوع الجبهة الشمالية، أي حدود لبنان وفلسطين المحتلة، لا أعتقد أن هناك حتى الآن أي صدام جدي بعد، وإذا كانت هناك نية بالفعل وإرادة سياسية لدى حزب الله بأن يتدخل، فإن هذا لم يتم بعد، لأنه إذا تدخل حزب الله فستكون هناك جبهة جديدة أكبر بكثير مما شاهدناه حتى الآن على حدود غزة، لأن السلاح الموجود لدى حزب الله والخبرة العسكرية لديه قد تغيّر المعادلة كليًا، ولذلك فإن ما شاهدناه حتى الآن من ضربات محدودة هنا وهناك، هي ضمن إطار التفاهمات الجارية منذ فترة طويلة بين حزب الله وإسرائيل، فليست هناك أي ضربة خارقة عن العادة.

ولكن التعبئة الموجودة على حدود لبنان خطيرة جدًا، فعندما يكون هناك مئات آلاف الجنود الإسرائيليين بالإضافة إلى القلق الموجود لدى الطرف اللبناني وخصوصًا حزب الله، فإن الوضع قد يشتعل نتيجة خطأ واحد أو نتيجة عملية صغيرة أو ضرب أحد الأهداف بالخطأ حتى ولو كان غير مقصود، قد يؤدي ذلك إلى تأجيج الوضع حتى وإن لم تكن هناك نية لدى الطرف الإسرائيلي أو لدى طرف حزب الله الذي لا يرى التصعيد في مصلحته حاليًا.

بالنسبة للموقف الأمريكي؛ لا شك أن هذا الموقف الذي شاهدناه خلال الأيام الخمسة الماضية يثبت من جديد أن الولايات المتحدة لأسباب سياسية داخلية غير قادرة أن تتصرف كدولة عظمى وتتبنى موقف موضوعي أو عقلاني تجاه أي أزمة فيما يتعلق بإسرائيل، أصبح الموضوع داخليًا أمريكيًا ومتعلقًا بالانتخابات كما شاهدنا من حديث بايدن بالأمس أمام زعماء الجالية اليهودية، لذلك عندما تصبح قضية مسيّسة داخلية يفقد صانع القرار عقلانيته وإمكانية الخروج بسياسة موضوعية مفيدة تخدم مصلحة بلده، فلذلك ما نسمعه من الرئيس بايدن عندما يقول “أنا صهيوني”، وما نسمعه من وزير الخارجية يقول “أنا يهودي”، هذا ليس بخبر جديد ولكن سياسة الولايات المتحدة أهم من ميولهم السياسية الشخصية وأهم من هويتهم العرقية أو الدينية.

يبدو لي أن هذا التراجع في الموقف الأمريكي وشخصنته بهذا الشكل يُفقد الولايات المتحدة ما تبقى لها من مصداقية ولو محدودة جدًا، لأنها في الواقع فقدت هذه المصداقية منذ زمنٍ طويل، والآن ما تبقى منها معرض للخطر والزوال.

* أنتوني بلينكن زار إسرائيل تأكيدًا لدعم الولايات المتحدة الأمريكية، وتأكيدًا لمساندة إسرائيل، ولكن هل هذا التصعيد يخدم أحد الآن؟

** لا يخدم مصلحة الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو جزء لا يتجزأ على الأقل من المصالح القومية الأمريكية المعلنة، فالولايات المتحدة تريد الأمن والاستقرار في المنطقة خدمةً لمصالحها من ناحية، ومن ناحية أخرى تتخذ مواقف تقوّض الأمن والاستقرار في المنطقة، فهناك تناقض جوهري في الموقف الأمريكي غير القابل للتفسير، فأنا لا أرى في هذا العالم أي دولة عظمى أخرى تتصرف بهذا الشكل وتضر بمصالحها بنفسها، هذا شيء غريب وعجيب، وأعتقد أن هذا يعود إلى تسخير السياسة الخارجية الأمريكية لخدمة مطالب اللعبة الانتخابية الداخلية، وهذا غير مقبول.

مستقبل التهدئة
* ما الذي نتوقعه خلال الأيام القادمة؟، هل تتجه الأمور إلى التهدئة برأيك؟، هل سيكون هناك ضغط دولي لحل هذه الأزمة وإيقاف نزيف الدم بين الطرفين؟

** هذا التفكير الهستيري الذي يسيطر على هذه الأزمة وعلى المواقف الغربية الناجمة عنها لن يدوم طويلًا، كما قلت لقد شاهدت هذا الفيلم من قبل مرارًا، وفي نهاية المطاف هذه ليست سياسة ناجحة ولا طويلة الأمد، وإنما مواقف عاطفية، ولذلك قد تضطر هذه الأطراف قريبا أن تعيد النظر، ففي نهاية المطاف هؤلاء الذين يدعون أنهم يدعمون إسرائيل بأن هذه الأضرار في الواقع مستمرة، وحتى ازدياد عدد الضحايا الفلسطينيين يضر أيضا بمواقف وصورة إسرائيل في الغرب، فالشعب الأمريكي ربما الآن وبناءً على ما وصفه له بايدن والإدارة الأمريكية حول من هو المعتدي ومن هو المعتدى عليه وذبح الأطفال وغيرها من الأمور، يرى وكأن هذه الضربة الإسرائيلية الآن هي مجرد رد على ضربة من الطرف الفلسطيني.

إذن المواطن الأمريكي العادي الآن ونتيجة التغطية الإعلامية المنحازة يعتقد بأن الطرف الفلسطيني هو الذي بدأ هذه الأزمة، وعليه أن يتحمل مسؤوليتها، ولذلك نرى كلامًا عنصريًا لم نشاهده منذ سنين طويلة بعد أحداث 11 سبتمبر وحرب 67، وكأن الإعلام والرأي العام الأمريكي قد رجع إلى الخلف أكثر من 30 أو 40 سنة، وهذا شيء غريب.

تفاعل أم تقاعس؟
* بالحديث عن الإعلام الأمريكي والمواطنين الأمريكيين، أريد أن أعلّق سريعًا على الأمريكيين العالقين في داخل غزة ومعلومات تشير إلى قتل العديد منهم، أين موقف الولايات المتحدة الأمريكية من مساعدة مواطنين أبرياء حوصروا في الداخل ومعرضين للقتل، فهل نشهد تقاعسًا للحكومة الأمريكية في إخراج مواطنيها؟

** بعض العائلات تتهم الإدارة الأمريكية بالتقاعس، ولكن يبدو لي أن هناك تجاوب أكبر اليوم، أولًا يجب أن ننتبه إلى قضية الجنسية الأمريكية وأن هناك مئات الآلاف من الإسرائيليين الذين يحملون الجنسية الأمريكية، إذن هذا ليس مفاجئًا بأن يكون هناك عدد من حملة الجنسية الأمريكية ضمن الإسرائيليين الأسرى، فقد تم خطف حوالي 17 أمريكيًا ومقتل حوالي 22 أخرين، وبالتالي هذه الأمور ليست مفاجئة أبدًا من ناحية سكانية محضة، ولكن الولايات المتحدة بدأت منذ اليوم الأول في الواقع ـ ولا تستطيع أن تعلن ذلك لأسباب أمنية ـ في التفاوض حول مصير هؤلاء المختطفين أو الذين لم يُعرف مصيرهم حتى الآن.

كما أنها تمارس تدخلًا وضغطًا عبر العديد من الدول العربية، فهذا الموضوع تم فتحه في الحديث بين بايدن وبلينكن والمسؤولين العرب الذين تحدثوا معهم منذ بدء الأزمة، ويبدو أن الأكثر جدية وهو المطلب شبه الرسمي وغير المعلن عنه كثيرًا، ولكنه معروف، أن الولايات المتحدة قد طلبت من قطر بأن تتدخل نظرًا لعلاقتها الجيدة مع حماس، للإفراج أولًا عن المواطنين الأمريكيين، وثانيًا عن الأطفال والنساء.

التأثير على الانتخابات
* هل من الممكن أن نشهد تبعات لهذا الموضوع على الانتخابات الأمريكية بالنسبة للديمقراطيين وبالنسبة لإعادة انتخاب الرئيس بايدن؟

** أحد الأسباب الذي أدى ببايدن إلى أن يتكلم بهذه الصورة المنحازة هي الانتقادات الموجهة له بأنه في الواقع يتهاون كثيرًا مع الطرف الفلسطيني، فبعض الزعماء في الحزب الجمهوري يتهمون بايدن بأنه هو سبب هذه الأزمة، لأنه تهاون كثيرًا مع الطرف الفلسطيني، وترك الانطباع لدى حماس بأنها تستطيع أن تفعل ذلك، فلذلك هو يحاول أن يسد الطريق أمام هذه الانتقادات التي بلا شك ستكون جزءًا من المعركة الانتخابية الشرسة التي نتوقعها العام المقبل.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى