تلوث الهواء وخطورته على الصحة.. كيف تحمي نفسك؟
أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
دخلت بعض المدن الأمريكية، من بينها العاصمة واشنطن، ضمن قائمة المدن الأكثر تلوثًا، وذلك بسبب الدخان الكثيف الناجم عن حرائق الغابات الكندية، والذي انتقل إلى سماء الولايات المتحدة بكميات هائلة، وحوّل السماء في بعض المناطق إلى اللون البرتقالي، مما دفع السلطات إلى إصدار تحذيرات بشأن خطورة الهواء السيئ.
وقالت السلطات إن دخان حرائق الغابات يمكن أن ينتقل لمسافات هائلة، ويشكل خطورة على صحة الإنسان، حيث تكون جزيئاته صغيرة للغاية بدرجة تكفي لوصوله إلى الدم عبر الرئتين لو تم استنشاقها.
حول تلوث الهواء (المخاطر وسبل الوقاية) كان هذا اللقاء الهام الذي أجرته الإعلامية ليلى الحسيني، مع الدكتور زاهر سحلول، أخصائي الأمراض الصدرية والعناية المشددة، ورئيس منظمة “ميدغلوبال” الإنسانية.
التغير المناخي
* نبدأ حديثنا عن حرائق الغابات والدخان الذي ينتج عنها من موضوع التغير المناخي، والذي رغم أهميته لا يزال يواجه حالة من الإهمال الكبير، فهل لك أن تلقي الضوء على أهمية هذا الموضوع؟
** هذا الموضوع هام جدًا، ليس فقط بسبب التغير المناخي الذي نرى آثاره بتسارع خلال هذا العام والأعوام القليلة الماضية؛ من ارتفاع في درجات الحرارة بشكل قياسي، وانتشار الحرائق في مدن لم تشهد مثل هذه الحرائق من قبل.
وإنما لأن هناك العديد من الدول، ومنها الولايات المتحدة، كانت تعاني من مشكلات في درجة نقاوة الهواء، إلى أن صدر قانون “Clean Air Act” في عام 1976م، وهو قانون الهواء النظيف في أمريكا، والذي حث المدن على أن تخفف من تلوث الهواء عبر إجراءات معينة تتخذها الحكومة ووكالة حماية البيئة الأمريكية “EPA”.
منذ ذلك الوقت وهناك اهتمام كبير بنقاوة الهواء، لأن تلوث الهواء يؤثر سلبًا على الصحة، وهناك 6 مواد يمكن أن تؤدي إلى زيادة تلوث الهواء، وهي الأوزون والأجسام الدقيقة والرصاص والنيتروجين والكبريت وثاني أكسيد الكربون.
وهناك معيار اسمه معيار نقاوة الهواء “Air Quality Index” والذي يشير إلى مدى تلوث الهواء وتأثيره على الجسم، ولا شك أنه من الضروري جدًا أن تتم توعية الناس وتثقيفهم حول موضوع تلوث الهواء وتأثيره على صحتهم.
أمراض خطيرة
* صدر تقرير حديث عن البنك الدولي مؤخرًا يقول إن تلوث الهواء هو السبب الرئيسي لحدوث العديد من الأمراض وحالات الوفاة المبكرة حول العالم، فما تعليقك على هذا التقرير؟
** نعم، فهناك تقديرات بأن ملايين الناس يموتون بشكل مبكر بسبب تلوث الهواء في مختلف أنحاء العالم، ففي أمريكا على سبيل المثال هناك 100 ألف شخص يموتون بشكل مبكر بسبب تلوث الهواء، رغم أنها تعتني بنقاوة الهواء، ولديها قوانين تحفظ هذا الأمر وتعتبره من حقوق الإنسان.
وإذا كان الوضع هكذا في أمريكا فما بالك بالدول الأخرى المعروفة بتلوث الهواء مثل الصين والهند ودول الشرق الأوسط ودول أفريقية، فمعظم هذه الدول لا تعتني بنقاوة الهواء، ولا شك أن تلوث الهواء يؤدي إلى أمراض مختلفة منها أمراض تنفسية وأمراض القلب والموت المبكر للفئات المختلفة.
* إلى أي مدى يرتبط تلوث الهواء بتغير المناخ؟
** يمكن لتغير المناخ أن يؤدي إلى تلوث الهواء من خلال عدة طرق؛ أولًا من خلال انتشار حرائق الغابات، ورأينا خلال الشهرين الماضيين حرائق كبيرة في كندا، وقد أدت إلى زيادة الأجسام الدقيقة في الهواء، وهذه أجسام صغيرة جدًا قطرها يصل إلى 10 ميكرون، فهي أصغر من الشعرة، وقد يصعب رؤيتها، ولكن تركيزها في الهواء يزداد بسبب الحرائق التي تحدث في الغابات.
وإذا استنشق الشخص هذه الأجسام فإنها تدخل إلى الرئتين ومنها إلى الدم، ويمكن أن تؤدي إلى حدوث التهابات أو أزمات ربوية أو اضطرابات التنفس، أو أزمات قلبية لمن هم مصابون بأمراض القلب، وربما يتطور الأمر إلى الموت المفاجئ.
بالنسبة لغاز الأوزون؛ فإن وجوده مهم في الطبقات العليا من الغلاف الجوي، لأنه يمنع وصول الأشعة فوق البنفسجية والتي يمكن أن تؤذي الجلد، أما في حالة وجوده في المستويات القريبة من الأرض وبتركيز مرتفع فإن هذا يتسبب في حدوث اضطرابات تنفسية وزيادة نسبة الأمراض التنفسية.
معيار تلوث الهواء
* إلى أي مدى هناك مشكلة في درجة نقاوة الهواء على مستوى العالم، وفي أمريكا؟
** هناك خرائط موجودة على الإنترنت أو تطبيقات على الموبايل مثل “Air Now”، يمكن لأي شخص من خلالها معرفة نسبة تلوث الهواء في المنطقة التي هو متواجد بها، فاليوم مثلًا أنا وجدت في شيكاغو عبر “Air Now” أن اللون الظاهر هو الأصفر، وهذا يشير إلى أن هناك نسبة تلوث متوسطة في الهواء، ويمكنها أن تؤثر على الأشخاص الذين يعانون من الحساسية، وبالتالي على الأفراد عدم البقاء لفترات طويلة في الخارج أو ممارسة التمارين أو الرياضة في الخارج لفترة طويلة، منعًا لحدوث أي مشكلات تنفسية.
أما في ديترويت اليوم، فإن اللون هو البرتقالي على “Air Now”، وهذا يعني أن التلوث هنا أعلى من شيكاغو، وبالمناسبة فإن نسبة التلوث من شهر تقريبا كانت خطرة في شيكاغو، حيث كان اللون هو الأرجواني، فكانت شيكاغو من أكثر المدن تلوثًا في العالم بسبب انتشار حرائق الغابات في كندا بالقرب منها، وديترويت أيضا كانت من بين الأسوأ تلوثًا في العالم لنفس السبب.
مخاطر وأضرار
* ما هي المخاطر التي قد تصيب صحة الإنسان بسبب تلوث الهواء؟
** هنا فئات يستهدفها تلوث الهواء بشكل أكبر من غيرها، وبالنسبة لتلوث الهواء فإن الأمر ليس له علاقة بالغنى أو الفقر كمحددات اجتماعية للإصابات، وإنما له علاقة بالعمر وبوجود أمراض معينة أخرى، فنجد مثلًا أن الأشخاص الأكثر حساسية لتلوث الهواء، والذين يجب عليهم مراقبة معيار نقاوة الهواء بشكل يومي هم الأطفال، والمتقدمين في السنّ، ومن لديهم أمراض تنفسية مثل الربو، ومن لديهم أمراض قلبية وعائية، والنساء الحوامل.
يمكن لتلوث الهواء أن يتسبب لهذه الفئات بمضاعفات وأمراض خطيرة، خاصةً الأطفال، لأن الرئتين لديهم لا تزال في مرحلة التكوّن، لذلك فإن التأثير الوقتي وطويل الأمد يكون كبيرًا على الأطفال.
وبشكل عام فإن كل المواد الملوثة للهواء تؤدي إلى انقباضات في القصبات الهوائية عند تنفسها، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على أصحاب الأمراض المزمنة، على سبيل المثال مرضى الربو الذين قد يعانون من صعوبة التنفس، وقد تحدث الوفاة إذا لم يتم إسعافهم بشكل سريع في المستشفى.
بالنسبة للأشخاص المصابين بأمراض قلبية؛ يمكن أن يحدث لهم اضطرابات في النظم، أو سكتات قلبية، أو ارتشاح في العضلات القلبية، أو حتى موت مفاجئ، خاصةً إذا كان هؤلاء المرضى متقدمين في السنّ.
* ما هي طرق تخفيف تأثيرات تلوث الهواء على صحتنا؟
** هناك عدة أمور؛ أولها ضرورة الانتباه إلى هذا الموضوع وتثقيف أنفسنا حياله، وأن نستشير الأطباء المتخصصين حوله، وثانيًا أن ننتبه بشكل يومي إلى درجات نقاوة الهواء من خلال التطبيقات المختلفة على هواتفنا، مثل تطبيق “AirNow.Gov” والذي يعطينا رقم ولون، فالرقم يعبر عن مدى التلوث، وكلما زاد الرقم كلما كان ذلك دليلًا على ارتفاع معدل التلوث.
معايير الهواء الصحي
* ما هي صفات أو معايير الهواء الصحي؟
** أن تكون نسبة التلوث به أقل من 50، أي أن يكون اللون أخضر، فلو لاحظنا الـ “Air Index” سنجد أنه مقسّم إلى 6 ألوان بحسب مدى تلوث الهواء، الأخضر وتكون فيه نسبة التلوث أقل من 50، وهذا مطمئن جدا، والأصفر ما بين 50 على 100، وهذا يستدعي أن يكون الشخص حذرًا بعض الشيء لا سيما أصحاب الأمراض التنفسية والقلبية.
أما البرتقالي فيعني أن الهواء غير صحي لأصحاب الأمراض القلبية والرئوية ومن الضروري تجنب التمارين خارج المنزل وكذلك تجنب الخروج من المنزل قدر الإمكان بشكل عام.
أما اللون الأحمر فإن هذا يعني أن تلوث الهواء خطير، وأن الأمر غير صحي بالنسبة لكل الفئات العمرية، وفي هذه الحالة يجب على الجميع تجنب الخروج من المنزل، خاصةً الفئات العمرية التي ذكرناها سابقًا، ويُفضل لو قاموا بارتداء كمامات، خاصةً من نوعية “N95” والتي تمنع دخول الأجسام الدقيقة إلى الرئتين.
أما اللون الأرجواني فإن هذا يعني أن التلوث غير صحي تمامًا بشكل كبير، أما اللون الماروني فيعني أعلى درجات الخطورة في تلوث الهواء، وهنا يجب إغلاق نوافذ المنزل بشكل محكم مع عدم الخروج مطلقًا من المنزل.
التصدي للتلوث
* ما هي إجراءات التصدي لتلوث الهواء؟، ما الذي يجب علينا أن نفعله لكي نحمي كوكبنا وبلادنا من زيادة التلوث في الهواء أو تغيّر المناخ؟
** أولًا يجب أن يزداد الوعي حيال المشكلة، وأن نأخذ الأمور بشكل جدّي، لا سيما وأن هذه الأزمة تؤثر علينا جميعًا بشكل خطير، ولا شك أن ديننا ـ سواء الإسلامي أو المسيحي ـ يحثنا على حماية الفئات الضعيفة التي من الممكن أن تتعرض للأذى؛ مثل الأطفال أو كبار السنّ أو من لديهم أمراض مزمنة.
علينا أن نثقف أنفسنا أكثر حول درجة نقاوة الهواء، ومن الضروري أن نتابع ذلك باستمرار، خاصةً لأولئك الذين يعانون من الأمراض، وعلينا أيضًا أن نهتم بمسألة التغير المناخي، وأن ندعم كل الجهود الرامية إلى ذلك.
وهناك مواقع على الإنترنت يمكن للشخص الدخول عليها وذكر نمط حياته، ويقوم الموقع بإخباره بالبصمة الكربونية الخاصة به، وإذا خفف كل شخص من بصمته الكربونية فإن هذا يعني أننا نخفف من التلوث الذي يؤدي إلى حدوث التغير المناخي، وهذه مسؤولية فردية قبل أن تكون جماعية.