ما وراء العملية العسكرية على جنين؟ وما دلالة التوقيت؟

فهرس المحتوى
أجرى الحوار: رواء أبو معمر ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
في تطور خطير، شنَّ الجيش الإسرائيلي عملية واسعة النطاق في مخيم جنين في أوسع تحرك عسكري في الضفة الغربية المحتلة منذ عملية السور الواقي في عام 2002م إبان انتفاضة الأقصى، تستخدم إسرائيل في العملية أدواتها البرية والجوية مما أدى إلى سقوط عدد من الشهداء إلى جانب مئات المصابين، إضافةً إلى اعتقال العشرات وتشريد الآلاف إلى خارج المخيم.
لمناقشة هذا الموضوع، أجرت الزميلة رواء أبو معمر، مراسلة راديو صوت العرب من أمريكا بقطاع غزة، عدة لقاءات مع عدد من الضيوف المختصين بالشأن الفلسطيني، وهم: مراد طوالبة، الناطق باسم القوى الوطنية في جنين، ود. إبراهيم حبيب، الخبير الأمني، ود. أيمن الرفاتي، المتخصص في الشأن الإسرائيلي.
عدوان متواصل
في إطار تعقيبه على العملية الإسرائيلية على مدينة ومخيم جنين، قال د. إبراهيم حبيب، الخبير الأمني: “العدوان المتواصل على مدينة جنين ومخيمها يأتي في إطار خطة إسرائيلية تستهدف تقليم أظافر المقاومة وتحجيمها والعمل على التخلص منها إن أمكن ذلك، وهذا ما صرّح به رئيس الوزراء الإسرائيلي وكذلك وزير دفاعه بشكل مباشر، وتأتي هذه العملية في ظل تصاعد أعمال المقاومة في الضفة الغربية وخصوصًا في منطقة جنين ومخيمها التي شكلت حاضنة لإعادة توزان المقاومة في الضفة الغربية، وقد انخرطت فيها كل فصائل المقاومة في إطار وحدة ميدانية شاملة”.
وأضاف حبيب: “كل هذا ما أقلق الاحتلال، لا سيما في ظل تصاعد وتيرة المقاومة ومراكمتها للقوة واستحداثها لأدوات وأساليب جديدة منها العبوات الناسفة وكذلك المقذوفات الصاروخية التي تم استلهامها من تجربة المقاومة في غزة”.
وتابع: “الاحتلال يحاول في هذه المرحلة حسم الصراع قدر الإمكان من خلال مواجهة المقاومة بكل الأساليب، هذه العملية كما صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأنها عملية ستستمر لمدة 72 ساعة، أهدافها محدودة، وقبل أن يدخل العملية أبلغ الولايات المتحدة الأمريكية بتفاصيلها، وأبلغ المصريين والسلطة، في محاولة للحد من تبعاتها وأن هذه العملية محدودة ولن تكون كبيرة، وهدد المقاومة في غزة بأنها إذا تدخلت فإن الرد سيكون مباشرًا”.
ولفت حبيب إلى أن المقاومة أبلغت الاحتلال عبر الوسيط المصري بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي إذا توغل الاحتلال في جنين، وبرغم تهديدات الطرفين لبعضهما البعض إلا أنه من الواضح أن لا أحد يريد للأمور أن تنزلق نحو الهاوية، وأشار إلى أن الأمور رغم جسامتها في جنين إلا أن المقاومة تبدي بسالة كبيرة، ودعا إلى ضرورة أن تكون الحراك الفلسطيني الموحد في ظل الموقف الأمريكي المنحاز للاحتلال الإسرائيلي بشكل فاضح، رغم اعتداء إسرائيل على المدنيين العزل في جنين.
تطور المقاومة
تصدت المقاومة الفلسطينية للآليات الإسرائيلية لمنعها من التوغل في المخيم، للتعقيب على تصاعد قوة المقاومة وطرق ردها الجديدة، قال مراد طوالبة، الناطق باسم القوى الوطنية في جنين: “نحن في مخيم جنين، لسنا دعاة حرب أو خراب أو تدمير، نحن دعاة سلام ولكن قوات الاحتلال لا تريد لنا أن نعيش مثل باقي الشعوب، وفي ظل ذلك الوضع فإن المقاومة مشروعة للتصدي للاحتلال، وهي في تطور دائم وباتت هناك نقلات نوعية في أساليبها، ونحن لدينا إيمان قوى بقضيتنا ورسالتنا”.
وأشار طوالبة إلى أن كل من خرجوا من المخيم وتركوا بيوتهم، قد فعلوا ذلك قسرًا تحت تهديد السلاح وبعدما تم ترهيبهم، ولفت طوالبة إلى موقف الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما كان محاصرًا في بيروت عام 1982م وسأله الصحفيون عن وجهته، فقال إنه في طريقه إلى فلسطين، واستشهد طوالبة بهذا الموقف للإشارة إلى أن الشعب الفلسطيني عما قريب سيعود إلى كل مدنه وقراه المحتلة.
جهود التهدئة
حول تأثير العملية العسكرية على جهود التهدئة التي تبذلها أمريكا ومصر للهدوء في المنطقة، وهروب نتنياهو الدائم بأزماته الداخلية لمقاتلة الفلسطينيين، علّق الخبير والمحلل في الشؤون الإسرائيلية، أيمن الرفاتي، قائلًا: “لا شك أن العملية الأخيرة في جنين تؤثر بشكل كبير على جهود التهدئة في الأراضي الفلسطينية وربما قد تؤدي إلى الذهاب إلى سيناريوهات خطيرة، ولا شك أن الضغط الذي يمارسه الاحتلال بدرجة كبيرة على المواطنين المدنيين والعزل في جنين يؤثر بشكل كبير جدا على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية ويزيد من معاناة الفلسطينيين”.
وأضاف الرفاتي: “هذه العملية تعزز الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، والتي تريد إسرائيل من ورائها إنهاء التواجد الفلسطيني في الضفة المحتلة، وضم الضفة إلى دولة الاحتلال، واستمرار حالة الاحتلال للأراضي الفلسطينية”، ولفت الرفاتي إلى وساطات عديدة تُبذل من عدة دول في المنطقة، من جانب مصر والأمم المتحدة، لإنهاء هذه العملية العسكرية حتى لا يتم الانزلاق إلى سيناريوهات خطيرة.
وأكد الرفاتي على أن “المقاومة في الضفة الغربية تشكل هاجسًا لدولة الاحتلال، خاصةً انها من الناحية الاستراتيجية يمكنها أن تؤثر على الأمن القومي في دولة الاحتلال، في ظل وجود عمليات فدائية يمكن أن ينفذها بعض الشبان الفلسطينيون ويمكن أن تضرب الأمن الإسرائيلي الداخلي، ويمكنها أيضا أن تؤثر على مشروع الاستيطان في الضفة المحتلة عبر جعل ثمن الاستيطان كبيرًا، وبالتالي فإن الاحتلال يخشى من هذه العمليات وهو يدرك جيدًا أن العمل المقاوم في الضفة يمثل حالة من الاستنزاف له على مدار الوقت، خاصةً أنه ينشر اكثر من 60% من القوات النظامية لديه في الضفة في محاولة للسيطرة على الأوضاع الأمنية ومنع العمليات الفدائية”.
وأشار الرفاتي إلى أن “نتنياهو يذهب بشكل دائم إلى خيارات تصدير الأزمة الداخلية التي تمر بها حكومته إلى الجبهات الأخرى، وقد شهدنا في مايو أيار الماضي كيف أن الاحتلال صدّر الأزمة إلى قطاع غزة، واليوم في ظل تصاعد التظاهرات ووجود تهديدات كبيرة من المعارضة في دولة الاحتلال، يذهب نتنياهو إلى خيار المواجهة من الفلسطينيين كجزء أساسي من أجندته السياسية، وبالتالي يحبط الجهود التي تؤدي إلى تصاعد التظاهرات ضد حكومته في إسرائيل، وباعتقادي أنه دائما يحاول الهرب من الأزمة الداخلية لديه عبر تصدير أزمته إلى الفلسطينيين عبر افتعال حروب ومواجهات مع الفلسطينيين تؤدي إلى تغيير توجهات ورؤية المجتمع الصهيوني، الذي يتهمه بالفساد ومحاولة السيطرة على كل مفاصل دولة الاحتلال بما في ذلك القضاء”.