
أجرى الحوار: سامح الهادي ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
كشف تقرير جديد لمنظمة أوكسفام “Oxfam” أن أغنى 1% من البشر استحوذوا على ما يقرب من ثلثي الثروة الجديدة التي تم جمعها في جميع أنحاء العالم على مدى العامين الماضيين، وقال التقرير إنه تم جمع 42 تريليون دولار من الثروة الجديدة منذ عام 2020، بينها 26 تريليون دولار بما يعادل 63% تم جمعها من قبل 1% من فاحشي الثراء
أما الـ 99٪ المتبقية من سكان العالم فجمعوا 16 تريليون دولار فقط من الثروة الجديدة، بما يعادل 37٪ من الثروة العالمية الجديدة، وبذلك يكون كل ملياردير من الـ 1٪ كسب ما يقرب من 1.7 مليون دولار، مقابل دولار واحد حصل عليه كل شخص بين أفقر 90٪.
في هذا الإطار، استضاف الاعلامي سامح الهادي في برنامج “الناس والاقتصاد” من واشنطن، البروفيسور محمد ربيع، المحلل الاقتصادي والخبير في الاقتصاد الأمريكي والدولي، للتعليق على تقرير منظمة أوكسفام.
مفارقة غريبة
* كيف يمكن لـ 1٪ فقط أن يجمعوا 26 تريليون دولار، بينما 99٪ من البشر في كل هذا الكوكب الذي تجاوز الـ 8 مليارات نسمة أن يجمعوا فقط 16 تريليون دولار؟
** الأمر بدأ في الولايات المتحدة، وتحديدًا في زمن الرئيس ريجان، والفكرة ببساطة أن رجال الأعمال الذين يمتلكون أموالًا هم من لديهم الفرصة والإمكانية للاستثمار، ومع تقليل الضرائب المفروضة عليهم، أصبح بإمكانهم تكوين ثروات ضخمة، وإقامة مشروعات كبرى وتوظيف الآخرين فيها، هذه كانت البداية من خلال التركيز على الأثرياء كي يقوموا بأنفسهم بإدارة الاقتصاد من خلال خلق أعمالهم الخاصة الضخمة ومن ثمَّ إيجاد وظائف لغيرهم.
ولكن هناك خلل حدث، فعندما يتم تقليل الضرائب على هؤلاء الأشخاص يصبحون أكثر قدرة على استغلال الناس بسبب ما لديهم من ثروات، يُضاف إلى ذلك أنهم لا يستثمرون بالشكل المطلوب لخلق الوظائف التي نريدها، فهم يخلقون الوظائف التي تناسبهم هم فقط وتخدم توسع أعمالهم واستثماراتهم، وبعضهم يستثمر خارج البلاد وليس داخلها، كمثال على ذلك هناك شركة جنرال إلكتريك، ثلث أرباحها فقط من داخل أمريكا والثلثان من خارجها، ولدينا شركات أخرى كثيرة مثلها.
الشركات الأمريكية قديمًا كانت تنفق على موظفيها وعمالها لتدريبهم وتطوير إمكانياتهم، ومن ثمَّ كانوا يحتفظون بهم حتى سنّ التقاعد، وكانوا يعطونهم مزايا إضافية أخرى مثل الخدمات الصحية وذلك حتى لا ينتقل هؤلاء العمال إلى شركات أخرى، لكن الآن في ظل العولمة التي بدأت في منتصف التسعينات تقريبًا، أصبحت الشركات تذهب إلى البلدان التي تحظى بعمالة مدربة جاهزة وبأجور منخفضة وإنتاجية عالية، مثل الصين وكوريا الجنوبية، وإمكان هذه الشركات أن تبيع منتجاتها التي تنتجها في الخارج داخل أمريكا بكل سهولة، وهم بالتالي لم يحرموا البلاد فقط من بناء مصانع وتوظيف الناس، بل دخلوا في منافسة قوية مع الشركات الموجودة هنا.
مسؤولية من؟
* هل ترى أن هناك تقاعسًا حكوميًا من الحكومات لفرض سياسات ضريبية تتسم بالعدالة، يعود توزيع عائدها لصالح معادلة جزء من الخدمات والبرامج التي يمكن أن ترفع مستوى المعيشة لمعظم الناس على الكوكب، أم أن هناك قصورًا في أداء وإنتاجية هؤلاء الأشخاص مما كان حاجزًا أمامهم ليحصلوا بأنفسهم على الثروة؟، أقصد هل مسؤولية الحكومات أم مسؤولية الناس؟
** هي مسؤولية الحكومات بالدرجة الأولى، وذلك عندما سمحت بتخفيض الضرائب على الأثرياء، فرئيس وول مارت ـ على سبيل المثال ـ قال ذات مرة إن نسبة ما أدفعه من ضرائب على أموالي أقل من النسبة التي تدفعها سكرتيرتي، فهل تتخيل أن نسبة ما تدفعه موظفة بسيطة من دخلها أكبر من نسبة ما يدفعه هذا الرجل؟!، وهذا عائد إلى تمكن الأثرياء من شراء السياسيين، فالآن لا يستطيع أي مرشح أن يترشح لمجلس النواب أو الشيوخ دون أن يجمع مبالغ كبيرة جدا من المال حتى يستطيع أن يضمن فرصة نجاحه في الانتخابات.
فمرشح مجلس الشيوخ لن يستطيع أن يحظى بفرصة للفوز ما لم يجمع على الأقل حوالي 15 مليون دولار، إذن هذا الشخص لا بد أن يقضي معظم وقته مع لوبيات ومجموعات تستطيع أن تدفع له كل هذه الأموال، وبالتالي فإن مصلحته ستكون مع هؤلاء الأشخاص الذين يموّلن حملته، ومن ثمَّ سيخدم مصالحهم في النهاية عندما يفوز بالانتخابات ويدخل المجلس؛ سواء مجلس النواب أو مجلس الشيوخ.
وبالتالي فإن أعضاء هذه المجالس لا يفكرون في توزيع الثروات بشكل عادل، بقدر ما يفكرون في كيفية البقاء في مناصبهم حتى وفاتهم، وهذا ما كتبته في أحد كتبي تحت عنوان “Future for all”، وما أود قوله هو انه عندما يتغير النظام فلا بد أن يكون المستقبل للجميع، وألا يمتلك 1٪ فقط من سكان العالم حوالي نصف ثروة العالم، والأغرب أن هؤلاء يحصلون الآن على 63٪ من كل زيادة في ثروة العالم.
المهم الآن هو أن نعرف أن الشعوب لا تسكت إلى الأبد، فاستمرار هذا الوضع سيؤدي إلى حدوث انهيارات وخروج مظاهرات واحتجاجات اجتماعية، وهذا الأمر موجود لدينا الآن في أمريكا بالفعل، ورأينا خلال الأيام الماضية هجوم على بعض محطات الكهرباء بسبب غضب الناس من ارتفاع الأسعار، ناهيك عن الإضرابات العمالية من وقت لآخر.
حكومات فاسدة
* وردنا تعليق من أحد المتابعين على تويتر، يقول: لا يمكن أن نلوم الأغنياء بل يجب أن نلوم النظم الحاكمة الفاشلة، وخاصةً في الدول العربية، التي أوردتنا موارد الهلاك في الاقتصاد، فما تعليقك على ما قال؟
** لا أختلف معه على الإطلاق، فنحن لدينا نظم فاشلة وفاسدة، وظالمة في نفس الوقت، فللأسف كل الحكومات العربية محكومة من الخارج، ولا توجد أي حكومة مستقلة باستثناء الحكومة السعودية، فهي الوحيدة التي تحاول الآن أن تبقى مستقلة بعدما كانت مرتبطة ارتباطًا كاملًا بأمريكا.
زيادة الثروة
* علّقت متابعة أخرى تقول: كيف يمكن لي أن أزيد من ثروتي، إذا كانت الضرائب تثقل كاهلي، في حين أن رئيسًا سابقًا مثل ترامب لم يدفع ضرائب؟!
** لن تستطيع سوى بعد تغيير القوانين، وانتخاب أشخاص مختلفين كي يحكمون البلاد بطريقة أفضل، وبالمناسبة فإنني في كتابي “Future for all” الذي ترجمته إلى اللغة العربية تحت عنوان “مجتمع العدالة”، أقول إنه لا بد أن يكون هناك عدد سنوات معين لخدمة عضو مجلس النواب أو مجلس الشيوخ، حتى نرى وجوهًا جديدة، لا سيما أن عدد كبير من الموجودين الآن ليس لديهم فهم كامل للتطور التكنولوجي الحادث وتأثيرات الذكاء الاصطناعي.
فإذا كانت مدة بقاء العضو بالمجلس هي فترتين فقط، فإنه خلال الفترة الأولى قد يميل بعض الشيء إلى الأثرياء وأصحاب الشركات والمصالح، لكن خلال الفترة الثانية غالبًا ما سيكون إنسانًا عادلًا لأنه بعد انتهاء هذه الفترة سيخرج ويصبح فردًا من هذا المجتمع.
آلية للمحاسبة
* ما ضرورة أن تكون هناك آلية مجتمعية لمحاسبة الشركات على تضخم ثرواتها بشكل غير طبيعي؟، هل هناك دور لمنظمات المجتمع المدني لكي تقوم بالضغط بطريقة ما على هذه الشركات؟
** عندما نرى تقريرًا مثل التقرير الذي أصدرته منظمة أوكسفام، فهذه منظمة مجتمع مدني، هي تكشف الحقائق ولكن ليس لديها قوة أو سلطة كي تفرض رأيها، والإعلام يتعاون تعاونًا كبيرًا مع الأثرياء لأن كل الأجهزة الإعلامية تملكها شركات ربحية، ولا يملكها الشعب، وبالتالي فإن لديك عمليات تزييف وعي مستمرة من خلال أجهزة الإعلام.
كمثال بسيط على ذلك، فإن أي خبر يخص إسرائيل وسياساتها واقتصادها يتم إذاعته وبدقة على الفور، لكن أبدًا لن يذكروا لنا كم عدد الفلسطينيين الذين يتم قتلهم هناك، على العكس مثلًا عندما يتحدثون عن إيران، فإن كل مظاهرة أو قتلى يغطونها بشكل كامل، وذلك نظرًا لأن وسائل الإعلان والحكومة هنا على غير وفاق مع الحكومة الإيرانية، لذا أنا أقول إن حرمان الإنسان من معرفة الحقيقة أكثر ظلمًا من إعطائه حقيقة غير صحيحة.
حالة ركود
* هل ترى أننا مقبلون على شكل من أشكال الركود؟، خصوصًا مع إعلان مايكروسوفت مؤخرًا عن تسريح 10 آلاف من أطقمها العاملة في الولايات المتحدة، وقد سبقتها في ذلك جوجل وتويتر وميتا، فعلى ما يبدو ان قطاع التكنولوجيا يشهد تسونامي من خروج الموظفين القصري من قبل أصحاب الأعمال، فهل نحن على مشارف ركود؟
** نحن الآن بالفعل في حالة ركود، لكن ثمة نغمة اتفق الساسة على ترديدها حول ما إذا كنا سندخل في حالة ركود أم لا، بينما نحن بالفعل في ركود الآن، رئيسة صندوق النقد الدولي مؤخرًا قالت إن هناك تراجع في معدل النمو وتوقعت أن يكون 2.7٪ معدل نمو الاقتصاد العالمي، ولفتت إلى أنها تعتقد أن الوضع قد يتحسن، لكن أنا أرى أنها تناقض نفسها في نفس الوقت.
عندما يقارنون هنا بين معدلات الأسعار أو التضخم بين الشهر الحالي والشهر الماضي ويقولون إنه حدث تحسنًا في الوضع، هذا ليس تحسنًا، هذا فقط وضع أقل سوءًا من الشهر الماضي، للأسف اتفق صنّاع القرار على أن 70٪ من الناتج القومي الإجمالي هو إنفاق على الاستهلاك، لكن هذا الإنفاق على الاستهلاك لا يشتري نفس كمية وحجم البضائع التي كان يشتريها في السابق، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار، وإذا ارتفعت الأسعار فإن هذا يعد تراجعًا في الاقتصاد، وليس نموا.