الراديوتغطيات خاصة

في يومها العالمي.. هل فقدنا الديمقراطية في زمن الأزمات والجوائح؟

أجرى الحوار: سامح الهادي ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

احتفل العالم في يوم 15 سبتمبر باليوم العالمي للديمقراطية، والذي يعتبر فرصة لاستعراض حالة الديمقراطية في دول العالم.

أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم الدولي في عام 2007، بهدف تعزيز مبادئ الديمقراطية والتمسك بها، ودعت جميع الدول الأعضاء والمنظمات للاحتفال به بطريقة مناسبة تساهم في رفع الوعي العام بالديمقراطية

في هذا العام، ركز يوم الديمقراطية على أهمية حرية وسائل الإعلام بالنسبة للديمقراطية والسلام وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، حول أهمية الديمقراطية وكيفية دعمها وتعزيزها؛ استضاف الإعلامي سامح الهادي، الأستاذ عماد حمد، المدير التنفيذي للمجلس الأمريكي لحقوق الإنسان، والذي حدثنا عن معايير الديمقراطية المنصوص عليها في مواثيق الأمم المتحدة، ومدى تطبيقها في دول العالم، وتأثرها بزمن الأزمات والجوائح.

آليات الاحتفال ودلالاته

* عنوان الاحتفال لهذا العام، كان “حرية الإعلام وحرية الكلمة”، والمقصود هنا حرية الإعلام بمختلف أشكاله وحرية التعبير، برأيك كيف يمكن للعالم الاحتفال بهذا اليوم؟، وما هي آليات الاحتفال ودلالاته، خصوصًا لجاليتنا العربية؟

** أولًا، الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرّت الكثير من المناسبات التي تحتفي ببعض القضايا وتعني الشعوب بشكل عام، فعندما نتحدث عن مفاهيم وأسس الديمقراطية وقيمها، فإننا نتحدث عن لغة يجب أن تكون لغة عالمية سائدة في كل المجتمعات، وجزء لا يتجزأ من التكوين الاجتماعي والنظام السياسي والخلقي لأي مجتمع في أي دولة.

لذلك فإن هذه المناسبة هي مناسبة للتذكير بأهمية الديمقراطية في العالم، وهي تأتي في سياق التأكيد على أن هذه المفاهيم يجب أن تكون مفاهيم ثابتة وشاملة ولا جدال فيها، لأنه للأسف نجد أن الشيء النظري يختلف عن الواقع العملي.

أما تركيز الاحتفال هذا العام على حرية الكلمة والإعلام، فهذا راجع إلى ما يمثله الإعلام من حالة لا يمكن للمجتمع أن يعيش بدونها، فالإعلام بكل مفاصله وأجزائه وأشكاله المختلفة أصبح جزءًا من البنية الأساسية لنجاح وتقدم أي مجتمع أيًا كان، وبغض النظر عن الظروف المختلفة بين بلدٍ وآخر، فالإعلام هو السلطة الرابعة، إن لم يكن الأولى بالمعنى العملي.

في الولايات المتحدة، نحن نعيش جزءًا أساسيًا من هذه الحياة الديمقراطية، ولكن لا يمكن أن نتحدث عن ديمقراطية بالمعنى المطلق، فلا يوجد شيء اسمه ديمقراطية مطلقة وخارجة عن إطار المقياس النسبي للأمور.

حيادية الإعلام

* وصلنا الآن سؤال من محمود أبو علي على تويتر، يقول فيه إن الإعلام ينقل من وجهة نظر واحدة، وكل شيء يحتمل وجهتي نظر مختلفتين، فكيف لنا أن نثق في الإعلام، خصوصًا الإعلام العربي؟

** هذه وجهة نظر صحيحة، لأنه كما قلت فإن الديمقراطية ليست شيء مطلق، خالي من التحديات والعيوب وتأثير الأجندات السياسية، وهذا يقودنا إلى موضوع أساسي هو أنه من يملك الحقيقة؟؛ هل هو الإعلام أم القضاء أم السلطة التنفيذية أم السلطة التشريعية أم من؟، من يملك الحقيقة هو رب العالمين فقط.

وبخلاف ذلك فإن الأمور هي وجهات نظر، فنحن نعيش في مجتمعات تتعدد فيها وسائل الإعلام بصورة لا تعد ولا تحصى، ومن هذه الوسائل ما هو بنّاء وصادق وأمين في نقله للحقيقة، ومنها من يتاجر باسم الإعلام.

وفي ظل التطور التكنولوجي القائم، أصبح بإمكان أي شخص أن يدّعي أنه إعلامي، ومن ثمَّ يفتح وسيلة إعلامية، ولأننا بشر فإننا عرضة للتجاذبات والمصالح والتشابكات، إذن فإن هذه المسألة شائكة جدًا ولا يمكن لنا أن نضع حدًا لها بالمعنى العملي، وبالتالي على الشخص أن يختار الوسيلة الإعلامية التي يثق فيها، انطلاقًا من مدى مصداقيتها ونقلها للأحداث كما هي بأمانة ودقة.

الديمقراطية والجالية العربية

* سؤال من منى راغب، تقول فيه: لماذا لم يتم الإعلان عن هذه المناسبة بشكل مسبق، وتنظيم فعاليات لها داخل الجالية العربية؟

** أنا أعتقد أن اليوم العالمي للديمقراطية لا يختلف عن اليوم العالمي لحقوق الإنسان، أو لمحو الأمية، أو للحد من الأسلحة النووية، أو للمياه أو التعليم كحق إنساني لكل الشعوب حول العالم، فمثل هذه المناسبات هامة ويجب تسليط الضوء عليها، كحق طبيعي يجب أن يُحتفى به، ولكننا قد لا نستطيع أن نواكب كل هذه المناسبات في ظل وجود بعض التحديات المادية وغيرها، كنت أتمنى لو نستطيع أن نحتفي بكل هذه الفعاليات بأشكال مختلفة، وليس فقط من خلال إصدار البيانات.

* سؤال من سمير سادي، يقول فيه: هل الحصول على تمويل ومساعدة للمنظمات العربية هنا في الولايات المتحدة من دول غير ديمقراطية، يتعارض مع الديمقراطية أم يتفق معها؟

** هذا يأخذنا إلى موضوع مفهوم الديمقراطية، وهذا يعود إلى كل منظمة عربية أمريكية، فكل مؤسسة لها أسبابها وظروفها واستراتيجيتها وطابع وأسلوب للعمل، هناك من يقبل هذه التبرعات، وقد تكون مناقضة لمفاهيم الديمقراطية، خاصةً إذا كان الدعم قادم من نظام محدد يُصنف بأنه غير ديمقراطي، ففي هذه الحالة يصبح هناك تناقض وازدواجية للمعايير.

لكن في نفس الوقت، لكل مؤسسة ما يبرر قبولها لهذا التمويل، قد تكون الحاجة إلى الدعم المالي، أو وجود ارتباطات مؤقتة، أو مصالح استراتيجية، ولكن إذا تحدثنا عن المجلس الأمريكي لحقوق الإنسان بشكل محدد، أقول إنه لا يمكن لنا أن نقبل أي مساعدات مشروطة من أي دولة أو أي نظام أيا كان.

حالة الديمقراطية

* كيف ترى حالة الحريات حول العالم بمختلف أنواعها وأشكالها؛ حرية الانتخاب وحرية الصحافة وحرية الحصول على المعلومة والحريات المدنية وغيرها؟

** هذا سؤال كبير ولا يمكن الإجابة عليه باختصار أو بجواب واضح ومحدد، لأن قيم ومفاهيم ومبادئ الديمقراطية مرهونة بظروف كل بلد على حده، بالرغم من أنه من المفترض أن تكون قيم مشتركة للجميع، لذلك تختلف مقاييس الديمقراطية بين بلد وآخر، لأن عنوان الديمقراطية هو احترام حقوق الإنسان، فإن لم يكن هناك احترام لحقوق الإنسان، لا يمكن للديمقراطية أن تعيش وتنتعش.

نحن نعيش الآن في ظل تطور تكنولوجي هائل، وبالتالي فإن الكثير من القيود قد تمت إزالتها، وأصبح تجاوز الإعلام للحدود وسرعة انتشار الأخبار هي سمة مميزة لهذا العصر، لذلك فإن هذه الحالة قد تعكس جانب مهم من الديمقراطية، وقد تحمل إيجابيات كبيرة لمنفعة المجتمعات، ولكنها أيضًا في نفس الوقت تأتي بتحديات كبيرة معها.

لو تحدثنا عن الديمقراطية في الولايات المتحدة، فإننا نتحدث عن نموذج متقدم نفتخر به، ونعيشه، ولكن لا يعني ذلك أننا نعيش في جنة الديمقراطية في الولايات المتحدة كما يعتقد البعض بالخطأ، أنا أعتقد أن نموذج الديمقراطية في الولايات المتحدة هو نموذج نفتخر به مقارنةً بالديمقراطيات الأخرى في بلدان العالم، ولكن هذا لا يعني أنها خالية من العيوب والتحديات والإخفاقات.

دعم الديمقراطية

* كيف يمكن أن يكون هناك دعم للديمقراطية، وتعزيز دورها، من أجل تمكين فئات من المجتمع هي أكثر احتياجًا لها، مثل تمكين المرأة ومنظمات المجتمع المدني وغيرها؟

** صحيح، فعندما نتحدث عن الديمقراطية فإن العمود الفقري لها هو مدى احترام الدولة لحقوق الإنسان، سواءً كان ذلك فيما يتعلق بحقوق المرأة أو الطفل أو حق التعليم أو حق الحياة الكريمة وغيرها من الأمور التي لا تنازل عنها أو تساهل فيها من الناحية النظرية، ولكن من الناحية العملية تصبح عرضة لوجهات النظر والاختلاف من دولة لأخرى.

أنا أتصور أنه لا يمكن لأي مجتمع أن يتطور وأن يواكب العصر، دون أن تكون الديمقراطية هي إحدى سماته الأساسية، ولكن كما قلت وأكرر فإن سمة الديمقراطية هي سمة نسبية، لذلك عندما نتحدث عن بلد ما مقارنة ببلد آخر، فمن السهل جدًا علينا كمواطنين أن نقول إن حالة الديمقراطية في هذا البلد أفضل من ذاك.

الديمقراطية والجيل الصاعد

* هل تعتقد أن الجيل الصاعد “Z Generation” مناصر للفكر الديمقراطي ويتبناه، أم أنه يميل إلى الفكر المحافظ أكثر ويريد الاعتماد على الناحية الاقتصادية، ويربط ذلك بالاستقرار، خصوصًا في منطقتنا العربية؟

** عندما تتحدث عن الديمقراطية، عليك أن تسأل ما هي قيمة الديمقراطية عندما يعيش المجتمع في حالة مزرية من الظروف الاقتصادية والمادية والحياة الصعبة والشاقة للمواطنين؟، لا يمكن أن تتحدث عن ديمقراطية بمعزل عن واقع اجتماعي محدد.

طبعًا هذا لا يعني أن الديمقراطية لا تقاس بأن هذا البلد فقير أو هذا البلد غني، لكن عندما نتحدث عن الديمقراطية فإننا نتحدث عن قيم ومبادئ، فالديمقراطية الحقيقة هي التي تنبت وتعيش وتتطور في أجواء طبيعية.

لذلك فإن الديمقراطية في مجتمعاتنا نوعًا ما تائهة ومغيّبة ومشوهة، كما أنه عندما تتحكم السياسة بالديمقراطية فإنها تفقد معناها الحقيقي وتصبح مصطنعة لخدمة توجه سياسي أو أيديولوجي في هذا البلد أو ذاك.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى