تنقل وسائل الإعلام الإسرائيلية الرسمية والخاصة، ومعها مختلف المنصات الإعلامية الافتراضية، بنوعٍ من الفرح والحبور، والسعادة والسرور، أخبار التحضيرات الجارية لاستقبال الوفد الشعبي السوداني، الذي من المقرر أن يزور فلسطين المحتلة خلال شهر نوفمبر القادم.
حيث من المتوقع أن يصل إلى تل أبيب وفدٌ شعبيٌ سودانيٌ، مكونٌ من قرابة أربعين شخصية عامة، من بينهم فنانون وصحفيون وإعلاميون وكتاب، ورجال أعمالٍ ورياضيون وغيرهم، وسيكون في استقبالهم مسؤولون إسرائيليون رسميون وفعالياتٌ شعبية، ومؤسسات وجمعياتٌ ومنظماتٌ مدنيةٌ.
وتعتبر هذه الزيارة هي الأولى في تاريخ إسرائيل التي يقوم بها مواطنون سودانيون، مما سيجعل منها زيارة هامة ونقطة تحول فارقة في الصراع العربي الإسرائيلي.
تلقف الإسرائيليون الخبر بفرحٍ، وسارعت المؤسسات الإعلامية إلى الاتصال بمنظمي الزيارة السودانيين، والجهات الإسرائيلية الراعية لها، ونقلت عن بعض السودانيين اعترافهم بدولة إسرائيل، وبحقها في الوجود الشرعي والحياة الآمنة المطمئنة لمواطنيها، وسلامة حدودها وأرضها.
كما نقلت أن السودانيين لا يعتبرون إسرائيل عدواً لهم، بل هي دولة شرعية عضوٌ في الأمم المتحدة التي تنظم علاقاتها الدولية، وتراقب سلوكها العام، وأنه آن الأوان للاعتراف بها وإنهاء معاناة مواطنيها، والتكفير عما واجهوه خلال النصف الأول من القرن العشرين، ولأجل هذا فإن السودانيين سيبادرون إلى كسر هذا الحاجز النفسي الذي بني خطأً خلال العقود الماضية.
نشطت الجمعيات الأهلية الإسرائيلية المشاركة في استقبال الوفد الشعبي السوداني، في أوساط المهاجرين السودانيين، ليساهموا في استقبال الوفد الشعبي السوداني القادم من الخرطوم.
حيث يوجد في فلسطين المحتلة آلاف المهاجرين السودانيين، الذين هربوا من أعمال العنف والعمليات العسكرية في دارفور وجنوب السودان، وما زالوا يقيمون فيها.
وقد اشتكى منهم الإسرائيليون قديماً أنهم يوالون المقاومة الفلسطينية، ويرابطون في المسجد الأقصى المبارك، ويحرصون على الصلاة فيه، ويشاركون أحياناً مع المهاجرين الأفارقة، في أعمال العنف التي تشهدها مدينة تل أبيب ومدنٌ إسرائيلية أخرى.
فضلاً عن أنهم يحتفظون في هواتفهم بصور المقاومين الفلسطينيين، ويرددون الأغاني الشعبية الفلسطينية والأهازيج الحماسية، التي تمجد المقاومين، وتدعو إلى قتل المحتلين الإسرائيليين.
عمل الإسرائيليون بالتعاون مع الأمريكيين كثيراً على الملف السوداني، ولم يخفوا تصميمهم على اختراقه وتطويعه، وإجباره على التسليم والاعتراف، والتوقيع والتطبيع.
فكان لهم دورٌ كبيرٌ في خلق أزماته الاقتصادية، وصراعاته البينية، وحروبه الداخلية، وانقساماته المتكررة.
فضلاً عن فرض الحصار السياسي والاقتصادي عليه، وإدراجه على قوائم الإرهاب، واتهامه بإيواء الإرهابيين وتدريبهم وتسهيل عملياتهم العسكرية، فضلاً عن دعم المقاومة الفلسطينية وتزويدها بالأسلحة، ومساعدتها في تهريبها إلى غزة.
واستغل الأمريكيون شبهاتهم المزعومة في التضييق على السودان وخنقه، ليجبروه على تغيير مواقفه، والتراجع عن سياسته، والتخلي عن دعمه للفلسطينيين وتأييده لقضيتهم.
الإسرائيليون فرحون جداً وسعداء للغاية بهذا الخرق الكبير في الجدار العربي القديم، فالسودان بنظرهم دولة عربية محورية، لها وزنها ودورها رغم الأزمات التي تعاني منها.
وقد كان لها دورٌ كبير في المقاومة الفلسطينية، وارتبطت بعلاقاتٍ قوية مع فصائل الثورة الفلسطينية، وساهمت بفعاليةٍ في الجيوش العربية التي قاتلت العدو الإسرائيلي على جبهات القتال.
ويعلم الإسرائيليون أن السوداني العربي، المسلم والمسيحي، عقائديٌ في المسألة الفلسطينية، ومبدأيٌ في الصراع مع الكيان الصهيوني، وقد كان لهم دولةً وشعباً وقفاتٌ تاريخية، ومواقف شجاعة، أقلها لاءات الخرطوم التاريخية الثلاثة.
ربما نجح الإسرائيليون والأمريكيون في استغلال أزمات السودان، وتمكنوا من ابتزازه ومساومته، والضغط عليه وإلزامه، مستغلين الظروف الصعبة التي يمر بها، والمرحلة الانتقالية التي يعشها، واستخدموا معهم بعض الأنظمة العربية التي اعترفت وطبعت، للضغط عليه لتقليدهم وإتباع سياستهم.
وإلا فإنه سيتعرض إلى المزيد من الضغوط والعقوبات، وسيخضع إلى مزيدٍ من الحصار السياسي المشدد والاقتصادي الخانق حتى يخضع ويخنع، ويسلم ويصافح، ويفاوض ويعترف.
لكننا لا نظن أن الشعب السوداني سيقع في الفخ، وسيسقط في المصيدة، وسينجر إلى ما يريدون، وسيشوه بنفسه تاريخه، وسيلوث سمعته ويلطخ شرفه، ويلعن ماضيه ويدفن مجده، ويهيل التراب على أبطاله، ويجيب الأمريكيين والإسرائيليين إلى ما يريدون.
فالسوداني العربي القومي والمسلم، لن يسمح لشرذمةٍ قليلةٍ من أهله، عميت البصيرة وضلت الطريق، وأصابتها لوثة الضالين وعدوى الفاسدين، أن تتحدث باسمه وتعبر عن أهله، وتغير مفاهيمه وتبدل قيمه.
فالسوداني ما زال حراً عربياً، وفياً صادقاً، عزيزاً أبياً، يحب فلسطين وأهلها، ويعشق القدس وأقصاها، وعما قريب سينجلي الغبار، ويخرج علينا شعب السودان الجبار، يقول بعالي الصوت للكيان الغاصب لا، لن نعترف ولن نصالح، ولن نساوم ولن نصافح.
أرجو ممن يرغب في الرد أو التعليق على المقال المرسل، أن يراسلني على العنوان:
أو على صفحتي الخاصة على الفيس بوك وهي:
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
شاكرًا لكل من أحب التعليق أو التعقيب، تأييدًا أو نقدًا، استحسانًا أو اعتراضًا، آملاً أن تكون التعليقات ضمن الموضوع.
الآراء الواردة في المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس وجهة نظر الموقع