تقارير

هل تتأثر احتجاجات العراق بصراع تصفية الحسابات بين إيران وأمريكا؟

أحمد الطلياني

يشهد العراق منذ ثلاثة أشهر احتجاجات شعبية وعفوية مناهضة للحكومة، إذ يواصل المتظاهرون التعبير عن مطالبهم بإجراء انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة يكون ولاؤها للعراق فقط.

ويتمسك المحتجون بإقرار دستور جديد للبلاد وتشكيل نظام سياسي لا صلة له بالفساد.

مطلب رئيسي

ويظل المطلب البارز في العراق، الذي يعاني من عدم استقرار منذ سقوط نظام صدام حسين في 2003، هو التخلص من المحاصصة الطائفة والعرقية، والتي يعتقد كثيرون أن كلا من الولايات المتحدة وإيران يقفان خلفها عن طريق حلفاء لهما. وأسفرت الاحتجات عن مقتل 460 شخصًا حتى الآن، وإصابة ما لايقل عن 25 ألف شخص بجروح في جميع أنحاء العراق.

ويرغب  المتظاهرون في “عراق جديد” رافضين أن تتحول بلادهم إلى ساحة للصراع أو حرب بالوكالة بين واشنطن وطهران. ولعل ما يحدث في الوقت الحالي في العاصمة بغداد وقبلها في النجف هو ما يخشاه المحتجون.

اشتعال الاحتجاجات

واشتعلت الاحتجاجات أمس الثلاثاء بعد غارات جوية أمريكية الأحد الماضي  على قواعد تديرها كتائب حزب الله – أقوى الجماعات المسلحة المدعومة من إيران داخل العراق – مما أسفر عن مقتل 25 مقاتلا على الأقل وإصابة 55 آخرين.

وجاءت الضربات الأمريكية ردًا على مقتل مقاول مدني أمريكي في هجوم صاروخي على قاعدة عسكرية في كركوك بشمال العراق، ألقت واشنطن باللوم فيها على كتائب حزب الله.

واتهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران بالمسئولية عن مقتل المقاول، كما اتهمها بتدبير هجوم على السفارة الأمريكية في بغداد.

التحول ضد أمريكا

وهاجم محتجون، إلى جانب زعماء جماعات مسلحة مدعومة من إيران، البوابة الرئيسية للسفارة وأحرقوا أعلامًا أمريكية وهم يهتفون “الموت لأمريكا”. وارتدى محتجون زيًا رسميًا لقوات الحشد الشعبي المؤلفة من فصائل موالية لطهران أبرزها كتائب حزب الله، وطالبوا بإخراج القوات الأمريكية من العراق أو سيتم طردهم.

وأحرق المحتجون الموقع الأمني عند مدخل السفارة مما دفع حراس السفارة إلى عبر إطلاق الغاز المسيل للدموع. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاجون” إنها سترسل حوالي 750 جنديًا من الفرقة 82 المحمولة جوًا إلى الشرق الأوسط، إضافة إلى إرسال قوات مشاة البحرية لحماية أفراد السفارة ،وإن قوات إضافية ستكون جاهزة لإرسالها خلال الأيام القليلة المقبلة.

حرب بالوكالة

ويمثل الهجوم غير المسبوق على بعثة دبلوماسية أمريكية في العراق تصعيدًا للحرب بالوكالة بين واشنطن وطهران، في ظل احتجاجات واسعة تتحدى وتندد بحكومة عادل عبد المهدي الذي يسانده حلفاء لإيران في العراق.

ورغم أن  الجيش العراقي قال اليوم  إن جميع أفراد الفصائل المسلحة وأنصارها الذين كانوا يحتجون على الضربات الأمريكية في العراق انسحبوا من محيط السفارة الأمريكية، إلا أن السفارة أعلنت بعدها تعليق جميع العمليات القنصلية العامة حتى إشعار آخر، وألغت جميع المواعيد، ونصحت المواطنين الأمريكيين بعدم الاقتراب من السفارة. وجاء انسحاب الجماعات المسلحة بعدما طالبتها بذلك قوات الحشد الشعبي.

تطور الصراع

وينذر ما يحدث في العراق بتحول جديد في الصراع الأمريكي الإيراني، رغم أن ترامب قال إنه يريد “السلام” ردًا على سؤال احتمال تصاعد التوتر  إلى حرب مع إيران، التي يفرض عليها عقوبات بعدما انسحب في 2018 من الاتفاق النووي المبرم مع القوى العالمية.

ولا ينذر التواجد القوي للجماعات المسلحة والمدعومة من طهران في المشهد السياسي بالعراق، بأن الأمور ستهدأ سريعا.

ولا تعد احتجاجات السفارة الأمريكية هي الجولة الوحيدة في إطار معركة بالوكالة لبسط النفوذ بين طهران وواشنطن. ويتبادل الطرفان بشكل دائم الاتهامات والنفي.

رسائل إيران

وفي نهاية نوفمبر الماضي أحرق متظاهرون غاضبون القنصلية الإيرانية في مدينة النجف، مقر المؤسسة الدينية الشيعية في العراق، تنديدا بتدخل طهران في شئون البلاد.

وهتف مئتات المحتجين إيران بره” من داخل المجمع الدبلوماسي بينما تلتهم  النيران شعار الجمهورية الإسلامية على جدار القنصلية في النجف بجنوب العراق. كما هاجم المحتجون قنصلية إيران في كربلاء. واتهم مسئولون إيرانيون، واشنطن بتدخلها في أحداث كربلاء والنجف.

وتأتي أحداث السفارة الأمريكية لتبدو كرد من إيران عبر حلفاءها على ما حدث في كربلاء والنجف، ثم الضربات الجوية الأخيرة. وتريد طهران أن توجه رسالها إلى واشنطن تبلغها فيها أن لها نفوذ في العراق أيضًا وتستطيع قلب الطاولة في أي وقت.

كما تحوي الرسالة في طياتها أنه إذا كان هناك من يطالب بطرد إيران من العراق وإبعاد الجماعات المسلحة التي تدعمها عن المشهد السياسي، فهناك أيضًا من لا يرغب في بقاء القوات الأمريكية هناك.

ويرى الموالوان لإيران أن الاحتجاجات الشعبية وغير المسبوقة ضد الحكومة العراقية، إنما هي لعبة تقوم بها الولايات المتحدة أو متظاهرون تحركهم السعودية وإسرائيل.

وفي هذا الإطار يأتي فرض واشنطن عقوبات على ثلاثة من قادة الفصائل الموالية لإيران ضمن قوات الحشد الشعبي، يشتبه بأنهم تورطوا في الحملة الأمنية ضد المتظاهرين خلال الاحتجاجات. واتهم المتظاهرون الجماعات والفصائل المدعومة من إيران بالوقوف وراء عمليات القمع والخطف والاغتيال.

مخاوف التأثير على الاحتجاجات

وبين هذا وذاك، يرغب المتظاهرون العراقيون، الذين يتمسكون بحماية ثورتهم من الغرق في التوترات التي تعيشها المنطقة،  في التخلص من تبعات التوتر في الصراع الأمريكي الإيراني في بلادهم.

وظهرت مطالب بأن تكون الحكومة العراقية سيدة موقفها دون تأثير خارجي إلى جانب تغيير الوضع السياسي الذي تتحكم فيه المحاور الإقليمية والدولية.

ويسعى العراق الذي دخل فوضى احتجات بعدما بدأ التعافي من أربعة عقود من الحرب، إلى منح تحول أرضه إلى ساحة لتصفية الحسابات والصراعات بين واشنطن وطهران.

فهل ينجح المتظاهرون في تحقيق ما خرجوا من أجله والوصول ببلادهم إلى بر الأمان  بدون حلفاء يتصارعون على أرضه؟.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى