تقارير

“روبرت موغابي”.. المناضل الديكتاتور الذي لم يحقق حلم الخلود في الحكم

كتب ـ أحمد الغـر

بعد 37 عامًا من الاستئثار بحكم زيمبابوي، انتهت مسيرته في سدة الحكم بانقلاب عسكري عليه في نوفمبر 2017م، فيما انتهت مسيرته في الحياة، الجمعة الماضية، في إحدى المستشفيات في سنغافورة، لتنتهي قصة رئيس زيمبابوي السابق “روبرت موغابي”، آخر آباء الاستقلال الأفارقة، كما يصفه أنصاره، أو أحد أباطرة دول القارة السمراء، الذي أفقر البلاد والعباد، كما يصفه معارضوه.

بداية نضالية

بدأ موغابي حياته مناضلًا من أجل بلاده، إذ سُجِنَ في عام 1964م لأكثر من عقد بدون محاكمة بعد انتقاده حكومة روديسيا، والتي كانت مستعمرة بريطانية، تديرها أقلية بيضاء.

وفي عام 1973م وبينما كان لا يزال في السجن، اختير موغابي رئيسا للاتحاد الوطني لزيمبابوي (زانو) الذي كان عضوًا مؤسسًا به.

بمجرد إطلاق سراحه، توجه إلى موزمبيق، حيث رأّس جماعة مقاتلة شنت هجمات على روديسيا، ولكن في الوقت نفسه كان يُنظَر إلى موغابي على أنه مفاوض محنك.

وبعد نضال طويل ضد النظام الأبيض برئاسة “يان سميث”، أسفرت الاتفاقات السياسية التي خاضها موغابي مع رفاقه لإنهاء الأزمة عن ولادة جمهورية زيمبابوي المستقلة.

كان موغابي قد وصل إلى زيمبابوي قبل 6 أسابيع فقط من الانتخابات، بعد أن قضى 10 سنوات في المنفى، وفي عام 1980م، تولى موغابي رئاسة الحكومة، وفي 30 ديسمبر 1987م، أصبح رئيسًا للبلاد.

زعيم بطولي

خلال سنواته الأولى التقى موغابي بزعماء من شتى أرجاء العالم، من بينهم زعيم كوبا “فيدل كاسترو” الذي زار البلاد عام 198م، كما كانت له علاقة وثيقة برئيسة الوزراء البريطانية “مارغريت ثاتشر”، حيث بدأ معها سياسة التصالح مع الأعداء السابقين من ذوي البشرة البيضاء.

في تسعينات القرن الماضي شهدت البلاد تدخلًا في حرب جمهورية الكونغو الديمقراطية، التي كلفتها الكثير اقتصاديًا، لكن موغابي أحسن استثمار ذلك سياسيًا في صالحه، كما عمل على تحسين صورته وتكريسها كزعيم بطولي لزيمبابوي، فأصبح شخصية تقام لها الاحتفالات كل عام بعيد ميلاده.

وينظم حزب “زانو- الجبهة الوطنية” تلك الاحتفالات بشكل مستمر، وبالرغم من الفقر الشديد الذي تعيشه زيمبابوي فقد كانت تلك الاحتفالات مملوءة بالبذخ الشديد، على سبيل المثال فإن تكلفة عيد ميلاده الـ93 بلغت مليون دولار.

من التأييد إلى الخصومة

في بداية حكمه انتهج موغابي سياسة المصالحة حفاظًا على وحدة البلاد، وهو ما جلب له ثناء الجميع، لاسيما الحكومات الغربية، لكن دوام الحال من المحال، فالتأييد الغربي له تبدد، وانقلب إلى تنديد وإدانة، نتيجة قمعه الدموي للمعارضة، وما شهدته فترة حكمه من أعمال عنف وعمليات تزوير انتخابي.

ليس هذا فحسب، بل إن سياسة الإصلاح الزراعي المثيرة للجدل التي باشرها ابتداءً من عام 2000م كان لها دور كبير في هذا العداء الغربي لنظامه.

فقد طرد موغابي آلاف المزارعين البيض من أراضيهم لمصلحة مزارعين سود بأمر منه، مبررًا هذه الخطوة بالرغبة في تصحيح مظاهر اللامساواة الموروثة من الاستعمار البريطاني.

وقد يبدو هذا القرار في ظاهره الإصلاح، لكن في باطنه الفساد، فهذه العملية تمت لمصلحة المقربين من نظام موغابي، كما أن المزارعين السود الذي حصل بعضهم على أراضي كانوا بلا معدات أو تدريب، وهو ما تسبب في انهيار الإنتاج الزراعي في زيمبابوي، التي كانت تعتبر مخزن حبوب إفريقيا الجنوبية، وهو ما أحدث أزمة كارثية لم ينهض منها اقتصاد زيمبابوي حتى الآن.

الحكم مدى الحياة

كان موغابي يطمح في الحكم مدى حياته، وكانت الشعارات والدعاية المحلية التي تمجده تكرس لهذه الرغبة، والمؤسف أن “الرفيق بوب” ـ كما كان يحب أن يناديه أنصاره ـ لم تكن لديه أدني نية في الإصلاح أو القضاء على الفساد، فبعد أن كان محررًا لبلاده من الاستعمار، أصبح مدمرًا لها.

حيث مارس قمعًا دمويًا ضد المعارضة السياسية، كما وضع سياسات حولت زيمبابوي إلى مصدر سخرية بين بلدان العالم، كما تحولت إلى دولة منبوذة، ابتعد عنها المستثمرون، وشهدت تحت قيادته تضخم هائل ونقصًا في السيولة.

وقد أفضى شح السيولة النقدية إلى اندلاع احتجاجات في عام 2016، وكما شهدت البلاد في عهده ارتفاعًا في معدل البطالة تجاوز الـ 90%، وافتقار في كافة الخدمات الأساسية.

وخير دليل على ذلك أن موغابي كان يزور بعض الدول الآسيوية باستمرار للعلاج، لأن النظام الصحي في بلده متهالك مثل باقي الخدمات العامة والاقتصاد.

كما أن ابنته “بونا” قد درست في هونج كونج وسنغافورة، ولم تدرس في البلد التي حكمها أبيها 37 عامًا متواصلة.

بالرغم من أن الانجاز الوحيد في العصر الحديث في زيمبابوي، والذي يعود الفضل فيه لموغابي، هو أن بلاده هي الأفضل من حيث التعليم في القارة الإفريقية برمتها رغم مواردها المحدودة، إذ لا تتجاوز نسبة الأمية فيها الـ 10%.

مواقف وتصريحات غريبة

كان لموغابي الكثير من المواقف الغريبة والتصريحات الاستثنائية، الكثير من الأقوال التي لا تخلو من غرابة ومن إيحاءات جنسية، منها أنه في عام 2015م أعلن ساخرًا، عبر أثير الراديو الوطني، أنه يود طلب يد رئيس الولايات المتحدة “باراك أوباما”، وذلك بعد إقرار أوباما للزواج المثلي وحماية المثليين في الولايات المتحدة، وتغريد أوباما على حسابه بتويتر معلنًا مباركته لقرار المحكمة العليا القاضي بالسماح بزواج المثليين في جميع الولايات الأمريكية.

إضافة إلى ذلك هناك تصريحات عنصرية أخرى كان يطلقها موغابي باستمرار، منها أن “الرجل الأبيض الوحيد الذي يمكنك الوثوق به، هو الرجل الأبيض الميت”، وكان الأسقف “ديزموند توتو”، الحائز على جائزة نوبل، قد قال إن موغابي أصبح شخصية كرتونية لنموذج الديكتاتوريين الأفارقة.

السيدة الأولى

التقى موغابي بـ “سالي هافورت” وتزوجها عام 1961م، وكانت بالفعل تتمتع بخصائص سياسية أكثر منه حينها، وبعد وفاتها بسنوات قليلة، تزوج موغابي سكرتيرته “غراس ماروفو” عام 1996م، رغم أنها كانت تصغره بـ40 عامًا، وأنجب منها طفلين.

وللسيدة غراس قصة مثيرة بدورها، فقد حصلت على درجة الدكتوراه عقب التحاقها بجامعة زيمبابوي عام 2014، بالرغم من أن ذلك يتطلب سنوات في العادة، وتسلمت غريس موغابي الشهادة من زوجها روبرت موغابي الذي كان رئيسًا شرفيًا للجامعة في حينها.

لكن عقب الانقلاب على زوجها، واستقالته من السلطة، اعتقلت السلطات نائب رئيس الجامعة على خلفية منح شهادة الدكتوراه لغريس، وذلك بتهمة إساءة استخدام المنصب، إذ أكد أعضاء الهيئة التدريسية في قسم علم الاجتماع في الجامعة إنهم لم يروا أدلة على استحقاقها للشهادة، ودعوا للتحقيق وإلغاء الشهادة.

انقلاب واستقالة

عقب أحداث الألفية والعداء الغربي لنظامه، استخدم موغابي الميليشيات الموالية له لإحداث العنف في البلاد للتأثير على الحياة السياسية، وفي عام 2008، عندما خسر الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية، أدت هجمات ميليشياته على المعارضة إلى انسحاب منافسه حينها.

في حين اضطر إلى تقاسم السلطة في عام 2009م، وسط الانهيار الاقتصادي الحاد في البلاد، وتقلد منافسه “مورغان تسفانجيراي” منصب رئيس الوزراء.

إلى أن أتى نوفمبر 2017م، حيث أُرغِمَ موغابي على الاستقالة، إثر انقلاب قام به الجيش وبدعم من حزبه الاتحاد الوطني الإفريقي (زانو- بي أف)، وحل محله على رأس هرم السلطة “إيمرسون منانغاغوا”، نائبه السابق الذي كان قد أقاله قبل فترة قصيرة من الانقلاب.

وفاة موغابي

وكان منانغاغوا هو من أعلن خبر وفاة موغابي عبر تغريدة، قال فيها: “أعلن ببالغ الحزن وفاة الأب المؤسس لزيمبابوي ورئيسها السابق القائد روبرت موغابي”، متابعًا أن “موغابي هو بطل التحرير، مناصر لعموم إفريقيا، كرّس حياته لتحرير شعبه، لن ننسى أبدًا إسهامه في تاريخ أمتنا وقارتنا”.

فيما علّق على نبأ الوفاة، وزير سابق في حكومة موغابي، وهو “جوناثان مويو”، بالقول: “غيمة سوداء خيمت على زيمبابوي وأَبعد من زيمبابوي”، فيما كتب المتحدث باسم موغابي سابقًا “جالوسي ماواريري” في تغريدة “يوم أسود”.

لكن الشارع الزيمبابوي لم يتأثر بوفاة موغابي، فلم يحزن عليه المواطنون، الذين أكملوا يومهم كسابق أيامهم العادية، الغارقة في الفقر الذي تسبب فيه موغابي.

ردود فعل

دوليًا؛ تباينت ردود الفعل حيال وفاته، وكان الغالب عليها هو لغة المصالح والعلاقات، إذا قال رئيس جنوب إفريقيا “سيريل رامابوزا” الذي تقيم بلاده علاقات وثيقة مع زيمبابوي، إن “موغابي كان زعيمًا استثنائيًا ومناضلًا من أجل التحرير وبطل قضية إفريقيا ضد الاستعمار”.

وبالمثل فعلت الصين حيث وصفته بأنه “زعيم استثنائي”، وأضاف الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية “جينغ شوانغ” إن موغابي “دافع بحزم طوال حياته عن سيادة بلده، وعمل بجد من أجل الصداقة والتعاون بين الصين وزيمبابوي، وبين الصين وإفريقيا”.

بينما تحدث الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” عن “المساهمة الكبرى للرئيس الراحل في استقلال زيمبابوي”، مشددًا على العلاقات الودية التي أقامها موغابي مع موسكو.

وعلى العكس تمامًا أشارت بريطانيا إلى أن “شعب زيمبابوي عانى طويلًا تحت حكمه الاستبداي”.

قبضة حديدية

بقبضة من حديد، حكم موغابي بلاده بين 1980 و2017، كما أنه كان من السائد في بعض الأوساط في زيمبابوي بأن موغابي سَيُورِّث زوجته “كرسي” الرئاسة، لولا الإطاحة به في نوفمبر 2017، لقد ظنَّ موغابي خلال الـ 37 عامًا التي حكمها أنه لن يبعده شيء عن سدة الحكم.

وفي عام 2008م قال بلهجة صارخة: “الرب فقط الذي عينني، ويستطيع أن ينزعني”، وها هو عن عمر 95 عامًا، يرحل عن الحياة، تاركًا بلده كأفقر دول العالم، وغارقة في بحرٍ من الأزمات، بعد أن حكمها لمدة تعدَّ من أطول عهود الاستبداد بالسلطة في إفريقيا.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى