ما وراء الخبر.. قراءة في الهجمات الإيرانية ـ الإسرائيلية المتبادلة

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

استضافت الإعلامية ليلى الحسينى، الكاتب الصحفي محمد السطوحي لمناقشة تداعيات الهجوم الإيراني على إسرائيل وتمت الإجابة خلال اللقاء على العديد من التساؤلات منها هل كان الرد الإيراني انتقاميًا، أم مجرد استعراض لحفظ ماء الوجه؟، ومن كان الرابح في معركة السماء التي لم تصل إلى الأرض، إيران أم إسرائيل؟، وما هي التداعيات التي قد تشهدها المنطقة بعد هذا الهجوم؟

تقييم للرد الإيراني
* أستاذ محمد؛ كيف تقيّم الرد الإيراني على ما قامت به إسرائيل؟

** كان متوقعًا، إيران بعد الهجوم الذي تم على سفارتها في دمشق ما كان لها أن تنتظر طويلًا، لأن هذا الهجوم تمّ على أرض تابعة للسيادة الإيرانية من الناحية القانونية، ويُضاف إلى ذلك أن النظام الإيراني في الداخل كان سيتعرض لصدمة كبيرة وسيتأثر كثيرًا لو أنه تعرض لضربة دون أن يكون هناك رد.

الملاحظ أن إيران أرادت أن ترد وترسل رسالة لإسرائيل، وفي نفس الوقت دون أن تسمح بنشوب حرب واسعة، لذا كانت الضربة محسوبة بدقة، فإيران أرسلت رسالتها دون إحداث أضرار كبيرة، ومن الواضح أن ما حدث لن يكون نهاية القصة، لأن إسرائيل ربما ستكون لديها كلمة أخرى.

* هناك اختلاف كبير وجدل واسع حول طبيعة الرد الإيراني، وقد أجريت استطلاعًا على صفحتي الشخصية بوسائل التواصل الاجتماعي وكان هناك من يرى الضربة الإيرانية على أنها مسرحية منسقة سلفًا أو حفلة ألعاب نارية، فكيف ترى وتقيّم هذه الضربة الإيرانية على إسرائيل؟

** تابعت ردود المتابعين للاستطلاع الذي أجري على صفحتك الشخصية، ولاحظت أن عدد من قالوا إنها تمثيلية أو مسرحية يزيد عن عدد الصواريخ التي أسقطتها إسرائيل، هذا ليس مفاجئًا لأن هناك حتى الآن من يعتبر حرب 6 أكتوبر 1973م مجرد تمثيلية متفق عليها بين هنري كيسنجر والسادات، فنحن بطبيعتنا نميل إلى نظرية المؤامرة.

وبالتالي عندما يرى الناس أنه لم تقع أضرار كبيرة في إسرائيل جراء الرد الإيراني فإنهم يعتبرون ذلك مجرد تمثيلية، لكن لو حللنا الأمر سنجد أن إيران كانت تريد بالفعل عدم إحداث ضرر كبير أو تدمير جراء ضربتها، وهذا ما حدث أيضا في أعقاب مقتل قائدها قاسم سليماني.

ضربة منسقة
* هناك تقييمات كثيرة وتقارير تفيد بأن الضربة الإيرانية كانت منسقة سلفًا، فإلى أي مدى هذا صحيحًا؟

** هناك فارق كبير بين كونها منسقة وبين كونها مسرحية؛ فالضربة كانت منسقة لأن إيران لا تريد الحرب، لذا أعلنوا عن موعد وطبيعة الضربة، فالحرب تقتضي الخداع والمفاجأة، وإيران كانت تريد فقط توجيه رسالة لإسرائيل بأنها تحافظ على حقها في الرد دفاعًا على مصالحها، وهذا بالضبط مع حصل بعد مقتل قاسم سليماني عندما أبلغوا الولايات المتحدة بأنهم سيشنون هجومًا على القواعد الأمريكية في المنطقة.

وكان من اللافت في الضربة الإيرانية الأخيرة أن طهران استخدمت طائرات مسيرة بطيئة، فهي لم ترغب في إحداث تدمير كبير في إسرائيل بقدر ما أنها كانت تريد إيصال رسالة.

* كيف تفسر سقوط معظم الصواريخ على الأراضي السورية؟

** من الطبيعي أن تمر المسيرات والصواريخ على الأراضي السورية والأردنية والعراقية، فإيران ليست لديها حدود مشتركة مع إسرائيل، فإيران ليست لديها سفن حربية في البحر الأحمر أو المتوسط قادرة على تسيير مثل هذه المسيرات أو إطلاق الصواريخ من خلالها.

روايات وأهداف
* هل كانت هذه العملية ناجحة وحققت الأهداف المرجوة منها بالنسبة لإيران؟

** بالنسبة للهدف الاستراتيجي الذي كانت تريده إيران؛ نعم، فإيران كانت تريد إطلاق عدد كبير من الصواريخ والمسيرات من الأراضي الإيرانية لاستهداف الأراضي الإسرائيلية، ولكن في نفس الوقت نجحت القدرة الصاروخية لإسرائيل وقبتها الحديدية على إسقاط كل المسيرات الإيرانية.

وفي المجمل نحن أمام روايتين؛ رواية إيرانية تشير إلى تحقيق الأهداف وتدمير قواعد عسكرية إسرائيلية، ورواية إسرائيلية تشير إلى صد الهجوم بنسبة 99%، وفي تصوري أن الضربة الإيرانية إذا كانت قد أحدثت دمارًا أو أسقطت قتلى فإن إسرائيل كانت ستجد مبررًا لقيامها بضربة واسعة ضد إيران، خاصةً وأن الحكومة الحالية تضم شخصيات كثيرة من اليمين المتطرف الذي يريد توسيع الحرب.

وبشكل عام فقد نجحت إسرائيل بمساعدة أمريكية وبريطانية وفرنسية وكذلك بمساعدة من بعض دول المنطقة في صد الهجوم، وذلك من خلال الدعم المباشر أو التنسيق الدفاعي، فليس خافيًا على أحد أن هناك شبكة تنسيق استراتيجي دفاعي بين إسرائيل وعدة دول عربية في المنطقة.

* هل نستطيع أن نقول إن العملية الإيرانية قد نجحت؛ وفقًا للرواية الإيرانية؟، أم أن الضربة قد أظهرت الفشل الإيراني من خلال إسقاط كل المسيرات؛ وفقًا للرواية الإسرائيلية؟

** أنا استمعت مؤخرًا للجنرال فرانك ماكينزي، القائد السابق للقيادة المركزية الأمريكية، حيث قال إن إيران استخدمت أقصى ما لديها من قدرة عسكرية في هذا الهجوم، ولم يكن بمقدورها أن توجه أكثر من العدد الذي أطلقته في يوم واحد ونحو هدف واحد، وبالتالي فإنها فشلت من الناحية العسكرية.

إيران ليست لديها قوات جوية حديثة ومتطورة كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل، لذا فإنها تعتمد بشكل أساسي على قواتها الصاروخية، وحيث أن الضربة الأخيرة تمت بصواريخ ومسيّرات وقد فشلت في النهاية من الناحية العسكرية، فإن هذا أظهر محدودية إيران في الوصول إلى إسرائيل.

وفي اعتقادي أن هذه نقطة تحول مهمة، لذا على الجانب الإيراني خلال الفترة المقبلة أن يعيد النظر في الجانب العسكري الخاص به واستراتيجيته العسكرية وتركيبة الجيش الإيراني ذاتها، وما يمكن أن يفعله في المستقبل.

بُعد استراتيجي
* هناك من يعتبر المناوشات والضربات المتبادلة بين إسرائيل وإيران هي مناورة إسرائيلية لإبعاد الأنظار عما يحدث في قطاع غزة؟

** قد يكون هذا سببًا، ولكن ليس بشكل أساسي، فإذا كان العالم ينظر الآن إلى إسرائيل بأنها لديها صبرًا استراتيجيًا وضبطًا للنفس، ولكن ربما مع الوقت قد ينظر إليها على أنها تريد إشعال الحروب بالمنطقة.

* هل ترى أن إسرائيل لا تريد فتح جبهة أخرى للحرب؟

** من الناحية العسكرية لا أعتقد أن هذه مشكلة كبيرة بالنسبة لإسرائيل، بالطبع هم لا يريدون فتح جبهة أخرى، ولكن قطاع غزة بالنسبة لإسرائيل لا يعتبر تحديًا عسكريًا، فجزء كبير من العملية العسكرية الإسرائيلية في القطاع قد انتهت بالفعل، والمتبقي فقط هي منطقة رفح، وأعتقد أن المشكلة الكبرى أمام إسرائيل الآن تكمن في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار.

المشكلة الإسرائيلية مع إيران هي أكبر من قطاع غزة، فهي مرتبطة بالتحدي الاستراتيجي الخاص بالوضع في إسرائيل ووجودها في المنطقة والتحدي مع دول أخرى حليفة لها، وهذا لافتًا في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين حول التحالف الإقليمي لمواجهة إيران والتحدي الذي تمثله إيران للدول الإسلامية السنية قبل ان تمثل تهديدًا لإسرائيل ذاتها.

تأثيرات وتبعات
* كيف نلخص تأثيرات وتبعات الهجمات الإيرانية ـ الإسرائيلية المتبادلة على دول المنطقة؟

** دول المنطقة، ولا سيما دول الخليج، لديها قلق من البرنامج النووي الإيراني، وهناك مشاكل مرتبطة بالأقليات الشيعية في تلك الدول لا سيما في ظل وجود تأثير وتدخلات إيرانية من خلال هذه الأقليات، وهذه المشكلات تمثل دافعًا قويًا وأساسيًا لدول المنطقة للتقارب مع إسرائيل.

أتصور أن إيران أخطأت حين سمحت من خلال بعض سياستها إلى إعطاء إسرائيل الحق في تنفيذ ضربات ضدها، وكذلك أخطأت حين تسببت في القلق والمخاوف لدى بعض الدول العربية مما دفعه إلى التحالف مع إسرائيل، ونحن لسنا بصدد بحث مدى أخلاقية ذلك، فإيران كان ينبغي ان تكون أكثر عقلانية في التعامل مع تلك الدول، وربما يكون الإيرانيون قد أدركوا ذلك متأخرًا.

تعليق
Exit mobile version