أخبارتقارير

المرأة تحتفل بيومها العالمي.. ونساء فلسطين يواجهن الموت والجوع والدمار

يحتفل العالم اليوم 8 مارس بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، والذي جرى تدشينه منذ أكثر من مئة عام، بينما تعاني المرأة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية من مأساة إنسانية غير مسبوقة.

فحوالي ثلث ضحايا الحرب على غزة من النساء، ومن عاشت منهن تكاد تموت في اليوم مائة مرة وهي تودع كل يوم طفلها أو زوجها أو أحد أفراد عائلتها، بينما تبقى هي وحيدة في مواجهة أزمة إنسانية خانقة وصلت إلى حد المجاعة لها ولأطفالها.

الاستثمار في النساء

اتخذت الأمم المتحدة عنوانًا للاحتفال باليوم العالمي للمرأة لهذا العام هو “الاستثمار في النساء: تسريع وتيرة التقدم”. ويسلط العنوان الضوء على قلّة الاستثمارات في مجال تدابير المساواة بين الجنسين.

وقد يدفع “اشتعال الصراعات، وغلاء أسعار السلع، العديد من الدول إلى خفض الإنفاق العام بحلول العام المقبل، بما يؤثر بالسلب على النساء، وما يُقدّم إليهن من خدمات ضرورية”، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.

وتشير التقديرات إلى الحاجة إلى 360 مليار دولار (284 مليار جنيه استرليني) إضافية سنويًا، إذا كان العالم يرغب في تحقيق المساواة بين الجنسين بحلول عام 2030.

4 مجالات مهمة

لكن ثمة موضوعات أخرى من المقرر أن تثار خلال الاحتفال باليوم العالمي للمرأة هذا العام؛ ومن ذلك فكرة “التشجيع على الاندماج” والمشاركة من أجل “كسر الحواجز وتحدّي الصور النمطية وتهيئة البيئات لاحترام وتقدير كل النساء”.

ووفقًا للموقع الرسمي للأمم المتحدة فإن هناك 4 مجالات رئيسية تحتاج إلى العمل المشترك لضمان عدم إغفال النساء وهي:

الاستثمار في المرأة: ما زالت المساواة القائمة على النوع الاجتماعي أكبر تحدٍّ في قضايا حقوق الإنسان. ويُعتبر الاستثمار في المرأة من ضرورات حقوق الإنسان، وركيزة أساسية لبناء مجتمعات شاملة للجميع. لأن تقدم المرأة يعود علينا جميعًا بالنفع.

التمويل المُراعي لمنظور النوع الاجتماعي: تُشير أحدث التقديرات إلى أن 75% من البلدان ستحد من الإنفاق العام بحلول عام 2025 بسبب النزاعات وارتفاع أسعار الوقود والغذاء. ويؤثر التقشف سلبًا على النساء، ويحل محل الإنفاق العام على الخدمات العامة الأساسية والحماية الاجتماعية.

التحول إلى اقتصاد أخضر قائم على الرعاية: يؤدي النظام الاقتصادي الحالي إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة والتدهور البيئي، ممَّا يؤثر بشكل غير متناسب على النساء والفئات المهمشة.

ويقترح أنصار النماذج الاقتصادية البديلة التحول نحو اقتصاد أخضر قائم على الرعاية، يعمل على إيصال أصوات النساء.

دعم صانعي وصانعات التغيير النسوي: تلعب المنظمات النسوية دورًا رائدًا في معالجة فقر المرأة وعدم المساواة. ومع ذلك، فهي لا تتلقى سوى 0.13% من إجمالي المساعدات الرسمية للتنمية.

قصة اليوم العالمي للمرأة

وفقًا لموقع “بي بي سي” فقد خرج اليوم العالمي للمرأة من رحم الحركة العمالية ليصبح حدثًا سنويًا معترفًا به من قبل الأمم المتحدة.

وبدأت بذرة هذا اليوم في عام 1908، عندما خرجت 15 ألف امرأة في مسيرة جابت مدينة نيويورك مطالبات بتخفيض عدد ساعات العمل، وبزيادة الأجور، وبالحق في التصويت. وفي العام التالي، أعلن الحزب الاشتراكي الأمريكي عن اليوم العالمي للمرأة لأول مرة.

وجاءت فكرة أن يكون هذا اليوم عالميًا على يد امرأة تدعى كلارا زيتكن، وهي ناشطة يسارية وحقوقية نسوية، حيث اقترحت الفكرة في عام 1910، وكان ذلك في مؤتمر دولي للمرأة العاملة في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، وسط حضور 100 امرأة أخرى من 17 دولة، ولقيت فكرتها موافقة الحضور بالإجماع، ليتم الاحتفال الأول بهذا اليوم عالميا في عام 1911، وذلك في كل من أستراليا والدنمارك وألمانيا وسويسرا.

واكتسب الاحتفال باليوم العالمي للمرأة طابعاً رسميا في عام 1975، عندما بدأت الأمم المتحدة تحتفل بذلك اليوم. ومن بعدها، أصبح يوم الثامن من مارس تاريخا للاحتفال عالميا بالمرأة، وفي عام 2011 جرى الاحتفال بمئوية هذه المناسبة.

وعندما اقترحت كلارا زينكن إطلاق يوم عالمي للمرأة، لم تحدد يومًا بعينه، وجرى اختيار يوم الثامن مارس تكريمًا لذكرى إضراب جرى تنظيمه في هذا اليوم من عام 1917، عندما طالبت نساء روسيات بـ “الخبز والسلام” في زمن الحرب، ومع دخول الإضراب يومه الرابع اضطر قيصر روسيا إلى الإذعان لمطالبهن، كما أقرّت لهن الحكومة بالحق في التصويت.

ويعتبر اليوم العالمي للمرأة عطلة رسمية في عدد من الدول، بينها روسيا، حيث تتضاعف مبيعات الزهور خلال الأيام الثلاثة أو الأربعة حول يوم الثامن من مارس. وفي الصين، تُمنح نساء عديدات نصف يوم عُطلة، في الثامن من مارس، وفقا لتوجيهات السلطات. أما في الولايات المتحدة، فيعتبر مارس شهراً للاحتفاء بتاريخ المرأة؛ حيث يصدر في كل عام إعلان رئاسي يعدّد إنجازات المرأة الأمريكية.

معاناة المرأة الفلسطينية

وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة نلقي الضوء على المعاناة الإنسانية غير المسبوقة التي تعيشها المرأة الفلسطينية، خاصة في قطاع غزة، في ظل استمرار العدوان وحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على القطاع منذ خمسة أشهر.

ووفقًا لوكالة الأنباء الفلسطينية يأتي يوم المرأة العالمي هذا العام، في وقت تعاني فيه المرأة الفلسطينية في قطاع غزة من ظروف هي الأخطر والأشد قسوة منذ عقود، والتي تشمل مقتل آلاف النساء والفتيات، بالإضافة إلى حالات الاعتقال والإخفاء القسري، وتردي الأوضاع الصحية والمعيشية، والنزوح، وانعدام المأوى، وعدم توافر الغذاء والماء.

كما تعاني المرأة الفلسطينية في الضفة الغربية من ظروف حياتية في غاية الصعوبة بسبب التصعيد الكبير الذي تمارسه سلطات الاحتلال والمستعمرون في مختلف المحافظات، وتبعات ذلك من انتهاكات، ومنها الاعتقالات المتصاعدة، والتضييقات على الحواجز العسكرية، وعمليات التهجير القسري لعدد من العائلات بسبب عنف المستعمرين ضد العديد من التجمعات، أو الإجراءات العقابية وعمليات الهدم التي تنفذها قوات الاحتلال في العديد من المناطق بالضفة والقدس.

الموت والمرض والدمار

من جانبها أدانت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة (سيداو) ما أسمته “مسيرة الموت والمرض والدمار الحثيثة” في غزة، مشيرة إلى أن حياة وصحة النساء والفتيات “الجسدية والعقلية، في القطاع معرضة للخطر الشديد”.

أصدرت اللجنة بيانا أعربت فيه عن أسفها لارتفاع عدد الضحايا من الأفراد والنساء في غزة، مؤكدة أن مبادئ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة تتعرض للتحدي عندما تضطر أمهات غزة إلى دفن 7700 طفل.

وأعربت اللجنة عن قلقها العميق إزاء محنة أكثر من مليون امرأة وفتاة فلسطينية هجرت قسراً عدة مرات، فيما من المتوقع أن تضع ما يقدر بنحو 5500 امرأة مولودها خلال الشهر المقبل وحده.

وأشار البيان إلى أن النساء والأطفال يمثلون 70 في المائة من الغزاويين الذين قتلوا حتى الآن في الحرب والذين فاق عددهم 30 ألف شخص.

وقال البيان: “تدرك اللجنة أن استمرار الحرب والحصار يتسببان في ضرر جسيم لجميع النساء والفتيات، بما في ذلك النساء الحوامل والنساء ذوات الإعاقة. وهذا يشكل أزمة إنسانية وحقوقية وصحة عامة كبرى ووصمة عار على ضميرنا الجماعي”.

وأعربت اللجنة عن أسفها لكون النساء من أوائل ضحايا العنف المرتبط بالنزاعات، وشددت على أنهن “قوى رائدة من أجل السلام”.

النساء في ظل الحرب

وأوردت وزارة الصحة الفلسطينية إحصائيات تشير إلى خطورة وضع النساء في ظل الحرب وخاصة الحوامل على وجه التحديد، حيث يوجد حوالي 60 ألف امرأة حامل في قطاع غزة يعانين ظروفا صحية في غاية الصعوبة بسبب عدم تلقي الرعاية، وكذلك بسبب توقف عدد كبير من المستشفيات عن العمل، وهذا يعني عدم وجود المكان المناسب والآمن للولادة، وهو ما قد يؤدي إلى ازدياد أعداد الوفيات من النساء بسبب ذلك.

كما أشارت وزارة الصحة في تقاريرها الأخيرة إلى “أن المخاوف المتعلقة بالصحة العامة تتزايد بشكل كبير، ما يؤثر على النساء، ويرجع ذلك إلى استمرار القصف، ونقص الإمدادات الغذائية والمياه، وانهيار النظام الصحي، ومحدودية وصول المحتاجين إلى المساعدات العاجلة”.

كما أوضحت التقارير ذاتها أن هناك 183 ولادة يوميا، وفي أعقاب الهجمات الإسرائيلية على المرافق الصحية والعاملين فيها انخفضت الموارد المتاحة لرعاية النساء الحوامل ومواليدهن، ما اضطر بعضهن للولادة في خيام ومواقع غير صحية، ويضاف إلى ذلك ارتفاع الولادات المبكرة، وحالات الإجهاض، وعدد الوفيات في الأطفال حديثي الولادة.

مأساة الاعتقالات

فيما تحدثت وزارة شؤون المرأة الفلسطينية عن أخطر أشكال الانتهاكات الأخيرة بحق النساء في قطاع غزة والضفة الغربية، وهي الاعتقالات المتصاعدة التي تنفذها سلطات الاحتلال ضد النساء، مشيرة إلى خطورة وضع المعتقلات في المناطق التي دخلتها قوات الاحتلال في غزة، إذ لا يوجد معلومات دقيقة عن أعداد المعتقلات وأماكن احتجازهن، كما أن المعتقلات المتواجدات داخل السجون حاليا يتعرضن لأشكال خطيرة وغير مسبوقة من الانتهاكات والتعذيب والترهيب.

كما أكدت مؤسسات الأسرى أن إحدى أبرز الجرائم التي نفذتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق النساء الفلسطينيات، ومنهن الأسيرات، الاعتداءات الجنسية، والتي تضمنت التحرش، والتّفتيش العاري، إضافة إلى التهديد بالاغتصاب، هذا عدا عن إعلان الأمم المتحدة في بيان رسمي لها عن وجود تقارير موثوقة بتعرض معتقلات من غزة للاغتصاب.

تقرير تفصيلي

ويوضح تقرير تفصيلي أصدره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني حول أوضاع المرأة الفلسطينية عشية اليوم العالمي للمرأة، أن عدد الوفيات بين النساء الفلسطينيات منذ بداية العدوان على قطاع غزة بلغ ما يزيد عن 9 آلاف سيدة من إجمالي عدد ضحايا الحرب البالغ 30,717 قتيلًا.

كما أن 75% من إجمالي عدد الجرحى والبالغ 72,156 جريحاً هم من الإناث، فيما تشكل النساء والأطفال ما نسبته 70% من المفقودين في قطاع غزة نتيجة العدوان الإسرائيلي، والبالغ عددهم 7000 شخص.

كما أشار التقرير ذاته إلى أن الإناث يشكلن نصف النازحين من أماكن سكنهم في قطاع غزة بسبب ظروف الحرب، حيث بلغ العدد الإجمالي للنازحين حوالي 2 مليون شخص.

كما تناول التقرير تبعات التهجير القسري من المساكن في الضفة الغربية والقدس على النساء، “حيث تم تهجير 592 فلسطينياً من المناطق المصنفة (ج) والقدس الشرقية في أعقاب هدم منازلهم بحجة عدم الترخيص، إضافة إلى تهجير 830 فلسطينياً بعد تدمير 131 منزلاً خلال العمليات التي نفذتها القوات الإسرائيلية في شتى أرجاء الضفة الغربية، حيث شهدت مخيمات جنين ونور شمس وطولكرم للاجئين نحو 95% من حالات التهجير”.

وفي الوقت الذي يتغنى به العالم بحقوق المرأة ويحتفل بيومها العالمي، فإن الاحتلال الإسرائيلي حرم المرأة الفلسطينية من أبسط حقوقها كحقها في الحياة الكريمة، وحقها الطعام والشراب والمسكن وفي الأمان والحرية والحركة والتعبير، وهي تتعرض لهجوم ممنهج للنيل من وجودها وكينونتها أمام عالم يرى ويسمع ولا يحرك ساكنا.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى