أجرى الحوار: مجدي فكري ــ أعده للنشر: أحمد الغـر
حلقة جديدة من برنامج “قصة نجاح” مع أحد المبدعين العرب في مجال الشعر والأدب وفي مجال العلم والمعرفة أيضًا، وهو الشاعر اللبناني الكبير الدكتور نزار دندش، الذي استطاع أن يجمع في رحلته بين الأدب والعلم، وأن يتفوق في كل منهما.
فبالإضافة إلى كونه شاعرًا وروائيًا مميزًا هو أيضًا أستاذ جامعي مرموق، وقام بالتدريس في جامعات لبنانية وأسترالية، وهو حاليًا بروفسور في كلية العلوم بالجامعة اللبنانية، وقام بتدريس مواد علمية في الفيزياء والرياضيات وعلم الفلك وعلم البيئة، وله عشرات الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات علمية محكمة، وشارك في العديد من المؤتمرات العالمية.
أصدر دندش 13 روايةً آخرها رواية بعنوان “كورونا بين انتفاضتين”، كما أصدر 4 دواوين شعرية، وشارك في عدة أمسيات، وكان منسقاً للجنة الرواية في اتحاد الكتّاب اللبنانيين.
وكخبير بيئي؛ أصدر دندش عدة كتب في مجال البيئة منها كتاب البيئة، وهو عبارة عن موسوعة مصغّرة يمكن للطلاب والباحثين الاستعانة بها، والتلوث الكهرومغناطيسي وصحة الإنسان، وسموم في طعام الإنسان، وسموم خفية في منازلنا، وبيئة الأرض وبيئة السماء.
كما أنه أيضا خبير تغذية، حيث كتب عن الغذاء الملوّث والغذاء السليم، وأصدر 68 كتابًا في العلم والفكر العلمي والثقافة وفلسفة البيئة وعن الكائنات خارج كوكب الأرض، وله عشرات المقالات العلمية، وعشرات المقابلات الإعلامية.
ويعتبر دندش أيضا ناشطًا بيئيًا واجتماعيًا، ويترأس عدة جمعيات منها رابطة الأساتذة الجامعيين لحماية البيئة، والحركة الديمقراطية للثقافة والتنمية، ورابطة الخريجين الأستراليين العرب، كما أنه ناشط في مجال الثقافة والشعر والأدب ورئيس منتدى “ليل وحكي” المعروف في لبنان.
النشأة في لبنان
بدأ اللقاء بحديث الدكتور نزار دندش عن نشأته وبداياته في لبنان، حيث ينتمي إلى مدينة الهرمل الواقعة في شمال سهل البقاع وعلى مقربة من نهر العاصي.
قال دندش إنه وُلِدَ لأسرة فقيرة ولكنه بالرغم من ذلك كان لديه إصرار على التعلم وكان يحصد المركز الأول باستمرار، وكان يحلم كثيرًا بأن يكون رائد فضاء، لذلك عندما حصل على منحة دراسية لاحقًا للدراسة في موسكو في سبعينيات القرن الماضي، اختار مجال الفيزياء لدراسته.
ولفت دندش إلى أنه كان يحب لعب الشطرنج، وخلال فترة وجوده في الاتحاد السوفيتي ظل يعشقها ويلعبها، خاصةً في المخيمات الصيفية هناك، وقد حصد إحدى بطولات الشطرنج هناك ذات مرة.
وأشار إلى أن فترة طفولته قد حملت ملامح نبوغه الأولى في الأدب، حيث كتب النثر متأثرًا بجبران خليل جبران، وكان يميل إلى الشعر ذي النبرة القوية مثل شعر المتنبي، وكذلك إلى الشعر العمودي الموزون الذي يحمل موسيقى متينة.
وقدم دندش وصفًا للبنان؛ حيث قال إنها تحظى بسلسلة من الجبال بينهما سهل البقاع، ويفصل السلسلة الغربية عن البحر سهل ساحلي، معظم قمم الجبال تبقى في الشتاء مغطاة بالجليد، وسهل البقاع معروف تاريخيًا أنه كان يسد القسم الأكبر من حاجة روما من القمح في عهد الرومان. وقرأ دندش بعض الأبيات من قصيدة كتبها لمدينته؛ الهرمل.
نجاح في مسارين
سار الدكتور نزار دندش في مسارين متوازيين وأنجز فيهما إنجازًا كبيرًا؛ وهما المسار العلمي والمسار الأدبي، بالنسبة للمسار العلمي فقد أجاد فيه منذ صغره، حيث عشق العلوم وتمنى أن يصل إلى مكانة علمية رفيعة.
أما المسار الأدبي فقد بدأه بكتابة الخواطر منذ أيام المدرسة، وكانت علاماته الدراسية في الإنشاء الأدبي جيدة، ورغم سفره إلى موسكو لأكثر من 10 سنوات وانقطاعه عن اللغة العربية، إلا أن الموهبة ظلت موجودة رغم انشغالاته في التدريس والبحث العلمي، حتى بعد عودته.
لكن سرعان ما عاد دندش مجددًا للمغامرة في مجال الكتابة والتأليف، فبدأ أولًا في كتابة الرواية والقصص القصيرة، ثم انتقل لكتابة الشعر الموزون على الأوزان الخليلية بعدما كتب عدة روايات، وكتب أول دواوينه “في البدء كان الغزل” قبل حوالي 10 أعوام، وتخلل الحديث قراءة لأجزاء من بعض القصائد الشعرية التي كتبها دندش.
قام دندش أيضًا بتأليف 68 كتابًا، وتعقيبًا على تلك الحصيلة التأليفية الكبيرة قال: “الكتب كالأبناء، والإنسان يحب أولاده بالتساوي، ولكن هناك كتب أكثر نضجًا، وهي تلك التي تأتي كلما تقدم المؤلف في السن وكلما معلومات ومعارف أكثر”.
ولفت دندش إلى كتابه “البيئة” بوصفه كتابًا موسوعيًا، أما كتاب “بيئة الأرض وبيئة السماء” فقد أراد منه أن يقول للباحثين في مجال البيئة إن العناصر البيئية ليست على الأرض فقط، بل إن هناك الكثير من المؤثرات الخارجية مثل النيازك التي تتساقط من الفضاء إلى الأرض وغيرها.
أما أنضج كتاب أصدره من وجهة نظره فهو كتاب “البيئة والإنسان” والذي يأخذ فيه القارئ في رحلة من براءة البدائية إلى وحشية المدنية المخادعة، وهذا الكتاب به فلسفة علوم وفلسفة بيئة وحديث طويل عن أزمة البيئة والعلم والفلسفة وتعاطي الإنسان مع الكائنات الأخرى.
الحياة في موسكو
ذهب الدكتور نزار دندش إلى الاتحاد السوفيتي فيما وصفها بـ “أجمل سنوات عمره”، حيث ذهب للدراسة الجماعية هناك، وكانت مدينة موسكو بالنسبة له هي المدينة الأم حيث عاش فيها طويلًا قبل أن يعود ليكمل حياته في بيروت.
يقول دندش عن تلك الفترة: “شعب روسيا شعب طيب ومضياف ونقي، وفي موسكو التقيت بطلاب جاؤوا للدراسة أيضا، كانوا قادمين من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا وأوروبا، وشاركت في مؤتمرات علمية دولية أثناء فترة وجودي هناك”.
يقول دندش إنه ألّف روايته “يوميات موسكو الحمراء” لاحقًا بعدما عاد إلى لبنان، وتناول فيها أسباب سقوط الاتحاد السوفيتي، ولفت إلى أنها من الروايات المهمة والمطلوبة، وأشار إلى أن الرواية تضمّ أحداثًا حقيقية مشابهة لما مرَّ به هناك، لكن لم يكن بمقدوره كتابة ذلك خلال وجود النظام السوفيتي الحاكم.
وقال إنه لم يزر موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفيتي إلا بعد مرور 18 عامًا وحينما ذهب هناك لم يجد اختلافًا كبيرًا في طباع الناس أو نمط الحياة التي عاشها من قبل، أما اليوم فهناك اختلاف واضح وملموس.
السفر إلى أستراليا
سافر الدكتور دندش أيضا إلى أستراليا هربًا من الحرب القاسية التي مر بها لبنان والظروف والأوضاع المتردية جراء الحرب، كان ذلك في عام 1990م، وثمة دافع آخر وهي الأبحاث العلمية التي كان يحتاج إلى إنجازها من أجل الترقي إلى رتبة الأستاذية في الجامعة، فكانت أستراليا ملاذًا مناسبًا لكل ذلك.
وأمضى دندش حوالي 5 سنوات في أستراليا، حيث قام بالتدريس هناك في الجامعات بدوام جزئي، وحصل على الجنسية الأسترالية، ومارس نشاطات أدبية متنوعة، وأسس بالتعاون مع بعض الزملاء رابطة الخريجيين الجامعيين العرب في أستراليا، ولفت إلى أنه جمع في هذه الرابطة أشخاصًا من مختلف الأطياف السياسية والدينية والأدبية.
وأشار دندش إلى أن أول رواياته “حوار في الممنوعات”، دارت نصف أحداثها عن لبنان، والنصف الآخر عن أستراليا، حيث حاول الجمع بين الحياة الاجتماعية في بيروت وغيرها من مناطق لبنان، وكذلك مع الحياة الاجتماعية في سيدني والحرية والعادات.
في عالم الرواية
أصدر دندش 14 رواية، حيث تحظى الرواية بباع طويل من إنتاجه الأدبي خلال مسيرته، عن ذلك يقول: “العلم هو بحث عن قوانين الطبيعة وقراءة في أحداثها، أم الشعر فهو قراءة للمشاعر والأحاسيس والعواطف، أما الرواية فأرى فيها رسالة وفن يعالج القضايا الاجتماعية، والفن بشكل عام يختلف عن العلم في أن الإنسان ينطلق من فكرة كبيرة ويجسدها في نموذج صغير يتم تقديمه للجمهور، ولذلك فإن الرواية تأخذ ما يجري في المجتمع من خلال مجموعة من الأبطال وتتم صياغته في نموذج مصغّر”.
وعن أهم الرسائل التي يركز عليها من خلال رواياته، قال: “أركز على الوضع الحالي، فأنا آخذ على بعض الروائيين قيامهم بتناول أحداث من التاريخ ومن ثمَّ يبنون عليها رواياتهم، أنا لا أرى أي فائدة في ذلك، أنا أركز على عصرنا الراهن ولذلك فإن المجتمع الموجود في رواياتي يشبه كثيرًا المجتمع الذي نعيش فيه، وأعتقد أن قوة الرواية تأتي منذ ذلك”.
وانتقد دندش عدم القدرة على وصول الروايات العربية إلى فئة الشباب، مثلما هو الحال في الغرب، حيث يقبل الشباب على قراءة الرواية بكثرة، على العكس هنا فإن الشباب لا يجدون في الرواية العربية ما يشتهون، وأشار دندش إلى أننا الآن في أزمة، وهي ليست أزمة قراء، بل أزمة كتّاب.
مع النقد الأدبي
حول النقد الأدبي لأعماله، قال دندش إن أكثر رواية اهتم بها النقاد كانت روايته “حوار في الممنوعات”، حيث دار حولها نقاش طويل بين النقاد، وكذلك رواية “حب عابر للقارات” التي لفتت نظر الجميع، حيث تدور أحداثها حول قصة حب وغرام بدأت في أستراليا بين شاب لبناني وفتاة هندية، ومن ثمَّ انتقلت الأحداث إلى الهند ثم إلى جنوب أفريقيا، فكانت قصة الحب بمثابة حب عابر للقارات، وهناك أيضا رواية “آدم وحواء” التي كانت عملًا أدبيًا يحمل فكرة جديدة من نوعها.
أما روايته “ذاكرة الأفيون” فقد عالج فيها مشكلة المخدرات، وزراعتها ونقلها، وكذلك رواية “ربيع المطلقات” التي تدور النساء المطلقات ومشاكلهن بعد الانفصال، وقد أثارت اهتمامات واسعة في بعض المجتمعات العربية.
وأشار دندش إلى أن روايته “ما بعد الشمس” لم تأخذ حقها بالقدر الكافي لأنها أتت في عصر وباء كورونا، واختمم دندش اللقاء بإلقاء بعض قصائده، كما تحدث عن زيارته الأخيرة لمصر وما يكنّه من مشاعر لها، مقدمًا خالص تحياته لمستمعي راديو صوت العرب من أمريكا، ولكل الجاليات العربية في أمريكا.