في عيد الميلاد نُجيب على السؤال الصعب: هل يدعو الإسلام لقتل المسيحيين؟
د. شادي ظاظا: جميع الأديان تدعو للمحبة والتسامح والسلام ونبذ العنف
الجهل بحقيقة الدين يقود صاحبه لتطرف يبدأ فيه بالتكفير وينتهي بالقتل والتفجير
أجرى الحوار: ليلى الحسيني – أعده للنشر: مروة مقبول
عيد الميلاد المجيد من المناسبات الجميلة التي يتشارك الاحتفال بها المسيحيون والمسلمون معًا في كل أنحاء العالم، فلنبي الله عيسى عليه السلام مكانة خاصة لدى المسلمين، فهو أحد أولي العزم من الرسل، وهو كلمة الله التي ألقاها إلى السيدة مريم ابنة عمران، أطهر نساء العالمين، التي يزين اسمها إحدى سور القرآن الكريم.
يقول تعالي:”وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ”، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “خير نساء العالمين أربع، مريم ابنة عمران، وآسيا زوجة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد”.
وقد بشّر الله السيدة مريم بعيسي عليه السلام، ليكون وجيهًا في الدنيا والآخرة، ويكلم الناس في المهد وكهلا، وأيده بالمعجزات، وأرسله إلى قومه ليدعوهم إلى عبادة الله، والإيمان به وبكتابه المقدس (الإنجيل).
وفي مثل هذه الأيام من كل عام يستعد الملايين حول العالم للاحتفال بهذه الذكرى الطيبة، وكما عودناكم نكون معكم عبر أثير “راديو صوت العرب من أميركا” لنشارككم الاحتفال بهذه المناسبات الدينية والروحية التي تذكرنا بحضارتنا وتاريخنا المشترك، وتؤكد لنا أنه لا وجود للخلافات أو المشكلات بين الأديان.
فجميع الأديان تدعو لعبادة الله وعمارة الأرض، وتنظيم حياة الناس، بما يحفظ أمنهم وسلامتهم، ويرتقى بالعلاقة بينهم وبين ربهم، والعلاقة بينهم وبين بعضهم البعض، وهو ما يبعث لنا برسالة هامة، مفادها أنه لا مجال لصراع الأديان، وإنما المجال للحوار، الذي يجب أن يسعى إليه كل عاقل، وكل مؤمن بدينه، ومؤمن بأهمية التعايش والتعامل الحسن بين البشر.
بمناسبة أعياد الميلاد استضافت الإعلامية ليلى الحسيني الدكتور شادي ظاظا، مؤسس منظمة رحمة الإغاثية، في حوار خاص على “راديو صوت العرب من أمريكا” لمناقشة منزلة نبي الله عيسى عليه السلام وأمه السيدة مريم العذراء في الإسلام وفي القرآن الكريم.
تناولت الحلقة العلاقات الطيبة التي ينبغي أن تكون بين المسلمين والمسيحيين في جميع أنحاء العالم، وركزت على الإجابة على الأسئلة الشائكة، والرد على الأفكار المغلوطة التي تعكر صفو هذه العلاقة، وعلى رأسها: هل يدعو الإسلام إلى قتل المسيحيين والاعتداء على كنائسهم ومقدساتهم؟، وما هو المنهج الذي يدعو إليه الإسلام في معاملة المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى.
موضوع شائك
* بداية دكتور شادي نشكرك جزيل الشكر على مشاركتنا هذا الموضوع الهام، والذي يعتبره البعض شائكًا نوعًا ما، حيث يتجنب الكثير من العلماء الخوض في هذه المواضيع ربما لحساسيتها.
** الهروب من حقيقة أو شيء يجب أن نتكلم فيه قد يعطي انطباعًا مختلفًا للجانب الآخر، فالاختلاف أصل في هذا الوجود، فرب العالمين عندما خلقنا جعلنا مختلفين، لكن هذا الاختلاف لا يفسد للود قضية، لأننا كبشر نستطيع أن نتعايش مع اختلافنا في عقائدنا وآرائنا ووجهات نظرنا.
ولابد للإنسان ألا يدخر جهدًا من أجل أن يبين للناس ويتكلم في القضايا التي تهمهم، ونحن الآن في مناسبة الأعياد، وفي مثل هذه المناسبات نغتنم الفرصة من أجل الدعوة إلى الخير، ولنوضح للناس أشياء قد استشكلت عليهم، وقد يريدون فهمها، فنحن نتقبل الآخرين، وأنا أتقبل رأيك حتى وإن كان رأيك لا يوافقني، ومن المفترض أن يتقبل الآخر رأيي أيضًا بنفس الطريقة التي أنطلق منها.
وهذا هو محور ومفهوم التعايش، الذي يدعونا للوصول إلى السمو في التعامل الإنساني، وفي تغطية جوانب حياتنا، من دون أن يكون هناك ضيق صدر، وسيتسع الأمر للكثير من الحديث والشرح إذا انطلقنا من مفهوم الاحترام لبعضنا البعض، وهذا الذي يدعو إليه الإسلام وجميع الأديان.
مكانة ومنزلة عالية
* هذه نقطة جميلة يمكن أن ننطلق منها، وهي أن نحترم الرأي والرأي الأخر، ونحترم كل إنسان في عقيدته وما يؤمن به، وهذا هو جوهر حوارنا اليوم، وه كيف نختلف في العقيدة ونتفق على احترام بعضنا البعض. لكن دكتور شادي دعنا نبدأ من منزلة نبي الله عيسى عليه السلام وأمه السيدة مريم العذراء في الإسلام.
** أي فخر وأي شرف ذلك الذي منحه الله تبارك وتعالى في كتابة وقرآنه للسيدة مريم ولسيدنا عيسى عليه السلام، وذلك في سورة كاملة بالقرآن الكريم سميت باسم السيدة مريم، وأيضًا ما يقارب من 30 آية في سورة آل عمران، و20 آية في سورة مريم تتحدث عن هذا النبي الذي يعتبر إيماننا كمسلمين ناقصًا إذا لم نؤمن به، فنبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام يقول: “أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد، وليس بيني وبين عيسى ابن مريم نبي”، فالأصل هو واحد، فالأنبياء كلهم أخوة، وقد قال الله تعالى: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ”، فهدف جميع الرسالات واحد، وهو الدعوة لعبادة الله تبارك وتعالى.
وفي مكانة سيدنا عيسى في الإسلام يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ” مَا أَظَلَّتْ الْخَضْرَاءُ, وَلَا أَقَلَّتْ الْغَبْرَاءُ مِنْ ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ, وَلَا أَوْفَى مِنْ أَبِي ذَرٍّ شِبْهِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام”، وَقَدْ رَوَى بَعْضُهُمْ هَذَا الْحَدِيثَ, فَقَالَ:((أَبُو ذَرٍّ يَمْشِي فِي الْأَرْضِ بِزُهْدِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام))”
وقد ورد في الحديث الشريف الكثير عن أخبار سيدنا يحيى ابن زكريا وعن أخبار سيدنا عيسى، وأسوقه لكم لأبين مكانة هؤلاء الأنبياء في الإسلام، والمنزلة العظيمة التي وصلوا اليها، والتي علمنا إياها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرآننا في احترامهم وتقديسهم وتبجيلهم ورفع مكانتهم.
فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وكاد أن يبطئ، فقال له عيسى عليه السلام إنك قد أمرت بخمس كلمات أن تعمل بهن، وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فأما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن، فقال يا أخي إني أخشى إن سبقتني أن أعذب أو يخسف بي، قال فجمع يحيى بني إسرائيل في بيت المقدس حتى امتلأ المسجد، فقعد على الشرف فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله عز وجل أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن، وأولهن أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئًا، فإن مثل من أشرك بالله شيئا كمثل رجل اشترى عبدًا من خالص ماله بورق أو ذهب، فجعل يعمل ويؤدي غلته إلى غير سيده، فأيكم يسره أن يكون عبده كذلك.
وقد أوصانا النبي عليه الصلاة والسلام بمحور ومؤدى رسالة هذا النبي الكريم، وبين لنا مكانته وأمه في الإسلام، فسيدنا عيسى ذُكِرَ فيها القرآن 25 مرة، وهو نفس عدد المرات التي ذُكِرَ فيها سيدنا آدم، وهناك إعجاز في هذا التطابق العددي، حيث يقول الله تعالي في القرآن الكريم:” إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ”.
لا إكراه في الدين
* دكتور شادي.. سيدنا عيسى عليه السلام هو نبي الله وكلمته ألقاها الله إلى مريم، ويؤمن بذلك كل مسلم كما يؤمن بعودته قبل البعث، وهذا هو جوهر إيماننا كمسلمين، فكيف يمكن أن نعلي من قيم السماحة والتعايش بين الأديان، وكيف يمكن أن نوضح أن الكتب السماوية جميعها جاءت من مشكاة واحدة تدعو لنفس القيم والمبادئ؟
** مؤدى الرسالات كلها هي عبادة الله الواحد، فكل الرسالات، حتى الرسالات التي أصيبت ببعض التشويه والتغيير، هي في مضمونها هي تدعو لعبادة الله، وكذلك كان خلق الإنسان من أجل أن يعمر هذه الأرض، لذلك كان الإنسان خليفة الله في أرضه، كما قال الله تعالي: “إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”.
ونحن لابد أن نتذكر ما ورد في القرآن الكريم من الدعوة إلى الله بالحكم والموعظة الحسنة، لأن هذا جزء من إيماننا، فمن يغالطنا ويعاكسنا نؤدي معه واجب الدعوة، ولا ندعو إلى إكراهه، لأن القاعدة الأصل هي أنه لا إكراه في الدين، فأنا أستطيع أن أدعوك إلى الخير، لكن لا أستطيع أن أتحكم بك، أو أحكم على حياتك، أو أتحكم بحريتك، من أجل أن أحملك على اعتقاد أنا أؤمن به، فهذا يخالف ما أمرنا به الدين الإسلامي، فأي دعوة تحرض الناس على إيذاء من يخالفنا في الفكر والعقيدة فهذه ليست من الإسلام في شيء، بل هي عكس مؤدى تبليغ رسالة الإسلام وطريقه.
طائفية مرفوضة
ولا أدري من أين جاء هذا التقسيم الذي وصلت إليه البشرية بهذا التوسع في اختلاف العقائد والطوائف والملل والنِحَل، فعلى سبيل المثال نقول أن أميركا شعب واحد، وهذا قول بسيط، ولكن في الحقيقة هناك تقسيم كبير، فمنهم جمهوريون وديمقراطيون، ومنهم أسود أو أبيض، ومنهم من يتبع عقائد مختلفة. لذلك لابد أن نفهم مؤدى خلق الإنسان في الأرض، حيث يقول الله تعالى: ” هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ”.
فرب العالمين هو الخالق لكل شيء، وهناك من يؤمن بهذا الخلق ويعترف بعبادة الله الواحد، وهناك من يعرض عن هذا، وبغض النظر عن دينه وعقيدته والسلالة التي أتي منها أي شخص والعقائد التي يتبعها، فهو بشر خلقه الله وحفظ له حقوقه، وهذا هو مؤدى وأصل هدف الخليقة الذي لا بد أن نفهمه، وهذا يساعدنا على احترام بعضنا البعض، وأن ندرك أن هذا الإنسان ربما لم يأت من عائلة مسلمة، لكنه جاء من عائلة مسيحية تحمل قيم وأصول في الاعتقاد، ودوري معه هو دور الحوار، فالاختلاف موجود، وهو أصل في الطبيعة، ولابد للإنسان أن يعرف ويفهم أدب التعامل مع هذا الاختلاف، ويعرف كيف ننهض بمجتمعنا من خلال هذا الاختلاف، ولا نثير الدعوات والنعرات الطائفية من أجل تدمير المجتمع، لأن الأديان كلها تدعو للسلام، وتدعو لصيانة النفس والحرية والكرامة، وتدعو إلى عصمة الدماء، فليس هناك دين أنزله الله يدعو إلى هدم الإنسان، بل كل الأديان تدعو إلى الحفاظ على الإنسان وحرمة دمه.
وقد أنزل الله تعالى كتبه السماوية رحمة للعباد، وأرسل رسلًا وأنبياء للبشرية لنشر قيم التسامح والتعايش والمحبة بين الأمم، ولم يأت دين سماوي لنشر العنف أو التحريض علي القتل، ولكن هذا يأتي فقط من أصحاب الرؤى والتفسيرات الخاطئة، فهم من يشوهون المبادئ والقيم السمحة التي يدعوا إليها الله في كتبه، وعلى لسان رسله، فكم من عمليات قتل وتخريب ودمار تمت باسم الدين، وكم من سرقات ومعارك عبر التاريخ لبس أصحابها رداء الدين سواء إسلامي مسيحي أو يهودي.
ويقول الله عز وجل في محكم آياته بالقرآن الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ “، وفي المسيحية: “حد عن الشر وأصنع الخير، أطلب السلامة وأسعى ورائها”(سفر المزامير 14/43) ،
مفاهيم مغلوطة
* دكتور شادي.. كيف يمكن أن ترى الدعوة التي تتبناها بعض الجماعات المتطرفة لقتل المسيحيين والاعتداء على كنائسهم ومقدساتهم بسبب اختلافهم معنا في العقيدة؟
** طبعًا هذه الدعوة مرفوضة، وأصحابها منبوذون من المجتمع الإسلامي قبل غيره، فهم يخالفون بهذا مؤدى الديانات والأصل في فهم العقيدة الإسلامية، فالشريعة الإسلامية تدعو إلى مصلحة الأرض، والشريعة مصلحة كلها، فهي تحفظ مصالح الناس، مسلم وغير مسلم، مسيحي أو يهودي، أو أي إنسان، وهذا هو الأصل في التعامل بين الناس، حيث تدعونا الشريعة للتراحم ونشر الرحمة في الأرض.
كما أن الشريعة عدل كلها، فهي تدعو لنشر مفاهيم العدل والمساواة بين الناس، مؤمنهم وغير مؤمنهم، مسلمهم وغير مسلمهم، لذا لا بد من حملة لمواجهة هذا الفكر المتطرف المبني على الجهل وسرقة مفاهيم النصوص، وهي ما يسمى في الفقه ليّ عنق النص، وهو أن آخذ من القرآن جزئية وأكبرها وأخرجها من سياقها، ثم أفسرها حسب مصالحي وأهوائي، فمثلا قال الله تعالى :”لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة”، هذه حقيقة يبينها الله في قرآنه، ولكننا في مذهب أهل السنة والجماعة لا نكفر بالتعيين، ونقول إن من قال هذا فقد كفر، ومن اعتقد هذا فقد كفر، فمن الذي يحاسب؟، بالتأكيد ليس نحن، لأن حساب الأشخاص من شأن الله وحده، لا أنا ولا أنت نملك أن نحاسب الناس.
فأسامة أبن زيد كان في المعركة يبارز شخصًا مشركًا، فسقط السيف من يد هذا المشرك، فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، لكن أسامة قتله، ثم ذهب إلى النبي وحدثه عن الحادثة، فتغير لون وجه النبي، وقال عليه الصلاة والسلام: أقتلته يا أسامة، قال: يا رسول الله قد قالها تحت الخوف، فقال له النبي: أشققت عن قلبه؟.
فالذي يملك معرفة ما في القلوب هو الله وحده، أما أنا فلا أملك أن أطلع على أسرار وقلوب الناس وأصنفهم وأحكم عليهم، فهذا شأن الله وحده، فلا يملك أي إنسان السلطة التي تتيح له أن يتجرأ ويستبيح دماء الناس ويحاسبهم على معتقداتهم.
وما أمرنا الله به هو أن ندعو الناس للخير، فقد قال تعالى:” وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ”، لذلك فالأصل أولا هو الدعوة إلى الخير والدعوة للتراحم.
جهل قاتل
* هناك من يقول دكتور إن في القرآن آيات تدعو لقتل غير المسلم بناء على عقيدته، هل ترى هذه الدعوة صادقة؟، وكيف يتفق ذلك مع دعوة القرآن لمجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن؟، وهل يمكن أن يناقض القرآن بعضه بعضًا فيدعو في بعض الآيات إلى القتل وفي بعض الآخر إلى المعاملة الحسنة؟
** أطلب من كل إنسان أن يأخذ الجانب الأساسي من العلم من أجل أن يتبين، فمثلا إذا سمعت شيئًا عن المسلمين أو عن أي طائفة، فقبل أن أحكم عليهم يجب أن أتبين عنهم وأعلم عنهم وأسال عنهم لكي يكون عندي العلم، لأن الجهل في المجتمع مشكلة خطيرة جدًا، والجاهل بين المسلمين أو بين أي ديانة هو الذي وصل بجهله للتطرف الذي بدأ فيه بالتكفير وانتهي فيه بالتفجير، وأصبح يكفر كل من حوله حتى المسلمين وأصحاب العقيدة نفسهم هم أول من تضرروا من هذا التطرف قبل كل الأديان، فالعلم يصون المجتمع والجهل يؤدى إلى موارد التهلكة.
وفي هذا الإطار يجب أن نفهم آيات القتال في القرآن، لأن الجهل في تفسير هذه الآيات هو ما يصنع الفتنة الكبرى التي تحدث. فالآيات التي نزلت على رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو في مكة كانت من أجل تثبيت الدعوة، ومن أجل إرساء قواعد قوية في الدولة المسلمة، وهذه الآيات أخذت منحي جعل من القتال شيئًا أساسيًا من أجل تحصين المسجد الحرام، وبداية عهد قوى لإرساء الدولة المسلمة، لكن هذا ليس القتل هو الهدف من تلك الدعوة.
أمر القتال وفتاوى القتل
* دعني أتوقف معك يا دكتور عند كلمة القتال وليس القتل، حيث يقول الله تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”، فهنا دعوة لقتال المعتدي وليس القتل، فمن يقاتلكم أو يصدكم عن دينكم قاتلوه، وهناك فرق بين القتل والقتال، أليس كذلك؟
**النبي عليه الصلاة والسلام لم ينشر الإسلام بالسيف، والدليل على ذلك أنه في بداية عهده لم يقم بثورة أو ينقلب على قريش ويأخذ الحكم منهم ويسوق الناس إلى دين الله كرها، لم يفعل هذا، بل بدأ بتغيير الناس وتغيير قلوبهم، وعمل على هدايتهم للحق، فلما دخل نور الحق إلى صدورهم آمنوا وأصبحوا نواة نشر هذا الحق وتغيير المجتمع بكامله.
وخلال ثلاثة عشر سنة لم يفتعل النبي قتالاً في مكة، وعندما ذهب إلى المدينة لم يذهب إليهم في مكة لقتالهم، والدليل أن أول معركة في الإسلام وهي معركة بدر حدثت في بدر قرب المدينة، لذلك فإن القول بأن الإسلام يدعو إلى القتل هو قتل خاطئ.
وهناك ممن يدعون إلى القتل يستدل بقول الله تعالى:” قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ “، لكن هذه الآية لها أسباب في النزول، وكانت عندما دعا الرسول صلي الله عليه وسلم ملك الروم إلى الإسلام، فمزق الرسالة وفي بعض الروايات أنه قتل الرسول الذي أرسل إليه بها، ثم جاء الأمر إلى النبي للتحرك من أجل صيانة دولة الإسلام، ونزلت الآية التي تقول: “يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال”، وهذه الآية كانت أمرًا للنبي وقتها، وليست أمرًا لإنسان في هذا الزمان يريد أن يستخدمها كمبرر للقتل في مجتمع آمن يتميز بعصمة الدماء.
وهنا لابد أن نبين أن عصمة الدماء في أمر أصيل في الإسلام، فلا يمكن للإنسان أن يمس دم أي إنسان آخر وإلا يكون قد ارتكب كبيرة، حتى ولو كان هذا الإنسان من غير المسلمين، بل على العكس فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: “من قتل معاهدًا أو ذميًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا”، وهذا أصل في ديننا.
فهذه الدعوة للعنف التي تنتشر للأسف، ويؤججها الجاهلون من غير العالمين بالأديان، أو يزكيها السياسيون لتحقيق مكاسب خاصة، تجعلنا نرسخ الجهل في المجتمع من أجل أن نشيع هذه الأفكار المغلوطة ونجعل الناس تتقاتل مع بعضها. ونحن كمصلحين وكعاقلين في المجتمع لابد أن نقوم بتنوير العقول، ولفت الأنظار إلى أن هذا ليس حقيقة، ولكِ أن تخيلي لو كان مليار و700 مليون من المسلمين عندهم مثل هذه العقائد، كيف سيكون حال الأرض؟!.
فهم النصوص
* دكتور أود أن أسالك عن معاني بعض الآيات كقوله سبحانه وتعالى في سورة المائدة: “وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى”، فالآية تقول إن أقرب الناس مودة للمسلم هم النصارى، فكيف يتفق هذا مع الدعوة إلى القتل؟
** طبعًا لابد أن نُنزِل النص مَنزِلَه حتى لا يتعرض للتحريف الذي يؤدي إلي الفهم الخاطئ، فأنا عندما أريد أن أمسك عليكِ خطأ أعلق على أدق الأشياء في تصرفاتك وأغتنم سقطة من كلامك حتى أجعلها ذريعة لمهاجمتك. لذلك فأنا أدعو للحيادية في فهم النصوص بكل الأديان، ولابد أن نأخذها على المنحى الذي أراد الله أن يفهمه الناس جميعًا، وليس فقط فهمي أنا.
وأذكر أنني التقيت مع الأب شادي هنا في ميتشيجان وأثار كلمة جميلة جدًا، وهي أن الناس اليوم مسلمهم واليهودي منهم والنصراني وصلوا إلى مرحلة يتبعون فيها الإله الذي يصنعونه بفكرهم والذي يتماشى مع أهوائهم، لكن الله هو حقيقة لا أستطيع أنا أتحكم بهيكلتها ضمن أهوائي وشهواتي وما أتمناه، فلذلك لابد من الحيادية في التعاطي مع النصوص، فالله قال في قرآنه الكريم: ” قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ”، وهذه الآية تخاطب حتى الأديان الأخرى، لأنهم في الأديان الأخرى هم مأمورون باعتقادنا نحن، لأن نبي الله عيسي بلغهم بذلك كما جاء في القرآن الكريم على لسان سيدنا عيسى: ” وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ”، لكنهم لم يسمعوا هذا واستمروا على ما هم عليه.
ولذلك فلابد للنص أن يؤخذ ضمن منهج علمي، يطلع عليه من يمتلك أصول العلم والأصول الفقهية التي تحكم هذا النص، حتى لا يخرج عن مساره، وأنا أطلب من كل إنسان عنده مشكلة في نص أن يتوجه لمختص علمي وفقهي ويسأله ليتبين حقيقة هذا النص، لكن المشكلة أن هناك هناك من يأخذ علمه من Google، الذي يوجد عليه أناس يكتبون ما يحلو لهم من أشكال وألوان، وهم بذلك لا يأخذون العلم من أهل العلم، رغم أن الله تعالى يقول:” فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ”.
الدين والدولة
* وردنا سؤال من الأستاذ جيري يسألك فيه عن موضوع الدعوة إلى التجديد وفصل الدين عن السياسة، فما رأيكم؟
** كان تسلط الكنيسة في وقت من الأوقات في أوروبا هو السبب في خروج أول دعوة من الناس لفصل الدين عن الدولة، فإذا كان الدين يدمر الدولة فلابد من فصله، لأنه يسبب ضررًا، وهذا ليس دينًا أصلاً، لأن الدين بمفهومه العميق يحفظ مصالح الناس، وأي دعوة من أي دين من الأديان تضر المجتمع وتهدم التماسك والبناء فيه فهي دعوة مرفوضة.
ولا يمكن أن يدعو الإسلام والمسلمين إلى دعوة تضر مصالح الناس، وتسئ إلى عدلهم، وتنزع الرحمة عن قلوبهم، بل هو دين يدعو إلى الرحمة ونشر العدل والمساواة بين أفراد المجتمع، وعندما أقول المجتمع لا أقصد فقط المسلمين، بل المجتمع ككل باختلاف أطيافه. فعندما جاء النبي إلى المدينة كان أول بند أرساه هو أن أهل يثرب أمة واحدة، وهؤلاء كان منهم مسلمون ويهود، فالنبي حافظ على تماسك المجتمع بهذا البند، فأهل يثرب أمة واحدة، وسلمهم واحد، وحربهم واحدة، وهو ما حافظ على تماسك المجتمع بكامله وتماسك أهل المدينة.
* أشكرك دكتور على ذكر موضوع يهود المدينة، فالبعض يتناول قيام النبي عليه الصلاة والسلام بإخراجهم وحربهم، ويشير إلى أنه أمر بقتل اليهود.
** هذا أمر جرى بسبب خيانة اليهود للمعاهدة التي كانت بينهم وبين المسلمين في غزوة الخندق، عندما تحالفوا مع المشركين من أهل قريش وحاصروا المدينة، وخانوا المعاهدة، وبموجب خيانة هذا العهد تطورت الأحداث إلى ما صارت عليه وأمر النبي بإخراجهم، وهذه هي الحقيقة التي يجب أن نبينها.
الدين برئ من العنف
* أود دكتور أن أتناول معك بعض الآيات التي يستفسر عنها مستمعونا والتي ربما يتم تفسيرها بشكل خاطئ، ومنها قوله تعالى:” يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ” في سورة الأنفال الآية 65، “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه” سورة الأنفال الآية 39، “فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ (سورة محمد الآية 74) وهذه الآية يساء تفسيرها جدًا، وأيضًا قوله تعالى: “وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً” سورة التوبة الآية 39، “أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ” سورة التوبة الآية 14، “قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ” سورة التوبة الآية 13،
وهذه أمثلة فقط على ما ورد إلى البرنامج من استفسارات حول بعض الآيات، ويمكن أن نقيس عليها بعض الآيات الأخرى التي تستند عليها بعض الجماعات المتطرفة في الحصول على رخصة في إباحة قتل المسيحيين واستهداف كنائسهم وتدميرها.
** تتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان، وهذه قاعدة فقهية مهمة، فالأحكام في زمن معين تأخذ أحيانًا منحى معين، وقد يستجد ظرف معين في زمن آخر يلغي هذه الأحكام أو يوقف تطبيقها، ومثال ذلك ما حدث في زمن المجاعة، حيث أوقف سيدنا عمر بن الخطاب وقتها تطبيق حد السرقة، وقال إنه لن يجلد السارق، لأنه في هذا الزمن كان الناس يموتون جوعًا، فمن يسرق يفعل ذلك من أجل أن يأكل، لذلك كان من غير المعقول أن نعاقب السارق الجائع.
والآيات التي تفضلت بذكرها لها مواضعها وأسباب نزولها، لكن يتم تناولها بشكل غير علمي ولَيّ عنق النص بطريقة تتوافق مع نوازع دعاة الشر، من أجل أن يجعلوا منها مبررًا لأفعالهم، فهذه لعبة واضحة يستطيع كشفها صبي صغير، فمن غير المعقول أن الدين الذي يدعوا لبناء الإنسان وحفظ كرامته وحرية اعتقاده، ونشر العدل والرحمة والسماحة، هو الذي يدعو إلى قتل الناس، فهذه دعوة تتناقض مع صحيح الدين ولا يجب أن تُقبَل، فمن غير المعقول أن يكون في كتاب الله ما يتناقض مع بعضه البعض، فهذا التناقض لا يجعله كلام إله، ولكن التناقض يقع في التأويل والتفسير المتعمد الخاطئ، من أجل تبرير أعمال العنف والإرهاب، وتبرير أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ويريدون أن يلصقوها بهذا الدين.
وهذه دعوة متناقضة ومرفوضة، لأن هذا الدين منذ أن نزل والتاريخ يكتب ويشهد أن المسلمين ما بدءوا قتالًا مع أحد، وما تحركوا من أجل القتال، وما تجمعوا من أجل أن يقاتلوا، إلا إذا كان هناك خطر، واستدعي هذا الخطر أن يقوموا بمواجهته، فقد قال الله تعالي: “وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ”، وما فتح المسلمون البلاد بالقتال، ولكن كانوا دائمًا يبدءون بدعوة الناس للإسلام، ولم يكن هدف تلك الفتوحات هو أخذ السبايا والغنائم.
حرمة النفس
* دكتور.. جاءني سؤال على صفحتنا يقول: كيف تفسرون قول الله تعالى: “فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب” سورة محمد الآية 74؟
**لو أن أميركا مثلاً دخلت حربًا، وكنت أنا وأنت مجندين في هذه الحرب، فماذا يجب أن نفعل إذا رأينا العدو في ساحة الحرب، هل نمسح على رأسه مثلاً ونقول له كلامًا لطيفًا، بالطبع لا، فهذا جو حرب، وأنا جندي في دولة دخلت هذه الحرب، وهذا معناه أنه هناك معاملة مختلفة للأعداء في ساحة الحرب، فنحن في مواجهة، إما أن يقتلني و إما أن أقتله.
وهذا معنى هذه الآية، لكن سياقها لا ينطبق على الشارع مع المعاهدين والمسالمين، أو على بلد دخلت فيه وقبلت قوانينه، وتعهدت بأن أكون مواطنًا صالحًا يحترم مواثيقه ومعاهداته، لكن البعض ينزع الكلمات من سياقها بما يؤدى إلى الفهم الخاطئ.
* إذن دكتور.. يجب علينا أن نفرق بين القتل والقتال، فالقتال رد على المعتدي ودفاع عن النفس، وهو حق تكفله كل دساتير العالم، أما القتل فهو محرم ولا يجوز، والقرآن دعانا للقتال وليس للقتل.
** نعم، فهناك قتل وهناك قتال، وهناك فرق كبير بينهما، فالمقاتل هو من يقاتل في الحرب، فنقول فلان ذهب وقاتل، ومعنى ذلك أنه حدثت معركة وحارب فيها. أما القتل فهو كبيرة من الكبائر يحرمها الإسلام، فقد عظم الله حرمة النفس ونهانا عن القتل، حيث يقول تعالى: “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا”، وقد أرسى الله هذه القواعد ليس في الإسلام فقط، بل في كل الديانات، فقتل نفس واحدة تُخرِج الإنسان من إنسانيته، لذلك نجد أن عقوبة القتل في القوانين الوضعية كلها عقوبات قاسية، وذلك بهدف حفظ دماء الناس.
مداخلات المستمعين
* دعنا نتناول معك بعض الأسئلة التي ترد للبرنامج:
– مداخلة 1: أكثر المهاجرين اللاجئين الذين يأتون إلى أمريكا من الشرق الأوسط مسلمون، فلماذا يأتون إلى أميركا وبريطانيا وفرنسا، ولا يذهبون إلى السعودية أو إيران، وهي دول كبيرة الحجم وتمتلك الثروات؟
– مداخلة 2: أعتقد أن حوارات كهذه تقودنا دائمًا إلى الفرقة، وأتصور أن البُعد عنها يكون أفضل، ونركز على ما يجمعنا من الإنسانية والخُلق الحسن، فطريقة الحوار هنا تتبع طريقين، طريقة المجاملة وهذه الطريقة لا تعالج شيئًا، أما الطريقة الأخرى فهي طريقة طرح التناقضات والاختلافات التي وردت في الكتب والأقوال على الطاولة ومناقشتها، وهذه ستكون عملية مؤلمة لكنها الطريقة الصحيحة للعلاج إذا أردنا أن نعالج .
مداخلة 3: أنا فقط أطلب منكم أن تذكروا لي اسم مسيحي واحد فجر نفسه باسم المسيح مثلا.
* دكتور شادي ما ردك على ما ورد في هذه المداخلات؟.
** أول شيء موضوع السفر إلى أمريكا وليس السعودية، وبشأنه أقول إن العدل هدف منشود يريده كل إنسان، ولا يخفي على أحد أن غياب العدل في الدول الإسلامية أدي بالمهاجرين المسلمين إلى أن يأتوا إلى دولة عادلة كأميركا تحفظ لهم كرامتهم وحرية اعتقادهم، وهذا هو المضمون الذي يريده الإنسان من أجل أن يحيا حياة كريمة.
أما النقطة الثانية المتعلقة بأننا نجامل في طرح هذا الموضوع، فأود أن أوضح أنني عندما أقول وأنقل حقيقة في كتاب الله أؤمن بها وأقولها على الهواء فأنا لا أجامل وغير مضطر للمجاملة، ورسالة الدكتوراه التي قدمتها بها فصل حول أثر اختلاف العقائد في المجتمع الغربي وانعكاساتها على الواقع المعاصر، وأنا أحب أن أحث كل إنسان موجود هنا في أميركا أو في الغرب عمومًا أن يطلع على هذا الموضوع، أو يراسلني شخصيًا حتى أرسله له لأنه يجيب على الكثير من التساؤلات المتعلقة بهذا الأمر.
أما بالنسبة لصاحبة المداخلة الأخيرة، فأنا أدعوها أن تذهب إلى السجلات في بلد كأميركا وتنظر في نسب الذين يرتكبون جرائم القتل بين الطوائف المختلفة، كما أود أن أؤكد ما يحكم الأمر ليس انتماء من يفجر نفسه، أو لأنه يقول الله أكبر فهو مسلم، فليس المسلم هو من ولد مسلمًا أو ن هو موجود في هويته أنه مسلم، فالمسلم الحقيقي من المستحيل أن يفعل ذلك، وهناك الكثير من الحوادث التي كشفت أن هؤلاء هم أبعد الناس عن أي دين من الأديان وليس فقط الإسلام، فنحن لسنا فقط نريد أن نبرأ من هؤلاء، بل نريد أن نوضح الأمر لكي نكون منصفين ونحترم رأي الآخرين وهم لابد أن يحترموا رأينا أيضًا.
دعاة جاهلون
* دكتور هناك بعض الدعاة هم علي جهل، وربما يأخذ عنهم البعض العلم بشكل خاطئ، خاصة من قِبَل ضعاف النفوس ومن يبررون هذه الأفعال، فكيف لنا أن نتجاوز مشكلة الجهل في الدعوة وهي مشكلة كبيرة بالفعل!؟
** نحن لا نستطيع أن نضبط ما يقال عبر وسائل الإعلام وعلى المنابر في العالم كله، ولكن نستطيع أن نضبط أذن المستمع التي تستمع إلى تلك الأشياء، فإذا كان الإنسان عنده علم يميز من خلاله الخبيث من الطيب، سيصون ما يحفظه، فهناك دعاة مختلفون، منهم من يدعو للدين الصحيح، ومنهم من لا يفعل ذلك، فما الذي يُحصننا من هؤلاء؟ .. إنه العلم، فعندما ننشر العلم الصحيح في حلقات مثل هذه التي نتكلم فيها مع الناس ونبين لهم فيها الصحيح والخاطئ، فهذا ينشر العلم بين الناس وينبههم لأي دعوة تجرهم للقتال أو الخصام.
* كيف يمكن أن نزرع في أبنائنا حب الوطن والتعايش فيه، ونُعلّمهم أن ذلك يتوافق تمامًا مع تعاليم ديننا وكتبنا السماوية.
**حب الوطن هو شيء فطري، فالإنسان يولد في هذا الوطن ويحبه بالفطرة، ولكن إذا وجد مجتمعًا يتقبله، وإذا وجد محبة، وإذا دخل في أي ميدان من الميادين ووجد الترحيب، فهو سيحب هذا المجتمع ويصبح مخلصًا له ولكل إنسان يعيش فيه، لذلك حب الوطن شيء موجود في الفطرة، وإذا أحب الإنسان وطنه كمل إيمانه في الدنيا والآخرة.