تغطيات خاصةتقاريررمضان

رمضان في زمن كورونا.. عادات وتقاليد تقاوم الإجراءات الاحترازية

هاجر العيادي

للعام الثاني على التوالي تستقبل المجتمعات العربية شهر رمضان في أجواء استثنائية فرضها استمرار انتشار جائحة كورونا، فيما لا يزال القلق من الوباء  قائمًا في ظل انتشار سلالات جديدة.

راديو صوت العرب من أمريكا حاول في التقرير التالي تسليط الضوء على هذه المناسبة الهامة، ورصد أهم الاستعدادات لاستقبال الشهر الكريم في مختلف الدول العربية، ومعرفة مدى تأثير أجواء كورونا على العادات والتقاليد العربية في شهر رمضان.

استعدادات وتحضيرات

عادة ما يستغل المسلمون الأسابيع التي تسبق شهر رمضان لتخزين الأطعمة واللوازم التي سيحتاجونها لتحضير أطباقهم التقليدية في الشهر الكريم.

وفي هذا الصدد يقبل المسلمون في هذه الفترة على التسوق بحثًا عن الهدايا والمأكولات وأدوات الزينة. حيث يتم تزيين الشوارع بالأضواء والفوانيس والألوان، كما تزين العائلات منازلها وشوارعها بأشكال مختلفة من الزينة تتوسطها الفوانيس وأشكال أخرى تشبه الهلال والنجمة، إيذانا بحلول شهر رمضان.

ظروف استثنائية

ولكن للعام الثاني يتزامن حلول الشهر الكريم مع وجود كورونا واستمرار حالة الحجر الصحي والقيود والإجراءات الاحترازية في بعض البلدان، إلى جانب خفض عدد ساعات النشاط في النهار في بلدان أخرى، وهو ما يعني أن البعض يواجهون صعوبة في الاستعداد لهذا الشهر كما جرت العادة.

في الأثناء شهدت العديد من المحلات نقصًا في التزود ببعض المواد الأساسية ونفاذ لبعض السلع الأخرى، وهو ما دفع بعض الباعة لتحديد حصة معينة من السلع لكل زبون.

قرارات واجراءات

وتستقبل أغلب الدول العربية دخول شهر رمضان بالإعلان عن مجموعة من القرارات التي تهدف إلى تكييف ظروف كورونا مع أداء العبادات والصلوات والعادات الاجتماعية التي يتميز بها شهر الصيام، الذي يعد مناسبة للتجمع في المساجد وأماكن العبادة والزيارات العائلية.

من جانبها أكدت المنظمات الصحية في أغلب الدول العربية على أهمية انضباط السلوكيات الفردية في هذه المرحلة، وضرورة احترام الأفراد للتعليمات والإجراءات الاحترازية.

ووفقا لموقع “arabi21” حذرت منظمة الصحة العالمية الأربعاء الماضي من التجمعات في الأماكن المغلقة، خشية أن يؤدي ذلك إلى موجة جديدة من الإصابات بكوفيد– 19. وقال بيان للمنظمة “من الأفضل أن يحيي الناس الاحتفالات الدينية مع الأشخاص الذين يعيشون معهم وتجنب لقاء أشخاص آخرين (…) خاصة إذا كانوا يشعرون بأعراض مرضية أو هم في حجر صحي”.

غلاء أسعار.. ولكن

أجواء كورونا لم تمنع شعوب أغلب البلدان العربية من الاستعداد الكامل لمناسبة رمضان، ففي تونس تقول الشابة مريم زمال 30سنة: إن نكهة رمضان لاتزال موجودة رغم كورونا، قائلة: “يحتل شهر رمضان مكانة كبيرة في قلوب جميع العائلات التونسية، التي تبدأ الاستعداد له باكرًا، حيث تتعدد المناسبات العائلية والأفراح وتتزين لياليه بالموشحات الدينية”.

وأضافت زمال: “تشهد الأسواق رواجًا وإقبالًا كبيرًا، حيث يعرض الباعة كل ما يحتاجه التونسيون من التوابل والتمور والفواكه الجافة، لصناعة ألذ المأكولات التي يشتهر بها المطبخ التونسي”.

ويكثر الإقبال على أنواع معينة من الأواني التي تستعمل بشكل كبير خلال هذا الشهر الكريم، كأواني حساء “الشوربة” وأطباق الحلوى والعصائر، حيث يتميّز شهر رمضان المبارك في تونس بمظاهر كثيرة ومتنوعة، إلا أن الاستعداد لرمضان هذا العام لم يكن مثل سابقيه في كل العالم، فظروف كورونا أفقدته روحه وجعلت أيامه أكثر هدوءا وأقل قيمة.”

مريم زمال

وفي نفس السياق قال جعفر الراشدي، وهو رب عائلة ويعمل مهندسا بأحد المؤسسات التونسية: “سيحل علينا الشهر الكريم، شهر رمضان، هذه السنة في ظروف استثنائية بسبب انتشار الفيروس وما فرضه على المواطن من إجراءات وقائية، حيث أجبرتنا هذه الإجراءات على تغيير العادات والتقاليد المميزة لشهر رمضان”.

وأضاف: “لكن ظروف كورونا الاستثنائية لم تمنع المسلم من التقرب أكثر من الله من خلال أداء صلاته وتلاوة القرآن الكريم والإلحاح في الأدعية، وخاصة في أوقات راحته التي تتجاوز الساعات يوميًا، على حد قول الراشدي.

المهندس جعفر الراشدي

وأكد الراشدي أن “أجواء رمضان الاستثنائية ستجعل البعض الآخر يختار التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة لملء أوقات فراغه حتى موعد الآذان و الإفطار. كذلك هو الشأن أثناء السهر نظرًا لغلق المحلات وأماكن الترفيه، إلى جانب بعض الأنشطة الرياضية كالركض المنفرد في ساحات المنازل أو بعض المسالك الصحية”.

وفي نهاية كلامه قال الراشدي: “إن النشاط المشترك بين جل التونسيين والعرب عمومًا هو إعداد أشهى الأكلات وألذ الحلويات. حيث يتجهون في الصباح إلى المحلات التجارية والأسواق لاقتناء كل الاحتياجات، وعند المساء يستعدون بالمطابخ.

فوانيس رمضان تضيء القاهرة

ولا يختلف الحال كثيرًا عن تونس في بعض الدول العربية الأخرى، والتي حظرت بعذ الأنشطة والفعاليات بسبب كورونا، ومن بينها ما يعرف بـ”موائد الرحمن” التي تقام عادة في شهر رمضان لإفطار الصائمين، إلا أن ذلك لم يمنع الشعوب العربية من الاستعداد لهذا الشهر الفضيل على طريقتها الخاصة.

ففي مصر على سبيل المثال تتزين شوارع العاصمة القاهرة بأضواء “الفوانيس” والزينة الملونة ابتهاجًا بقرب حلول شهر رمضان المعظم، بالرغم من الغلاء وتدني الأوضاع الاقتصادية بسبب تفشي وباء كورونا، على حد قول الإعلامية شيماء سيد.

الاعلامية المصرية شيماء السيد

والملفت أنه بالرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تسبب فيها فيروس كورونا، إلا أن هذه المنتجات تجد إقبالًا كبيرًا في الأسواق رغم الغلاء.

وأضافت شيماء: “بغض النظر عن كورونا يبقى رمضان فرصة لتلاقي الأسر حول مائدة الإفطار في موعد واحد وهذا هو الشيء الجميل في ذلك”

شيماء السيد رفقة شقيقتها

من جانبه قال الشاب المصري محمد صلاح، 45 سنة “أهم ما يميز رمضان في مصر هو الفانوس، وهو أحد أبرز مظاهر الاحتفاء بشهر الصيام. كما بدأت المساجد الاستعدادات قبل أسابيع من بدء شهر رمضان. وسيسمح بإجراء صلاة التراويح في بعض المساجد مع تطبيق تدابير التباعد الاجتماعي”.

ويذكر أن وزارة الأوقاف قد قدمت إرشادات للمسؤولين لضمان أداء الصلاة بأمان، وسيتم بث الصلاة من بعض المساجد على الهواء مباشرة، كي يتمكن الناس من متابعتها في المنازل. وستُبث كذلك المحاضرات والخطب الدينية عبر الإنترنت ومن خلال منصات التواصل الاجتماعي.

محمد صلاح

عادات وتقاليد رغم كورونا

وعن أجواء رمضان في الجزائر تقول الاعلامية الجزائرية نجاة قطو: “الوباء لم يمنع الجزائريين من الحفاظ على التقاليد الرمضانية بدءًا بتنظيف وتزيين البيوت، والتسوق من أجل تأمين مستلزمات المنزل خلال هذا الشهر الفضيل، الذي يطل علينا ضيفًا عزيزًا كل سنة”.

وتابعت: “تتشارك المرأة الجزائرية بنفس التحضيرات، مهما اختلفت المناطق والأماكن، كالحرص على شراء الأواني المصنوعة من الفخار لطهي الطبق الرئيسي فيها والمعروف بـ “الشربة” أو ” الحريرة”، والتي تعتبر تقليدًا رسميًا متوارثًا عن الأجداد وتعبيرًا على الفرحة باستقبال شهر الصيام.

ولاتنسى المرأة الجزائرية حرصها على شراء التوابل المتمثلة في “الفلفل الأحمر” و”العكري” و “القرفة” و”الكمون” و”الكركم” و”جوزة الطيب” و”الكسبر” و“رأس الحانوت”، الذي لا تستغني عنها أي أسرة، والتي عبَّقت أزقة الأسواق برائحتها القوية، وصولا إلى مختلف المفروشات التي يتم تغييرها خاصة في قاعة الاستقبال التي تستقبل فيها الضيوف خلال السهرات الليلية”.

الاعلامية الجزائرية نجاة قطو

وتوضح نجاة أن أهم العادات التي يتم إحياؤها في رمضان ما يسمى عند البليدين “بالشعبانية”، وكذلك تحضير ما يعرف بـ “الدَّرْسَة” الخاصة بشربة رمضان والتي تحضر من مختلف التوابل، التي عادة ما تشتريها في شكلها الخام من فلفل أسود وحار وقرفة وكمون، وتجهيزها بطحنها وتعبئتها في علب خاصة.

وأضافت نجاة، “أنها تقوم بتحضير مايعرف بـ“المقطفة” في المنزل وتجفيفها فوق السطوح تحت أشعة الشمس، وهي نوع من أنواع العجائن تشبه المعكرونة، ليتم تحضير “الشُّوربَة” بها، والتى تعتبر الطبق الرئيسي لدى الجزائريين.

كما يتم عصر الليمون والاحتفاظ به في المبرد على شكل مكعبات صغيرة لتحضير به “الشَّارْبَات” التي تعد مشروب ذو نكهة رائعة بعد الإفطار بدل المشروبات الغازية.

وفيما يتعلق بالأسعار أكدت الإعلامية نجاة أن هذه السنة تعد استثنائية، حيث خفضت وزارة التجارة  أسعار المواد الاستهلاكية مرعاة للفقراء ومتوسطي الدخل.

كورونا تعكر أجواء رمضان

“المغرب أيضًا، كغيره من البلدان العربية، يعيش على وقع أجواء استثنائية للعام الثاني على التوالي”، هكذا تقول المغربية بشرى حامد، 38 سنة, والتي تعمل ممرضة بإحدى المستشفيات، وظهرت على ملامح وجهها علامات التعب والإرهاق وهي تضيف: “لا يزال القلق قائماً خصوصا مع انتشار السلالات الجديدة وعدم الوصول إلى المناعة المجتمعية”.

وأوضحت أن الحكومة المغربية قررت حظر التنقل الليلي على الصعيد الوطني يوميًا من الساعة الثامنة ليلا إلى الساعة السادسة صباحا، باستثناء الحالات الخاصة، وذلك ابتداء من الأول من شهر رمضان المقبل.

لكنها أكدت أن هذا الحظر لم يمنع من أن تحضر النساء المغربيات فطائر خاصة للمائدة الرمضانية، وتعتبر الشباكية والسفوف والبريوات مكونات رئيسية لاغنى عنها خلال الشهر الكريم.

فرصة مثالية

وفي الإمارات يعد شهر رمضان “فرصة مثالية لربات البيوت والأمهات لتعريف أبناء الجيل الجديد بالمأكولات الشعبية التي توجد في ثقافة المطبخ الإماراتي، الذي يعد جزءًا لا يتجزأ من عادات وتقاليد المجتمع المحلي، التي أصر الإماراتيون على المحافظة عليها رغم التغييرات التي طرأت عبر الزمن”.. هكذا عبرت ربة البيت الإماراتية فطينة خطيب، وهي أم لأربعة أطفال.

ولكن لكل مجتمع طابعه الخاص في اختيار أصناف الطعام التي تزين موائده في رمضان، ويعتبر الهريس هو الطبق الشعبي الرئيسي الذي يتربع على عرش موائد الأسر الإماراتية، إذ لا تخلو مائدة من وجوده خاصة في المناسبات والأفراح وشهر رمضان الفضيل، بحسب ما أوضحت الخطيب.

بالإضافة لذلك توجد أكلتان شعبيتان تقدمان طوال الشهر الفضيل هما “الثريد” و”اللقيمات”، والثريد يعتبر من الأكلات الإماراتية الشعبية المشهورة إلى حد كبير، وهو يحضّر من الخبز مع اللحم، وأنواع مميزة من الخضراوات مع بعض من البهارات حتى تعطيه طعمًا ساحرًا.

رمضان بطعم مختلف

وفي بعض البلدان التي تعاني من أزمات اقتصادية أو حروب مثل سوريا ولبنان واليمن، غالباً ما يكون شهر رمضان المناسبة الوحيدة في العام التي تأكل فيها بعض العائلات اللحوم. وتعد الشعائر الدينية من مناحي الحياة الأكثر تأثرا بانتشار العدوى التي تفرض عليها قيود متغيرة يوما بعد يوم.

وقبل الجائحة كانت المساجد والجمعيات الخيرية والأفراد تقيم “الخيام الرمضانية” التي يجتمع فيها المسلمون ويتناولون الإفطار معاً. وكانت تلك الفعاليات تعني أيضاً أن أولئك الأقل حظاً يمكنهم تناول الطعام دون مقابل في “موائد الرحمن”.

photo courtesy of pixabay by AhmadArdity

استثناء في السعودية

وعادة ما تمتلئ المساجد بالمصلين مساءً لأداء صلاة التراويح، ولكن هذا العام لا تزال بعض المساجد في البلاد العربية مغلقة، بينما يفتح بعضها أبوابه مع الالتزام بالقيود والإرشادات المعمول بها للسيطرة على انتشار العدوى.

وقد أعلنت السلطات في المسجد النبوي بالمملكة العربية السعودية أن العدد الإجمالي للمصلين في رمضان بالمسجد لن يتخطى 60 ألفاً في وقت واحد، مع الالتزام الإجباري بالتباعد الجسدي. وجدير بالذكر أن طاقة استيعاب المسجد تبلغ 350 ألف مصلٍّ، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء السعودية (واس).

وأعلنت السعودية هذا العام أنه يلزم تحصين جميع المعتمرين الراغبين في أداء مناسك العمرة ضد فيروس كوفيد– 19 بدءًا من شهر رمضان.

وتتوفر مبردات مياه زمزم في مكة، بل ستتوفر مياه زمزم المعبأة كبديل، كما يُحظر مشاركة وتوزيع الطعام داخل المسجد، كما منعت المطاعم من توزيع وجبات الإفطار داخل أو أمام مبانيها.

ثقافة على غير العادة

المجال الثقافي والفني طالما كان الموعد الأهم في رمضان، والذي أصبح منذ سنوات عديدة موسمًا لعرض أضخم الأعمال التلفزيونية والإنتاجات الفنية من برامج ومسلسلات على الشاشات العربية، والتي يتم العمل عليها طيلة سنة كاملة، لكن يبدو أن جائحة كورونا غيرت عادات وطقوس وتقاليد ألفها الناس على مدى عقود، وفق ما أكده مهندس الصوت بلال فلاح.

المهندس بلال فلاح

وفيما يتعلق بالاستعدادات لرمضان في الكويت قال بلال إن الكويت كغيرها من بلدان العالم العربي أعلنت تمديد حظر التجول الجزئي في عموم البلاد حتى تاريخ 22 أبريل الجاري، كإجراء احترازي لمواجهة جائحة كورونا، ويستمر الحظر الجزئي من الساعة السابعة مساء إلى الخامسة من صباح اليوم التالي.

هذا وسمحت الكويت أثناء فترة الحظر الجزئي، خلال شهر رمضان المبارك، بعمل خدمة توصيل المطاعم والمقاهي ومراكز تسويق الغذاء حسب الزمن المحدد، فضلاً عن السماح بالمشي من الساعة السابعة مساء إلى 10 مساء، داخل المناطق السكنية فقط، دون استخدام السيارات أو غيرها، مع ضرورة الالتزام بالضوابط والإجراءات الصحية الاحترازية.

اهدار للطعام

أما على الصعيد الغذائي يرى أخصائيو التغذية أن شهر رمضان فرصة مناسبة لاكتساب عادات غذائية جديدة، خاصة فيما يخص التخلص من إهدار الطعام، بحسب دراسة حديثة نشرتها وحدة المعلومات في مجلة “economist” البريطانية.

وأوضحت الدراسة أن إهدار الطعام للفرد الواحد سنويًا في دول عربية يُعادل ثلاثة أضعاف المتوسط في أوروبا وأمريكا الشمالية. وقد يُرجِع البعض ذلك إلى تقاليد الضيافة.

وتزداد هذه المُشكلة سوءًا خلال رمضان، حيث أشارت الدراسة إلى أن 53% فقط من الطعام الذي يُقدم في موائد الإفطار يتم أكله بينما يتم إدار الباقي، وفي هذا الصدد يدعو أخصائيو التغذية إلى عدم التبذير والاسراف في الأكل.

في العموم هي أجواء استثنائية تفرضها جائحة كورونا، ولكن رغم ذلك سيبقى شهر رمضان شهر الخير والبركة، وستظل له تقاليده وعاداته وأجواءه المختلفة، كل عام وأنتم بخير.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى