غير مصنف

هل ينجح اليمين المتطرف في إغلاق أوروبا؟

وصف رئيس وزراء لوكسمبورج، خافيير بيتل، الانتخابات البرلمانية الأوروبية الأخيرة بأنها “دعوة للاستيقاظ من الجانب المتطرف”، محذرًا من أنه لن يكون من السهل على القوميين “إغلاق أوروبا”.

وقال بيتل، في حوار له مع قناة “يورونيوز” الأوروبية أذاعته أمس الثلاثاء، إن القادة الأوروبيين بحاجة إلى استعادة الحوار ومساعدة الناس على الاعتقاد بأوروبا مرة أخرى.

وأضاف بيتل أنه “من السهل للغاية تحميل أوروبا مسئولية كل شيء.. حققنا الكثير من النجاح خلال السنوات الأخيرة وفي الغالب نحن نعلق فقط على ما نفشل فيه”.

وأكد رئيس وزراء لوكسمبورج أن أغلب الأوروبيين “لا يزالون يعتقدون بأوروبا” حيث إن الأغلبية صوتت لصالح الأحزاب الموالية لأوروبا.

وشكك رئيس الوزراء في أن يتحد قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة للعمل معاً، مشيراً إلى أنه من الضروري النظر إلى المشروع الأوروبي بعينه وليس إلى من سيقوم بتنفيذه.

وعبر بيتل عن رغبته في أن يجلس الزعماء الأوروبيون خلال الساعات والأيام القادمة حول طاولة الحوار لبحث إيجاد “مشروع مشترك”.

رسائل صاخبة

وحملت انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، رسائل سياسية صاخبة عديدة سيكون لها صداها وانعكاساتها على المشهد السياسي في أوروبا خلال السنوات المقبلة، سواء فيما يتعلق بالفائزين والخاسرين في تلك الانتخابات، ومستقبل الأحزاب التقليدية في مواجهة التيارات السياسية الجديدة، أو فيما يخص مستقبل اليمين المتطرف في أوروبا وتأثيرات صعوده على مستقبل الاتحاد الأوروبي ككل.

تراجع الأحزاب التقليدية

أولى هذه الرسائل، وفقًا لتقرير نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط، كان التراجع اللافت والقوى للأحزاب التقليدية الكبرى (يمين ويسار الوسط)، والتي هيمنت على البرلمان الأوربي لعقود، وذلك لحساب تيارات وقوى سياسية أخرى على رأسها أحزاب اليمين والشعبويين من ناحية، والقوى الليبرالية والخضر من ناحية أخرى.

ورغم أن المحافظين والاشتراكيين لا يزالون يشكلون أكبر كتلتين في البرلمان الأوروبي، إلا أن انتخابات 2019 أفرزت، كما يرى مراقبون ومحللون، خارطة سياسية جديدة للمرة الأولى منذ أربعين عاما، إذ يبدو أن أحزاب يسار الوسط ويمين الوسط التقليدية التي تصدرت المشهد السياسي داخل الاتحاد الأوروبي لعقود طويلة، فقدت أغلبيتها لأول مرة في البرلمان الأوروبي، وصارت بحاجة للتحالف مع قوى سياسية صاعدة كالليبراليين والخضر.

ففي ألمانيا على سبيل المثال تراجعت نتائج حزبي الوسط الرئيسيين، حيث تراجع نصيب حزب المستشارة أنجيلا ميركل، الحزب الديمقراطي المسيحي، من 35 في المئة من الأصوات في عام 2014 إلى 28 في المئة، في حين انخفضت نسبة حزب الاتحاد الاشتراكي الديمقراطي الاجتماعي من 27 في المئة إلى 15.5 في المئة، وفي فرنسا منى حزب الرئيس إيمانويل ماكرون بخسارة كبيرة أمام التجمع الوطني اليميني بزعامة مارين لوبان، أما في بريطانيا فقد تعرض حزبا المحافظين والعمال لخسارة كبيرة في الانتخابات في مواجهة الأحرار الليبراليين وحزب بريكست الصغير.

ورغم أن هذه الانتخابات شكلت ضربة للأحزاب المؤيدة للاتحاد الأوروبي، والتي تضم قوى يمين الوسط واليسار، لاسيما في دول كبرى في أوروبا مثل فرنسا وإيطاليا، إلا أن هذه الأحزاب، لا تزال قادرة على الحفاظ على الأغلبية داخل البرلمان الأوروبي، ولكنها أصبحت بحاجة لإقامة تحالفات جديدة مع الليبراليين والخضر، المؤيدين للاتحاد الأوروبي، وذلك لضمان الأغلبية المريحة داخل البرلمان الأوروبي لاسيما في ظل المكاسب التي حققتها قوى اليمين المتطرف.

ويرى مراقبون أن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي تشير إلى خريطة جديدة لموازين القوى داخل البرلمان، خصوصا بعد المكاسب الكبيرة التي حققتها أحزاب الخضر، والتي تشير الاستطلاعات إلى أن هذه الأحزاب ستقفز من 50 مقعدا في البرلمان السابق إلى حوالي 67 مقعدا في البرلمان الجديد.

مكاسب اليمين المتطرف

أما الرسالة السياسية الثانية التي حملتها انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة فهي المكاسب الكبيرة التي حققتها الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة في هذه الانتخابات في بعض البلدان الأوروبية ولاسيما في فرنسا وإيطاليا وبريطانيا.

ففي فرنسا حقق التجمع الوطني اليميني بزعامة مارين لوبان، فوزا كبيرا على حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل، حيث حصل التجمع على 24 في المئة من الأصوات مقابل 22.5 في المئة لحزب ماكرون. أما في إيطاليا تشير النتائج شبه النهائية إلى التقدم اللافت الذي حققه حزب “رابطة إيطاليا” اليميني المتشدد بزعامة وزير الداخلية ماتيو سالفيني، والذي فاز بنحو 30 في المائة من الأصوات، ويتوقع أن يكون هذا الحزب رأس الحربة في تحالف جديد يمثل القوميين في عموم أوروبا.

وفي المجر، فاز حزب “فيدسر” الذي يتزعمه رئيس الوزراء فيكتور أوربان، وهو حزب يميني مناهض للهجرة، على 52 في المئة من الأصوات و13 من أصل 21 مقعدا في البلاد، ليكون الفائز الأكبر في تلك الانتخابات، في حين حقق حزب القانون والعدالة المسيحي المحافظ، والمعادي للهجرة، نجاحا كبيرا في بولندا، حيث حصل على 45 في المئة من الأصوات، و 27 من أصل 51 مقعدا في البلاد.

أما في بريطانيا، فقد حقق حزب “بريكست” القومي ، الذي تشُكل حديثا، ويعد من أشد المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، فوزا كبيرا، وحصل على حوالي 32 في المئة من الأصوات، في مقابل خسائر فادحة لحزبي المحافظين والعمال.

وعلى الرغم من هذه المكاسب التي حققتها الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة في عدد من البلدان الأوروبية، إلا أنه لم تكن تلك المكاسب الكبيرة التي توقعها البعض.غير أن العديد من المحللين يرى أن الفوز الذي حققته أحزاب يمينية وقومية في دول أوروبية كبرى مثل إيطاليا وفرنسا وأماكن أخرى، تظهر بوضوح أن المشككين في جدوى الاتحاد الأوروبي سيكون لهم نفوذ أكبر في المؤسسات الأوروبية، إذ يتوقع أن يرتفع تمثيل اليمينيين المتطرفين في البرلمان الأوروبي، والذين يشكلون في البرلمان المنتهية ولايته عشرة في المائة، إلى قرابة 20 في المائة من مجموع مقاعد البرلمان الجديد، وهي نسبة مؤثرة سيكون لها تأثيرها على سياسات الهجرة في داخل الاتحاد الأوروبي، لا سيما وأن هذه القوى اليمنية تتفق فيما بينها على سن قوانين للحد من الهجرة إلى أوروبا. ويعتبر نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني زعيم حزب الرابطة الإيطالية، ورئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان مثالين صارخين على هذه التوجهات.

مشاركة مرتفعة

الرسالة الثالثة لانتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة تتمثل في نسبة المشاركة المرتفعة للغاية والتي تعد الأعلى منذ عشرين عاما، حيث ارتفعت نسبة المشاركة في تلك الانتخابات إلى 51 في المئة تقريبا، من إجمالي الناخبين في جميع الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي، البالغ عددها 28 دولة، مقارنة بنسبة 43 في المائة في انتخابات 2014.

وقد عزا بعض المحللين نسبة المشاركة العالية إلى مجموعة من العوامل على رأسها صعود الأحزاب اليمينية وزيادة الوعي بتغير المناخ، فيما رأى أخرون أن المشاركة الكبيرة في هذه الانتخابات، كانت محاولة لإيصال رسائل قوية من قبل الناخبين إلى حكوماتهم الوطنية وإلى الأحزاب التقليدية التي فقدت الكثير من مصداقيتها أمام الرأي العام في أوروبا.

ويعتبر البرلمان الأوروبي الهيئة التشريعية لصياغة وصناعة القوانين والتشريعات في الاتحاد الأوروبي، وهو مسؤول أيضا عن انتخاب رئيس المفوضية الأوروبية، والموافقة على ميزانية الاتحاد الأوروبي.

ويتكون البرلمان الأوروبي من 751 عضوا، يُنتخبون مباشرة من قبل ناخبي الاتحاد الأوروبي كل خمس سنوات، وتنتخب جميع الدول الأعضاء في الاتحاد أعضاء هذا البرلمان، الذي يمثل مع مجلس الاتحاد الأوروبي، الذي يتكون من وزراء حكومات الدول الأعضاء، السلطة التشريعية للاتحاد.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى