الراديوتغطيات خاصةكلنا عباد الله

عاشوراء.. قيم روحية وإنسانية هامة وذكرى تجمع ولا تُفرّق

أجرى الحوار: ليلى الحسيني ــ أعده للنشر: أحمد الغـر

يحيي المسلمون من كل عام ذكرى قصة استشهاد الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب في كربلاء، وهى القصة التي جسدت قيمة رفض الظلم والغدر ومُقاومة الباطل، وتمجيد البطولة والمقاومة.

بهذه المناسبة؛ أجرت الاعلامية “ليلى الحسيني” لقاء خاص وهام حول أهم القيم الروحية والإنسانية لذكرى عاشوراء، مع سماحة السيد “محمد باقر الكشميري”، وهو عالم دين وخطيب ومؤلف، وناشط على الساحة الإسلامية بالولايات المتحدة منذ 20 عامًا، ومن أهم نشاطاته محاولة التقارب والتعاون بين أبناء المذاهب الإسلامية، وكذلك حوار الأديان

تناول اللقاء أهمية ذكرى عاشوراء عند كافة المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وما يحمله هذا اليوم من قيم ومعاني خاصة، بما تمثله من ذكرى نجاة موسى “عليه السّلام” وقومه من بطش فرعون، وكذلك ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي “رضي الله عنهما”.

كما ناقش اللقاء أسباب تعمد البعض استغلال هذه الذكرى لإثارة النعرات الطائفية والمذهبية، ومحاولات الاستغلال السياسي لها، وكيفية مواجهة هذه المحاولات من خلال التركيز على ما تحمله ذكرى عاشوراء من معاني وقيم إنسانية وروحية تجمع ولا تفرق.

ذكرى خالدة
* الإمام الحسين “رضى الله عنه” أكرمه الله بالشهادة، وأهان بذلك من قتله أو أعان على قتله أو رضى بقتله، فإنه وأخوه الغمام الحسن هما سيدا شباب أهل الجنة، لكن هناك سؤال يتكرر كل عام، وهو لماذا نحتفل بهذه الذكرى والتي مضى عليها آلاف السنين منذ نجاة سيدنا “موسى”، ومئات السنين منذ استشهاد الإمام الحسين؟

** نهضة الإمام الحسين بن علي لا تتعلق بزمان أو مكان، لأنها لا تهدف إلى هدف وقتي أو مكاني، وإنما هدف يتعلق بواحدة أو أكثر من القيم السماوية، تلك القيم التي عمل عليها الكثير من أبناء البشرية، إذ لابد للضمير الإنساني في كل وقت وزمان، بغض النظر عن دين أو مذهب، أن يتفاعل مع هذه النهضة ويستمر في إحياء ذكراها في كل عام.

وهذا ما نشهده اليوم بين مختلف الطوائف والأديان من الحضور والتوافد على مشهد الإمام الحسين في كربلاء، ولاسيّما في المناسبة السنوية لزيارة الأربعين، فهنالك إذن قيم إنسانية وسماوية تدعو وتجعل الجميع يتجاوزون الزمان التي حلّت فيه تلك الحادثة المؤلمة، التي بقيت في قلوب الناس تنزف دمًا حتى اليوم، وأصبحت نبراسًا لجميع الأحرار في العالم.

قيمة التسامح
* تحمل ذكرى عاشوراء العديد من القيم الإنسانية والروحية الهامة كما أشرت، لنتوقف أولًا عند قيمة التسامح، وكيف نقرأها في يوم ذكرى عاشوراء؟

** لا شك أن الجزيرة العربية كانت مؤهلة قبل الأمم الأخرى والمناطق الجغرافية الأخرى لنزول رسالات السماء، والتي ختمت بالرسالة المحمدية، والسبب في ذلك، أنه كانت هناك قيم بإمكانها احتضان هذه الرسالة، ومن هذه القيم كانت قيمة التسامح.

فقد كانت الجزيرة العربية في جاهلية عمياء وظلم وانحرافات شديدة استوجبت نزول الرسالة السماوية للإصلاح، ولكن هناك في نفس الوقت بعض القيم، وقد أتى الإسلام وأكد عليها، فكلنا نعرف أن المجتمع العربي كان يهتم بالشجاعة والكرم والسخاء وإكرام الضيف، وما شابه، وقد أكد الإسلام على كل ذلك وأضاف لها قيم سماوية لتعزيزها.

ففي الجاهلية التي كان أهلها يعيشون على قرقعة السيوف، كانت لديهم أشهر حُرم، فيها يتسامحون، ويرى المظلوم قاتل أبيه أو أخيه، فيتسامح عنه في تلك الفترة من الزمان، وقد أتى الإسلام وأكد على التسامح، والعفو عند المقدرة خصوصًا، وهذا ما رأيناه في العصر الأول من الإسلام.

لكن للأسف الشديد عندما تعرض الإسلام للانحراف على أيدي مجموعة من الذين أرادوا اختطافه، كما حصل مع يزيد بن معاوية، تصدى المصلحون إلى ذلك، وكانت المواقف تختلف، ولذلك حدث استشهاد الإمام الحسين بن علي، ولذلك هو رائد التسامح وهذه النهضية التي تدافع عن تلك القيم، ومنها قيمة التسامح.

قيمة رفع الظلم
* هل يمكن القول أن قصة استشهاد الحسين قد جسدت قيمة رفض الظلم والغدر ومقاومة الباطل وتمجيد البطولة والمقاومة، فكيف ترى ذلك؟

** هذه هى النقطة الرئيسية الأولى قبل التسامح، فمن أهم القيم التي دافع الإمام الحسين عنها هى رفع الظلم، وهى قيمة سماوية، ولا تختص بدين معين أو مذهب معين، فالظلم مرفوض عند الجميع، والظالم يجب أن يُحاسب ويُبعد عن الناس، والإمام الحسين أراد أن يعيد الأمة إلى ما كانت عليه أيام رسول الله من النعيم والعدل.

فقد كانت المرأة في عصر الجاهلية تخشى من التنقل من مكان إلى مكان، فأتى الإسلام وجاء بالأمن والأمان، لكن للأسف الشديد حصل الانحراف عندم تمّ استخدام الدين والناس للمصالح والأهواء لدى بعض الأشخاص، ومن هنا حدث الظلم بحق البشر والرسالة السماوية، لذلك لم يجد الإمام الحسين ومن معه من المصلحين سوى أن يعلنوا بكل صراحة أن الخروج لطلب الإصلام في أمة محمد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

من أجل الإصلاح
* هذه الفكرة تغيب عن أذهان البعض، وهى أن الإمام الحسين لم يكن طالبًا للملك، وإنما طالبًا للإصلاح، فهل هذا صحيح؟

** أيّ ملكٌ كان يطلبه الحسين؟!، وهل طلب الملك من قبله الحسن بن علي؟، رسول الله نفسه كان مالكًا؟!، هؤلاء قادة ربانيين، لا تعنيهم المادة، ولا تعنيهم الملكوية في شئٍ أبدًا، فالحسين متربع على عرش القلوب، ولا يحتاج إلى كرسي حكم مادي كي يجلس عليه، فهو يعيش في جميع قلوب الأحرار.

هل لكِ أن تتصوري أن المهاتما غاندي الذي قاوم الاستعمار الغربي، قال: “تعلمت من الحسين، كيف أكون مظلومًا، فانتصر”، صحيح أنها ليست دعوة لأن نكون مظلومين، ولكن عندما نكون في موقع الظلم، يجب أن نتعلم كيف نستخدم موضوع المظلومية كي ننتصر، فالمهاتما غاندي ـ كما نعلم جميعًا ـ لم يكن يطلب هو الآخر ملكًا أو حكمًا، وإنما يطلب التخلص من الظلم والاستعمار.

التركيز على المأساة
* هل يمكن القول أننا ظلمنا الحسين عندما ركزنا على جانب المأساة في قصة استشهاده فقط، ونسينا قصة الإمام والمعلم، وركزنا فقط على الحسين الثائر؟

** لا، هنا يختلف الموضوع، فإذا قيل أنه كان طالبًا للحكم، فنقول: لا، وإن كان الحكم يتحلى بالحسين، ولكن فيما يخص المأساة، فإن المأساة والحزن لا يجب ان نتمسك به وأن نجعله هدفًا، فالحزن حالة عاطفية فطرية عند كل إنسان بغض النظر عن خلفياته، فلا شك أن الإنسان يتأثر ويحزن ويبكي، ولكن كل ذلك حالة عاطفية وليس هدفًا نطمح إليه.

فالحسين مدرسة وقيمة، يعلمنا كيف نقف في وجه الظلم ونعيش حياة الاستقلال والحرية، وليس العبودية، للأشخاص وكذلك للكيانات.

* بالحديث عن مأساة كربلاء، لا شك أنها ترسل برسالة واضحة لرفض مأساة الإنسان في كل بلدٍ يسقط فيه أحرار وأبرياء، تحت تأثير الظلم، فكيف ترى ذلك سماحة الإمام؟

** في الواقع، هذا ما نراه بالفعل، ونأمل أن تكون هناك ثقافة حسينية واعية عند جميع مختلف البشر والناس، في كل مكان يواجهون فيه الظلم، فالحسين أصبح نبراسًا لكل مظلوم، وذلك لإبداء القيم الصحيحة والنبيلة والوقوف أمام الظلم، لأن صوت الحق يعلو ولا يعلى عليه، مهما كلّف هذا الأمر.

وقد يضطر المظلوم إلى تقديم دمه وأعز ما عنده، ولكنها ستكون رخيصة أمام الكرامة الإنسانية، وأمام قول الحق عند سلطانٍ جائر، ولذلك نرى أن نهضة الإمام الحسين تزرع الامل في النفوس في كل مكان في العالم، وكل من اتخذ الحسين طريقًا سيرى النجاح والتوفيق في الحياة الدنيا.

انفصال عن القيم
* هل ترى أن هناك انفصالًا بين ما تحمله هذه الذكرى من قيم مهمة وبين الواقع الذي نعيشه؟، ولماذا نبكي الحسين ولا نقتضي بمنهجه، كي لا يكون هناك نفاق ولا كذب ولا خداع ولا تخاذل؟، فأين قيم الثورة الحقيقية مما يشهده واقعنا اليوم أم هل تحولت هذه الثورة إلى مجرد مزارات؟

** هذا واقع موجود للأسف الشديد، وحينما نقول أنه واقع موجود فإذن ذلك ليس من باب التأييد، وإنما لأن هذه هى الحياة الدنيا، لذا علينا أن نتبع حياة الأنبياء، فالله بعثهم لإصلاح حياة الناس، وأرسل أيضا الرسالات السماوية، لكننا بتنا نرى كثيرٌ من الناس لا يصلون ولا يصومون، يكفرون بالله وبالدين وبالمبادئ الأخلاقية، ولا يهتمون.

وللأسف هناك مسلمون، يؤمنون بالله وحتى ممن يدّعون أنهم من أتباع الحسين “عليه السلام”، ولكنهم يتخذون جانبًا من القضية الحسينية ويتركون جانب العلم والمعرفة والوعي والإلتزام الأخلاقي والسلوك، والمشكلة هنا ليست في نهضة الحسين، وإنما في وعيّ هؤلاء الناس وكم لديهم من المبادئ الحصينة.

صحوة حقيقية
* اليوم، في تقارير واردة من العراق، هناك هتافات تقول: “الله ينتقم من كل سياسي”، وهو هتاف يتردد داخل ضريح الإمام الحسين في كربلاء، وسط العراق، حيث يتجمع آلاف الزوار، فهل هناك صحوة حقيقية بين الشعوب العربية في ظل ما يشهده عالمنا العربي، في استذكار لهذه القيم الروحية الجميلة من ثورة الإمام الحسين؟

** قلت قبل قليل أن نهضة الإمام الحسين أصبحت مشعلًا لكل المظلومين، فهذه الهتافات التي تحدث في كربلاء أو في أماكن أخرى، قد تكون ترجمان لما أقول، وإنما ما اخشاه أن تكون هذه الأمور وقتية، وأن تُستخدم النهضة الحسينية لأمور وقتية زائلة، وهذه لا تعبر عن قيمة في الواقع، فالسياسيون في كل مكان منهم الصالحون، ومنهم الفاسدون.

* هل هناك من قد يستغل هذه المناسبات لمآرب سياسية؟

** أكيد، قطعًا، فثورة الحسين قد حدثت بالأساس لهذا السبب، لأن مجموعة من الناس استخدموا الدين لسرقة الحكم وإعادة الإسلام إلى النظام الملكي، فلذلك ثار الإمام الحسين ونهض، ونحن اليوم نرفض أي دعوات تستخدم الدين أو الغمام الحسين لمثل هذه الأمور، فالحسين يجب ان يبقى حركة صافية وبعيدة عن كل هذه الالتواءات.

بين الوحدة والخلاف
* لماذا تحولت هذه المناسبة من مناسبة جامعة لكل المسلمين إلى مسار للخلاف وإثارة النعرات الطائفية والمذهبية؟، ما هو أسباب الخلاف إذا كان السنة والشيعة يجتمعون على محبة واحترام الحسين؟، ألا نحتاج إلى الوحدة في مواجهة التحديات الكبرى التي تواجه الإسلام والمسلمون، وهو ما يتطلب منا نسيان تعقيدات الماضي والتركيز على تحديات الحاضر؟

** بصراحة لا أرى هذا الشئ بقوة، أراه في بعض الأماكن التي ينتشر فيها الجهل، أو فيها مصالح سياسية، لكن اغلبية المسلمين يحبون الإمام الحسين من مختلف الطوائف، فهناك مواكب من الأزيديين ومن المسيحيين، ومن مختلف الأديان، فضلًا عن السنة، وأنا شخصيًا لدي أصدقاء سنّة وعلماء دين يحضرون مجالس الإمام الحسين في كل عام.

فالسعودية، والتي تعتبر أكبر دولة إسلامية، وفيها فضلًا عن المنطقة الشرقية التي بها شريحة كبيرة من الشيعة، هناك برامج عبر التلفاز والراديو، تذكر مناقب الإمام الحسين، ويذكرون حتى مسيرة عاشوراء.

أنا ضد من يستخدم الحسين ويستخدم الثورة الحسينية والإسلام والدين غطاء لأهداف سياسية، فهذا الذي يأتي بالمشاكل، وياتي بالانحرافات، ويشهد الله أنه لا يوجد بين المسلمين شئ من الاختلاف سوى اختلاف عقائدي فكري، وهذا اختلاف إيجابي ولا غبار عليه، ولكن الشئ السلبي هو اختلاف هذا الاختلاف العلمي لأجندات سياسية.

ذكرى تجمع ولا تُفرّق
* نرجع للعنوان العريض لهذا اللقاء “عاشوراء.. قيم روحية وإنسانية هامة وذكرى تجمع ولا تُفرّق”، كيف نطبق ذلك على أرض الواقع اليوم؟

** توجد حركة في بعض الدول حدثت، وهنا في الولايت المتحدة أيضا، باسم “?Who is Hussain”، وهى في كل عام تنتشر بين طلاب الجامعات وفي الأوساط الاجتماعية، وهدفهم الأساسي هو التعريف بالحسين للآخرين، وبهذه الحركة وأمثالها يمكن جلب المجتمعات المختلفة وتعريفها بمختلف مبادئ النهضة الحسينية.

أنا شخصيًا لا أظن أن هناك شخص سيتعرف على الحسين ومبادئه، ولن يتعاطف معه، ولي تجربة شخصية في هذا الصدد.. فأيّ شخص أعطيته كتيبًا صغيرًا عن الحسين للتعريف به، يمكن قراءته في 15 دقيقة تقريبًا، وعندما أسأل هذا الشخص عن الحسين، فأجده يعطيني صورة حلوة وإيجابية عما قرأه.

* في الختام، لو أردنا سماحة الإمام أن نعرّف مستمعينا، من هو الحسين؟

** هو الحسين بن علي، بن فاطمة بنت محمد، هو وارث الأنبياء، وارث أدم ونوح إبراهيم وعيسى وموسى ومحمد، ورثهم بكل القيم السماوية الربانية التي أراد الله للإنسان من خلالها أن ينجح في حياته الدنيا، وموفقًا في حياته الآخرة.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى