تقارير

هل يمهد اتفاق السويد لإنهاء الحرب في اليمن؟

‏إعداد وتحرير: علي البلهاسي

في العاصمة السويدية ستوكهولم التقى فرقاء اليمن أخيرًا.. جلسوا معًا وتفاوضوا.. وكادت مفاوضاتهم تبوء بالفشل كسابقتها.. لكن وبعد مخاض صعب خرجوا باتفاق يضع الجانبين على بداية طريق السلام، مع اتفاق على عقد جولة محادثات جديدة مطلع العام المقبل لوضع أطر لسلام ينهي الحرب.

وفيما انشغل أطراف الأزمة والمهتمون بها بتفاصيل الاتفاق، والنقاش حول من ربح ومن خسر في هذه الجولة، انشغل اليمنيون بشيء واحد وهو: هل سيتم تنفيذ الاتفاق بالفعل؟، وهل سيجدون من خلاله بصيص أمل في انتهاء أزمتهم التي لم تبارح مكانها منذ أكثر من ثلاث سنوات؟.

ويأتي نجاح مفاوضات السويد بعد سنوات طويلة من الجهود التي بُذلت دون التوصل إلى حل أو اتفاق ملموس على الأرض. وبدأت حرب اليمن في عام 2014، ثم تصاعدت حدتها مع تدخّل السعودية على رأس التحالف العسكري في آذار/مارس 2015 دعمًا للحكومة المُعترف بها، بعد سيطرة الحوثيين على مناطق واسعة بينها صنعاء.

وقتل نحو 10 آلاف شخص في النزاع اليمني منذ بدء عمليات التحالف، كما أصيب أكثر من 53 ألف شخص، بحسب إحصاءات منظمة الصحة العالمية. بينما تهدّد المجاعة نحو 14 مليونًا من سكان البلاد، ناهيك عن تفشي الأمراض والأوبئة نتيجة سوء الخدمات الصحية، والخراب والدمار الذي لحق بالمنشآت والبنية التحتية.

وقالت الأمم المتحدة إنها تحتاج إلى خمسة مليارات دولار لتدبير المساعدات الإنسانية لقرابة 20 مليون يمني العام المقبل، وهو ما يزيد على 70 في المائة من سكان اليمن الذين يعانون ويلات الحرب التي تمزق البلاد.

وتحتاج المنظمة الدولية إلى مزيد من المليارات كل عام لهذا الغرض، وفقا لنائب الأمين العام ومنسق الشؤون الإنسانية والإغاثة العاجلة مارك لوكوك.

محاولات عديدة دون حل

منذ أن اندلعت الحرب في اليمن عام 2014، فشلت كل المفاوضات ومحاولات التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الأطراف المتصارعة. وبسبب الأزمة الإنسانية التي خلفتها الحرب، سعى المجتمع الدولي للوصول إلى عملية سلام بين أطراف الصراع.

وكانت أول محاولة بعد مضي أكثر من عام على الحرب، وبرعاية الأمم المتحدة، حيث جرت مباحثات بالكويت، في أبريل 2016، ولم تحرز أي تقدم، رغم حث المبعوث الأممي إلى اليمن حينها، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وفدَي الحكومة والمتمردين على تقديم “تنازلات” لبلوغ الحل.

وفي6  أغسطس 2016، أعلن ولد الشيخ أن الوفود اليمنية المشاركة في مشاورات السلام ستغادر الكويت بعد أكثر من تسعين يومًا من المحادثات، لم يتم خلالها التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة، وأشار في مؤتمر صحفي إلى أن المعضلة الكبرى في المشاورات كانت في انعدام الثقة بين الأطراف اليمنية.

وبعد استقالة ولد الشيخ، اختارت الأمم المتحدة البريطاني غريفيث مبعوثاً أممياً جديداً، وهو من روّاد الوساطة الدولية، ويمتلك خبرات كبيرة في العمل بالأمم المتحدة في الشؤون الإنسانية والسياسية.

وأعلن غريفيث أمام مجلس الأمن عزمه استئناف المفاوضات السياسية بين الأطراف اليمنية، في سبتمبر 2018 بمدينة جنيف، وقال إنه سيسترشد بالمشاورات التي استمرت 90 يومًا في الكويت، داعياً مجلس الأمن إلى دعم جهوده لبناء المشاورات اليمنية.

إلا أن مفاوضات جنيف فشلت قبل أن تبدأ، بسبب عدم قدوم وفد الحوثيين إلى مقر المحادثات لعدم حصولهم على ضمانات بالعودة إلى صنعاء. ففي عام 2016، مُنع وفد الحوثيين من العودة إلى صنعاء في أعقاب فشل محادثات في الكويت، ما اضطر أعضاء الوفد للبقاء لأشهر عالقين في سلطنة عمان.

وفي إطار سعيه الحثيث لجمع الفرقاء إلى مائدة التفاوض، سعى غريفيث إلى عقد جولة مفاوضات قبل نهاية شهر نوفمبر الماضي، إلا أنه أسقط جميع تلك الخطط، وقال إنه يأمل في جلب الأطراف المتحاربة إلى الطاولة قبل نهاية هذا العام”.

خطة جديدة

وتفيد مصادر سياسية مطلعة أن لدى غريفيث أفكار تتجاوز المرجعيات الثلاث التي يتمسك بها التحالف الذي تقوده السعودية، والمتمثلة في المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني والقرار الأممي “2216”، كون المدة التي مرت بها الحرب تجاوزت تلك المرجعيات، ما يستدعي البحث في أفكار جديدة لتحقيق اختراق في الملف اليمني.

وكانت مصادر يمنية قد كشفت لصحيفة البيان عن مضامين خطة السلام الأممية المقترحة في المحادثات المرتقبة، مشيرة إلى أن الخطة تنقسم إلى جزأين، الأول يخص إجراءات بناء الثقة، مثل إطلاق سراح المعتقلين والأسرى، ووضع ميناء الحديدة تحت إشراف الأمم المتحدة، ووقف إطلاق الصواريخ على الأراضي السعودية، بينما يضع الجزء الثاني ملامح الفترة الانتقالية وكيفية إدارة الدولة خلالها بجانب ترتيبات دعم الاقتصاد اليمني وإعادة البناء والإعمار.

اتفاق السويد

وبالفعل نجح غريفيث بدعم دولي في جمع أطراف الأزمة اليمنية على مائدة المفاوضات بمملكة السويد، برعاية الأمم المتحدة، وذلك في الفترة ما بين 6 – 13 ديسمبر 2018، ونجحت المفاوضات في التوصل إلى ثلاثة اتفاقات هامة:

1- اتفاق حول مدينة الحديدة والصليف ورأس عيسى:

اتفق الطرفان على وقف فوري لإطلاق النار في محافظة ومدينة الحديدة وموانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، وإعادة انتشار مشترك للقوات من الموانئ الثلاثة إلى مواقع متفق عليها خارج المدينة والموانئ، والالتزام بعدم استقدام أي تعزيزات عسكرية من قبل الطرفين إلى محافظة ومدينة الحديدة والموانئ الثلاثة، وإزالة جميع المظاهر العسكرية المسلحة في المدينة.

كما تم الاتفاق على إنشاء لجنة تنسيق إعادة انتشار مشتركة ومتفق عليها برئاسة الأمم المتحدة وتضم أعضاء من الطرفين لمراقبة وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار، ويقدم رئيس اللجنة تقارير أسبوعية حول امتثال الأطراف لالتزاماتها في هذا الاتفاق، بالإضافة إلى تعزيز وجود الأمم المتحدة في مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة، ويلتزم الأطراف بتسهيل وتمكين عمل الأمم المتحدة في الحديدة. كما تلتزم جميع الأطراف بتسهيل حرية الحركة للمدنيين والبضائع من وإلى مدينة الحديدة والموانئ الثلاثة وعدم عرقلة وصول المساعدات الإنسانية من هذه الموانئ.

2-  آلية تنفيذية حول تفعيل اتفاقية تبادل الأسرى:

توصل الطرفان إلى اتفاق على آلية لتبادل الأسرى والمعتقلين. وبعد لقاء لجنتين مشكلتين من الوفدين لهذا الغرض، اتفق طرفا المشاورات على إطلاق سراح 200 من الأسرى والمعتقلين من كل طرف خلال الأيام القليلة المقبلة، كبادرة حسن نية. وسيتم توسيع عمل تبادل الأسرى والمعتقلين لاحقا ليشمل حوالي 15 ألف أسير، وفق القوائم التي سيقدمها كل طرف.

3- إعلان تفاهمات حول تعز:

تمكنت الحكومة اليمنية من فرض ملف تعز في الأجندة الخاصة للمشاورات، وهي المدينة التي تسيطر عليها القوات الحكومية ويحاصرها الحوثيون. وفي هذا الإطار اتفق الطرفان على تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين لحل الأزمة هناك تضم ممثلين من المجتمع المدني وبمشاركة الأمم المتحدة، ويسمي الطرفان ممثليهما في اللجنة المشتركة، ويتم تسليم الأسماء إلى مكتب المبعوث الأممي للأمم المتحدة في موعد لا يتعدى أسبوع من تاريخ انتهاء مشاورات السويد، وتحدد الأمم المتحدة موعد ومكان الاجتماع الأول للجنة المشتركة، وتقوم اللجنة المشتركة بتحديد صلاحيتها وآلية عملها، وتقدم تقريرًا عن سير أعمالها إلى الاجتماع التشاوري القادم.

اتفاق منقوص

رغم النقاط الإيجابية التي تضمنها الاتفاق إلا أن هناك من يرى أنه اتفاق منقوص، خاصة وأنه لم يتضمن اتفاقًا على وقف إطلاق النار في باقي مدن اليمن، كما لم يتفق الجانبان أيضا على حل القضايا العالقة مثل إعادة فتح مطار صنعاء، والملف الاقتصادي ودعم البنك المركزي ودفع رواتب الموظفين، وتشكيل هيئة حكم انتقالية. حيث تم ترحيل التوافق على الإطار العام للحل السياسي المقترح من قبل المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى جلسة المشاورات المقبلة.

وأعلنت الحكومة اليمنية أنها عرضت على الحوثيين خلال المحادثات إعادة فتح مطار صنعاء ولكن بشرط تحويله إلى مطار داخلي، على أن يكون في البلاد مطار دولي وحيد في عدن الخاضعة لسيطرتها، وهو ما يرفضه الحوثيون.

وترى الحكومة أن إعادة فتح مطار صنعاء، أو غيره من المطارات في المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، أمر إنساني بحت، بشرط عدم استخدام الحوثيين هذه المطارات في تهريب السلاح أو نقل الخبراء، ولهذا تشترط الحكومة أن تكون هذه المطارات محلية، بمعنى أن يتم تفتيش الرحلات الدولية في عدن، ثم تستكمل طريقها.

تعهدات بالتنفيذ

وفقًا لبنود الاتفاق المعلنة فقد تعهد أطراف الأزمة اليمنية بتنفيذ أحكام هذا الاتفاق تنفيذا كاملاً والعمل على إزالة أية عوائق تحول دون تنفيذه.‏ بالإضافة إلى الالتزام بالامتناع عن أي فعل أو تصعيد أو اتخاذ أي قرارات من شأنها أن تقوض فرص التطبيق ‏الكامل لهذا الاتفاق.‏ وكذلك الالتزام بمواصلة المشاورات دون قيد أو شرط في غضون شهر يناير 2019 في مكان يتفق ‏عليه لاحقًا.‏

واختُتمت المشاورات بمصافحة تاريخية بين رئيسي وفدي؛ الحكومة اليمنية خالد اليماني، وجماعة الحوثيين محمد عبد السلام، وهو ما وصفه مراقبون بقرب انتهاء الأزمة. ‏وبعد توقيع الاتفاق عبّر أطراف النزاع اليمني عن تفاؤلها بمستقبل المسار السياسي لإنهاء النزاع الذي حصد أرواح آلاف الأشخاص ووضع ملايين على حافة المجاعة.

وأشار وزير الخارجية اليمني خالد اليماني، إلى أن “اتفاق السويد إنجاز، لأنه يتضمن انسحاب الحوثيين من الحديدة للمرة الأولى منذ أكثر من 4 سنوات”. وأضاف: “ستعود المدينة إلى السلطات الشرعية وهذا يعتبر إنجازًا، وستبقى الحديدة ممرًا آمنًا للمساعدات الإنسانية”.

وأكد اليماني أن “المشوار ما زال طويلاً”، مشدداً على “ضرورة رفع المعاناة عن اليمنيين كخطوة أولى”. وأضاف: “لا ينبغي التفكير في الذهاب إلى جولات قادمة ما لم يُنفَّذ ما تم الاتفاق عليه في هذه الجولة”.

فيما قال رئيس وفد الحوثي، محمد عبد السلام، قال: “قبلنا إطار الحل السياسي الذي طرحته الأمم المتحدة ورفضه الطرف الآخر”. وأضاف: “قدّمنا تنازلات كبيرة فيما يتعلّق بالحديدة، ومستعدون للسماح بدور لوجستي للأمم المتحدة في مطار صنعاء”. ولفت إلى أنهم اقترحوا مواصلة النقاش للتوصل إلى اتفاق اقتصادي شامل من أجل صرف رواتب الموظفين.

وقال جلال الرويشان عضو الوفد الحوثي إن جولة المحادثات في السويد “وضعت أولى الخطوات الصحيحة على طريق السلام وعلى طريق معالجة الأوضاع الإنسانية”.

ترحيب الأطراف الداعمة

وقوبل اتفاق السويد بترحيب من قبل السعودية والإمارات اللتين تقودان التحالف العسكري في اليمن، وكذلك من قبل إيران التي تدعم الجانب الحوثي. وعبرت الخارجية السعودية عن ترحيبها بما تم التوصل إليه من اتفاق مؤكدة أن المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد ملتزمة بالوصول إلى الحل السياسي في اليمن.

بدوره قال وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش إن “الطريق لا تزال صعبة لكنه اختراق مهم سيجعل السلام ممكنا”. وأكد أن التحالف مستمر بالتزام “المسار السياسي والجهود التي تقودها الأمم المتحدة”.

وفي سياق متزامن، رحب المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، بإعلان إتفاق السويد قائلا إنه “يأمل أن يمهد الطريق للجولة القادمة من الحوار من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي”. مشيرا إلى أن “الاتفاق اليمني يبين إدراك الأطراف لوضع الشعب اليمني المؤسف وأنهم رجحوا مصالح الشعب اليمني على مصالح جماعاتهم”.

وأضاف قاسمي: “نأمل بأن يتم تنفيذ الاتفاق في الإطار الزمني المحدد حتى يتم وضع الأرضية المناسبة للمرحلة القادمة من المحادثات المرتقبة والحل النهائي للأزمة اليمنية”.

دور ولي العهد السعودي

كشف أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، عن الدور الذي لعبه ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في اتفاق السويد التاريخي، قائلاً: “إن الأمير محمد بن سلمان والرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، لعبا دورًا كبيرًا في إنجاح الاتفاق”.

فيما قال نائب الناطق باسم الأمم المتحدة، فرحان حق، إن غوتيريش يشعر أن إسهام ولي العهد “كان مهما للغاية لنتيجة المشاورات” وإن هادي “لعب دورا إيجابيا”.

وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا وقوى غربية أخرى قد مارست ضغوطًا على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لوقف الحرب في اليمن في أسرع وقت، وذلك في أعقاب قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي وما أثير حول تورط بن سلمان فيها.

وكان الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز قد أكد أن المملكة تدعم جهود الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، وذلك في أول تصريحات علنية له بعد قضية مقتل خاشقجي التي أسفرت عن تأزم علاقات الرياض مع الغرب، وفقاً لوكالة رويترز.

وتعرض طرفا الحرب في اليمن إلى ضغوط للاتفاق على إجراءات صعبة لبناء الثقة، قبيل إجراء محادثات سلام تقودها الأمم المتحدة.

وعبرت دول غربية، بينها دول تمد التحالف بقيادة السعودية بالمعلومات، في وضع نهاية للحرب المستمرة في اليمن منذ قرابة أربع سنوات.

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لرويترز إنه قد يلتزم بتشريع يبحثه مجلس الشيوخ لإنهاء الدعم الأمريكي للتحالف بقيادة السعودية بعد حالة الغضب التي أثارها قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول.

وقال ترامب “أكره ما يحدث في اليمن. لكن الأمر يتطلب جهدًا من الطرفين. أريد أن أرى إيران تنسحب من اليمن أيضًا.. وأعتقد أنها ستفعل”.

ووافق ممثلون عن الحوثيين على حضور محادثات السلام في السويد بعد أن أثمرت الضغوط الدولية على موافقة التحالف السعودي الإماراتي على نقل جرحى من الحوثيين للعلاج في سلطنة عمان؛ ما مهد الطريق لبدء المفاوضات.

دعم أمريكي

عقب انتهاء مشاورات السويد علّق السفير الأمريكي في اليمن، ماثيو تولر، بالقول: إن “ما جرى (من اتفاق) يُعدّ خطوة أولى في طريق السلام”. وأضاف أن الاتفاقات التي أُعلن عنها ستعني الكثير لليمنيين.

وأكد السفير الأمريكي دعم بلاده لجهود الأمم المتحدة، معتبراً أن الطرفين لديهما رغبة حقيقية في التوصل لاتفاق سلام حقيقي. واستطرد: “سنحدّد الأطراف التي من الممكن أن تؤثر على نتائج المشاورات ونستبعدها”، مؤكداً أن هناك أطرافاً داخلية وإقليمية (لم يحدّدها) ستسعى لإفشال الاتفاق”.

ورحب وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو قائلاً في بيان أوردته قناة (الحرة) الأمريكية، إنه لدى كل الأطراف فرصة للبناء على هذه اللحظة وتحسين حياة كل اليمنيين، داعيًا الجميع إلى الاستمرار في الانخراط وتخفيف التوتر ووقف العمليات العدائية المستمرة. وأكد أن العمل المتبقي ليس سهلا ولكن السلام ممكن، مشيرًا إلى أن نهاية هذه المشاورات يمكن أن تكون بداية لفصل جديد في اليمن.

وكانت الولايات المتحدة قد قررت، الشهر الماضي، تعليق تزويد الطائرات الحربية السعودية، المشاركة في حرب اليمن بالوقود. ومرر مجلس الشيوخ الأمريكي يوم 13 ديسمبر/ كانون الأول، مشروع قرار غير ملزم يدعو إلى إنهاء الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة للسعودية في حرب اليمن.

فيما دعت 5 من أكبر منظمات الإغاثة الدولية العاملة في اليمن الولايات المتحدة إلى وقف دعمها العسكري للسعودية والإمارات، محذرة من استمرار الدعم الأمريكي وتحمل واشنطن مسؤولية ما قد تكون أكبر مجاعة في العقود المقبلة.

الكرة في ملعب مجلس الأمن

قال المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، إن اتفاقات السويد دخلت حيز التنفيذ من تاريخ التوقيع عليها، الخميس 13 ديسمبر. وأكد أن تلك المشاورات “أوجدت بعد عامين ونصف العام من الفرص حلاً شاملاً للصراع”.  وأوضح أن “كثيراً من الناس يتساءلون عن الخطوة التالية لاتفاقات ستوكهولم، وعما إذا كان هناك ثقة بين الأطراف”.

وقال: “نحن أمام مهمة شاقة، ويدرك الجميع أن نهاية المفاوضات تعني بداية العمل.. وأعتقد أن مجلس الأمن سيقوم بدوره هنا.. نحن نثق بشدة بالاتفاقات التي توصلنا إليها، ولدينا ما يدفعنا إلى ذلك، وسوف تكون الأيام القادمة هي الحكم علينا”.

من جانبه قال مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية: إن “اتفاق الحديدة يقرّبنا من وقف حقيقي للأعمال العدائية”. وقال: “نسعى لاعتماد تدابير لمنع المجاعة وتوفير الحماية لإمدادات الغذاء في اليمن”. وأضاف: “يجب رفع القيود على إيصال المساعدات الإنسانية إلى اليمنيين”.

فيما توقّع مندوب هولندا الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير كارل أوستريم، أن يصوّت مجلس الأمن، يوم الاثنين أو الثلاثاء المقبلين، على قراره بشأن ما تم الاتفاق عليه في السويد بخصوص الأزمة اليمنية. وأشار إلى أن هناك رغبة في اعتماد قرار من مجلس الأمن الدولي بشأن اتفاقات ستوكهولم التي تم التوصل إليها “بأسرع ما يمكن”.

وأوضح أن أهم البنود التي سيتضمّنها قرار مجلس الأمن المرتقب “يجب أن تشمل تأكيد وقف إطلاق النار، والوصول الإنساني للمدنيين، وتمويل العمل الإنساني، وتنشيط الاقتصاد اليمني، إضافة إلى تأكيد دعم جهود المبعوث الأممي الخاص (مارتن غريفيث)”.

وفور الإعلان عن الاتفاقات، دعت “مجموعة الأزمات الدولية” مجلس الأمن “لأن يستعد لأي احتمال”، معتبرة أن “عليه أن يجهّز مسودة قرار جديد يهدف إلى وقف المعركة في مدينة الحديدة”. ورأت أن صدور قرار مماثل سريعًا “سيساعد على تعزيز المكاسب التي تحقّقت في السويد وسيمنع التدهور قبل جولة المحادثات المقبلة” التي قد تعقد في أواخر يناير.

وكان سفراء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لدى اليمن قد أشادوا باتفاق السويد مؤكدين أنه يمثل خطوة أولى حاسمة نحو إنهاء الصراع في اليمن، ومعالجة حالة الطوارئ الإنسانية والتصدي للتدهور الحاد في الاقتصاد الوطني.

بصيص أمل

يرى محللون أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها في السويد حول اليمن هي الأهم منذ بداية الحرب، مشيرين إلى أنه رغم هشاشة هذه الاتفاقات إلا أنها أثارت أملاً في نفوس اليمنيين بانتهاء الحرب.

وأكدت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن اتفاق السويد أعطى بصيصًا من الأمل قد يساعد اليمنيين على الخروج من أزمتهم في المستقبل، على الرغم من الحروب والصراعات وما جلبته من أزمات اقتصادية وإنسانية على اليمن.

وقالت الصحيفة في تقرير لها: إن ملايين اليمنيين تلقوا نبأ الاتفاق بالارتياح الشديد واعتبروه بأنه يمثل لهم شريان الحياة ربما تتسم بالهدوء والسكينة خلال الفترة القادمة .

وأشارت الصحيفة إلى أن:”المشاركين في أعمال الإغاثة رحبوا بالفعل بالوقف المؤقت في القتال- وهو الأمر الذي طالبت به المنظمات الدولية منذ شهور- لكنهم حذروا من أن الصراع الحقيقي على وشك أن يبدأ” وهو حقيقة ما يواجهه اليمنيون العاديون من نقص حاد في الغذاء والدواء والمياه والكهرباء وغير ذلك الكثير.

فقد أدت الأزمة – وفقا لقول الصحيفة- إلى تردي الاقتصاد اليمني وارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية حتى أصبحت بعيدة عن متناول معظم الناس وأدت إلى سوء التغذية.. مشيرة إلى أن إحدى وكالات الإغاثة قدرت أن 85 ألف طفل يمني على الأقل ماتوا من سوء التغذية.

هل يتحقق السلام؟

يؤكد الخبراء أن دخول اتفاقات السويد حيز التنفيذ يتطلب ممارسة ضغوط كثيرة على الأطراف المتنازعة، وصدور قرار عن مجلس الأمن الدولي يتبناها ويضفي عليها طابعًا قانونيًا.

وتقول الباحثة في معهد “المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية” كاميل لونز لوكالة فرانس برس “لا يجب الإفراط في الحماسة.. علينا أن نتابع كيف سينفذ الانسحاب من الحديدة على الأرض، هذا الأمر قد يتحول إلى كابوس بالنسبة للأمم المتحدة”.

وتقول لونز “لم يتوقع المراقبون أن يتم التوصل إلى اتفاق” حول الحديدة، معتبرة أن غريفيث حقّق “إنجازا جيدا بوضع الطرفين حول طاولة والتوافق حول عدد من الإجراءات”.

وترى الباحثة في شؤون الشرق الأوسط في معهد واشنطن دانا سترول أن مفاوضات السويد “أوجدت فرصة لتحقيق تقدم، لكن الضغط على أطراف النزاع ضروري لحماية المكتسبات ومنع هذا المسار الجديد من الانهيار”.

وتشكّك سترول في قدرة الأمم المتحدة وحدها على إرسال مراقبين سريعا للانتشار في ميناء الحديدة والمدينة ومنع الاتفاق من الانهيار. وتقول إن على الدول الكبرى الآن “تأكيد التزامها بوقف إطلاق النار عبر الاعتراف بأن أفضل وسيلة لتحقيق ذلك هي في منح الأمم المتحدة كل ما تحتاج إليه لتطبيق الاتفاق”.

رهان على الاهتمام الدولي

ويراهن المتفائلون بنجاح الاتفاق على الاهتمام الدولي الذي برز مؤخرًا بتحقيق السلام في اليمن وإنهاء الصراع هناك. فقد تصاعدت الدعوات الأمريكية والغربية الداعية إلى الدخول في مشاورات بين أطراف الأزمة من أجل التوصل إلى تسوية سياسية لإنهاء الحرب المشتعلة منذ أربعة أعوام.

وجاءت المبادرة من وزير الدفاع الأميركي ماتيس على هامش مؤتمر البحرين للأمن في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بدعوته إلى مفاوضات سلام في السويد. وتلاها بعد ذلك تصريحات مكملة من قبل وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو في تحديد المكان والزمان لعقد مشاورات السلام حول اليمن. وقد أيد غريفيث المبعوث الأممي إلى اليمن ورئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي دعوة وزير الدفاع الأميركي لإجراء مفاوضات سلام، وقام وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بزيارة عواصم دول المنطقة المرتبطة بأطراف النزاع في كل من الرياض وأبوظبي وطهران.

ويرى البعض أن انطلاق التصريحات حلو مبادرة السلام في اليمن على لسان وزير الدفاع الأميركي مرتبط باهتمام الولايات المتحدة بمشروع تشكيل «ناتو عربي» في مواجهة طموحات إيران في المنطقة العربية والشرق أوسطية واليمن. ويلتقي الاهتمام الأميركي مع طموحات دول التحالف المشاركة في حرب اليمن والتي تسعى لمواجهة التغلغل الإيراني في المنطقة.

هذه التطورات في الموقف الدولي أدت إلى حدوث متغيرات ميدانية على صعيد المواجهات العسكرية في اليمن، إلى جانب مستجدات سياسية ضاغطة دفعت بأطراف الصراع إلى تقديم تنازلات للخروج بالأزمة من عنق الزجاجة.

فقد أعلن الجانب الحوثي عن مبادرة لإيقاف هجماته الصاروخية على السعودية والإمارات، واستعداده لوقف المعارك داخل اليمن. فيما أعلنت حكومة هادي، المعترَف بها دولياً، مشاركتها في مشاورات السلام. بينما غيرت السعودية من موقفها المتعنت تجاه الحوثيين، وأعلنت دعم مفاوضات السويد، خاصة بعد تزايد الضغوط الدولية عليها إثر قضية مقتل خاشقجي.

ويراهن المراقبون على هذه المتغيرات في دفع المجتمع الدولي لدعم تنفيذ اتفاق السويد على أرض الواقع والوصول بالمفاوضات نحو إنهاء الصراع وتحقيق السلام المنشود.

سلام صعب

أما المتشائمون فيرون أن تحقيق السلام في اليمن بات أمرًا صعبًا، مشيرين إلى أن مسار السلام في اليمن والذي يجري التفاوض حوله، بحث في الأسباب التي أدت إلى الحرب، وأهمل إلى حد كبير التعقيدات التي خلفتها الحرب، وهو ما يجعل منه مسارًا هشًا، سرعان ما سيتعرض للانهيار عندما يتعارض مع مصالح المتحاربين وأجنداتهم وما أفرزته أكثر من ثلاث سنوات من الحرب.

ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن الوصول إلى تسوية سياسية في اليمن سيصطدم بواقع مفخخ في الداخل، في ظل الجيوش المناطقية التي تم تشكيلها من قبل دول التحالف، خصوصًا الإمارات، بعيدًا عن التشكيلات الأمنية والعسكرية لحكومة هادي، وكذا اللجان الشعبية التي شكلها الحوثيون، وهو ما يمثل تهديد مباشر للسلام والتسوية القادمة التي تسعى الأمم المتحدة للوصول إليها.

فضلاً عن معضلة اقتصادية ستواجهها البلاد، بعد إضافة آلاف من الموظفين الجدد إلى سجلات الخدمة المدنية من قبل طرفي الصراع. فقد أدت الحرب أدت إلى إضافة مئات الآلاف من الموظفين الجدد والحالات الوهمية والمزدوجة، فضلا عن التجاوز في شغل الوظيفة العامة، وهو ما سيكون له تأثيرات مباشرة ستساهم بأشكال مختلفة في تأخير السلام ودفع البلاد إلى هاوية الفوضى.

ومع ذلك يتفق المتشائمون مع المتفائلين في أنه سيكون هناك بصيص أمل للسلام في اليمن إذا ضغط المجتمع الدولي بشكل جاد على أطراف الأزمة لتنفيذ الاتفاقات التي تم التوصل إليها وحسم القضايا العالقة حتى يكون هناك أساس لحل سياسي يؤدي إلى تجنب الكارثة الإنسانية الأكبر.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى