تقارير

هل يسير النموذج الليبي على خطى النموذج السوري؟

أحمد الغـر

قبل عدة أشهر؛ أعلنت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل” في كلمتها أمام البرلمان الألماني، أن هناك وضع يتطور في ليبيا وقد يتخذ أبعادًا مثل التي شهدناها في سوريا، ومن الضروري أن نبذل كل ما بوسعنا لضمان عدم تصعيد الوضع إلى حرب بالوكالة هناك”.

لكن يبدو أن كلمات ميركل قد تحققت بالفعل، وهى التي شهدت بلادها مؤخرًا مؤتمرًا لرأب الصدع بين الفرقاء الليبيين وعقد هدنة ووقف لإطلاق النار في محاولة لتحويل النزاع المسلح إلى تفاوض سياسي.

وفي الإطار بدأت ملامح النزاع الليبي تأخذ منحى آخر، إذ كادت تتشابه إلى حد كبير مع ما حدث ومازال يحدث في الميدان السوري، من حربٍ بالوكالة وتحالفات من أجل نهب الثروات وتحقيق المصالح، ومفاوضات طويلة الأمد بلا طائل، وهدنات هشة، وقتلى مصابين ونازحين بالآلاف، فهل أمسى الميدان الليبي شبيهًا بنظيره السوري؟

أطراف متنازعة

يذكرنا طرفي النزاع في ليبيا، أي حكومة الوفاق الوطني برئاسة “فائز السراج” في الغرب الليبي، والتي تعترف بها الأمم المتحدة، وقائد الجيش الوطني الليبي، المشير “خليفة حفتر” في شرق ليبيا، بطرفي التزاع السوري، حيث نظام بشار الأسد من جهة، وفصائل المعارضة السورية على تعدد أطيافها السياسية والقومية والدينية من جهة أخرى.

وفي الأسابيع الأخيرة، أعرب الاتحاد الأوروبي، المنقسمة دوله أيضاً حيال النزاع الليبي والسوري، عن مخاوفه من أي تدويل إضافي للنزاع الليبي، خاصةً بعد توقيع تركيا وحكومة الوفاق الوطني اتفاقًا عسكريًا، فيما يتلقي المشير حفتر دعمًا من موسكو – على رغم نفيها – وكذلك من قوى إقليمية أخرى.

وفي ظل هذه التحالفات فإن تعزيزات في الأسلحة والعتاد تصل إلى الجانبين المتحاربين، وتصل الأسلحة عادة وسط تكتم بسبب الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على الأسلحة منذ الثورة الليبية التي أطاحت بنظام “معمر القذافي” في عام 2011، وهو ما يحول ليبيا، كسوريا، من قبل إلى مختبر للأسلحة الجديدة للدول الكبرى.

عواقب وخيمة

إن النزاع إذا استمر أكثر من ذلك، فإن العواقب ستكون وخيمة على الجميع وليس على ليبيا وحدها، فستتضرر دول الجوار من عمليات النزوح واللجوء الجماعي، لكن القارة الأوروبية والتي لا تبعد كثيرًا عن الساحل الليبي والممتد لمسافة 1850 كم، ستكون هي أول المتضررين، وبشدة، من الفوضى في ليبيا.

فحلم المهاجرين غير الشرعيين بعبور البحر الأبيض المتوسط موجود منذ القدم، وستساعدهم الفوضى الليبية على تحقيق غرضهم بالعبور، فغياب الدولة المركزية في ليبيا، وعدم وجود قوات خفر سواحل مجهزة لمحاربة الهجرة؛ جعل البلاد طيلة السنوات القليلة الماضية مرتعًا خصبًا لعصابات الاتجار بتهريب البشر، والتي تجني أموالًا طائلة مقابل تسهيل عبور المهاجرين، والتي أحيانًا ما تنتهي رحلتهم الشاقة بالموت في عرض البحر المتوسط.

وتشير غالبية المعطيات والتقارير إلى أن السواحل الليبية تأتي في المرتبة الأولى من حيث الكثافة العددية للمهاجرين غير الشرعيين، وإن كانت هي الأولى أيضا من حيث عدد الضحايا بسبب خطورة المغامرة، وفي إطار المقارنة الحالية؛ لا يمكن لأوروبا ان تنسى موجات النزوح التي طالتها بفعل الأزمة السورية.

فوضى وإرهاب

في ظل الفوضى تنشط الجماعات الإرهابية المتشددة، والتي يأتي تنظيم داعش في مقدمتها، وبالرغم من أن هذا التنظيم قد تلقى ضربات موجعة في أكبر معاقله في سوريا والعراق، وسقطت خلافته المزعومة، وتتالى سقوط قياداته وصولا الى مقتل زعيمه “أبو بكر البغدادي”.

إلا أن عمليات تنظيم داعش لا تزال مستمرة في ليبيا، ولا يمكن نسيان مشاهد اقتحام وحرق بيوت الليبيين والمرافق الحكومية وتهديدات عناصر التنظيم بالقتل لمن وصفوهم بـ”المرتدين”، في إشارة لأعضاء حكومة الوفاق والجيش الليبي.

فعلى مدى سنوات، ظل الجنوب الليبي الصحراوي مهمّشًا وخارج بشكل كبير عن نطاق سيطرة القوى المتناحرة في ليبيا، وهو ما مكّن التنظيم في المناطق الصحراوية ذات التضاريس الصعبة، مستغلًا هشاشة الأوضاع الأمنية للتمدد والانتشار والعمل على تعزيز صفوفه.

وهذه أساليب تتشابه بشكل كبير مع أفعال التنظيم في سوريا والعراق قبل سنوات، وإن كان التنظيم قد وجد في ليبيا فرصة أفضل لتعويض خسائره في العراق وسوريا، فأصبح التنظيم الآن أكثر تركيزًا على التوسع في إفريقيا وأصبح الخطر الذي يمثله على ليبيا اليوم أكبر من أي وقت مضى.

ومثلما استثمرت إيران ومعها نظام بشار الأسد في إستخدام ميليشيات من المرتزقة لدعم صفوفهما في الحرب الأهلية في سوريا، لم يخلو النزاع الليبي من جلب واستخدام المرتزقة في الصراع الدائر في ليبيا، والأمثلة كثيرة؛ منها: ميليشيات فاغنر الروسية والمرتزقة التشاديون ومؤخرًا الحديث عن دفع تركيا لمرتزقة تابعين لها إلى ميدان القتال.

وبينما تبدي كل دولة كبرى أو إقليمية أن اهتمامها هو وقف النزاع ومحاربة الإرهاب ونصرة الطرف التي تراه على صواب ومعه الشرعية، فإن الهدف الحقيقي لها هو أن تجلس على خزان النفط الليبي.

مفاوضات لا تنتهي

لكن بعيدًا عن أصوات المدافع والتفجيرات؛ نجد أن لقاءات التفاوض السورية قد تعددت، من جينيف إلى أستانا إلى سوتشي، بدأ الملف الليبي من ناحية التفاوض يأخذ مسارات متعددة بدوره، فمن القاهرة إلى موسكو وصولًا إلى برلين، حيث عُقِدَ قبل أيام قليلة مؤتمر دولي لبحث جهود تحقيق السلام في ليبيا.

لكن هشاشة وقف النار على الأرض، فضلًا عن الانقسامات الحادة في البلاد، تزيد أفق تحقيق السلام فيها غموضًا، وتجعل من جلسات التفاوض مجرد مناسبة لإلقاء التصريحات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وإلتقاط للصور التذكارية.

ففي برلين مؤخرًا؛ وافق كل من السراج وحفتر على المشاركة في المؤتمر، لكنهما رفضا أن يلتقيا وجهًا لوجه، في انعكاس للهوة الكبيرة التي لا تزال قائمة بينهما، وفي تذكيرٍ لنا بعدم التقاء طرفي النزاع السوري وجهًا لوجه رغم تعدد جولات التفاوض بينهما، وبالمناسبة فقد اتفق الفرقاء والداعمين الدوليين لهم على عقد جولة تفاوض في جينيف خلال الأسابيع المقبلة، مما يعني أن مسلسل التفاوض اللامتناهي قد بدأ.

تعدد المبعوثين

على غرار الأزمة السورية؛ التي عيّنت الأمم المتحدة مبعوثًا خاصًا لها، ابتداءً بـ “كوفي عنان”، ثم “الأخضر الإبراهيمي”، وصولًا إلى “ستافان دي ميستورا”، فقد سلكت الأمم المتحدة الأمر ذاته مع الأزمة الليبية، حيث عيّنت “غسان سلامة” مبعوثًا خاصًا لها إلى ليبيا.

وإن كان لايزال “سلامة” هو المبعوث الأول، فإن واقع الحال في ليبيا الآن لا يبشر بأن يكون “سلامة” هو المبعوث الأخير.

منذ سقوط نظام “معمر القذافي” عام 2011، وقعت ليبيا فريسة للفوضى، ويوشك رميل البارود الليبي أن ينفجر ويتحول النزاع إلى صراع دولي وكارثة إنسانية مماثلة لتلك الموجودة في سوريا، لقد حان الوقت للمجتمع الدولي وللبيبيين أنفسهم اتخاذ المبادرات لمحاولة منع هذه الدوامة الخطيرة من الحدوث.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى