تقاريركلنا عباد الله

هل كانت الشبكات السريّة لليمين المتطرف وراء هجوم نيوزلندا؟

تقرير لصحيفة "فورين بوليسي" يكشف أسرار العالم المظلم

ترجمة: مروة مقبول

على مدى العقود الثلاثة الماضية، كان وراء الهجمات الإرهابية التي تتبنى معتقدات يمينية متطرفة أشخاص بمفردهم أو جماعات صغيرة مستقلة.

والسبب بسيط، وهو أن مسألة الحفاظ على كيان جماعة يمينية متطرفة لديها أجندة إرهابية هو أمر مستحيل في ظل وجود الحكومات الديمقراطية الغربية اليوم، بسبب مراقبة الدولة لأنشطتهم، ونقص الدعم الخارجي، وعدم وجود ملاذ آمن لهم.

وهناك أمثلة حديثة على وجود كيان متطرف حاول الإعداد لهجوم في ظل وجوده علانية، لكنه فشل في تحقيق ذلك، مثل “الحركة الوطنية” البريطانية (Action National)، التي تم القبض على قادتها ونشطائها، ويقضون حاليًا عقوبة بالسجن لمدد طويلة.

وهذا الأمر يترك للثوريين اليمينيين المتطرفين خيارين: العمل في العلن، ولكن دون فعل أي سلوك غير قانوني، أو إبقاء الحركة سرية.

ومفتاح فهم التهديد الإرهابي اليوم هو العثور على هذا المخبأ السري لهم – وخاصةً مخبأ الإنترنت الذي أصبح أرضًا خصبة للمتطرفين المعاصرين بمختلف أنواعهم، بما في ذلك منفذ هجوم مسجد النورفي “كرايست تشيرش”. فلقد أعلن عن هجماته مقدمًا على منتدى عبر الإنترنت، بل وشارك رابطًا على “الفيس بوك” استخدمه لبث الهجوم بشكل مباشر.

هل توجد شبكات سرية؟

ومع ذلك يبقى السؤال الذي يطرح نفسه هو حقيقة وجود حركة سرية فعلية متعددة الجنسيات، أو شبكة من الناشطين الذين يعملون معًا، من خلال تطبيقات مشفرة عبر الإنترنت، لإعداد هجمات إرهابية مستقبلية.

فلا أحد يستطيع أن يجيب على هذا السؤال بيقين، ولكن من خلال النظر في الهجمات السابقة، هناك آثار تشير إلى أن اليمين المتطرف لديه مثل هذه الشبكات.

ومع ذلك، على المستوى الوطني، يبدو أن العديد من البلدان تستضيف- عن غير قصد – شبكات سرية متطرفة، تهتم بتسهيل الحملات الإرهابية ضد الأقليات والأعداء السياسيين أو الحكومة. والعديد من هذه الشبكات له روابط دولية.

وأبرز مثال على ذلك الخلية الإرهابية القومية الاشتراكية الألمانية (NSU)، التي قتلت بين عامي 2000 و2006 تسعة مهاجرين وشرطية، ونفذت ثلاث تفجيرات منفصلة على الأقل.

وكشف التحقيق أن الخلية المكونة من ثلاثة أشخاص قد تلقت دعمًا ماليًا وتشغيليًا من شبكة سرية أكبر. وفي ظل اشتباه الشرطة والعامة في أن الدافع وراء جرائم القتل كان إجرامياً، كان هناك عدد كبير من الناشطين داخل المشهد اليميني المتطرف يعرفون أنهم على صلة بـشبكة NSU، حتى أنهم كتبوا أغاني حول هذا الأمر قبل القبض عليهم.

تهديدات اليمين المتطرف

وهناك دول أخرى بجانب ألمانيا تستضيف شبكات سرية لليمين المتطرف لديها أجندة إرهابية، مثل إيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا.

ففي روسيا، تضاعف عدد هجمات اليمين المتطرف التي أودت بحياة أبرياء إلى 7 أضعاف لكل مليون نسمة بعد عام 1990.

وفي الغرب، كانت الدول التي شهدت أعلى معدل من الهجمات هي السويد وألمانيا، تليها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وإسبانيا واليونان.

ومع ذلك، فإن معظم هذه الهجمات التي خلفت ضحايا لم تنفذ من قبل مجموعات منظمة أو حتى خلايا مستقلة، وإنما نفذها تشكيل عصابي منظم بشكل جيد، أو مجموعات صغيرة وغير منظمة، أو حتى أشخاص بشكل فردي، مثل حادث إطلاق النار في معبد بيتسبيرغ، ومؤخراً هجوم “كرايست تشيرش” الإسلاموفوبي.

تواجه الحكومات الديمقراطية الغربية نوعين من التهديدات العنيفة من اليمين المتطرف اليوم. فمن ناحية، تكون معظم الهجمات “عفوية”، ويقوم بتنفيذها أشخاص غير منظمين لهم دوافع يمينية متطرفة. وغالبًا ما يكون ذلك تحت تأثير الكحول أو المخدرات.

والأسلحة المستخدمة الأكثر شيوعًا في الهجمات هي السكاكين والقبضات والعصي وقضبان الحديد، ولا يتم اعتبار مثل هذه الهجمات “إرهابية”.

ومن ناحية أخرى، فإن معظم الهجمات واسعة النطاق التي تتسبب في خسائر متعددة يرتكبها أشخاص يعملون بشكل منفرد، أو خلايا صغيرة مستقلة.

وهذه الهجمات نادرة الحدوث، وعادة ما تكون متعمدة، ويتم خلالها استخدام الأسلحة النارية والمتفجرات. وأصبح المسلمون هدفًا رئيسيًا لمثل هذه الهجمات مؤخرًا، مثل هجوم “كرايست تشيرش”.

مصادر إلهام المتطرفين

وعلى الرغم من أنهم يشنون هجماتهم على أهداف مماثلة، فإن الجناة يعملون بمعزل عن بعضهم البعض، دون اتصال مباشر أو تعاون رسمي بينهم. لكنهم يأخذون الإلهام من بعضهم البعض.

وفي بيان لمنفذ هجوم “كرايست تشيرش” الارهابي، قام بذكر اسم منفذ هجوم قتل جماعي في النرويج ، أندرس برينغ بريفيك، حيث كان يعتبره مصدر الإلهام الحقيقي الوحيد له.

ففي 22 يوليو 2011، قام بريفيك بزرع قنبلة تزن 2100 رطل في ميدان الحكومة النرويجية في قلب العاصمة أوسلو، مما أسفر عن مقتل 8 أشخاص، قبل أن يسافر بالسيارة إلى جزيرة “أوتويا”، وهي جزيرة صغيرة تبعد 25 ميلا من العاصمة، تستضيف معسكرًا طلابيًا، وفتح النار عشوائيًا على الطلاب هناك فقتل 69 مراهقًا وأصاب 158 شخصًا بجروح خطيرة في هذه الهجمات.

وكانت أهداف بريفيك تتمثل في ممثلي الحكومة وأعضاء جناح الشباب في حزب العمل الحاكم، حيث اتهمهم بخيانة الثقافة الماركسية وتسهيل “غزو المسلمين” للنرويج بشكل متعمد.

ويتشارك بريفيك ومرتكب هجوم “كرايست تشيرش” في عدة نواح. فلقد كان هجوم بريفيك الإرهابي فريدًا على مدى العقود الثلاثة الماضية، بسبب إعلانه لتطرفه اليميني عبر الانترنت، واستخدامه المتفجرات إلى جانب الأسلحة النارية، إلى جانب ارتفاع عدد قتلى الهجوم، وأنه عمل منفردًا دون التفاعل مع جماعات اليمين المتطرف المنظمة.

وكان الأسترالي برينتون تارنت يحمل متفجرات في إحدى سياراته، إلى جانب سلاحه الناري الذي هاجم به المسجد.

وكان بريفيك أيضًا أول شخص ينتج قنبلة باستخدام “أسمدة” مخففة، حيث كان قد تم منع تداول الأسمدة في الزراعة التي تحتوي على نترات الأمونيوم بتركيزات عالية في أوروبا، وذلك بعد تفجير مدينة أوكلاهوما عام 1995، لمنع تصنيع مثل هذه القنابل.

ومع ذلك، نجح بريفيك في التحايل على هذا الإجراء من خلال مراجعة مئات الوصفات لصنع القنابل عبر الإنترنت. وبالتالي، من منظور عملي، يمكن أن تكون “إنجازات” بريفيك مصدر إلهام للإرهابيين في المستقبل.

أتباع “بريفيك”

ويظل الجانب الأبرز في قصة بريفيك هو عدم حصوله على دعم من أي حركة بعد الهجمات، في حين أعلنت بعض الشخصيات اليمنية المتطرفة عن تأييدها له، باستثناء روسيا.

وأولئك الذين ساندوه كانوا يدعمون آرائه السياسية فحسب، ولكنهم أدانوا أفعاله بسبب وحشية الهجمات، وقتله للعديد من المراهقين البيض، الذين كان يؤمن بحتمية قتلهم، وأنهم “أهداف مشروعة”، لأنهم كانوا أعضاء في جناح الشباب في حزب العمل النرويجي.

تم إنشاء شبكة عبر الإنترنت لدعم بريفيك عقب الهجمات، منها مدونات على (Tumblr)، وكان يديرها شخص يستخدم الاسم المستعار “أنجوس ثيرموبيلاي” (Angus Thermopylae).

وأصبح هذا الشخص هو المتحدث الرسمي لبريفيك، وقام بنشر الرسائل التي كتبها من السجن، وترجم بيان بريفيك إلى لغات عديدة.

سرعان ما اتضح أن غالبية أتباع بريفيك كانوا من الفتيات الصغيرات، اللواتي انجذبن إليه لأسباب رومانسية، وليس لأسباب سياسية.

وعلى الرغم من أن “أنجوس” كان قادرًا على التخفي، ولم يترك أي أثر وراءه ليرشد أجهزة المخابرات المختلفة للتعرف عليه، إلا أن إحدى هؤلاء الفتيات قامت بالإفشاء عن اسمه لصحفي نرويجي.

واتضح أنه رجل هولندي يعيش في الولايات المتحدة، وبمجرد أن واجهه هذا الصحفي، انتهى نشاطه الداعم عبر الانترنت وتوقفت الشبكة عن العمل.

لم يظهر سوى عدد قليل من الأشخاص الذين قاموا بتقليد أسلوب “بريفيك”، قبل وقوع الهجوم نيوزيلندا يوم الجمعة الماضية، أولهم كان ملازم لخفر السواحل الأمريكي خطط لهجوم كبير ضد السياسيين والصحفيين في الولايات المتحدة، وتم اعتقاله قبل أن يتمكن من تنفيذه.

واحتفظ هذا الملازم بنسخة من بيان بريفيك، وقام بتطوير نظام تصنيف مماثل للأهداف “المشروعة”، ولكن لم يتم نشر سوى القليل من المعلومات حتى الآن حول هذه القضية.

وبالتالي فإن برينتون تارنت، الإرهابي الذي قام بتنفيذ هجوم “كرايست تشيرش”، يعتبر هو الحالة الوحيدة الواضحة لأحد أتباع بريفيك الحقيقيين، فلقد عبر عن ذلك بوضوح في بيانه عندما قال إنه أثناء قراءته لأعمال العديد من الآخرين “لم يأخذ الإلهام الحقيقي إلا من الفارس بريفيك”.

تطور غير مسبوق

وفي نفس البيان، ادعى تارنت أيضًا أنه اتصل “بفرسان تيمبلار” المتجددين، وهي منظمة  إرهابية خيالية لبريفيك ابتكرها عمدًا لإعطاء الإلهام لهجمات في المستقبل، “ليباركوا هجومه”.

ولم يتحدد بعد ما إذا كانت منظمة “فرسان تيمبلار” قد تجددت بالفعل، أو ما إذا كان هناك أعضاء أو خلايا أخرى، كما يدعي إرهابي “كرايست تشيرش” برينتون تارنت.

وإذا كان هذا صحيحًا، فسيكون هذا تطورًا غير مسبوق في التاريخ الحديث للإرهاب اليميني، بمعنى أن مثل هذه الشبكات الإرهابية متعددة الجنسيات لم تكن موجودة منذ سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، والتي تمثلت في ما يسمى بشبكة “الأوركسترا السوداء”، التي كانت مقرها في إيطاليا، لكنها كانت تتلقى التدريب والدعم في البرتغال.

اختلافات أيديولوجية

وعلى الرغم من أن تارنت كان ملهمه الوحيد هو بريفيك، إلا أنه في الواقع لا توجد آثار كثيرة لكتابات أو أيديولوجيات بريفيك في بيانه.

ففي حين أن غالبية بيان بريفيك كان منسوخًا من مصادر أخرى بينما قام هو بكتابة الجزء الآخر، إلا أن تارنت قام بكتابة معظم البيان بنفسه باستخدام لغة مشفرة لمجتمع الانترنت السري، كما قام بتوريط شخصيات مثيرة للجدل بشكل متعمد لإثارة الاضطرابات والتناقض.

واتبع تارنت نفس طريقة بريفيك، حيث قام بعمل فيديو يشرح فيه دوافعه للهجوم واستعداداته وأيديولوجيته. كما برر قتل الأطفال، بحجة أن “أطفال الغزاة لا يبقون أطفالًا، فهم يصبحون بالغين ويتكاثرون، ويقدمون المزيد من الغزاة في المجتمع ليحلوا محل ” شعبك”.

ولم يبرر بريفيك مطلقًا قتل الأطفال في بيانه الخاص، ولكن 33 من ضحاياه في جزيرة “أوتويا” التي أجرى فيها الهجوم الثاني، تقل أعمارهم عن 18 عامًا.

كانت العديد من النصوص التي كتبها بريفيك غريبة إلى حد ما، وربما يكون هذا هو السبب وراء عدم استقباله بشكل جيد داخل حركة اليمين المتطرف الأوسع.

فعلى سبيل المثال، كتب أن الآباء يجب أن يتمتعوا دائمًا بالوصاية على الأبناء، وأن الزواج يجب أن يكون مبنيًا على المصالح المشتركة بدلاً من المشاعر، واقترح إنشاء “عيادات بديلة” تديرها الدولة، حيث يمكن أن يولد أطفال دول الشمال الأوروبي ويتم تربيتهم.

وبلغ طول بيان بريفيك 1516 صفحة، مقارنةً ببيان “كرايست تشيرش” الذي تكون من 74 صفحة فقط، وتمت كتابته بلغة أكثر وضوحًا، وصمم لجذب اهتمام القراء في شبكة الإنترنت السرية.

استهداف المسلمين

بالنظر إلى أن إرهابي “كرايست تشيرش” استهدف المساجد والمسلمين بدلاً من الأطفال البيض، فقد ينتهي به الأمر بمكانة أكبر داخل الحركة السرية أكثر من بريفيك. وفي الواقع، هناك بالفعل دلائل على العديد من منتديات اليمين المتطرف بأن القراء يدعمون هذه الهجمات.

يجب أن يذكرنا هجوم يوم الجمعة الماضية بأنه في معظم دول الغرب الديمقراطية، فإن عدد الأحداث التي راح ضحيتها الكثير، وتحركها معتقدات اليمين المتطرف، أعلى بكثير من تلك التي يحفزها التطرف الإسلامي.

ومع ذلك، فإن مثل هذه الهجمات ينفذها كيان سري وغير منظم بشكل أساسي، وبالتالي يجب على من يقومون بتشكيل الرأي العام ألا يلقوا اللوم على أولئك الذين يعملون ضمن النطاق العام وضمن الحدود القانونية، مثل الأحزاب اليمينية المتطرفة، أو حركات الاحتجاج المناهضة للمهاجرين.

هناك بالفعل علاقة سلبية بين الدعم الانتخابي للأحزاب اليمينية المتطرفة في الديمقراطيات الغربية، ومستويات الهجمات القاتلة بدافع اليمين المتطرف.

وبالرغم من أن مثل هذه الأحزاب والحركات قد تمثل في بعض الحالات تهديدًا للقيم الديمقراطية وحقوق الأقليات، إلا أن التهديد الحقيقي يأتي من المجتمع السري على الانترنت، وبالتالي يحتاج صناع السياسة إلى معرفة سبب انجذاب بعض الناس إلى هذا العالم المظلم.

،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،

للاطلاع على المقال الأصلي:

https://foreignpolicy.com/2019/03/16/the-dark-web-enabled-the-christchurch-killer-extreme-right-terrorism-white-nationalism-anders-breivik/

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى