تقارير

هل تنتهي معركة تجديد الخطاب الديني باستقالة شيخ الأزهر؟

نقاشٌ محتدم بين شيخ الأزهر ، الدكتور أحمد الطيب، ورئيس جامعة القاهرة الدكتور محمد عثمان الخشت”، أثار جدلًا كبيرًا عبر مواقع التواصل الاجتماعي في مصر والعالم العربي والإسلامي خلال الأيام الماضية، حيث انقسم رواد تلك المواقع بين مؤيد لتجديد الخطاب الديني ومعارض له.

وفي هذا الإطار تجدد الجدل حول معركة تجديد الخطاب الديني، التي يواجه فيها شيخ الأزهر العديد من الضغوط في مواجهة دعاة التجديد ومنتقدي الأزهر، والتي تصل في بعض الأحيان إلى دعوات لإستقالة أو إقالة شيخ الأزهر، وتعديل قانون الأزهر الذي يمنح حصانة لمنصب شيخ الأزهر تمنع إقالته.

فهل يمكن أن يستقيل شيخ الأزهر؟، ولماذا وصلت الأمور إلى هذه النقطة؟

خلاف فكري

اختلف شيخ الأزهر مع رؤية د. محمد الخشت فيما يتعلق بتجديد التراث الإسلامي، وذلك خلال إحدى جلسات “مؤتمر الأزهر العالمي للتجديد في الفكر الإسلامي”، الذي أُقيم بالقاهرة مؤخرًا؛ إذ يرى الخشت، الذي كان أستاذًا للفلسلفة في جامعة القاهرة التي يتولي رئاستها الآن، ضرورة “تجديد التراث الديني بما يتناسب مع مقتضيات العصر الحديث، مؤكدًا أن هذا لا يتضمن ترميم بناء قديم، بل تأسيس بناء جديد بمفاهيم حديثة للوصول إلى عصر ديني جديد”.

وأكد الخشت أن “تجديد الخطاب الديني ليس حكرًا على مؤسسة بعينها، نعيش جمودًا فقهيًا وفكريًا منذ 7 قرون، وعلينا تفكيك العقل التقليدي والتمييز بين المقدس والبشري حتى نتجاوز لاهوت العصور الوسطى”، مضيفًا: “علينا إنقاذ الدين وتخليصه من الموروث الاجتماعي، وقاع التراث”.

ورداً على ذلك؛ أكد شيخ الأزهر، الذي يمثل رأس المؤسسة الدينية الأهم في العالم الإسلامي، على أهمية التراث الذي “خلق أمّة كاملة، وسمح للمسلمين بالوصول إلى الأندلس والصين”، منبهًا إلى أن “الدول الإسلامية والحضارة التي تغيرت، وجاءت قوة فوق قوة كان التراث هو من يحمله، تصوير التراث بأنه يورث الضعف ويورث التراجع هذا مزايدة عليه”.

واستطرد: “نحن نحفظ من الإمام أحمد بن حنبل ما يؤكد أن التجديد مقولة تراثية وليست مقولة حداثية، والحداثيون حين يصدعوننا بهذا الكلام هم يزايدون على التراث ويزايدون على قضية الأمة المعاصرة الآن، والتراث ليس فيه تقديس، وهذا ما تعلمناه من التراث لم نتعلمه من الحداثة”.

من الأقصر إلى العالمية

وُلِدَ “الطيب” في قرية القرنة بالأقصر في صعيد مصر، في 6 يناير 1948، وتفوق في كافة مراحل التعليم الأزهري حتى التحق بكلية أصول الدين بالقاهرة، وبعدها واصل تفوقه وحصل على الماجستير والدكتوراه، ثم واصل دراسته في السوربون بفرنسا.

تدرج “الطيب” في جميع المناصب حتى أصبح هو الإمام الـ 48 للأزهر الشريف، في 19 مارس من عام 2010م، ولا يتقاضى راتبًا عن منصبه كشيخ للأزهر، حيث يقول إنه يؤدي عمله في خدمة الإسلام، ولا يستحق عليه أجرًا إلا من الله، كما تنازل عن الكثير من مخصصاته زهدًا وتقشفًا.

بين الإفتاء والجامعة والمشيخة

عقب وفاة الإمام الأكبر الراحل “د. محمد سيد طنطاوي”؛ اختار الرئيس السابق “حسني مبارك”، د. أحمد الطيب من بين 5 أسماء عُرِضَت عليه لخلافة طنطاوي في مشيخة الأزهر، ويُقال أن إجادة “الطيب” للغتين الإنجليزية والفرنسية بطلاقة، كانت من أبرز الأسباب التي اعتمد عليها مبارك في اختياره.

وقبل تعيينه شيخًا للأزهر، كان “الطيب” رئيسًا لجامعة الأزهر، وسبقها توليه لمنصب مفتي الديار المصرية، وقد كان عضوًا بلجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم في عهد الرئيس مبارك، لكن عقب توليه أمور المشيخة، قدم استقالته من الحزب، وقال إن شيخ الأزهر يجب أن يكون لكل المصريين دون انتماءات.

استراتيجية الأزهر

اعتنق كثيرون الإسلام على يد “الطيب”، ومن بينهم أفراد الأسرة التي كان يقيم لديهم خلال دراسته في باريس، ويعد “الطيب” قارئًا جيدًا لكافة مجالات العلم والمعرفة والأدب، وكان أول من نادي بتجديد الخطاب الديني دون المساس بثوابت الدين، ودعا للتعريف بوسطية الإسلام واعتداله.

في يونيو 2016م؛ أطلق الطيب “إستراتيجية الأزهر” في الإصلاحِ والتَجديد، والتي تتضمن 15 محورًا، وتعتمد على وسائل التواصل الحديثة سواء من خلال شبكات التواصل الاجتماعي أو المحطات الفضائية والصحف وغيرها.

منصب مُحَصّن

يُذكر أن منصب شيخ الأزهر من المناصب المحصنة، فهو لا يخضع للعزل، ولا يتم تعيين شيخًا للأزهر إلا في حالة فراغ المنصب، وذلك وفقًا لتعديلات بعض أحكام القانون رقم 103 لسنة 1961، المتعلقة بإعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها، والتي تم إقرارها عام 2012.

 

هل سيستقيل؟

في أكثر من مناسبة طيلة الأعوام القليلة الماضية، جرى الحديث من وقت لآخر عن نية “الطيب” تقديم استقالته من مشيخة الأزهر، كانت أبرزها ما تناقلته بعض وسائل الإعلام عن إصابته بالاكتئاب، بعد إحراج الرئيس له في احتفالات عيد الشرطة عندما قال له “تعبتني يا فضيلة الامام”.

لكن المصادر أكدت حينها أنه قد جرى إقناع الطيب بعدم اتخاذ هذه الخطوة، وأن الرئيس كان يمزح معه، خاصةً وأنه قد سبق له الإشادة بالأزهر وشيخه قبل ذلك مرات عديدة، وأن ما دار في الواقعة المذكورة إنما هو من باب حرص الرئيس على أن يكون للأزهر دورًا فاعلًا في قضايا المجتمع.

جدير بالذكر أن الدكتور الطيب واجه محاولات سابقة من جانب جماعة الإخوان المسلمين لإقصائه عن منصبه، بحجة انتمائه للحزب الحاكم في عهد الرئيس الأسبق مبارك.

عودة الحديث عن الاستقالة

لكن واقعة الخلاف الفكري التي دارت مؤخرًا في مؤتمر الأزهر العالمي، أعادت قضية استقالة شيخ الأزهر إلى الواجهة مجددًا؛وهو الأمر الذي طرحه البعض سواء من مؤيدي أو معارضي الطيب.

حتى ان الكاتب الصحفي المصري سليمان جودة كتب في مقال له تحت عنوان “استقالة شيخ الأزهر”: “إذا صح أن هناك ضغوطًا على الإمام الأكبر ليستقيل، فسوف تكون استقالته خطأً كبيرًا لن ندرك حجمه إلا لاحقًا”.

وأضاف أن “وجود رجل متعلم في باريس على رأس مؤسسة الأزهر، مسألة يجب أن نحرص عليها، لا أن ننسفها”.

ورأى جودة أن رفع لافتة التجديد في مواجهة الدكتور الطيب، إنما هو من قبيل الحق الذي يراد به باطل، داعيًا كل مَنْ يرفع مثل هذه اللافتة، أن يكشف «على وجه التحديد» عما هو مطلوب من الأزهر في هذه المعركة..

وقال إن الطيب تحدى أن تكون في مناهج الأزهر صفحة واحدة تغذى التطرف أو تساعده، ولم يتقدم أحد وفى يده هذه الصفحة”.

ويبقى السؤال المحير الذي يبحث الكثيرون عن إجابته: هل سيستمر شيخ الأزهر على مواقفه الثابتة؟، أم سيرضخ لدعاة التجديد ومنتقدي الأزهر ويستقيل من منصبه؟

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى