تقارير

رئات الأرض تحترق.. وسكانها يختنقون.. فمن السبب؟

أحمد الطلياني

إذا كنت تظن أنك في منأى من الضرر الناجم عن حرائق الغابات المستعرة منذ أعوام ومستمرة حتى الآن في مناطق بعيدة عنك، فإنك بالقطع مخطئ تمامًا لأن تلك المساحات الخضراء التي تتقلص، هي “الرئة” التي تشكل سندًا لحياتنا على كوكب الأرض الذي يتنفس منها.

وبعبارة قاطعة وبسيطة فإن احتراق الغابات يعني احتراق “أكسجين الأرض”.

 “قطعة سوداء”

مئات الحرائق بل آلاف قضت على ملايين الأفدنة وشردت ملايين السكان ودمرت آلاف المنازل وأخفت مظاهر الحياة في عدة مناطق حول العالم، حتى تحولت المساحات الخضراء إلى قطعة أرض سوداء قد لا تنبض بالحياة إلى الأبد.

وكان عام 2019 هو الأكثر حرارة وجفافًا على الإطلاق. فمن  البرتغال إلى أشجار الصنوبر في لبنان إلى بوليفيا وإندونيسيا وسيبيريا وكاليفورنيا وصولا إلى غابات الأمازون ثم أستراليا وغيرها.

كل هذه الأماكن تغيرت ملامح الحياة بها بعدما كانت متنفسا لكوكبنا ومرتعًا رحبًا للنباتات والحيوانات التي تحافظ على التنوع البيولوجي.

“ثاني أكسيد الكربون”

هذه المساحات الشاسعة الهائلة والكثيفة تمتص كمية هائلة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في العالم، وهو غاز دفيء يعتقد أنه أكبر عوامل تغير المناخ.

لذا فإن العلماء يقولون إن الحفاظ على غابات الأمازون تحديدًا – لأنها أكبر غابة استوائية مطيرة في العالم-  أمر جوهري في محاربة الاحتباس الحراري.

ويشكل إزالة هذه الغابات أو اختفائها كارثة بكل المقاييس، خاصة وأنها تؤثر في حياة النباتات والحيوانات والبشر مما قد يحدث خللا بيئيا هائلا لا يستطيع العالم بعده العودة كما كان.

“حرائق مدمرة”

وبالنظر إلى غابات الأمازون، التي يقع 60 % منها في البرازيل، فقد ارتفع معدل إزالة الغابات في الشهور السبعة الأولى من 2019 بنسبة 67% مقارنة بعام 2018. الأدغال الكثيفة التي تلقب بـ”رئة الأرض” اندلع بها 78383 حريقًا منذ بداية  2019 نصفهم تقريبا في أغسطس الماضي.

وتشتهر غابات الأمازون المطيرة بالتنوع البيولوجي إذ توجد بها أنواع فريدة كثيرة من النباتات والحيوانات.

ويخشى العلماء من أن استمرار تدمير غابات الأمازون سواء بالحرائق أو قطع الأشجار، قد يؤدي إلى نقطة تحول تدخل المنطقة بعدها إلى دورة ذاتية من الموت التدريجي للغابات، فيما تتحول من غابات مطيرة، تنتج 20% من أكسجين الأرض، إلى سافانا.

ويؤدي ارتفاع درجات الحرارة بشكل قياسي نتيجة الحرائق إلى فقدان التربة عدة عناصر غذائية تعزز النمو مثل الفوسفور والكربون العضوي والنترات.

وبدون هذه العناصر الغذائية المهمة لا يمكن للتربة دعم نمو النبات، فضلاً عن عدم تخزينها للكربون. وقد يؤدي تكرار الحرائق إلى عدم تعافي التربة مرة أخرى.

وقال علماء مناخ برازيليون إن الموت التدريجي للغابات قد يستغرق ما بين 30 و50 عامًا سينبعث خلالها 200 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي مما سيجعل إبقاء ارتفاع درجات الحرارة أقل من 1.5 إلى درجتين مئويتين – وهو ما يسعى إليه العالم لتجنب أسوأ آثار لتغير المناخ-  أصعب بكثير.

ولم تكن الأمازون المنطقة الوحيدة المتضررة، فقد اندلعت مزيد من الحرائق بغابات السافانا في سيرادو جنوب البرازيل. وهذه  المنطقة واحدة من أكثر مناطق العالم من حيث التنوع البيولوجي، وقد فقدت نحو نصف مساحاتها الخضراء من أجل زراعة فول الصويا.

وفي صيف عام  2018، دمر حريق 80% من غابة في البرتغال تعود إلى 700 سنة، فضلاً عن قتل الخنافس والطيور والثدييات. وتحتاج تربة هذه الغابة وفقا للعلماء إلى حوالي 50 سنة، من أجل التعافي والعودة إلى حالتها الطبيعية.

كما دمرت حرائق الغابات في منطقتي سومطرة وبورنيو الإندونيسية أكثر من 40 ألف هكتار العام الماضي. وقُتلت حيوانات من إنسان الغاب المهددة بالانقراض.

وواجهت السلطات صعوبات في إطفاء حرائق  تلك الغابات الغنية بالكربون مما تسبب في أضرار كبيرة على المناخ بعد إطلاق 700 مليون طن متري من ثاني أكسيد الكربون في الجو.

وفي أستراليا التي استقبلت عام 2020 بالحرائق، لقي 27 شخصا حتفهم حتى الآن ونزح الآلاف بسبب الحرائق الهائلة المشتعلة والتي أتت على نحو عشرة ملايين هكتار (100 الف كلم مربع) من الأراضي أي  مساحة أكبر من مساحة كوريا الجنوبية أو البرتغال.

“مليار حيوان”

ومن بين 160 حريقا في ولايتي نيو ساوث ويلز يوجد 46 خارج نطاق السيطرة بينما يستعر 36 حريقا في ولاية فيكتوريا المجاورة منها تسعة في مستوى حالات الطوارئ.

وقدر العلماء في جامعة سيدني أن يكون نحو مليار حيوان من الثدييات والطيور والزواحف قد نفقت في الحرائق، في مأساة يقف أمامها البشر عاجزون ولا يملكون إلا الصلوات والدعوات.

وفي الوقت الذي تقرع فيه أجراس الخطر  بخصوص التغييرات المناخية وتأثيرها على البيئة، فقد تسببت الحرائق في تدمير “رئات العالم”  والقضاء على حياة الكثير من البشر إلى جانب  كائنات  أخرى تحافظ على التوازن على كوكب الأرض.

من المسئول؟

هناك من ينحى باللوم على التغير المناخي أو الجفاف أو الرياح أو الارتفاع القياسي في درجات الحرارة، ولكن هناك أصوات تقول مباشرة إن السبب هو الإنسان لأنه المسئول في النهاية عن هذا التغير على المدى الطويل.

وغالبا ما يتم إشعال حرائق الغابات وخاصة في الأمازون عمدًا لإخلاء الأرض. وبعدما يحصل قاطعو الخشب على ما يريدون، يحرق مضاربون ما يتبقى من نباتات لإخلاء الأرض على أمل بيعها لمزارعين.

يشار إلى أن اقتلاع الأشجار يؤدي إلى إطلاق الكثير من ثاني أكسيد الكربون في الجو.

ويعتقد نشطاء البيئة أن من يقطعون الغابات هم من يبدأون بإشعال الحرائق. وهناك اعتقاد أيضا أن معظم الحرائق التي اشتعلت حول العالم كانت بسبب مزارعين بهدف زراعة المحاصيل وتربية الماشية.

وبعد اتفاقية باريس للمناخ في 2015، خففت بعد الدول التزاماتها وأحجمت عن إصدار دعوة حاسمة من أجل اتخاذ إجراء لمكافحة تغير المناخ.

وخرجت مظاهرات بالآلاف في روسيا وبوليفيا وأخيرا أستراليا ضد تقاعس الحكومات في مكافحة التغير المناخي والحد من الحرائق.

وجاء  غضب المحتجين من سياسات دولها التي فضل بعضها عدم  تبديد الموارد على مكافحة الحرائق باعتبار أنها تتركز في مناطق نائية وغير مأهولة بالسكان ومن ثم لا تشكل تهديدا مباشرا للناس فيما لم ترد الأخرى خفض صادرات الفحم خوفًا على مصالحها الاقتصادية.

 

“ماذا بعد؟”

وأيا كان المسئول الإنسان أو الطبيعة، فكوكبنا الآن أمام كارثة تهدد الحياة البرية وتلوث الهواء.

فهناك تخوف عالمي من أنه قد لا تكون أمامنا فرصة لتفادي حدوث ارتفاع كارثي في الحرارة إذا لم تتحرك الدول سريعًا لخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري.

ويقول العلماء إنه من الضروري الحد من الانبعاثات المسببة للتغيرات المناخية في الوقت المناسب للحيلولة دون وصول درجات الحرارة العالمية إلى نقاط يتعذر للعالم  الرجوع عنها.

وبعدما خرجت قضية التغير المناخي من الشأن المحلي إلى الشأن العالمي، فيجب أن تحظى باهتمام دولي أكبر بعيدا عن التأثيرات الاقتصادية إلى جانب حماية وإدارة الغابات والحفاظ عليها باعتبارها “الرئة” التي ينفس منها سكان المعمورة.

فهل يتغير العالم في ظل ما يشهده من حرائق مدمرة ستؤثر على كل فرد إن لم يكن الآن فغدًا؟.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى