تقارير

مستقبل مجهول في ليبيا بعد “مغامرة حفتر” ومؤتمر برلين “طوق نجاة”

أحمد الطلياني

مع فشل مفاوضات حل الأزمة الليبية التي استضافتها العاصمة الروسية موسكو مؤخرا، تتجه الأوضاع في البلد الذي يعاني من صراعات منذ الإطاحة بالرئيس معمر القذافي في 2011، إلى مفترق طرق ينذر بعواقب وخيمة على المنطقة بأسرها.

وأصبح ينظر إلى ليبيا الآن بأنها منطقة الصراع الجديدة في الشرق الأوسط، مع انتقال عناصر مسلحة إليها من سوريا وروسيا، إلى جانب تنافس قوى إقليمية ودولية على وضع موطئ قدم هناك لأسباب تختلف من دولة إلى آخرى.

وتعد مفاوضات موسكو بين طرفي النزاع في ليبيا – حكومة الوفاق الوطني بقيادة فائز السراج ومقرها طرابلس، وقوات شرق ليبيا (الجيش الوطني الليبي) بقيادة المشير خليفة حفتر  – هي أحدث محاولة دولية لإنهاء حالة الفوضى المستمرة منذ 9 سنوات في البلد الغني بالنفط.

وجاءت المحادثات في ظل دعم عسكري يتلقاه السراج من تركيا مقابل دعم أخر يتلقاه حفتر من روسيا والإمارات والسعودية ومصر وفرنسا.

ورغم حدوث تقدم ملحوظ في تلك المفاوضات وموافقة السراج على وثيقة تتضمن وقف إطلاق النار، إلا أن حفتر فاجئ الجميع وغادر موسكو وعاد إلى ليبيا، بعدما طلب مهلة لمدة يومين من أجل دراسة الوثيقة.

فشل جديد

وفشلت المحادثات غير المباشرة والتي تولاها الروس والأتراك بين طرفي الصراع بعدما رفض حفتر  التوقيع على الوثيقة، نظرًا لأنها تتضمن بنودًا تتعلق بتراجع الجيش الليبي إلى الوراء، بعدما تمكن من السيطرة على سرت، وذلك في تصريح جاء على لسان المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح.

تحريك القوات

وكان آخر اجتماع جمع السراج وحفتر في العاصمة الإماراتية أبو ظبي في فبراير الماضي، ثم انهارت المحادثات بسبب الخلاف على اتفاق لتقاسم السلطة.

بعدها حرك حفتر قواته إلى طرابلس في 4 أبريل الماضي لتكون نقطة تحول في النزاع الليبي، وتستمر آثارها حتى الآن. وأعلن المتحدث باسم قوات حكومة الوفاق بعدها بأيام بدء هجوم مضاد باسم “بركان الغضب”، ثم أعلنت قوات حفتر شن غارة جوية على مطار معيتيقة في شرق طرابلس، وهو المطار الوحيد العامل في العاصمة.

ضربة قاسية

وفي 20 أبريل اشتد القتال بعد هجوم مضاد شنته قوات حكومة الوفاق التي تمكنت من تحقيق تقدم ميداني، خصوصًا في الأحياء الجنوبية لطرابلس. وفي 26 يونيو  الماضي تلقت قوات حفتر ضربة قاسية مع سيطرة  القوات الموالية لحكومة الوفاق على مدينة غريان، القاعدة الخلفية الرئيسية لقوات قائد الجيش الليبي.

وفي الثاني من يوليو الماضي، قتل 53 شخصًا وأصيب 130 في غارة استهدفت مركزًا للاجئين في مدينة تاجوراء قرب طرابلس.

واتهمت حكومة الوفاق، قوات حفتر بتنفيذها، فيما نفت الأخيرة. بعدها  اقترح مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة خطة عمل من ثلاث مراحل: وقف إطلاق النار، مؤتمر دولي في برلين ومؤتمر يجمع الليبيين.

مرتزقة أجانب

وتوالت التقارير الصحفية عقب ذلك وأبرزها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية  التي تحدثت عن  انتشار نحو 200 مرتزق في ليبيا يتبعون لشركة روسية أمنية خاصة.

ونفت روسيا الأمر. وفي ديسمبر الماضي أشار تقرير للأمم المتحدة إلى عدة شركات ودول، اتهمت جميعها بانتهاك حظر الأسلحة المفروض على ليبيا منذ 2011. وذكر التقرير تركيا، الداعمة للسراج، بالإضافة إلى الأردن ودولة الإمارات الداعمتين لحفتر.

هجوم جديد

وفي 12 ديسمبر دفع خليفة حفتر قواته للهجوم مجددًا باتجاه وسط طرابلس تحت مسمى “المعركة الحاسمة”، لترد حكومة الوفاق بعدها بأسبوع بالموافقة على تفعيل اتفاق تعاون أمني وعسكري مع أنقرة، كان قد جرى التوقيع عليه في 27 نوفمبر.

وأتاح البرلمان التركي في مطلع يناير  للرئيس رجب طيب إردوغان نشر جنود أتراك في ليبيا ليبدأ ذلك في 5 يناير الجاري.

السيطرة على سرت

وحدثت بعد ذلك نقطة تحول جديدة في الصراع بسيطرة قوات حفتر على مدينة سرت التي كانت حتى تحت سيطرة حكومة الوفاق. و”سرت” هي نقطة ارتكاز استراتيجية بين شرق وغرب ليبيا. ودخل حفتر وقواته المدينة دون قتال تقريبًا بعدما نجح في شراء ولاء مجموعة مسلحة محلية.

وجاء إعلان سيطرة الجيش الليبي السيطرة على سرت ليدق ناقوس الخطر، خاصة أنه لم يعد يفصله عن العاصمة طرابلس سوى مدينة مصراتة.

وقف إطلاق النار

ودعت أنقرة وموسكو في 8 يناير الجاري إلى وقف إطلاق النار في ليبيا ليعلن حفتر الموافقة عليه في 11 من الشهر نفسه.

وبعدها بأيام وصل السراج وحفتر إلى موسكو لإجراء المفاوضات بناء على دعوة من روسيا وبمساعدة من تركيا قبل أن يعود حفتر إلى ليبيا بشكل مفاجئ دون التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار، يكون ملزمًا له وللسراج ولا يمكن التراجع عنه..

ومنذ بدء القوات الموالية لحفتر هجومها باتجاه طرابلس، قتل أكثر من 280 مدنيًا، بحسب الأمم المتحدة، التي تشير أيضًا إلى مقتل أكثر من 2000 مقاتل ونزوح 146 ألف من السكان.

مؤتمر برلين

ومع رفض حفتر ومغادرته موسكو، أعلنت الحكومة الألمانية الثلاثاء الماضي عن عقد مؤتمر دولي في برلين برعاية الأمم المتحدة يوم الأحد المقبل، من أجل  العمل على توفير ظروف مواتية لبدء عملية سلام ليبيا التي تعيش حربًا أهلية.

ووجهت ألمانيا الدعوة لحفتر والسراج إلى جانب مشاركة  الدول بينها روسيا وتركيا والولايات المتحدة والصين وإيطاليا وفرنسا والجزائر.

ووسط كل ما يحدث في ليبيا من تدخل أجنبي سواء لضمان انتصار فريق على حساب الأخر أو لحل الأزمة ووقف القتال الدائر منذ 9 أشهر، أصبح المشهد  أكثر ضبابية وتعقيدًا، خاصة مع تصرف حفتر الأخير الذي أربك حسابات الجميع، ووضع سيناريوهات محتملة الحدوث للأزمة في الفترة المقبلة.

أهداف مختلفة

ولكل طرف مؤثر في ليبيا أهدافه، فمصر تعتبر  الجارة الليبية جزءا من أمنها القومي، وعمقًا استراتيجيًا لها، وأن أي تدخل عسكري أو أجنبي في ليبيا (خاصة من جانب تركيا) يمثل تهديدًا لها.

أما تركيا فهدفها الرئيسي الطاقة في شرق البحر المتوسط، عبر اتفاقية بحرية وقعتها مع السراج في نوفمبر الماضي.

أما فرنسا وروسيا والإمارات فيعمدون إلى مكاسب جيوسياسية وامتيازات الحصول على النفط الليبي، وتتميز موسكو في سعيها لأن تكون ليبيا سوقًا جديدًا لأسلحتها وقمحها على غرار سوريا.

مغامرة حفتر

ويبدو أن حفتر يريد دخول مؤتمر برلين وهو يفرض سياسية الأمر الواقع، وذلك عبر تحقيق مكاسب أكثر  على الأرض، بعد السيطرة على سرت بشكل خاطف والاقتراب من طرابلس.

ولكن تبقى فرضية أخرى، وهي تأثير الأطراف الخارجية على القائد العسكري، والتي طالبته بعدم التوقيع على الوثيقة في الوقت الحالي، خاصة وأن ذلك لن يحافظ على مصالحها في ليبيا. وسيحظى حفتر في المقابل بالتأكيد على الدعم العسكري والسياسي من مؤيديه.

وقد تكون “مغامرة حفتر” رهان خاسر  يدخل ليبيا في حرب أكثر دموية حال رفعت الأطراف المناوئة لها من حدة العنف، خاصة بعد تهديد إردوغان بأنه سيلقن القائد العسكري “درسًا قاسيًا” إذا واصل هجومه على طرابلس.

وقال الجيش الليبي بعد مغادرة حفتر  مباشرة  لموسكو، على موقعه الرسمي على الانترنت “جاهزون وعلى النصر مصممون”، في مؤشر على أن حفتر قد يواصل هجومه.

بصيص أمل

ولكن يبقى بصيص أمل وطوق نجاة أخر يتمثل في مؤتمر برلين الأحد المقبل، والذي قد يشكل خارطة طريق مستقبلية حال نجحت ألمانيا، بقيادة المستشارة أنجيلا ميركل، في توفيق أوضاع الفرقاء الليبيين، وجمعهم على طاولة مفاوضات مباشرة وجهًا لوجه.

فهل يخرج مؤتمر برلين باتفاق يسمح بتشكيل انتخابات في ليبيا، والتوصل لحكومة واحدة وبرلمان واحد ينهي الصراع؟، أم أن مستقبل ليبيا سيدخل في نفق غموض مظلم لا يعلم أحد أين سينتهي، ومتى وكيف يمكن الخروج منه؟.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى