تقارير

محور الممانعة والمقاومة.. يمانع ماذا؟.. ويقاوم من؟!

أحمد الغـر

“محور المقاومة والممانعة” هو أحد التحالفات التي تحمل مسميات زائفة، ولا زالت إيران وحلفاؤها يتمسكون به، وقد دأب هذا المحور منذ تأسيسه على إدعاء مقاومة الكيان الإسرائيلي والمخططات الأمريكية في المنطقة، وأضفى صبغة دينية على مساعيه ليكسب تعاطف شعوب المنطقة، وادعى دومًا مناصرة القضية الفلسطينية.

لكن مع التدقيق في ممارسات ومواقف أطراف هذا المحور، سنجد أنها تتعارض تمامًا مع الأهداف التي يتشدق بها من ينتمون إليه، ومن هنا يبرز تساؤل مهم: هذا المحور.. يمانع ماذا؟، ويقاوم من؟

اسم على غير مسمى

تعرّف الموسوعة الحرة “ويكيبيديا” “محور المقاومة والممانعة” باختصار على أنه “اسم أطلقته على نفسها الدول التي تعارض السياسة الأمريكية في العالم العربي، وتؤيد حركات التحرر الوطني العربية.

وهذا المحور مؤلف من دول هي سوريا وإيران وعدة حركات مثل حزب الله في لبنان، والميليشيات الشيعية في العراق، وحركة الحوثيين في اليمن.

لكن ثمة مسألتين بخصوص هذا التعريف، أولهما أن هذه الدول والميليشيات لا تعارض السياسة الأمريكية تمام المعارضة. ودون أن نغوص في أعماق كتب التاريخ لنثبت ذلك، يكفينا أن نستشهد بالتصريحات وحالة الود بين مسئولي النظام الإيراني والمسئولين الأمريكيين والأوربيين خلال فترة إتمام الاتفاق النووي عام 2015م.

أما المسألة الأخرى فهي أن المحور يعارض التحرر الوطني، ويقف بشراسة في وجه الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة، وهذا لا يحتاج إلى كثير من الأمثلة، يكفي أن نرى ما أحدثه نظام الأسد وبمساعدة من إيران وحزب الله في سوريا، أو ما يفعله الحوثيون في اليمن.

البحث عن قضية

وحتى تأخذ المقاومة معناها، كان لابد للمحور المزعوم من قضية كبرى يعتمد عليها، قضية حق أرادوا بها باطلاً، فجعلوا من القضية الفلسطينية قضيتهم، واعتبروا محاربة إسرائيل هي همهم الأكبر، وبالفعل قاموا بذلك على أكمل وجه، ليس أمام عدسات الإعلام وعبر منصات الخطابة الجماهيرية فحسب، بل اتخذ قادة هذا المحور من الشعارات سبيلاً لدغدغة عواطف الشعوب واستغفالهم، وذر الرماد بالعيون حيال موضوع المقاومة، بينما بنادقهم ومدافعهم لم تصوب نحو الكيان الصهيوني بقدر ما وجهوها نحو مسلمي المنطقة الآمنين.

والكثير من الدلائل على ذلك موثقة، منها ما كتبه سفير الولايات المتحدة في إسرائيل إبان الحرب الإيرانية العراقية حيث قال: “تلقت إسرائيل مرارًا طلبات إيرانية لشراء الأسلحة خلال فترة الحرب، ووافقت الحكومة الإسرائيلية على الكثير منها”.

وقد ورد أن وزير الخارجية الأمريكي في حكومة ريجان “الكساندر هيغ” قد أبلغ نظيره الإسرائيلي بالموافقة على بيع أجزاء من الطائرات الحربية لإيران، وفي بعض التقديرات فإن مجموع ما أخذته إيران يقارب 80% من أسلحتها من إسرائيل طوال سنوات الحرب.

ناهيك عن التبادلات العسكرية بين إيران من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى في فضيحة “إيران كونترا” الشهيرة.

المحور الشيعي

مما لا شك فيه أن هذا المحور له دور كبير في عملية تشييع المنطقة، وهو ما يجعل منه محورًا طائفيًّاً بامتياز، وليس خفيًا على أحد المشروع التوسعي الخاص بإيران، والذي عملت من أجله لعقود كي تضمن له التمدد والنفوذ، فأشعلت الحرائق في العراق ودعمت مليشيات شيعية تابعة لها، سياسيًا وعسكريًا، كي تتسيد الموقف هناك، ومدت براثنها نحو لبنان عبر ميليشا حزب الله،

وعبثت بالهدوء في البحرين عبر دعم المكون الشيعي لتأجيج الاستقرار، وشوّهت المشهد السياسي في اليمن من خلال دعم الحوثيين، وأضرمت النيران في سوريا ولا أحد يعلم متى ستنطفئ، ومتى سيتوقف نهر الدم المنهمر فيها.

وفي أكثر مناسبة لا يتوانى القادة الإيرانيون عن التصريحات الطائفية لتأزيم العلاقة بين السنة والشيعة في دولنا، وهدفهم نشر الفتنة وإثارة القلاقل، خاصة في دول مجلس التعاون الخليجي.

فقبل أعوام؛ دعا “حسن نصر الله” في أحد خطاباته المتلفزة، الشيعة في مملكة البحرين إلى التظاهر ومواصلة الاحتجاجات في كل أنحاء البلاد ضد السلطات الحاكمة، وفي العام الماضي ظهرت مطالبات إيرانية لبشار الأسد بأن يتم حذف جميع المواد الدراسية المنسوبة لعلماء السنة، وضرورة افتتاح مدارس شيعية بدعم حكومي.

تصدير الثورة

قبل 40 عامًا، عندما عاد “آية الله الخميني” من منفاه في فرنسا إلى إيران، معلنًا عن أولى تباشير الدولة الإيرانية الجديدة بعد نهاية نظام الشاه، كان يبشر أيضًا بثورة دينية في منطقة الشرق الأوسط، اهتم نظامه لاحقًا بتصديرها إلى الخارج، معتمدًا في البداية على آليات مذهبية، وهو ما أجّج التوتر بين الدولة الإيرانية وبين عدد من دول المنطقة، خاصة التي يكثر فيها المكون السني.

لم يكذب “خامئني” حين قال يومًا: “نحن لا نصدر ثورتنا بالقوة، نحن نعرضها كهدية”، فإيران تنفق المليارات سنويًا كدعم لبعض الدول والمنظمات والحركات والميليشيات، كما ألغت تأشيرات الدخول لأراضيها لشعوب بعض الدول لجلب أرجلهم إليها، يقولون إن ذلك بداعي السياحة، لكن ما خفي كان أعظم!

ولا تدخر طهران جهداً لنشر التشيع وأفكار ثورتها، يبدأ الأمر سرًا، أو علنًا، من خلال جمعيات خيرية وإغاثية ثم تتشكل كتلة حرجة تتمكن لاحقًا من فتح حسينيات ومراكز دينية وثقافية ومراكز تدريس ومكتبات شيعية ومنح دراسية بالجامعات الإيرانية، فيصبح لإيران موطئ قدم وأتباع وأنصار تابعين للولي الفقيه، حيث ترى إيران نفسها وصيًا شرعيًا على شيعة العالم.

دويلة داخل دولة

حزب الله اللبناني، والذي قُدِمَ كمثال للمقاومة، هو في حقيقته مثالاً للطائفية، يعبث بأمن واستقرار لبنان، ويعطل العملية السياسية فيه كلما حان لهذا البلد الصغير أن يستقر، يتذرع الحزب بأنه يقاوم ويحمي الجنوب اللبناني، وفي حقيقته يجلب الخراب للبنان وينشر الفتنة، وامتدت براثنه إلى سوريا، حيث يشارك في قتل الشعب السوري.

فهمت إيران مبكراً أن اللغة السائدة في المنطقة هي لغة السلاح، فدعمت بذلك ميليشات مسلحة في أكثر من بلد، حيث سعت هذه الحركات إلى إحكام قبضتها على المجال المسلح، ما مكنها من دور أكبر في المجال السياسي، وأبرز النماذج على ذلك هو نموذج حزب الله اللبناني، فهو المنظمة الوحيدة التي لم تسلم سلاحها بعد نهاية الحرب الأهلية سنة 1990، بل إنها مازالت تهرب سلاحا من الخارج.

اختطف دويلة حزب الله الدولة اللبنانية، ووضع الحواجز أمام کل مبادرة لرئيس الحكومة اللبنانية “سعد الحريري”، وفوق کل هذا يصر الحزب علی الاحتفاظ بالسلاح، مما يتعارض مع احترام سيادة المؤسسات الرسمية.

وطبقا لبعض التقديرات فإن الدعم الإيراني يشكل نسبة 70 – 80% من ميزانية حزب الله التي تبلغ قرابة 700 مليون دولار، وهذه الأرقام ليست ثابتة نظرًا إلى انعدام الشفافية، لكن الحزب عمل على مدار العقدين الآخرين لتنويع مصادر تمويله

وهدفت تلك الخطوة إلى منح الحزب قدرا من المرونة في الأوقات العصيبة التي يصعب فيها تحويل الأموال الإيرانية إليه تحت وطأة العقوبات.

وقد صنّفت الحكومة الأمريكية الحزب على أنه منظمة إرهابية عام 1997، وتم وضعه على قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية، وعلى قائمة وزارة الخزانة للكيانات الإرهابية العالمية، وفى 2013م أعادت وزارة الخزانة إدراجه ضمن قائمتها السوداء بسبب دعمه لنظام الأسد وزعزعته للأمن والاستقرار في سوريا.

الأسد.. المقاوم المسالم

في سوريا؛ نجد “بشار الأسد”، الممانع والمقاوم، لم يطلق رصاصة واحدة صوب الجولان، منذ أن تولى الحكم وحتى الآن، للدرجة التي باتت توصف تلك الجبهة بالمنطقة النائمة، حيث لم تشهد أي توتر أو قتال مؤثر منذ استيلاء إسرائيل على الجبهة في حرب يونيو 1967م.

وكان هذا الهدوء والتخاذل لتحرير الجولان دافعاً للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” أن تعترف إدارته بالسيادة الإسرائيلية على هذه الهضبة، بل وتمادى الأمر عندما دشن قبل أيام قليلة رئيس وزراء الكيان الصهيوني “بنيامين نتنياهو” مستوطنة في مرتفعات الجولان باسم “رامات ترامب” تكريما لمبادرات ترامب تجاه إسرائيل، في حين صرح “عاموس جلعاد” رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الإسرائيلية، بتاريخ 16 نوفمبر 2011م، حيث قال: “إن سقوط نظام بشار الأسد سيترتب عليه حدوث كارثة تقضي على إسرائيل”.

ومن المفارقات، أن نجد مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية، “حسين أمير عبداللهيان”، يعلن صراحة: “أن سقوط نظام بشار الأسد في سوريا يمثل تهديدًا لأمن إسرائيل”.

ازدواجية المعايير

ثمة تناقض غريب وتضارب مثير في مواقف وتصريحات قادة المحور المزعوم للمقاومة والممانعة، فعلى سبيل المثال، نجد أن إيران كانت ومازالت ترفض التدخل الأمريكي في سوريا، بينما لم تمانع التدخل الأمريكي في العراق، بل حثت عليه ذات يوم عندما كان ذلك لصالح حليفها نوري المالكي، فازدواجية إيران والمنتمين لمحورها في التعامل مع أمريكا فضحها علنيةً.

إن انكشاف المعايير المزدوجة لهذا المحور قد أنهت حقبة العداء الشعاراتي والدعاية العدائية الوهمية بين أطراف المحور ومن يدعي أنهم أعداؤه، وهم في الواقع يمررون مشاريعهم التوسعية ويسعون لتحقيق مصالحهم وإستراتيجياتهم، لقد سقطت كل أوراق التوت عن هذا المحور، ولم يعد هناك ما يستر عورته، حتى اسمه.. لم يعد له نصيب منه.

تعليق

إقرأ أيضاً

زر الذهاب إلى الأعلى